كتب وسام زغبر: الحرب على غزة… حين يصبح الدمار أكبر مُسرِّع لتغيّر المناخ

المسار : بينما يجتمع قادة العالم في البرازيل ضمن فعاليات قمة المناخ COP30 لمناقشة سياسات خفض الانبعاثات ومستقبل الطاقة النظيفة، تكشف دراسة مناخية حديثة عن حقيقة صادمة: 24 شهراً من الحرب الإسرائيلية على غزة أنتجت انبعاثات كربونية تفوق ما تصدره سنوياً مئة دولة كاملة.

هكذا تتحول غزة، المدينة المحاصرة والمجروحة، إلى واحدة من أكبر ضحايا اختلال المناخ الدولي—والمفارقة أن مناخها ذاته يُدمَّر الآن بالحرب ذاتها.

الحرب بوصفها كارثة مناخية صامتة

توضح الدراسة أن الكلفة المناخية طويلة المدى لتدمير القطاع وإعادة إعماره تجاوزت 31 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون. هذا الرقم الفادح لا يعكس مجرد انبعاثات عابرة، بل يشكّل بصمة كربونية سترافق غزة لعقود مقبلة، بدءاً من إعادة بناء عشرات آلاف الوحدات السكنية، مروراً بإصلاح البنى التحتية المحطمة، وصولاً إلى تشغيل آلاف المعدات الثقيلة اللازمة لرفع الركام وإعادة إعمار ما أُزيل.

لكن الوجه الأخطر يكمن في الرقم الأكثر دلالة:

أكثر من 99% من هذه الانبعاثات مصدرها القصف والاجتياح البري الإسرائيلي.

وحدها الدبابات والذخائر الثقيلة أطلقت 50% من إجمالي الانبعاثات، ما يعني أن آلة الحرب باتت، بحد ذاتها، واحداً من أكثر مصادر التلوث فتكاً وتأثيراً في المناخ.

84 محطة غاز… أو 2.6 مليار هاتف ذكي

لتقريب الصورة، تعادل الانبعاثات الناتجة عن حرب غزة تشغيل 84 محطة طاقة تعمل بالغاز لسنة كاملة، أو شحن 2.6 مليار هاتف ذكي. هذه المقارنات ليست للاستهجان فقط، بل لتذكير العالم بأن الحروب—خصوصاً تلك الممتدة—تتحول إلى مصانع مفتوحة للكربون، دون سقف، ودون أي التزام دولي يحدّ منها.

فبينما تُحاسب الدول على انبعاثات مصانعها ومواصلاتها وقطاعاتها الزراعية، لا يوجد أي إلزام أممي للكشف عن الانبعاثات العسكرية الإسرائيلية. هذه الفجوة القانونية تجعل أثر الحروب البيئي «متوارياً» خلف الضجيج السياسي، رغم أنه أحد أسرع عوامل تسخين الكوكب اليوم.

مناخ غزة… جرح إضافي في جسد مثقل بالكوارث

إن غزة اليوم لا تتلقى فقط الضربات العسكرية الإسرائيلية، بل تتحمل أيضاً أعباء جرح مناخي جديد. فالانبعاثات المركزة ستفاقم جودة الهواء، وتؤثر على الصحة العامة، وتزيد من هشاشة النظام البيئي الساحلي، فيما يعيد العالم تدوير خطاباته عن “العدالة المناخية” و“حماية الشعوب الأكثر عرضة للخطر”.

لكن أي عدالة مناخية تُطرح بينما تُحوَّل مدينة محاصرة إلى مختبر مفتوح للانبعاثات القاتلة؟

وأي مؤتمر دولي للمناخ يمكن أن يتجاهل أن دولة واحدة تسببت—خلال عام وربع من الحرب—في تلوث يفوق مئة دولة؟

بل كيف يمكن الحديث عن مستقبل أخضر بينما يُترك أثر الحروب خارج دفاتر المحاسبة الدولية؟

المناخ ليس محايداً تجاه الحرب

لقد أثبتت حرب غزة أن المناخ ليس ضحية صامتة فقط، بل شاهد على غياب العدالة الدولية.

فلا يمكن للعالم أن يواصل الحديث عن خفض الانبعاثات بينما يسمح بانبعاثات “عسكرية” تفوق قدرة بعض الدول النامية مجتمعة، ولا يمكن لقمة المناخ أن تدّعي الجدية إذا لم تفتح ملف الانبعاثات الناتجة عن الحروب والاحتلالات، وتضعها ضمن إطار قانوني ملزم.

حين تتلوث سماء غزة، لا يتلوث الهواء فقط… بل تتعرى منظومة القيم العالمية.

وما لم يتحمّل المجتمع الدولي مسؤوليته، ستبقى الكارثة مضاعفة: حرب تقتل البشر، وملوثات تقتل ما تبقى من الحياة.

كتب … وسام زغبر

عضو الأمانة العامة لنقابة الصحفيين الفلسطينيين

Share This Article