كتب اسماعيل جمعه الريماوي : اتفاق غزة بين عجز اللاعبين ووهم المتفرجين… نتنياهو يمسك بخيوط المنطقة

المسار : في لحظة إقليمية مشحونة بالدم والرماد، يظهر بنيامين نتنياهو وكأنه الحاكم الفعلي للمنطقة، ليس لأنه يمتلك شرعية سياسية أو قوة استراتيجية خارقة، بل لأنه يتحرك في فراغ صنعته تناقضات العالم وصمت الوسطاء وتواطؤ الحلفاء، يتصرف نتنياهو بثقة زائفة تجعله يضرب في كل مكان، في غزة ولبنان وسوريا، وكأنه لا يرى أحدا ولا يخشى حسابا، فهو يدرك أن حكومته مهددة وأن الضغوط الداخلية تكبر يوما بعد يوم لإجباره على تشكيل لجنة تحقيق حقيقية في أحداث السابع من أكتوبر، تلك اللحظة التي أطاحت بصورة جيشه الذي لا يُقهر ووضعت إسرائيل أمام مرآة عارية لأول مرة منذ عقود، لكن نتنياهو، الذي لا يتحمل مواجهة الحقيقة، يسعى بكل ما أوتي إلى تشكيل لجنة شكلية منزوعة الصلاحيات، مجرد واجهة فارغة تستهلك الوقت وتخدع الرأي العام، لذلك يهرب إلى الأمام ويبحث عن معركة جديدة تخفي هزيمته البنيوية في الداخل.

وحين يهرب نتنياهو لا يجد سوى غزة ليعود إليها، فالحرب هناك بالنسبة له ليست مجرد معركة عسكرية، بل هي ملجأ سياسي وبوابة للهروب من المساءلة، لذلك يستعيد آلة الإبادة والتهجير ويغذيها بكل ما يستطيع، كأن الدم الفلسطيني هو الوحيد القادر على حماية مستقبله السياسي، وفي الوقت ذاته يواصل قرع طبول التصعيد على حدود لبنان عبر القصف اليومي ومحاولات استفزاز المقاومة، فهو يعرف أن اتساع الجبهة يشغله عن لجان التحقيق، ويُشغل العالم عن فوضى حكومته وعن أزماته القانونية والشخصية.

اما الوسطاء الذين يتدخلون في مفاوضات اتفاق غزة والذين احتفلوا بانجازاتهم متفاخرين بوقف الحرب على غزة كما يعتقدون فوقفوا عاجزون تماما أمام هذا المشهد، ليس لأنهم ضعفاء، بل لأنهم يصرون على التوسط بين ضحية ومعتدٍ يملك حق النقض الأخلاقي والسياسي على كل شيء، وانهم لم يستطيعوا إيقاف نتنياهو ولن يستطيعوا لأنهم يتعاملون مع رجل يعرف أن أحدا لن يفرض عليه شيئا، فكيف سيقنعونه بوقف العدوان وهو الذي يرى نفسه فوق كل اتفاق وفوق كل التزام.

والأدهى أن الطرف الأمريكي، والراعي المعلن للاتفاق، لم يعد مجرد وسيط منحاز، بل تحول إلى طرف أصيل يقاتل سياسيا وعسكريا إلى جانب إسرائيل، فهو لا يحمي الاتفاقات، بل يحمي منتهكيها، ويواصل فتح جسر جوي من الأسلحة كأن هناك شئ يحضر للمنطقة ، أو كأن واشنطن تريد لنتنياهو أن يبقى منتصبا حتى لو انهار الشرق كله من تحته.

وهكذا يتشكل مشهد يبدو فيه نتنياهو سيد اللحظة لا سيد المنطقة فقط، بل سيد فراغ إقليمي صنعه القتل والإبادة، فيما تقف العواصم عاجزة والوسطاء بلا أوراق والولايات المتحدة تجلس على طاولة المفاوضات وفي يدها سلاح مفتوح يمنح للقتلة، وما بين هذا كله يبقى الفلسطيني وحده من يدفع الثمن ويواجه العاصفة بعزيمة لا تملكها جيوش العالم.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر المسار

Share This Article