الحفاظ على المال العام وتعزيز النزاهة ركيزة لصمود المجتمع الفلسطيني
على الرغم من أن أداء الواجب لا يستوجب الشكر، فإن الإشادة بالخطوات الوطنية الجادة في مكافحة الفساد تبقى واجباً أخلاقياً ومجتمعياً، خصوصاً حين تأتي في سياق تعزيز ثقة المواطنين بمؤسسات دولتهم، فمكافحة الفساد ليست مجرّد إجراء إداري أو استجابة ظرفية، بل هي منهج وضرورة وطنية لحماية مقدرات الوطن وصون كرامة المواطن، وترسيخ مبدأ العدالة والمساءلة كأساس للحكم الرشيد.
لقد اعتاد العالم العربي، مع الأسف، على مشهد يتصدره من يسارعون إلى مدح كل مسؤول على رأس عمله طمعاً في المكاسب والمغانم الشخصية، دون أن يكون لهم إسهام حقيقي في بناء الدولة أو حماية مصالحها العامة، هذه الممارسات تضعف ثقة الناس بالمؤسسات وتخلق فجوة بين السلطة والمجتمع، وهو ما لا يمكن تجاوزه إلا من خلال إصلاح حقيقي وشامل يضع المصلحة العامة فوق أي اعتبار شخصي أو فئوي.
وفي هذا الإطار، فإن الإجراءات الأخيرة التي تم اتخاذها في كشف بعض ملفات الفساد داخل بعض مؤسسات القطاع العام والهيئات شبه الحكومية، تمثل خطوة جادّة ومحل تقدير واحترام، ونوجّه الشكر للقيادة الفلسطينية، وعلى رأسها الرئيس محمود عباس، على هذه الجهود التي تعكس إرادة سياسية واضحة لتصويب المسار وبناء جهاز إداري نظيف وفعّال يقوم على الكفاءة والشفافية.
إن استمرار هذه الخطوات وتوسيعها لتشمل جميع المستويات الوظيفية دون استثناء، هو ما يعزز الثقة بين المواطن والسلطة، ويضمن أن لا يبقى صغار الموظفين وحدهم من يدفعون ثمن الأخطاء أو يتحملون مسؤولية ممارسات ربما تتجاوزهم، فالمساءلة يجب أن تكون شاملة ومنصفة، تطال الجميع وفق القانون، وتستند إلى معايير العدالة والشفافية، بعيداً عن الانتقائية أو الاعتبارات الشخصية.
وفي الوقت ذاته، ينبغي أن يتم التفريق بين الخطأ الإداري الذي يمكن معالجته عبر مؤسسات الرقابة والمساءلة، وبين الفساد المقصود الذي يتطلب الحزم والمحاسبة، فبحسب تعليمات ديوان الرقابة المالية والإدارية الفلسطيني، فإن الديوان يهدف إلى تعزيز مبادئ النزاهة والشفافية والمساءلة في إدارة المال العام، من خلال الرقابة المسبقة واللاحقة على الأداء المالي والإداري، والعمل على تصويب الأخطاء الإدارية ضمن إطار الإصلاح لا العقاب، بما يضمن رفع الكفاءة وتحسين الخدمة العامة.
بينما قانون مكافحة الفساد الفلسطيني رقم (1) لسنة 2005 وتعديلاته، ينصّ بوضوح على أن مكافحة الفساد تهدف إلى صون المال العام، وترسيخ مبادئ الحكم الرشيد، وضمان المساءلة والمساواة أمام القانون، ويؤكد القانون على استقلال هيئة مكافحة الفساد وحقها في متابعة جميع قضايا الفساد دون تمييز، بما يشمل كبار المسؤولين في المناصب العليا، وحيث تقع شبهة الفساد حتى في الهيئة ذاتها لضمان العدالة وسيادة القانون.
إن تعزيز النزاهة والشفافية في فلسطين يجب أن يكون نهجاً مستداماً ومنهجياً، لا موسمياً يخضع للضغوط أو الإملاءات الخارجية. فحماية المال العام ليست ترفاً، بل واجب وطني يعزز صمود الشعب الفلسطيني، ويؤسس لمستقبل تسوده العدالة والمواطنة المتساوية، ويجعل من مؤسسات الدولة نموذجاً يحتذى به في الانضباط، والالتزام بالقيم الوطنية، والإدارة الرشيدة للموارد العامة.
بقلم: إبراهيم ذويب محامي ومحاضر جامعي 20/11/2025
جميع المفالات تعبر عن وجهة نظر كاتبها

