الصحافة العبرية… الملف اليومي الصادر عن المكتب الصحافي التابع للجبهة الديمقراطية

 افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

معهد بحوث الأمن القومي (INSS) 21/11/2025 

تركيا ليست إيران، لكنها تُشكّل تهديدًا

بقلم: غاليا ليندنشتراوس

في الخطاب العام الإسرائيلي، ازدادت خلال العام الماضي تصريحاتٌ تُحاكي “تركيا هي إيران الجديدة”. يُثير هذا التصريح إشكاليةً لأنه يُقلل من شأن التهديد الإيراني، الذي لا يزال قائمًا، وتربط إسرائيل وتركيا علاقات دبلوماسية وتعاون استخباراتي، وإن كان محدودًا. إضافةً إلى ذلك، تركيا عضوٌ في حلف شمال الأطلسي (الناتو) ولها علاقات وثيقة مع الغرب، ولا توجد أي مؤشرات على سعيها لإنشاء شبكة وكلاء ضد إسرائيل. مع ذلك، تُشير هذه التصريحات إلى مخاوف إسرائيل من أنقرة في عدة مجالات. يتعلق معظمها بالتواجد التركي المتزايد في سوريا بعد سقوط نظام الأسد، وكذلك تأثير تركيا على الترتيبات في غزة بعد وقف إطلاق النار، خاصةً إذا رافق ذلك وجود عسكري ضمن قوة حفظ السلام الدولية في القطاع. ومن المجالات التي قلّ الحديث عنها مؤخرًا، والتي تنطوي أيضًا على احتمالية حدوث خلاف، شرق البحر الأبيض المتوسط، حيث تستفيد تركيا من ميزة أسطولها البحري. إلى جانب ذلك، يُقلق التعزيز العسكري التركي (الذي يُعززه أيضًا تعزيز مكانة تركيا في واشنطن وعواصم غربية أخرى)، والخطاب اللاذع الصادر عن أنقرة، إسرائيل أيضًا.

في قطاع غزة، تنبع المشكلة الجوهرية بين البلدين من أن استمرار وجود حماس في “اليوم التالي” كلاعب رئيسي (حتى لو كان خلف الكواليس) يُمثل هدفًا محوريًا بالنسبة لأنقرة. طوال الحرب، عارضت إسرائيل لعب تركيا دورًا هامًا في تسوية غزة. ونبعت المعارضة الإسرائيلية من إدراكها أن تركيا من داعمي حماس (إلى جانب قطر)، ومن عدم وجود دليل على أن أنقرة تُعيد النظر في دعمها لحماس بعد مذبحة 7 أكتوبر/تشرين الأول – بل على العكس، صرّح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عدة مرات بأن حماس منظمة “مقاومة” وليست منظمة إرهابية.

اتسمت تصريحات تركيا خلال الحرب بانتقادها الشديد لإسرائيل، حتى بالمقارنة مع دول أخرى انتقدت إسرائيل بشدة. في نهاية شهر رمضان، في مارس 2025، لعن أردوغان “الله يدمر إسرائيل الصهيونية” – وهو تصريحٌ دلّ على نزع الشرعية عن وجود إسرائيل بحد ذاته، ولم يعد استثناءً في الخطاب التركي. في الواقع، تكتسب هذه النبرة زخمًا متزايدًا. انضمت تركيا في أغسطس 2024 إلى دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي بتهمة الإبادة الجماعية. إضافةً إلى ذلك، في 7 نوفمبر 2025، أصدر مكتب المدعي العام في إسطنبول أوامر اعتقال بحق 37 مسؤولًا إسرائيليًا رفيع المستوى، من بينهم رئيس الوزراء، ووزير الدفاع، ووزير الأمن القومي، ورئيس الأركان، بتهمة ارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، وإبادة جماعية.

في الواقع، لعبت تركيا دورًا هامًا في الضغط على حماس للموافقة على وقف إطلاق النار في أكتوبر، وإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لديها. وهكذا، في “قمة السلام” التي عُقدت في شرم الشيخ، تحدث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن أردوغان قائلًا: “إنه دائمًا موجود عندما أحتاج إليه”. يرى ترامب في أردوغان شخصيةً قادرةً على حل مشاكل الشرق الأوسط و”إنهاء الحروب”. ويعزو نجاح إطلاق سراح جميع الرهائن أحياءً، من بين أمور أخرى، إلى جهود الرئيس التركي في هذا الصدد.

أنقرة، من جانبها، تشعر بأهمية تدخلها في غزة. سافر أردوغان إلى قمة السلام في شرم الشيخ، وكان أحد الموقعين الأربعة على الاتفاق الذي وُقّع في ختامها. بعد أيام قليلة من دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، عيّنت أنقرة “منسقًا للمساعدات الإنسانية إلى فلسطين”، وهو رئيس سابق لوكالة الإنقاذ التركية وشغل أيضًا منصب سفير. وقد بدأت منظمات الإغاثة التركية بالفعل بعرض صور لأفرادها وهم يحملون الأعلام التركية، ويساعدون في إزالة الأنقاض، وإيصال المساعدات الطبية، وتوزيع الطعام في غزة. بالإضافة إلى ذلك، أكد أردوغان أن الخيام غير كافية، وأنه يجب نقل حاويات الشتاء التي استخدمها الأتراك الذين تضررت منازلهم في زلزال فبراير 2023. منذ وقف إطلاق النار، استضافت تركيا مؤتمرًا لوزراء خارجية الدول العربية والإسلامية، تناول تنفيذ المرحلة الثانية من خطة ترامب المكونة من عشرين نقطة، كما عُقدت لقاءات علنية بين ممثلي حماس ووزير الخارجية التركي ورئيس جهاز المخابرات التركي. ورغم معارضة إسرائيل القاطعة لمشاركة جنود أتراك في قوة الاستقرار الدولية المتوقع تشكيلها في غزة، لا يمكن القول إن الفكرة قد تم التخلي عنها، وقد أفادت الصحافة أن تركيا تُخطط بشكل ملموس لإرسال حوالي ألفي جندي إلى القطاع.

على الساحة السورية، ينصبُّ القلق الإسرائيلي الرئيسي على الوجود العسكري التركي في وسط وجنوب سوريا، بالإضافة إلى القيود المفروضة على نشاط القوات الجوية في المجال الجوي السوري. وبينما بدأ الوجود العسكري التركي في شمال سوريا مع العمليات العسكرية هناك عام 2016 لم تتحقق طموحات أنقرة في بقية سوريا إلا بعد الإطاحة بالأسد في ديسمبر 2024. ولو اعتمدت أنقرة وحدها على سوريا، لكانت قد أُنشئت قواعد عسكرية هناك بالفعل، لكن سلوك الرئيس السوري بشار الأسد، الذي يسعى إلى تنويع قاعدة دعمه، والنشاط الوقائي الإسرائيلي، ساعدا حتى الآن في صد هذه النوايا التركية. وفيما يتعلق بالاستثمارات الاقتصادية المتوقعة في سوريا، ثمة قلق من أن بعض طرق التجارة والطاقة التي تسعى تركيا إلى الترويج لها هناك من المتوقع أن تتجاوز إسرائيل بطريقة قد تُعرِّض المشاريع التي قد تكون إسرائيل مهتمة بها للخطر، مثل تلك المتعلقة بتطوير ممر الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC). إلى جانب المخاوف بشأن السلوك التركي، تجدر الإشارة إلى أن التطورات في الساحة السورية تُظهر أن تركيا وإسرائيل تخشيان نشوب صراع جوي بينهما. إن استعداد الطرفين للتحرك عبر “خط ساخن”، الذي أُنشئ عقب محادثات بين مسؤولين أتراك وإسرائيليين في باكو (بتشجيع أمريكي)، يُشير بوضوح إلى أن الطرفين لا يزالان حذرين من الصراع المباشر. علاوة على ذلك، من المتوقع أن يُسهم التقدم الذي أحرزته إسرائيل وسوريا نحو إبرام اتفاقية أمنية في تهدئة الأوضاع في الساحة السورية، بما في ذلك بين إسرائيل وتركيا.

في شرق البحر الأبيض المتوسط، برزت التوترات بين إسرائيل وتركيا بشكل خاص خلال العام الماضي في ساحتين – إحداهما قبرص والأخرى مسألة الأساطيل المتجهة إلى قطاع غزة. وفيما يتعلق بقبرص، أثار نشر نظام الدفاع الجوي “باراك إم إكس”، الذي تم شراؤه من إسرائيل، في سبتمبر/أيلول، ردود فعل سلبية في تركيا، حتى أن البعض قارن الوضع بالأزمة التي اندلعت بين البلدين عندما اضطرت قبرص إلى تسليم نظام إس-300 الذي اشترته من روسيا إلى اليونان عام 1997 بضغط من تركيا. رافقت مسألة الأساطيل العلاقات الإسرائيلية التركية منذ أحداث مافي مرمرة عام 2010. شارك أعضاء البرلمان التركي في أسطول “الربط العالمي” في أكتوبر، وصرح أردوغان للصحفيين بأنه يتابع عن كثب اللقطات التي التقطتها الطائرات التركية المسيرة التي رافقت الأسطول.

فيما يتعلق بالعلاقات التجارية بين البلدين، لم تُرفع المقاطعة الاقتصادية التي أعلنتها تركيا ضد إسرائيل في مايو 2024 بعد، بل كثفت تركيا جهودها من وقت لآخر، بما في ذلك بعد إعلان وقف إطلاق النار، لتطبيقها. ومع ذلك، استمرت البضائع في الوصول إلى إسرائيل طوال هذه الفترة عبر دول ثالثة وتجار فلسطينيين. ويشير استمرار حجم التجارة الكبير (في بعض الأشهر، وصل إلى نصف حجم التجارة قبل الحظر) رغم القيود إلى الاهتمام الكبير من جانب رجال الأعمال في كلا البلدين بالتبادل التجاري. أما في مجال الطيران، فبعد بدء الحرب بفترة وجيزة، أوقفت شركات الطيران في كلا البلدين رحلاتها إلى وجهات في البلد الآخر، ولم تُستأنف الرحلات منذ ذلك الحين.

إلى جانب بؤر التوتر المحددة بين تركيا وإسرائيل، لا يمكن تجاهل التعزيزات العسكرية التركية. حددت أنقرة ثلاث نقاط ضعف في جيشها، وتعمل جاهدةً على حلّها، لا سيما في ضوء الدروس المستفادة من حرب الـ 12 يومًا بين إسرائيل وإيران. ومن أبرز نقاط الضعف تقادم أسطول مقاتلات سلاح الجو التركي، والحاجة إلى شراء مقاتلات جديدة. في أكتوبر/تشرين الأول، وقّعت تركيا صفقة مع بريطانيا لشراء 20 طائرة يوروفايتر تايفون، وتستعد أيضًا لشراء حوالي 24 طائرة يوروفايتر تايفون مستعملة من الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان، وذلك للتغلب على مشكلة طول فترة تسليم الطائرات الجديدة. إضافةً إلى ذلك، تُحرز تركيا تقدمًا في مجال الدفاع الجوي، وتسعى جاهدةً لبناء نظام “القبة الفولاذية”. كما وسّعت تركيا بشكل كبير اللوائح المتعلقة ببناء الملاجئ في البلاد. وأخيرا، خلال حرب الأيام الاثني عشر، تحدث أردوغان عن حاجة تركيا إلى امتلاك صواريخ متوسطة وطويلة المدى لأغراض الردع، وأفادت الصحافة أن تركيا تعمل على بناء منشأة لاختبار الصواريخ في الصومال.

في الوقت نفسه، يُفيد النظر إلى العلاقات الإسرائيلية التركية ككل في فهم الصورة الحقيقية، إذ يُتيح لنا تمييز الجوانب التي لا تتعارض فيها مصالح الدولتين فحسب، بل تتكامل فيها أيضًا – على سبيل المثال، في منطقة القوقاز وفي سوريا ضد الوجود الإيراني.

لإسرائيل مصلحة في مشاركة الولايات المتحدة في تهدئة التوترات بينهما. في الواقع، من الواضح أن مشاركة الرئيس ترامب وكبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية وحدها هي التي يُمكن أن تُساعد في هذه المرحلة. في هذا الصدد، تُعد تصريحات السفير الأمريكي لدى تركيا والمبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، توم باراك، في حوار المنامة مهمة، إذ يعتقد أنه لن تكون هناك حرب بين إسرائيل وتركيا، وأنه سيكون هناك تعاون بين الدول من بحر قزوين إلى البحر الأبيض المتوسط. هذا على الرغم من أن هذا التصريح قد قُوبل بانتقادات في تركيا، ووُصف بأنه سوء فهم لما يحدث. على الولايات المتحدة أن تدرك أيضاً أن إسرائيل لن تتراجع عن معارضتها لنشر قوات عسكرية تركية في إطار قوة الاستقرار الدولية المُنشأة في غزة، نظراً لانعدام الثقة العميق بين البلدين.

وإلى جانب الولايات المتحدة، يجب على أعضاء الناتو الآخرين العمل على تخفيف التوترات بين إسرائيل وتركيا، سواءً علناً أو خلف الأبواب المغلقة. ذلك أن الفيتو التركي يمنع التعاون الحيوي بين إسرائيل وحلف الناتو، ويضر بالجهود المبذولة مع روسيا في سياق الحرب في أوكرانيا. كما يؤثر التوتر بين إسرائيل وتركيا على التوترات بين تركيا وقبرص، وبين تركيا واليونان، في ضوء تعزيز العلاقات بين هذه الدول الثلاث لأكثر من عقد منذ حادثة مافي مرمرة. على أي حال، يجب على الدول الغربية أن تُدرج التوترات بين تركيا وإسرائيل في اعتباراتها المتعلقة بمبيعات الأسلحة والتعاون الصناعي والأمني ​​مع أنقرة. ويجب على إسرائيل أن تواصل تعزيز علاقاتها مع الجهات الفاعلة التي تُشارك إسرائيل بعض مخاوفها بشأن تركيا، مثل الدول اليونانية والإمارات العربية المتحدة والهند.

يمكن للضغط الخارجي أن يُساعد في التعامل مع مطالبات الرأي العام في كل من إسرائيل وتركيا باتخاذ موقف صارم تجاه بعضهما البعض. على سبيل المثال، هناك صلة واضحة بين نتائج الانتخابات المحلية التي أجريت في تركيا في مارس 2024 (والتي كانت سلبية بالنسبة لأردوغان وحزبه) وفرض مقاطعة تجارية كاملة على إسرائيل بعد ذلك بوقت قصير. وعلى الرغم من أن رفع المقاطعة التجارية عن إسرائيل يمكن أن يكون، على سبيل المثال، خطوة لبناء الثقة بين تركيا وإسرائيل، إلا أنه يبدو أن رفع المقاطعة قد يكون له ثمن داخلي لأردوغان. وينطبق الشيء نفسه على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إذا سمح لتركيا بلعب دور محوري في إعادة إعمار غزة. وفي الوقت نفسه، فإن السعي التركي للمشاركة الواسعة في غزة هو بالتحديد ما يجب أن يحفز إسرائيل ويحفزها على أخذ زمام المبادرة، وعدم الانجرار وراءها، عندما يتعلق الأمر بإعادة إعمار القطاع وعودة الحياة هناك إلى طبيعتها.

——————————————-

هآرتس 21/11/2025

في الجيش يتحدثون عن احتمالية حدوث “أيام قتال” مع حزب الله

بقلم: عاموس هرئيلِ 

بعد اكثر من شهر على اتفاق وقف اطلاق النار، الذي انهى الحرب كما يبدو في قطاع غزة، فان وضع إسرائيل الإقليمي يشبه سطح مكتب الحاسوب الذي تم فيه ترك كل علامات التبويب مفتوحة. رغم الاتفاق الذي فرضه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على إسرائيل وحماس، ورغم الإنجازات العسكرية الواضحة في جبهات أخرى، الا انه لم يتم اغلاق أي شيء وبحق.

الإنجازات العسكرية لم تترجم الى اتفاقات سياسية ملزمة. بعد كمية السلاح الهستيرية التي اطلقتها والقتها إسرائيل في ارجاء المنطقة، الا ان معظم مشكلاتها الاستراتيجية بقيت على حالها. الأسلوب المحموم والمتناقض الذي تدار فيه السياسة الخارجية الامريكية، والقيود السياسية المفروضة على رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وخوفا مما يمكن ان يعتبره اليمين تنازل وضعف – كل ذلك يصعب على حل المشكلات التي ما زالت مشتعلة. يتجلى عدم اليقين وعدم الاستقرار العميق في كل مكان، الى جانب التراجع الواضح لتاثير إسرائيل في السياسة الامريكية في المنطقة.

العامل الكابح الرئيسي بقي هو الخوف المشترك، الذي تتقاسمه جميع الأطراف في الشرق الأوسط، من ردود فعل ترامب. الى جانب الرئيس جميعهم، حتى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي استقبل بحفاوة ملكية في البيت الأبيض في هذا الأسبوع، يفضلون الحذر. ايضا تحاول قطر وتركيا، المستفيدتان الرئيسيتان من تحركات ترامب في الأشهر الأخيرة، عدم اغضاب الرئيس. المشكلة هي ان الإدارة الامريكية نفسها ما زالت تعاني من فوضى هيكلية، تتارجح حسب اهواء ترامب وتفضيلاته الشخصية، وتتجلى قوة الرئيس في الشرق الأوسط خلافا لتقاعسه في مواجهة الرئيس الروسي فلادمير بوتين، وتتفوق قوته في المنطقة على أي انجاز حققه سلفه جو بايدن. ولكن الأمريكيين يواجهون سلسلة من المشكلات المستمرة، التي يبدو ان الإدارة ليس لديها أي فكرة عن كيفية التخلص منها.

الموضوع الملح الان هو لبنان وليس غزة. قبل بضعة اشهر كان ينظر الى لبنان على انه قصة نجاح أمريكية – إسرائيلية. وعلى النقيض تماما من هجوم حماس على غلاف غزة في 7 أكتوبر، فانه في الساحة الشمالية كانت إسرائيل هي التي بادرت واخطأ عدوها حزب الله في فهم نواياها. النتيجة كانت فشل عسكري كبير لحزب الله. في تموز – تشرين اول 2024 تم القضاء على معظم القيادة العليا في حزب الله، وعلى راسها حسن نصر الله. ويعتبر نائبه نعيم قاسم، الذي استبدله، شخصية شاحبة يصعب عليها تولي منصب القائد. أيضا تضررت القدرة العسكرية لحزب الله بشدة، والأكثر من ذلك هو ان الحكومة والجيش في بيروت، تحت إدارة جديدة، بتشجيع امريكي، ظهروا مستعدين لأول مرة لمواجهة حزب الله ومحاولة نزع سلاحه، على الأقل في المناطق الواقعة جنوب نهر الليطاني.

هذا الامل تلاشى في الصيف الأخير. حزب الله تبين انه عدو عنيد وذكي اكثر مما اعتقدوا في واشنطن. هذا الحزب لم يسارع الى الخضوع للضغوط، وفي هذه الاثناء استانف جهود التسلح وزاد حضور رجاله السري، أيضا جنوب نهر الليطاني. إسرائيل ردا على ذلك قامت بتصعيد القصف الجوي، اكثر من 350 مقاتل من مقاتلي حزب الله قتلوا في هذه الهجمات منذ وقف اطلاق النار في نهاية تشرين الثاني السنة الماضية. وتيرة الهجمات وحجمها ازداد في الأشهر الأخيرة. في هذا الأسبوع، بشكل استثنائي، قصف أيضا هدف لحماس في جنوب لبنان، في مخيم عين الحلوة للاجئين قرب صيدا، 14 فلسطيني قتلوا.

للوهلة الأولى كل الدلائل تشير الى تصعيد جديد قريب من الجانب الإسرائيلي. وقد بدأ الجيش الإسرائيلي بالفعل بالتحدث عن احتمالية “أيام قتال”، أي بضعة أيام من المناوشات المركزة مع حزب الله، في محاولة لانعاش جهود فرض القانون ضده. من الواضح ان الحزب سيدخل الى هذا الصراع وهو اضعف مما كان عليه في السابق، لكن قيادته قد تعتقد انه لا يوجد امامها خيار. ومن المستحيل التقليل من الضرر المعنوي الذي سيسببه مثل هذا التصعيد للجبهة الداخلية الإسرائيلية، في ساحة معظم الجمهور فيها توقف عن متابعة ما يحدث فيها يوميا.

في الخلفية لا يمكن تجاهل السلوك السياسي لنتنياهو. تبريره، الذي لا يخلو من المنطق، يعتمد على دروس 7 أكتوبر: إسرائيل لن تضبط نفسها مرة أخرى وتستوعب الأمور إزاء بناء القوة العسكرية لاعدائها، من اجل ان لا تقابل تنظيمات إرهابية نمت ووصلت الى حجم الجيش. ولكن يوجد لرئيس الحكومة كما يبدو اعتبارات أخرى، حيث الانتخابات تقترب.

نتنياهو بانتظام يطور الوعي بوجود عدو خارجي في الفترة التي تسبق الانتخابات: من ايران (دائما) ومرورا بحماس والسلطة الفلسطينية وانتهاء بداعش. في غزة، وربما في ايران أيضا، يديه مقيدة حاليا. الظروف الاقتصادية قاتمة جدا، وهو يفكر الان في إقرار قانون الاعفاء من الخدمة غير الشعبي. وفي هذه الحالة يقيده الحفاظ على اجندة امنية ثابتة في الفترة التي تسبق الانتخابات، حتى لو ذكر الناخبين بانه لم يتم انجاز أي مهمة عسكرية. نتنياهو ما زال يمكنه تقديم نفسه كحامي الوطن، وانه هو الذي هزم ايران وحماس (لنفترض ذلك). لم تبق الا مسالة صغيرة لحسمها في بيروت، ولكنه سيقول من الذي يمكن الاعتماد عليه غيره؟.

اذا وصلنا الى أيام قتال في لبنان، فان المعنى هو ان نتنياهو قد حصل على ضوء اخضر على ذلك من ترامب. لا يجب استبعاد إمكانية انه يوجد هنا استخدام ضغط علني بمصادقة أمريكية، بهدف تحقيق مرونة من قبل الحكومة اللبنانية.

في سوريا، واشنطن بحاجة الى كبح وهي تامل الدفع قدما بخطوات سياسية في القناة الإسرائيلية. رئيس الحكومة قام في هذا الأسبوع بزيارة مغطاة إعلاميا مع وزراء وضباط في المناطق التي احتلتها إسرائيل قبل سنة في هضبة الجولان وجبل الشيخ، بدون تفسير مقنع. هذا يبدو كمحاولة لتسخين هذا القطاع والتلميح للرئيس السوري احمد الشرع بانه لا يوجد حقا ما يدور الحديث عنه رغم التوقعات من واشنطن.

أيضا النافذة الإيرانية غير مغلقة حقا. بعد إنجازات حرب الـ 12 يوم في حزيران الماضي. لقد الحقت إسرائيل ضرر كبير بالنظام ومشروعه النووي، وحصلت على دعم امريكي كبير، وكسرت الحاجز النفسي الذي منعها من مهاجمة ايران لعقدين من الزمن. من جهة أخرى، يبدو ان المرشد الأعلى علي خامنئي لا يظهر أي نية للتخلي عن المشروع النووي، إسرائيل تشعر بالقلق من تجدد انشغال ايران بالبنية التحتية لتخصيب اليورانيوم، وتشعر بقلق خاص من الوتيرة السريعة لتعافي صناعة الصواريخ البالستية.

ايران ما زالت مكشوفة تماما امام الهجوم، إزاء الاضرار بمنظومة دفاعها الجوي. ازمة المياه الشديدة التي تصل الى درجة انقطاع التزويد لبضع ساعات في اليوم، تضع النظام في موقف محرج امام مواطنيه. ولكن اللمسة الأخيرة المطلوبة هنا هي أمريكية، وهي غائبة حتى الآن. وتتعلق بصياغة اتفاق نووي جديد يجدد الرقابة على تحركات ايران ويبقي النظام على مسافة آمنة من انتاج القنبلة النووية. في ظل غياب اتفاق فانه لا يوجد حديث عن اتفاق بعيد المدى في الملف النووي.

قواعد اللعب الجديدة تجسدت جيدا في لقاء ترامب وابن سلمان في هذا الأسبوع. في وسائل الاعلام الإسرائيلية نشر قبل اللقاء في واشنطن بخوف ان الرئيس من شانه ان يزود السعودية بطائرات اف35 المتقدمة مقابل الدفع قدما بالتطبيع مع إسرائيل (هكذا، المس بمبدأ ضمان التفوق العسكري النوعي لإسرائيل الذي حرصت كل الإدارات الامريكية عليه لخمسة عقود). تبين ان الامر ليس كما كانت تصرخ: ترامب مستعد بالفعل لبيع الطائرة للسعودية، لكن التطبيع غير مطروح على الاطلاق. ابن سلمان مستعد للمضي قدما في هذا الامر، نظريا، اذا تم تحديد مسار واضح لاقامة الدولة الفلسطينية في غضون خمس سنوات. ترامب مستعد لمنح ولي العهد هدايا أخرى، رغب فيها السعوديون جدا مثل حلف دفاع والموافقة على إقامة مشروع نووي مدني برعاية أمريكية. وهذا سيكون له ثمن أيضا، لكن ليس بالعملة التي تناسب إسرائيل.

الصداقة بين الرئيس الأمريكي ونتنياهو لم تضعف بالضرورة، بل هي ببساطة يتم وضعها في سياقها الحقيقي في ضوء الانبهار الذي تثيره ميزانيات دول الخليج اللامتناهية في ترامب. أوهام اليمين المسيحاني – السيادة في الضفة الغربية، التهجير، إقامة المستوطنات في غزة – تلاشت تماما. ترامب يستمع لنتنياهو، لكنه هو الذي يحدد القواعد، بالضبط مثلما فرض عليه انهاء الحرب في ايران في شهر حزيران وفي غزة في تشرين الأول.

قبل استكمال صفقة الرهائن الثالثة والأخيرة قدروا في “امان” انه سيكون من الصعب جدا اقناع حماس بالتنازل عن المخطوف الأخير الحي. عمليا، العشرين مخطوف الاحياء تم تحريرهم دفعة واحدة، وبعدهم تمت إعادة جميع الجثث باستثناء ثلاثة، (عدد اعلى بكثير مما كان امتوقعا)، رغم ان الولايات المتحدة وإسرائيل تستمران في الضغط على حماس من اجل العثور على وإعادة الثلاثة الباقين. ضابط رفيع في الجيش الإسرائيلي يقول بان السؤال هو كيف فعل ترامب ذلك، أي ما الذي وعدت به أمريكا، قطر والوسطاء الاخرين، حماس في المقابل؟ المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف سبق له والتقى مع وعانق الشخصية القيادية الرفيعة في حماس، خليل الحية، عشية الصفقة. الإدارة الامريكية الحالية تسمح لنفسها بتقديم بادرات حسن نية ودية لحماس مثلما لم تخطر ببال أي إدارة ديمقراطية في واشنطن.

مجلس الامن مرر في هذا الأسبوع صيغة قرار طلبه الامريكيون، صادق على تشكيل قوة الاستقرار الأمني في القطاع. بدون ان يكون لها خيار، إسرائيل أدخلت من الباب الرئيسي وجود اجنبي الى المناطق الفلسطينية، وهو تنازل حذر منه نتنياهو منذ التسعينيات. هذا ليس مجرد تدويل للنزاع، الذي في حالة نجاح مفاجيء له في القطاع سيكون هناك رغبة في استنساخه أيضا في الضفة الغربية. القرار أيضا يخلق علاقة جديدة بين القطاع والضفة الغربية، وهو توجه آخر حاول نتنياهو وقفه في اطار سياسة “فرق تسد”، التي اتبعها خلال سنين بهدف التفريق بين حماس والسلطة الفلسطينية واثارة النزاع بينهما. هذا يحدث، سواء بواسطة الاعتراف بالخطة الفرنسية – السعودية أو تبني خطة ترامب، التي تعطي السلطة الفلسطينية موطيء قدم في القطاع (مثلا معبر رفح، كما حدث لفترة قصيرة في وقف اطلاق النار في كانون الثاني الماضي) بدون ربط ذلك بالإصلاحات المسبقة.

القوة الدولية ما زالت لغز. الدول العربية والإسلامية ستوافق على ارسال القوات من اجل إرضاء الأمريكيين، لكنها في الوقت الحالي غير مستعدة في أي حال من الأحوال المخاطرة بشعبها داخل نصف قطاع غزة الذي تسيطر عليه حماس، حيث يتركز معظم السكان الفلسطينيين. لا احد في الشرق الأوسط يتطوع لنزع سلاح حماس: قد يكون الثمن باهظ على القادة، على جبهتهم الداخلية. لم تحل الإدارة الامريكية هذا التحدي بعد: ربما يكون اشراك قوة فلسطينية بديلة أمر ضروري، لكن يجب ان تكون مرتبطة بالسلطة الفلسطينية (إسرائيل تعارض ذلك، وتخاطر باحتكاك نشط مع حماس. السلطة غير متحمسة لذلك).

مع عدم احراز أي تقدم حقيقي على الأرض حتى الآن فانهم يصورون كبديل مركز التنسيق الدولي الذي أقيم في كريات غات. الامريكيون هم الذين يقررون، وهم أيضا يحرصون على تأكيد ذلك للاسرائيليين، لكنهم يتلمسون في الظلام صياغة الاتفاق الذي سيتم تطبيقه في نهاية المطاف في قطاع غزة. صندوق مساعدة غزة الذي لم يحقق أهدافه في توزيع الغذاء، الذي شهد مجازر جماعية قرب مواقعه اللوجستية لم يختف بالكامل. ما زال نشطاء مسيحيون افنغلستيون ورجال اعمال إسرائيليون وضباط في الاحتياط، معظمهم على صلة بنتنياهو، يثيرون المشاكل.

——————————————

هآرتس 21/11/2025

نتنياهو سيقول نعم لكل ما يطلبه ترامب، ودولة إسرائيل إلى الجحيم

بقلم: يوسي فارتر 

مرفق فيما يلي قائمة الضفادع التي اضطرت حكومة بنيامين نتنياهو الوطنية اليمينية الى ابتلاعها من يد دونالد ترامب: إعادة الطائرات قبل ثانية من اطلاق القنابل في ايران؛ حلف دفاع مع قطر ردا على الهجوم المتهور على مسؤولي حماس في الدوحة؛ اجبار نتنياهو على الاعتذار امام العدسات لرئيس الوزراء القطري من خلال مكالمة هاتفية مهينة؛ انهاء الحرب في قطاع غزة قبل احتلال مدينة غزة بدون الوصول الى “آخر إرهابي”؛ مغازلة ساخنة وعلنية مع رجب طيب اردوغان؛ التعهد لمحمد بن سلمان ببيع عشرات طائرات اف35 للسعودية، بنفس مستوى الطائرات الإسرائيلية وبدون أي ذكر للتطبيع؛ اتفاق مبدئي على إقامة مشروع نووي مدني في السعودية؛ توقيع حلف دفاع بين الدولتين؛ قرار ملزم لمجلس الامن يرسخ الوضع في قطاع غزة ويمهد الطريق لدولة فلسطينية، ضمن أمور أخرى، على أساس الخطة الفرنسية – السعودية، التي شتمها وزراء الحكومة عندما قام الرئيس عمانويل ميكرون بعرضها في الأمم المتحدة، والآن هؤلاء الجبناء بابتلاع السنتهم.

رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بارك باللغة الإنجليزية الخطاب وتأرنب باللغة العبرية. لقد تسلمت إسرائيل الرهائن العشرين الاحياء ومعظم القتلى (خلافا لخطط رئيس الحكومة والكابنت الذين تخلوا منذ زمن عن اعادتهم)؛ وتمت مكافأة نتنياهو بمناشدة علنية في جلسة الكنيست وبرسالة وجهت للرئيس اسحق هرتسوغ لمنح “العفو” لهذا الشخص. هناك من قالوا انها صفقة القرن.

المبدأ الذي يعتبر مقدس في كل الإدارات الامريكية حتى الان، الذي يتمثل بالحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل في الشرق الأوسط، تم تحطيمه بجرة قلم من الرئيس الأكثر صداقة لاسرائيل. توجد امامه ثلاث سنوات في البيت الأبيض، ومن الواضح الى أين يتوجه. ولكن بنيامين نتنياهو لا يهمه كل ذلك. منذ فترة طويلة توقف عن وضع المصالح القومية – الأمنية لإسرائيل في المكان الأول، كما فعل كل رؤساء الحكومة السابقين (أيضا هو، حتى العقد الحالي ولا سيما في هذه الولاية). الان هو يرى فقط نفسه.

ترامب يمكنه إعطاء السعودية خمس غواصات نووية، وإعطاء الاتراك عشر قاذفات “بي12، والقاء خطاب في البرلمان الفلسطيني في رام الله وارسال قوة متعددة الجنسيات الى الضفة الغربية من اجل إدارة الشؤون فيها بدلا من الجيش الإسرائيلي والشباك. نتنياهو سيبتلع ذلك وسيبارك باللغة الإنجليزية ويتجاهل بلغته الأم. كل ما يتوقعه من الرئيس هو مواصلة الضغط على هرتسوغ لمنحه العفو، إضافة الى التجند لصالحه في سنة الانتخابات. لانه لا يستطيع تحمل الهزيمة في هذه الانتخابات والتنحي عن الحكم في الوقت الذي ما تزال فيه محاكمته جارية. هذا الامر غير وارد في الحسبان.

من المرجح ان العرض الأمريكي هو نتيجة التعاون بين واشنطن والقدس. نتنياهو قام بلعب اللعبة: في محيطه سربوا بانه “غضب وضغط” من اجل تليين العرض الأصلي، رون ديرمر تم ارساله لتضليل الوزراء، هذا كلام فارغ، كل شيء يشبه بيبي. دافعه واضح: العفو والتاييد في الانتخابات. إنجازه الباهر هو ان شركاءه يصمتون. ايتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش المتبجحان، اللذان هددا عدة مرات بالانسحاب اذا تم وقف الوقت ولم يتم استئصال حماس ولم يتم سحق غزة بالكامل واذا ظهر مصطلح دولة فلسطينية في الكتابات في أي سياق سياسي – توقفا حتى عن التهديد. في أي يوم الاثنان لم ينويا فعل ذلك. عدة مرات افشل نتنياهو صفقات لتحرير المخطوفين بسبب هذه التهديدات. مئات الجنود قتلوا بسبب إطالة الحرب، وحكم على عشرات المخطوفين بمواصلة المعاناة والتعذيب في انفاق حماس لان احد ما خاف من ان تسقط حكومته.

بن غفير وسموتريتش بقيا في الحكومة رغم انه ليس لهما محاكمة يوجد فيها مسار واضح للادانة. ولكن توجد لهما أسباب أخرى: كل يوم يكونان فيه في الحكومة يقومان بالتغيير. سموتريتش في المناطق المحتلة التي وضعها نتنياهو تحت مسؤوليته، وبن غفير في الشرطة، ووزراء الحزبين في الوزارات التي تحصل على ميزانيات ضخمة لا تتناسب مع وزنهم، هم أيضا شركاء نشيطين في عملية تصفية الديمقراطية الإسرائيلية، وإخضاع وسائل الاعلام الحرة والتحييد الزاحف لحراس العتبة. تصفية وظيفة المستشار القانوني للحكومة ستساعد ليس فقط نتنياهو في محاكمته – الذي سيبذل كل محاولة لالغائها (عن طريق “النائب العام الخاص”)، بل هو سيساعدهم أيضا في مجالات كثيرة توجد تحت مسؤوليته.

يوجد لهما حلم اكثر أهمية يتقاسمانه مع زعيم الطائفة الذي يجلس في مكتب رئيس الحكومة في القدس: انزال ضربة قاضية بالديمقراطية الإسرائيلية التي ما زالت حية، مضروبة، نازفة ومهددة دائما. فقط كسر المرافق سينهي القصة. هو سيؤدي الى حملة انتخابات، التي نتائجها سيتم املاءها مسبقا، مثلما في تركيا، الصين وروسيا، والتي في نهايتها حكومة كارثة الغلاف والتخلي عن المخطوفين والإرهاب اليهودي والتهرب من الخدمة العسكرية، ستبقى على حالها. مثل نتنياهو، أيضا بالنسبة لهم المعارضة لا تعتبر خيار.

خمس ملاحظات

نتنياهو معني باستكمال ولايته، أي ان الانتخابات ستجرى في الموعد المحدد لها وهو 27 تشرين الأول 2026، وليس قبل بداية أيلول. من اجل ذلك هو سيضطر الى المصادقة على الميزانية حتى 31 آذار القادم. دعم الحريديين سيحاول ان يشتريه بمليارات الشواقل لان قانون الاعفاء لن يستطيع حياكته من اجلهم. امس صادق في الواقع على بدء النقاشات، لكن هذا استهدف كسب الوقت، وهو مجال يتميز به. لا توجد له اغلبية في الكنيست لقانون الاعفاء، وتوجد له محكمة عليا، التي أوضحت موقفها في هذا الأسبوع بعد ان قام اثنان من الحاخامات، لنداو وهيرش، بالموافقة على الدفع قدما بخدعة بوعز بسموت. هذه المليارات ستكون على حساب التعليم، الصحة، الرفاه، المواصلات ورجال الاحتياط. المخطوفون الذين تم اطلاق سراحهم سيتعين عليهم الاكتفاء بالمخصصات والدعم البائس الذي ترميه الحكومة لهم. لو انه كان بين الناجين عدد من طلاب المدارس الدينية الذين تهربهم هو عقيدتهم، فان وضعهم كان سيكون افضل بكثير، كانوا سيغرقون بالاموال.

ثلث وزراء الحكومة سيقررون ماهية تفويض لجنة التشهير بشان كارثة 7 أكتوبر. الاتجاه واضح: من أوسلو ومرورا بالانفصال وانتهاء بالشمال. من بين الجهات التي سيتم التحقيق معها المحكمة العليا والمستشارة القانونية للحكومة وحركات الاحتجاج ووسائل الاعلام. هذه الجريمة القبيحة لها ميزات كثيرة. فكلما ظهرت اللجنة مثل كاريكاتير فان موقف الجمهور منها سيكون متوافق مع ذلك. رأينا من عينه ياريف لفين للاشراف على التحقيق مع المدعية العسكرية العامة – قاض غير ناجح سمي “بطل المماطلة”، الذي أراد التنافس من قبل الليكود على رئاسة بلدية طبريا، والذي عين ابنه قاض من قبل لفين نفسه (كما كشف ميخائيل هاوزر طوف في “هآرتس”)، هكذا من المرجح ان يبدو أيضا مرشحه لرئاسة لجنة التشهير. هذا قبل ان تنظر محكمة العدل العليا في حيثيات القضية. وفقا للامر الصادر في هذا الأسبوع فانه سيتعين على الحكومة الشرح للقضاة لماذا لا يعد فشل 7 أكتوبر من نوع القضايا التي تتطلب صراحة تشكيل لجنة تحقيق رسمية. هناك تخمين: حتى اكثرهم تحفظا لن يصدق هذه النكتة المملة.

وزير الامن الوطني ايتمار بن غفير قال في الكنيست: “انا امشي في الشارع وكثير من الناس يتقدمون مني ويقولون بانهم يريدون التطوع لفعل ذلك”. القصد هو عقوبة الإعدام للإرهابيين، وهو القانون الذي يروج له بدعم من نتنياهو. ممثل كبير في اتحاد الأطباء، الذي عرض موقف هذه النقابة الذي يقول بان الأطباء من غير المفروض قيامهم بالقتل بواسطة حقن السم، تم ابعاده من اللجنة على يد الرئيس تسفيكا فوغل (قوة يهودية) قبل ان يصرخ بن غفير عليه: “اعرف أطباء كثيرين سيكونون مسرورين بفعل ذلك”. كان هناك واحد نعرفه جميعنا، لكنه غير متاح، وهو باروخ غولدشتاين.

في مساء السبت ستقام مظاهرة في ساحة هبيمه في تل ابيب دعما للجنة تحقيق حكومية، نظمها “مجلس أكتوبر”، الذي يجمع مئات العائلات الثكلى في المجزرة وعائلات المخطوفين. وقد تمت دعوة جميع رؤساء المعارضة لهذه المظاهرة، وسيجلسون على المنصة ولكنهم لن يتحدثوا. بما يشبه اصص الورود. لأول مرة ستكون هناك صورة مشتركة للستة (بينيت، ليبرمان، لبيد، غولان، ايزنكوت وغانتس). سيدركون ان الشيطان ليس فظيع جدا. في النهاية، بعد اغلاق صناديق الاقتراع، من المفترض ان يحاولوا تشكيل حكومة معا، اليس كذلك؟ الخطوة التالية يجب ان تكون مظاهرة يتم تنظيمها ضد الحكومة.

اول مكالمة هاتفية اجراها يئير لبيد قبل إعلانه عن انضمام الجنرال احتياط نوعم تيفون لحزب “يوجد مستقبل” كانت مع غادي ايزنكوت. لبيد أراد التوضيح له بان العرض المقدم للجنرال احتياط، ان يأتي هو أيضا (وحتى ان يقف على رأس يوجد مستقبل)، ما زال ساري المفعول. تيفون هو من الشخصيات البارزة التي دخلت الى حياتنا بعد 7 أكتوبر. فقد هب هو وزوجته غالي معا في صباح يوم الهجوم الى منطقة الغلاف لإنقاذ ابنهما وعائلته. وتعوقا في الطريق من اجل اخلاء مصابين. ان ذهاب تيفون الى السياسة هو بالضبط ما سجله الطبيب. سوية مع يونتان شمريز، شقيق الون المخطوف الذي قتل بنار الجيش الإسرائيلي، ايال ايشل والد روني المراقبة التي حاربت وقتلت في موقع ناحل عوز، ونشطاء احتجاج آخرين (على امل أيضا ان تنضم عيناف تسانغاوكر الرائعة)، توجد احتمالية للتغيير.

——————————————-

هآرتس 21/11/2025

على شفا حرب، بدون وقف نار: لبنان في حقل الغام سياسي

بقلم: تسفي برئيل 

في يوم الثلاثاء الماضي، عندما استقبلت طائرات اف 35 الامريكية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، استعدت سفارة لبنان في واشنطن لاستقبال شخص آخر، قائد الجيش اللبناني رودلف هيكل، الذي كان من شانه ان يدشن فيها زيارته مع شخصيات رفيعة في الجيش الأمريكي وشخصيات أمريكية أخرى. ولكن هذا الاحتفال انتهى قبل ان يبدأ: في البداية تم خفض مستوى الشخصيات الرفيعة التي كان سيلتقي معها هيكل، وبعد ذلك تم الغاء جميع اللقاءات مع أعضاء الكونغرس – في النهاية اعلن هيكل عن الغاء الزيارة.

حسب الرواية الامريكية فان الإدارة الامريكية هي التي بادرت الى الغاء الزيارة في اعقاب التصريحات الانتقادية لهيكل ضد الهجمات الإسرائيلية في لبنان. الانتقاد الأمريكي قاد السناتور ليندزي جراهام، الذي كتب في شبكة “اكس”: “من الواضح ان قائد الجيش اللبناني الذي تعامل مع إسرائيل كعدو رغم ضعفه، وحقيقة انه تقريبا لم يحاول نزع سلاح حزب الله، هو عائق كبير امام جهود الدفع قدما بلبنان. هذا الربط يحول الجيش اللبناني الى استثمار غير جيد بشكل خاص بالنسبة لامريكا”.

يبدو ان اقوال جراهام تعكس تقريبا بالضبط ما سمعه في إسرائيل، وهذا الموقف تم التعبير عنه أيضا في احاطات كبار قادة الجيش لوسائل الاعلام الإسرائيلية. ولكن قبل ثلاثة أسابيع، في لقاء للجنة المسؤولة عن تطبيق وقف اطلاق النار، كان للجنرال الأمريكي جوزيف كليرفيلد فقط أمور جيدة ليقولها عن الجيش اللبناني: “مهنية الجيش اللبناني والتزامه بتطوير الدولة ظاهرة للعيان. اداءه يعكس التصميم على ضمان مستقبل الدولة”. قبل أسبوعين من ذلك قال قائد المنطقة الوسطى الامريكية، الجنرال براد كوفر، أمور مشابهة: “شركاؤنا في لبنان يواصلون قيادة العملية التي استهدفت ضمان نزع سلاح حزب الله”. وحتى ان كوفر قال بان الجيش اللبناني نجح في ابعاد عشرات آلاف الصواريخ، 405 صاروخ و205 ألف قطعة سلاح من أنواع مختلفة. 

الفجوة بين ما قاله ضباط الجيش الأمريكي وبين ما قاله السياسيون الامريكيون غير مطمئنة للقيادة اللبنانية. فهي تتراوح بين الخوف الشديد من استئناف الحرب اذا لم يقم الجيش اللبناني بتوفير البضاعة بالوتيرة والكمية التي تطلبها إسرائيل وبين موقف الرئيس جوزيف عون الذي تمسك بالحاجة الى التوصل الى تفاهمات مع حزب الله لمنع مواجهات عنيفة في الداخل. عون يطرح بشكل علني موقف هجومي معد للاذن الامريكية والإسرائيلية. في بداية الأسبوع نشرت في موقع “أساس” اللبناني مقابلة مع الرئيس، شرح فيها رؤيته حول نشاطات الجيش ضد حزب الله: “نحن نعمل بصبر ورؤية بعيدة المدى وحكمة واعتدال، وندرك الحساسية ونقاربها بحذر. ولكن كل ذلك لا يمنع من التوصل الى استنتاج: تقييد سلاح حزب الله واتخاذ قرارات. هذا هو ألف باء بناء الدولة”.

موقف عون غير جديد. فقد عبر عنه في خطاب تسلمه للسلطة في كانون الثاني الماضي. وفي شهر آب في اعقاب الضغط الكبير الذي استخدمه المبعوث الأمريكي توم براك، فرض على الحكومة خطوات التي أساسها نزع سلاح حزب الله وإعطاء تعليمات للجيش بتقديم خطة عمل لهذا الهدف حتى نهاية السنة. في نفس الوقت طلب لبنان انسحاب إسرائيل من المواقع الخمسة اللبنانية التي ما زالت تحتفظ بها، والتوقف عن الهجمات والبدء في إعادة المعتقلين اللبنانيين الموجودين لديها.

حتى قبل شهر ونصف ظهرت هذه الطلبات معقولة بالنسبة لبراك، وحتى أنه صاغ خطة جديدة بحسبها توقف إسرائيل النار لشهرين، وخلال هذه الفترة تجرى مفاوضات حول ترتيبات امنية وترسيم الحدود البرية بين الدولتين، ويتم تحديد منطقة منزوعة السلاح بين إسرائيل ولبنان، وانسحاب إسرائيل بالتدريج من هذه المواقع. إسرائيل، حسب براك، رفضت كليا الاقتراح وزادت بصورة دراماتيكية حجم الهجمات – بعضها ضد نشطاء حماس في لبنان. حسب ادعاء إسرائيل فان الجيش اللبناني يتعاون مع حزب الله، وامتنع عن العمل في بيوت مواطنين في جنوب لبنان، التي فيها حسب معلومات استخبارية قام حزب الله باخفاء سلاح وذخيرة فيها.

“غير واضح الى أين تسعى إسرائيل”، قال للصحيفة محلل لبناني يعيش خارج لبنان. “في نهاية المطاف معظم الهجمات تنفذها من الجو. لماذا عليها مواصلة الاحتفاظ بالمواقع الخمسة التي ليست الا ورقة مساومة في المفاوضات؟ حيث ان الدعم الكامل الذي تحصل عليه من الولايات المتحدة سيمكنها من الهجوم أيضا فيما بعد، وحتى ان اللجنة المشرفة على تطبيق وقف اطلاق النار لم تتطرق على الاطلاق لهذه الهجمات. لماذا لا تجري مفاوضات وتسلم الحكومة اللبنانية أوراق المساومة التي هي بحاجة اليها ضد حزب الله؟”.

ان تساؤل المحلل اللبناني يعكس موقف عون الذي في المقابلة قال انه “لقد انتهت نشاطات حزب الله على الصعيد العسكري، ورجاله جاءوا لي وهم يعترفون بهذا الواقع ونتائجه. ولكنهم يصممون على ان تكون نهاية محترمة وخروج بكرامة، وهذا بالضبط ما نعمل على تحقيقه”. تصعب معرفة على ماذا تعتمد اقوال عون ومن هي الجهات في حزب الله التي تحدثت معه عن “خروج محترم” في الوقت الذي فيه الأمين العام لحزب الله نعيم القاسم يعلن بان الحزب لا ينوي التخلي عن سلاحه.

مع ذلك، يجب التأكيد على انه حتى الان اكتفى حزب الله بانتقاد اعلامي وسياسي للهجمات الإسرائيلية. سهامه يوجهها بالأساس الى حكومة لبنان لانها تظهر العجز العسكري والسياسي امام إسرائيل، التي تخرق وقف اطلاق النار. وفي غضون ذلك القيادة اللبنانية عالقة في حقل الغام سياسي يسبب الشلل.

توقع لتطبيق رسائل

أيضا إسرائيل غير معفية من طرح أسئلة مشابهة. عليها ان تحدد اهداف الهجمات والتصعيد وان تشرح استمرار احتفاظها بالمواقع الخمسة. الحروب في لبنان وفي غزة أوضحت بان الهجمات من الجو وحدها لا يمكنها نزع سلاح المنظمات، وحتى معارك برية كبيرة لم تطهر بالكامل مخازن السلاح لحماس وحزب الله. في غزة إسرائيل اضطرت الى وضع جزء من هذه المهمات في يد قوة متعددة الجنسية، التي لم تشكل بعد، ولا يوجد يقين من انها ستشكل. في لبنان، في المقابل، توجد حكومة التي ليس فقط تعهدت بالعمل ضد حزب الله، بل ان الجيش بدأ العمل على الأرض وسجل إنجازات – حتى لو كانت بعيدة عن الهدف النهائي.

ليس من نافل القول بان توم براك قال في بداية الشهر بان “فكرة نزع سلاح حزب الله بالقوة ليست فكرة واقعية. انت لا يمكنك ان تطلب من لبنان نزع سلاح حزب سياسي وتوقع السلام. ما علينا سؤاله لانفسنا هو كيف نمنع الحزب من استخدام سلاحه”. تحديد الأهداف هو امر ضروري لأنه يبدو ان طموحات إسرائيل في لبنان لا تتطابق مع طموحات الولايات المتحدة. إسرائيل تركز على منع إعادة البناء العسكري لحزب الله، وتدمير البنى التحتية القائمة له في شمال وجنوب الليطاني. في المقابل، الولايات المتحدة التي ترى بنفس الطريقة الهدف العسكري تسعى الى استخدام الضغط العسكري الإسرائيلي أيضا لتحقيق عملية سياسية لا يوجد يقين بان إسرائيل تعتبرها رد كاف على تخوفاتها.

توم براك ونظيرته مورغن اورتيغوس، التي عادت لادارة ملف لبنان، يستخدمان ضغط شديد على القيادة اللبنانية للبدء في مفاوضات سياسية مباشرة مع إسرائيل، نهايتها، كما يأملان، ستاتي بالانضمام لاتفاقات إبراهيم. براك أوضح ذلك بصراحة عندما عرض على لبنان احتمالين: المفاوضات المباشرة مع إسرائيل أو الحرب. “اذا أراد لبنان اجراء مفاوضات (مباشرة) كهذه فنحن سنساعد. سنضغط على إسرائيل كي تكون منطقة”، وعد براك في بداية الشهر.

في غضون ذلك خطوات أخرى لم تحدث الاختراقة السياسية، ومن بينها استخدام الضغط من قبل الولايات المتحدة ومرورا بالالغاء غير المسبوق لزيارة قائد الجيش في واشنطن والتلميح عن الحاجة الى استبدال قائد الجيش، وتجميد المساعدات العسكرية للجيش اللبناني، والتهديد باستخدام عقوبات اقتصادية شديدة من اجل اغلاق مسار نقل الأموال لحزب الله. الرئيس اللبناني اعلن بأنه “لا مناص من اجراء المفاوضات”، وحتى انه وافق على ضم للجنة الرقابة على وقف اطلاق النار خبراء مدنيين. هكذا، هو استجاب بشكل جزئي لطلب أمريكا، منح اللجنة طابع سياسي وليس عسكري فقط. ولكن حتى الآن هو لم يسمع كلمات “مفاوضات مباشرة”.

مكبس الضغط الأمريكي يحاول تجنيد السعودية ومصر لاقناع عون ببذل جهود اضافية، حسب الأمريكيين، والتقدم في المحادثات الدبلوماسية. في يوم الاثنين وصل وفد من رجال الاعمال السعوديين الى بيروت برئاسة يزيد بن فرحان، المسؤول عن ملف لبنان في وزارة الخارجية السعودية. وقد حمل معه بعض الاخبار، بما في ذلك استئناف التجارة بين لبنان والسعودية، التي كانت مجمدة بسبب تهريب الكبتاغون والمخدرات من لبنان الى المملكة، ووعد باستثمارات سعودية للمساعدة في اعمار البلاد. لكن هذه الزيارة هدفت بالأساس الى ارسال رسالة للبنان تفيد بان السعودية لم تتخلى عنه وانها مستعدة لتقديم الدعم السياسي الذي تحتاجه القيادة في بيروت.

——————————————-

معاريف 21/11/2025

نتنياهو يريد الاتفاق مع السعودية، ولكنه يسمح لشبيبة التلال بمهاجمة الفلسطينيين

بقلم: ألون بن دافيد 

بذور 7 أكتوبر التالي لإسرائيل زرعت هذا الأسبوع – من السعودية، عبر غزة وحتى قرية الجبعة في عصيون. حكومة الكارثة بقيت مخلصة لارث اخفاقها، وشاهدت فقط بتبطل القوى الأخرى التي تصمم الان المنطقة ومستقبلنا: الرئيس دونالد ترامب، ولي العهد السعودي، أمير قطر ورعاع التلال.

هذه لن تكون كارثة تقع علينا صباح غد. هذا الأسبوع رأينا بداية سياقات تدحر إسرائيل عن المصاف الأول للدول المؤثرة في المنطقة وتصادر منها القدرة على إدارة شؤونها الأمنية بنفسها. حكومة اليمين مليء – مليء خاصتنا، والتي فقدت منذ زمن الحكومة، تنازلت هذا الأسبوع عن القدرة لان تدير بنفسها الحرب ضد حماس، تخلت علن التفوق النوعي للجيش الإسرائيلي على جيراننا وفقدت مكانتها كالحليف الأهم للولايات المتحدة في المنطقة.

ان بيع F35 للسعودية، الذي بحد ذاته لا يبشر بنهاية التفوق النوعي. فهذا الأسبوع لم يكن الا الإعلان، وبعده ستكون مسيرة طويلة من الإقرار في الكونغرس (غير مضمون)، إقرار في البنتاغون ووزارة الخارجية، صياغة الاتفاق والدخول الى الطابور في خط الإنتاج. حتى لو سار كل شيء بسرعة قصوى، فان الطائرات لن تصل الى السعودية قبل العقد القادم. ما يقلق الإعلان عن الصفقة هذا الأسبوع هو أن إسرائيل لم تكن شريكا في القرار، وحتى الان، بقدر ما هو معروف، ليس مضمونا لها أي مقابل أيضا.

لا أدري اذا كان رئيس الوزراء ابلغ مسبقا بالصفقة وربما حتى اعطى موافقته دون أن يتشاور مع جهاز الامن او يطلعه. اذا كان نعم، فهذه لن تكون المرة الأولى. فعندما قرر ترامب بيع طائرات F35 للامارات اعطى نتنياهو موافقته سرا.

في حينه، عشية اتفاقات إبراهيم، بعث برئيس هيئة الامن القومي مئير بن شباط لاجراء مكالمة هاتفية مفاجئة مع قائد سلاح الجو عميكام نوركين. ودون الكشف عن الاتفاق المتبلور، أنزل ابن شبات على نوركين سؤالا بريئا عدم كل صلة بموقف سلاح الجو من بيع F35 في المنطقة. نوركين أجاب ببساطة ان سلاح الجو يعارض. نتنياهو سمع وتجاهل. في النهاية ماطلت إدارة ترامب بهذه الصفقة ولم تخرج الى حيز التنفيذ. الصفقة الحالية مع السعودية أعلنت فيما ان لترامب لا يزال اكثر من ثلاث سنوات ولاية في البيت الأبيض ويمكنه أن يتأكد من تحققها.

 فتاة هوى ترامب

إسرائيل لم تنجح ابدا في الحفاظ على مدى الزمن على حصرية استخدام طائرة قتالية أمريكية في المنطقة. فقبل نحو خمسين سنة كانت إسرائيل الدولة الأولى خارج الولايات المتحدة التي تلقت طائرة F15. بعد بضع سنوات من ذلك ورغم احتجاجات اسرائيلية، قررت الولايات المتحدة أن تبيعها للسعودية أيضا التي تشغل اليوم عددا اكبر من طائرات F15 بل واكثر تطورا من تلك التي لدى سلاح الجو الإسرائيلي. حتى لو أقر كل شيء، فان الطائرات التي ستحصل عليها السعودية ستكون مختلفة عن تلك التي لدى سلاح الجو. فقد أجرت إسرائيل تكليفات مميزة على طائرات F35 لديها. والتجربة العملياتية الهائلة التي راكمتها “ادير” تضمن الا تكون F35 السعودية قريبة في قدراتها من F35 الإسرائيلية.

المشكلة هي ان هذا لن يتوقف عند السعودية. قطر وتركيا الحبيبتين الجديدتين لترامب ستكونان التاليتين في الطابور. وها نحن في سباق تسلح إقليمي. اضيفوا الى هذا المفاعل النووي الذي ستحصل عليه السعودية من الولايات المتحدة. صحيح أن هذا سيكون بلا قدرات تخصيب لليورانيوم على الأرض السعودية. لكن حتى هذا لن يبقى فقط في نطاق مملكة آل سعود. الدولتان السُنيتان الكبريان – مصر وتركيا سيصعب عليهما البقاء بغير اكتراث امام قدرة نووية سعودية. ولا، لا حاجة للسعودية للنووي كي تنتج الطاقة. لا ينقصها مقدرات طاقة أخرى.

كل هذا الخير يتلقاه السعوديون دون أن يكونوا تعهدوا، حتى الان، باتفاق مع إسرائيل. من الصعب التقليل من أهمية علاقات علنية مع السعودية بالنسبة لإسرائيل. فاتفاق سلام معها سيثبت من جديد إسرائيل في المنطقة ويحسن دراماتيكيا مكانتنا السياسية والاقتصادية. السعودية تعد في إسرائيل كحجر الدومينو الأول اذا ما سقط – فسيفتح لنا كل العالم العربي والإسلامي. ليت مثل هذا الاتفاق يكون ينسج سرا من خلف الكواليس، لكن كما بدا الحديث هذا الأسبوع فانه لا ترامب ولا محمد بن سلمان يسارعان الى ضم ضلع ثالث لقصة غرامهما.

بالنسبة لنتنياهو أيضا في المستوى الشخصي والحاسم، يمكن لاتفاق مع السعودية أن يصلح بعض من إرثه كرئيس وزراء الكارثة. فانا على قناعة بانه يسعى الى مثل هذا الاتفاق، لكن يصعب أن نرى كيف يمكن ليد واحدة ان توقع على سلام مع السعودية فيما تسمح اليد الثانية لرعاع اليمين القيام باعمال الشغب ضد الفلسطينيين. مع عصبة الاقزام التي جمعها حوله كائتلاف، والتي تحظر عليه أن يقول كلمة فلسطينيين، اصبح نتنياهو فتاة هوى ترامب. يمكن أن يلتقي بها لكن ليس في احتفال في الساحة الجنوبية للبيت الأبيض.

في هذه الاثناء يطأطيء الرأس ويهنيء بالانجليزية (على أمل ربما الا يكون شركاؤه الائتلافيون يتكلمون اللغة) بقرار مجلس الامن للأمم المتحدة 2803، الذي هو أحد القرارات الأصعب على إسرائيل في تاريخ النزاع مع الفلسطينيين. القرار ينقل لأول مرة في تاريخنا إدارة النزاع الى اياد دولية. فهو يسمح بمرابطة قوة دولية في قطاع غزة، تشكيلتها لن نقررها نحن وتتطلع، لكن لا تعد، الا تواصل حماس السيطرة في غزة. لكنها تعد باستمرار تمويل متواصل لحماس عبر “المساعدات الإنسانية” التي ستتدفق الى ايديها بشكل دائم.

اذا ما استيقظنا بعد سنة لنجد حماس قوية في غزة فيما يمنعنا جنود اتراك وقطريون من العمل ضدها – سيكون من الصعب اتهام المستشارة القانونية بذلك. هكذا تبدو حكومة يمين مليء – مليء.

——————————————-

يديعوت 21/11/2025

بذكائه وحكمته اصبح ابن سلمان زعيما للشرق الأوسط السُني، وفتيان التلال يمنعون قيام دولة فلسطينية

بقلم: ناحوم برنياع

 بدأت المملكة العربية السعودية فصلها في التاريخ الأمريكي في 11 أيلول 2001، بالهجمات على برجي مركز التجارة العالمي. كان أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة، عضوًا في إحدى أقوى عائلات المملكة، وعضوًا فيها. كان بعض الجناة سعوديين. أرجع المطلعون التاريخ إلى العام 1979، وهو العام الذي هددت فيه الاضطرابات الداخلية استمرار حكم آل سعود. في محنتها، تحالفت العائلة المالكة مع رجال الدين المتطرفين، وتراجعت عن إصلاحاتها المخطط لها، وبدأت في تصدير الإسلام المتشدد والإرهاب الأصولي إلى العالم. كانت هجمات 11 أيلول بمثابة الذروة. أدى الذعر داخل العائلة المالكة إلى ظهور مبادرة السلام السعودية.

بدأ محمد بن سلمان، البالغ من العمر 40 عامًا، فصله في التاريخ الأمريكي في 2 أكتوبر 2018، عندما قُتل الصحفي جمال خاشقجي، وهو منتقد شرس للنظام، داخل القنصلية السعودية في إسطنبول وتم تقطيع جثته. كتب خاشقجي مقالاته لصحيفة واشنطن بوست، وهي صحيفة أمريكية مؤثرة. التقيتُ به عندما دعانا الرئيس أوباما، برفقة صحفيين آخرين من المنطقة، لإجراء مقابلة مشتركة خلال زيارته للقاهرة. كان خاشقجي، بعباءته السعودية البيضاء وابتسامته السخية، سعيدًا بلقاء صحفي إسرائيلي والتقاط صورة معه.

جعلت جريمة القتل ابن سلمان أكثر زعيم أجنبي مكروه في أمريكا. أعلنت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بعد تحقيق أنه أصدر الأمر. أنكر ذلك، لكن لم يصدقه أحد. كان الرئيسان الديمقراطيان أوباما وبايدن يكرهانه بشدة. لم يكرهاه فقط بسبب خاشقجي، الذي استشهد بموته، بطل نضال الإعلام الحر ضد الأنظمة القاتلة، ولكن أيضًا بسبب ارتفاع أسعار النفط، وقتل المدنيين في الحرب الفاشلة ضد الحوثيين، وإيذاء النساء، والثراء الفاحش، والاستبداد في بلاده.

هاجمه أصدقاؤه في الغرب بلا رحمة. في أحسن الأحوال، وصفوه بالطفل المدلل الذي يفتقر إلى ضبط النفس، وفي أسوأ الأحوال، بالقاتل اليائس. اغلقت أمريكا على نفسها في وجهه. لو وصل إليها، لكان أنهى حياته في سجن فيدرالي.

ثم أجبرت أسعار النفط الرئيس بايدن على السفر إلى الرياض وطلب إعادة النظر في أمره. بدأ ابن سلمان، محمد بن سلمان بالنسبة للأمريكيين، سلسلة من الإصلاحات الليبرالية. انفتح المجتمع السعودي، داخليًا وخارجيًا. ليس ديمقراطية: دكتاتورية مركّزة على النمو ومرحبة، مثل الإمارات. سار انقلابه في الاتجاه المعاكس لانقلاب إسرائيل، مما أكسبه إعجاب الشباب في العالم العربي.

للتغييرات في النظام السعودي تأثير كبير على العلاقات الدولية. منذ عام 1979 فصاعدًا، كانت المملكة العربية السعودية عاملًا لعدم الاستقرار، إقليميًا وعالميًا؛ بينما كانت إسرائيل رمزًا للاستقرار. بفضل قوتها الرادعة، تحمي استقرار دول المنطقة، حتى تلك التي لم تكن تربطها بها علاقات كاملة. وهنا انقلاب: السعودية تُنشئ الاستقرار والاتساق والاعتدال؛ وإسرائيل تُنشئ التطرف والرفض والانغلاق.

في هذه الأثناء، انتُخب رئيسٌ لولاية ثانية في الولايات المتحدة لا يؤمن بقيم العلاقات الدولية. القيمة الوحيدة التي يؤمن بها هي المال. بدأت حملة محمد بن سلمان المنتصرة في أمريكا بمليارات الدولارات لجيوب ترامب وعائلته الخاصة. في حقبة ما قبل ترامب، كانوا يُسمونها رشوة؛ واليوم، يُسمونها تنسيق التوقعات. هذا الأسبوع، اشترى محمد بن سلمان حب أمريكا كلها. ميلانيا، المرأة التي تعلم أن المال يشتري الحب، ارتدت اللون الأخضر.

من حاكمٍ مُريبٍ ضيق الأفق لمملكةٍ ثريةٍ ومتخلفة، أصبح رجل الدولة الأكثر طلبًا في العالم، وقدوةٍ يُحتذى بها، والزعيم بلا منازع للشرق الأوسط السني، والصديق المُفضل للأقوياء في دول العالم. رحلةٌ لا تُنسى. كان الاختيار بين الرئيس الصبياني الفظّ، المتعطش للفت الانتباه بشكلٍ مثير للشفقة، والأمير المُتزن الناضج المُتسلط، سهلاً بشكلٍ مُرعب. في محادثاتٍ مغلقة، هذا الأسبوع في واشنطن، بدا محمد بن سلمان ذكيًا، رصينًا، ومُحللًا. لديه رؤية – إسرائيل لديها مُعضلة.

 بين سلمان والسودان

خُصِّص جزءٌ كبيرٌ من الحديث بين محمد بن سلمان وترامب للسودان. كان لدى الأمير ما يقوله، بينما لم يكن لدى ترامب أدنى فكرة. لاحقًا، أمام الكاميرات، قال ترامب إن الأمير علّمه الكثير عن السودان.

قال محمد بن سلمان إن السودان أصبح أرضًا محايدة. كلُّ عاملٍ في المنطقة مُتورِّطٌ في سياساته الداخلية، بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين، وإيران. الإمارات تدعم الرجل الخطأ. هذا خطأٌ فادح: قد تندلع حربٌ أهليةٌ هناك، ما سيؤثر على الدول المجاورة. أثار هوس محمد بن سلمان إعجاب ترامب: فقد وعد بالخوض في القضية السودانية.

في نظر محمد بن سلمان، بيع طائرات إف-35 أمرٌ محسوم. عرضت بريطانيا وفرنسا وكوريا الجنوبية ودول أخرى شراء طائرات مقاتلة من الجيل الخامس والسادس منها، بدلاً من شراء الطائرات الأمريكية. إنه يفضل الطائرات الأمريكية، ولكن إذا خلقت إسرائيل صعوبات، فسيلجأ إلى دولة أخرى.

قال الأمير لترامب، وأخبر مستمعيه في واشنطن أيضاً: “لا أنوي مهاجمة إسرائيل. لقد سئمت الحروب. أتجه نحو النمو الاقتصادي والسياحة واقتصاد خالٍ من عائدات النفط”.

فصل ترامب صفقة الطائرات عن عملية التطبيع. فهو يريد المال الذي ستجلبه الصفقة بنفس القدر الذي يريد فيه محمد بن سلمان الهيبة التي ستجلبها الطائرات. هذه ضربة قوية لعملية التطبيع التي خطط لها نتنياهو. فبدلاً من أن يعتمد التطبيع على الطائرات، أصبح يعتمد الآن على استعداد الحكومة الإسرائيلية للتفاوض على إقامة دولة فلسطينية.

علاوة على ذلك، يقول محمد بن سلمان في إحاطاته إنه طالب ترامب بضمان انتهاء المفاوضات بشأن إقامة دولة فلسطينية في غضون خمس سنوات. هذا مطلبٌ بعيد المدى: فخلال اثنين وثلاثين عامًا من المفاوضات بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، حُطّمت جميع تواريخ انتهاء الصلاحية والمواعيد النهائية. سيكون إنجازًا استثنائيًا إذا بدأت العملية؛ إذ يبدو تحديد موعد نهائي لها، على الأقل في نظري، طموحًا ومُبالغًا فيه.

لكن الطلب السعودي يُظهر أن مصادر في مكتب نتنياهو، التي وصفت الالتزام بتعزيز الدولة الفلسطينية في خطة ترامب واتفاقه مع السعودية بأنه مجرد كلام فارغ لتحقيق مكاسب شخصية، لم تكن دقيقة. قد لا يُعامل محمد بن سلمان التطلعات الفلسطينية باحترام كبير، لكنه يُعامل تطلعاته الخاصة باحترام كبير. في منصبه الجديد، كزعيم للعالم العربي، عليه أن يُثبت للشارع العربي قدرته على دعم القضية الفلسطينية. إنه يدفع نتنياهو إلى الزاوية: قد يُضطر للاختيار بين ترامب وسموتريتش، بين التطبيع مع السعودية والتطبيع في الداخل. هذا ليس خيارًا سهلاً: هناك خطر كبير في أن يدفعه التحالف الأخوي بين ترامب والأمير السعودي إلى الأسفل. ظاهريًا، فرصة تاريخية: اتفاقيات سلام مع السعودية ولبنان، واتفاقية أمنية مع سوريا، واندماج إسرائيل الكامل في الشرق الأوسط السني، وربما أيضًا اتفاقية أمنية مع أمريكا من النوع الذي حصلت عليه السعودية وقطر.

لكن الثمن ليس أقل تاريخية. نتنياهو، بحكم التعريف، يُقيم دولة فلسطينية؟ بلفور فلسطيني؟ فيما يتعلق ببقائه السياسي، هذه وصفة لكارثة. لن يتمكن الشركاء من استيعابها؛ وستجد القاعدة صعوبة في فهمها.

ربما لا داعي للتسرع: في محادثة مع ترامب، أثار محمد بن سلمان شكوكًا حول إنشاء القوة الدولية في غزة. يستبعد إمكانية إرسال الدول العربية جنودًا إلى هذه القوة؛ ولا يؤمن بإمكانية إرسال الدول الإسلامية جنودًا. المسلم لن ينزع سلاح حماس. هل سيكون جندي إيطالي أو برازيلي أو غاني على استعداد للمخاطرة بحياته للقضاء على الإرهاب في غزة؟ شك كبير.

تتحدث رؤية محمد بن سلمان عن بناء غزة جديدة في القطاع الذي يسيطر عليه الجيش الإسرائيلي حاليًا، بين الخط الأصفر والحدود الإسرائيلية. سينتقل سكان غزة، البالغ عددهم مليوني نسمة، للعيش في غزة الجديدة. في القطاع الذي سيتم إخلاؤه من سكانه، الجزء الغربي، سيتم نزع سلاح حماس.

 بمعنى آخر، إعادة الإعمار والبناء أولًا، ثم نزع السلاح. هل ستوافق الحكومة الإسرائيلية؟ مشكوك فيه للغاية. هل سيستثمر ترامب كل قوته في الخطة؟ مشكوك فيه للغاية.

 أوضحت زيارة محمد بن سلمان للعديد من الإسرائيليين إلى أين قادهم السلوك السياسي لرئيس وزرائهم. لقد وضعت إسرائيل كل بيضها في سلة واحدة. ترامب سعى وراء المال. ترك نتنياهو في عزلة خطيرة.

 قدّم لي مصدرٌ يتابع ترامب عن كثب التحليل التالي: نجحت اتفاقيات إبراهيم لأن خطة ترامب – صفقة القرن – فشلت ووُضعت على الرف؛ ونجح وقف إطلاق النار في غزة لأنه تضمن هوامش غامضة سمحت للطرفين بالتوصل إلى اتفاق. الآن، عندما يتطلب التقدم تنازلات ملموسة ومحددة، بل ثورات أيديولوجية، ليس من الواضح ما الذي سيضمن نجاح هذه الخطوة.

على أي حال، هناك فائز واحد، غير متوقع، من حرب 7 أكتوبر. لم يُسهم بشيء في الحرب – لا مقاتلين، لا رهائن، لا مظاهرات في الميدان، لا تنازلات في المفاوضات، لا أسلحة، لا ضغط سياسي. اسمه أبو مازن. لقد انتصر من الفراغ – من الفراغ الذي تركه الإرهابي يحيى السنوار، ومن الفراغ الذي حرص نتنياهو على خلقه. تظل السلطة الفلسطينية الإطار الوحيد الذي يمكن البناء عليه. السلطة، في وضعها الحالي، ليست حتى عنوانًا، بل صندوق بريد. أبو مازن، البالغ من العمر 90 عامًا، ليس المستقبل. لكن السلطة هي آخر قطار في المحطة، بل هي القطار الوحيد في العالم.

 تدريب ميداني

في يوم الأربعاء، الساعة 2:19 صباحًا، داهم ثمانية فتيان من سكان التلال محجرًا في عمق الضفة الغربية. رُكّبت 13 كاميرا في أرض المصنع. تروي مقاطع الفيديو قصة المداهمة، لقطة بلقطة. في الساعة 9:39 مساءً، انطلق رجل على متن مركبة رباعية الدفع في دورية تمهيدية. وصل من أعلى الجبل. كانت أضواء سيارته مضاءة. جاب الممرات صعودًا وهبوطًا ثم غادر. وصلت قوة المداهمة بعد أربع ساعات ونصف، في سيارتين. كانتا مزوّدتين بقضبان حديدية. كان هدفهم المكاتب، مبنى من طابقين. في البداية، حطّموا نوافذ السيارة المتوقفة بجوار المبنى. ثم حطّموا نافذة في الطابق الأرضي. مقارنةً بأماكن أخرى، انتهى الأمر على خير: لم يصب العاملان النائمان في المبنى بأذى؛ ولم تتضرر أدوات الهندسة وآلات المحاجر. من المحتمل، من وجهة نظر المداهمين، أن الأمر كان مجرد تدريب، تدريب ميداني. صاحب المحجر وعماله محظوظون.

 بعد مشاهدة الفيديو، توجهتُ إلى هناك. يبدأ الطريق إلى المحجر على الطريق السريع رقم 60، وهو الطريق الذي يقطع الضفة الغربية بطوله. ترمسعيا قرية كبيرة تمتد شرق الطريق. يزور القرية كثيرًا أولاد التلال، ربما لقربها من مستوطنة علي، وربما لاحتوائها على فلل تعود لفلسطينيين هاجروا إلى أمريكا واغتنموا هناك. يقطع ترمسعيا طريق ضيق متعرج من الغرب إلى الشرق. هنا وهناك، تمثال لفلسطين من النهر إلى البحر، صورة لعرفات، أعلام فلسطينية، وبساتين زيتون. تجاورها من الشرق قرية أقل شهرة، خربة أبو فلاح.

شرقًا، يتحول الطريق إلى طريق ترابي مزدحم، وهو ما كان الفلسطينيون يسمونه “طريق سوبارو”: فعندما أغلق الجيش الطرق الرئيسية، احتل طرقًا بديلة خاصة به. هذه المنطقة، الواقعة بين الطريق السريع 60 وطريق ألون، هي الفناء الخلفي للضفة الغربية. أكوام ضخمة من حطام البناء، بعضها من إسرائيل، تشوه المشهد؛ هياكل سيارات؛ صناديق قمامة.

تحتل مستوطنتان رعويتان صغيرتان غير مرخصتين تديرهما عائلة واحدة تلّتين منفصلتين. كما يوجد سكان بدو في الضفة الغربية. وفوقهما، ظهرت بؤرتان استيطانيتان لما يُعرف باسم “شباب التلال”. تحمل كل قمة جبل تقريبًا الآن علامات وجود شباب يهود، حتى على أراضٍ فلسطينية خاصة. “على كل تل عالٍ وتحت كل شجرة خضراء”، هكذا تصف التوراة عبادة الأصنام التي احتلت الأرض في ذلك الوقت. في التوراة، هذا ليس إطراءً.

البؤر الاستيطانية غير مرخصة، لكن يتم صيانتها وتمويلها وحمايتها من قبل فروع الدولة. ليسوا جزءًا من القانون، لكنهم جزء من الرؤيا، من الخطة.

تطوع عيسى محمد عودة، عامل في محجر، ليخبرني، بلغة عبرية طليقة، بما حدث في الصباح الباكر. قال: “جاءوا من الأسفل، من الأسفل، لا يُسمح إلا لليهود أو الجيش بالدخول. العرب ممنوعون من المرور.”

سألته: كان اثنان من عمالك داخل المبنى، ألم يخرجا؟

أجاب: “بالطبع لم يخرجا، فقد يُقتلا؟”

سألته: “لماذا لم يتصلا بالشرطة؟”

ضحك. قال: “لماذا، من يجيب؟”

سألته: “ماذا عن شرطة السلطة الفلسطينية؟”

قال: “لا، المشكلة أنتم.”

سألته: ما رأيكم في الأمر؟

جلس محمود حاتم، الأكبر سنًا في المجموعة، في الخلف. قال بهدوء: “ستقولون كلمتكم.”

سألته: من أين جاءت العبرية؟

قال مبتسمًا: “من السجن”.

مشطوبة في كل زاوية.

أصبحت مداهمات الفتيان للقرى الفلسطينية جزءًا من الروتين: هجمات على اليهود نهارًا، وأعمال شغب في المساء. ويقدر مصدر عسكري ميداني عدد المشاركين بـ 250، وربما 300. في منطقة بنيامين، يصل عددهم إلى 30. تتراوح أعمارهم بين 14 و18 عامًا. كل شيء معروف، بما في ذلك العجز عن التعامل معهم. أما المجهول فهو نوايا الحكومة: هل هذه الظاهرة شاذة، أو استثنائية، أو خلل، أو ناموسة في أذن الاحتلال، أم أنها مجرد غيض من فيض، جزء لا يتجزأ من خطة شاملة لإعادة تشكيل الأراضي.

لا مجال للخطأ: القيادة المركزية قلقة للغاية بشأن ما يحدث. إنها قلقة من فقدان السيطرة، والعجز، والدعوة إلى مكافحة الإرهاب الفلسطيني، وتحويل الانتباه عن التعامل مع المنظمات الإرهابية الفلسطينية، والأذى الذي يلحق بالجنود والقادة والمستوطنين الملتزمين بالقانون. في نقاشات داخلية، قرروا التوقف عن تسمية مثيري الشغب “فتيان التلال” – وهو وصفٌ مُغرٍ ورومانسي. يُطلق عليهم الآن اسم فوضويين، ومجرمين، وشباب مهمّشين.

في الواقع، هم فوضويون: احتقارهم للدولة وأذرعها وخضوعهم لها مرفوض. يرونها عدوًا. لكن عندما تُقارن، على سبيل المثال، معاملتهم لفوضويي التلال بمعاملة فوضويي اليسار الذين تظاهروا ضد الجدار الفاصل قرب بلعين، قبل نحو عشرين عامًا وحتى اليوم، تُدرك أن كل شيء في إسرائيل نسبي، بما في ذلك مفهوم الفوضى. الفرق ليس بين اليسار واليمين: الفرق بين من لا راعٍ سياسيًا ومن لديه راعٍ. فوضويو اليوم بلطجية بالتعيين.

تكشف النقاشات الميدانية عن خوفٍ مُتصاعد. يخرج رئيس مجلس سنجل، غرب الطريق رقم 60، أسفل قمة التل، من القرية ليتحدث عما فعله مثيرو الشغب بمنازل القرية. يخشى الاقتراب من مركز الصراع: فهو لا يريد التورط مع الجيش، كما يقول. كما يخشى التورط مع الفلسطينيين الذين يشككون في أي شخص يتحدث مع اليهود. يتردد الجنود والقادة في حماية المزارعين في موسم الحصاد، خشية أن يتم توثيقهم، أو أن يقعوا في مشاكل مع محامي المهاجمين. وتتردد الشرطة في التحقيق، خشية أن يقعوا في مشاكل مع رجال بن غفير. الخوف والفوضى توأمان: يغذيان بعضهما البعض.

في يهودا والسامرة، هناك ثلاثة أنواع من القانون: قانوني، وغير قانوني، وشبه قانوني. النوع الثالث هو المثير للاهتمام. جميع البؤر الاستيطانية والمزارع التي يتم إنشاؤها الآن غير قانونية، ولكن بعضها يتم تنسيقه مع الجيش والإدارة المدنية وبعضها الآخر لا. يُرسي المُنسَّقون مواقعهم في الميدان ويستعدون للتطهير أو لإخلاء الموقع طواعيةً. أما غير المُنسَّقين، فيُجلَون أو لا يُجلَون. يحتضن الجيش بعض مَن يُسمَّون “شباب التلال”، ويُوصَفون برواد الاستيطان، وحماة الوطن، وملح الأرض؛ بينما يُعتَبَر آخرون مُجرمين خطرين. الجيش مُربكٌ للغاية.

أعود من الشرق المتوحش عبر قرى هادئة. يغادر الأطفال المدارس. يسيرون في مجموعات، الأولاد مُنفصلون والفتيات مُنفصلات. تُقلّ الأمهات أطفالهن في سيارات لا تحمل لوحات ترخيص، لا تابعة للسلطة الفلسطينية ولا لإسرائيل. هذه هي السيارات المُشطوبة – سيارات سُرِقَت من إسرائيل أو شُرِبَت بعد نفاد وقودها، وبِيعَت خردةً، وهُرِّبت إلى الضفة الغربية. عددها في القرى مُذهل. السيارات المُشطوبة هي الوجه الآخر للفوضى.

——————————————-

معاريف 21/11/2023

معارضة جارفة في الجمهور الإسرائيلي لاقامة دولة فلسطينية

بقلم: موشيه كوهن

على خلفية الخلافات الشديدة في مسائل قانون التجنيد وتشكيل لجنة تحقيق في احداث 7 أكتوبر، يكاد لا يكون تغيير في الميزان بين الكتل. لمعارضي نتنياهو رغم ضعفهم بمقعد لا يزال لديهم أغلبية لاقامة حكومة: 61 مقعدا بدون الأحزاب العربية. هذا ما يتبين من استطلاع “معاريف” الذي اجراه معهد لزار للبحوث برئاسة د. مناحم لزار وبتعاون ((Panel4All.

لائتلاف نتنياهو يوجد هذا الأسبوع 49 مقعدا (48 في الاستطلاع السابق) لكتلة بينيت – آيزنكوت – المعارضة 61 مقعدا، 62 في الاستطلاع السابق وللاحزاب العربية 10 (10).

وفي جواب على سؤال: هل التطبيع بين إسرائيل والسعودية يستحق ثمن المس بالتفوق العسكري الإسرائيلي، مع توريد أسلحة متطورة من الولايات المتحدة للسعودية جاءت الأجوبة على النحو التالي: يستحق 24 في المئة، لا يستحق 47 في المئة، لا ادري 29 في المئة.

وفي جواب على سؤالا: أقر مجلس الامن المشروع الأمريكي لترتيب الوضع في قطاع غزة بما في ذلك بند يعنى بدولة فلسطينية مستقبلية: هل تؤيد إقامة دولة فلسطينية ام تعارض؟ جاءت الأجوبة: أؤيد 17 في المئة، اعارض 67 في المئة، لا ادري 16 في المئة.

وعلى سؤال: هل تشعر في الفترة الأخيرة بتغيير في مستوى امنك الشخصي؟ كانت الأجوبة: اشعر اقل امانا 34 في المئة، اشعر اكثر امانا 16 في المئة، لا اشعر باي تغيير 41 في المئة، لا ادري 8 في المئة.

وفي هذا الاستطلاع حصدت الأحزاب المقاعد التالية: الليكود 25 (+1)، بينيت 23 (-1)، الديمقراطيون 11 (-)، يوجد مستقبل 9 (-)، إسرائيل بيتنا 9 (-)، آيزنكوت 9 (-)، عظمة يهودية 9 (+1)، شاس 8 (-)، يهدوت هتوراة 7 (-1)، الجبهة/العربية 5 (-)، الموحدة 5 (-). اما باقي الأحزاب فلم تجتاز نسبة الحسم.

——————————————-

هآرتس 21/11/2025

من سبسطية لترامب: 1800 بصقة في وجهك من إسرائيل ومليشياتها الاستيطانية

بقلم: أسرة التحرير

تل سبسطية في شمال الضفة الغربية هو أحد أهم المواقع الأثرية في الضفة الغربية. يربط علماء الآثار الموقع بمدينة السامرة القديمة، عاصمة مملكة إسرائيل الشمالية من العصور التوراتية. فوق المدينة التوراتية، تم العثور على قطع أثرية وطبقات من العصور الرومانية والبيزنطية والإسلامية والعثمانية. قرية سبسطية الفلسطينية، المجاورة للموقع، هي تجسيد مباشر للحاضرة القديمة التي كانت قائمة هناك ذات يوم. يكسب القرويون رزقهم، من المطاعم ومحلات بيع التذكارات والجولات في الموقع. كما يكسبون رزقهم من مئات الدونمات من أشجار الزيتون المحيطة بالموقع.

في الأسبوع الماضي، أصدر العميد رافيت نيف من الإدارة المدنية في “المناطق ” [الضفة الغربية] بيانًا أعلن فيه نية مصادرة جميع الأراضي في المنطقة: الموقع الأثري وبساتين الزيتون المحيطة به – 1800 دونم إجمالاً. الهدف من المصادرة هو “الحفاظ على الموقع وتطويره، وفتحه أمام الجمهور”. لكن كل من لديه معرفة بتاريخ مصادرة الأراضي في الضفة الغربية وسياسة الحكومة الإسرائيلية الحالية – التي يتولى فيها سموتريتش منصب وزير الدفاع والمسؤول عن الإدارة المدنية – يدرك أن الهدف من المصادرة ليس فتح الموقع أمام “الجمهور”، بل انتزاعه من فئة محددة (الفلسطينيون)، ونقله إلى فئة أخرى (المستوطنون).

هذا ما حدث مع مصادرة موقع سوسيا الأثري جنوب جبل الخليل: نُقل الموقع إلى إدارة المستوطنين، وطُرد السكان الفلسطينيون. وقعت عملية مصادرة أراضي سوسيا قبل 40 عامًا، وكانت حتى الآن أكبر عملية مصادرة لأغراض أثرية في الضفة الغربية. أما عملية المصادرة في سبسطية فأكبر بستة أضعاف. لكن لا داعي للعودة إلى التاريخ أو البحث عن أدلة على نوايا الإدارة المدنية. يقول وزير التراث عميحاي إلياهو صراحةً: “يُثبت علم الآثار والتاريخ مرارًا وتكرارًا من هم المالكون الحقيقيون ليهودا والسامرة”.

تُعدّ عملية المصادرة في سبسطية انتهاكًا صارخًا وجسيمًا للقانون الدولي، وخطوة أخرى على طريق الضم الكامل للضفة الغربية من قِبل إسرائيل وتعزيز المشروع الاستيطاني. تُمثّل هذه المصادرة بصقة في وجه الرئيس الأمريكي ترامب، الذي يسعى إلى الترويج لحل إقليمي، كما أنها انتهاك لقرار مجلس الأمن الصادر يوم الاثنين، والذي من أهدافه “تهيئة الظروف لمسار موثوق نحو دولة فلسطينية”.

تعمل الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة وفق سياسة الكماشة التدميرية: فهي تُمكّن الإرهابيين اليهود من شنّ هجماتهم القومية، وفي الوقت نفسه تُصادر أراضي الفلسطينيين. والنتيجة البديهية هي أن الهدف هو إشعال فتيل الصراع في المنطقة وتقويض أي إمكانية للتوصل إلى حل سياسي، في ظل ضغوط ترامب والسعودية ودول عربية أخرى. في الواقع، تعمل الحكومة الإسرائيلية ضد مصالح المواطنين الإسرائيليين، وتسعى إلى ضمان أن تكون هذه الكارثة لا رجعة عنها.

——————————————-

يديعوت 21/11/2025

فرصة لإسرائيل: ترامب يبحث عن شركاء لا حلفاء

بقلم: أفنير غولوب

يختتم ولي العهد السعودي زيارة ناجحة لواشنطن، من وجهة نظره؛ لقد عرض شراكة تكنولوجية على الولايات المتحدة، وطلب في المقابل ضمانات دفاعية من إدارة ترامب للمملكة، فضلاً عن صفقة شراء الطائرات الأميركية المتقدمة F-35.

بن سلمان هو الأخير ضمن سلسلة من القادة الذين أدركوا أن إدارة ترامب لم تعد تبحث عن حلفاء تعتمد عليهم للحفاظ على النفوذ الأميركي، بل عن شركاء في أكبر معركة تخوضها، ألا وهي المنافسة التكنولوجية مع الصين. بمعنى آخر، أدرك بن سلمان جيداً اتجاه الرياح، و”أعاد حساب المسار” بشأن علاقاته مع الولايات المتحدة.

هل تفكر إسرائيل في المرحلة التالية من علاقاتها مع واشنطن؟

إن مذكرة التفاهمات الأمنية، الموقّعة في عهد الرئيس أوباما، والتي ضمنت مساعدات عسكرية بقيمة نحو 38 مليار دولار خلال عقد، ستنتهي في غضون أقل من عامين. وتمثّل الحاجة إلى التفاوض بشأن تجديد المذكرة وتحديثها فرصة ذهبية لإسرائيل من أجل “تحديث نسخة” علاقتها بواشنطن والحفاظ على تفوّقها النوعي، وخصوصاً إذا ما تغيرت إدارة ترامب الحالية ووصول رئيس قد يكون أقل وداً في مطلع 2029. وتشير التقديرات إلى أن إسرائيل ستواجه صعوبة في التوصل إلى تفاهمات مع القيادة الأميركية المقبلة بشأن تجديد المساعدات، بصيغتها الحالية، بغض النظر عن الحزب الحاكم، بسبب المناخ السياسي الذي ساد  في العامين الأخيرَين؛ ففي أعقاب الحرب، ارتفعت الأصوات داخل حركة “ماغا”، قاعدة الدعم الجمهوري لترامب، والتي تطالب بأن تكون مذكرة التفاهم المقبلة مختلفة تماماً.

ويرى المحافظون من صندوق “التراث” ومؤثرون من اليمين الأميركي أن إسرائيل في عيدها الثمانين ليست إسرائيل السابقة في الثمانينيات من القرن الماضي، فهي دولة قوية وغنية، وفي رأيهم، من غير المنطقي أن تبقى “تحت الرعاية” الأميركية، وتحتاج إلى مساعدات قد تضرّ باستقلاليتها، ولا تقدم منفعة كافية لأميركا. وفي الجانب الديمقراطي، تراجعت شعبية إسرائيل بشكل كبير خلال الحرب، ومعها تراجعت أيضاً الرغبة في تجديد المساعدات من دون ربطها بتغيير السياسة الإسرائيلية بشأن الساحة الفلسطينية.

مؤخراً، جرى الكشف أن إسرائيل اقترحت استبدال جزء من المساعدات بصندوق أبحاث وتطوير مشترك، بهدف تمديد مذكرة التفاهم حتى سنة 2048، الذكرى المئوية لقيام إسرائيل، وهي مبادرة تتماشى مع توصيات صندوق “التراث”، حسبما صرّح رئيس الحكومة نتنياهو، علناً، بأن المساعدات تمسّ باستقلال إسرائيل، الأمر الذي يتقاطع مع كثير من الأصوات الإسرائيلية التي تطالب بالاستغناء عنها كلياً.

إن معارضي النهج الراهن محقّون عندما يشددون على أن اعتماد إسرائيل الاستراتيجي على الولايات المتحدة يتعمّق، وأن هناك حاجة إلى تغيير العلاقة بين الدولتين، لكن الحل الذي يقترحونه، أي تقليص أو إلغاء المساعدات، هو حل جزئي، ولن يضمن الحفاظ على التفوق النوعي لإسرائيل في عصر التسلح الإقليمي والتنافس التكنولوجي المتسارع.

من المهم التشديد على أن المساعدات الأمنية ليست هي التي تضرّ باستقلالية إسرائيل، بل سلسلة من التوجهات السلبية التي تشكل أساس العلاقات مع الولايات المتحدة، وببساطة، فإن “أسهم” إسرائيل آخذة في التراجع، كما أن خسارة إسرائيل مكانتها، كموضع إجماع بين الحزبين لمصلحة جبهة معادية عابرة للأحزاب تتألف من تقدميين انفصاليين وشبان، تهدد بجعل إسرائيل قضية خلافية على أبواب سنة انتخابية مزدوجة، وأن عزلة إسرائيل الدولية تعمّق تبعيتها الاستراتيجية للولايات المتحدة، فضلاً عن أن الضرر الذي لحِق بمكانتها الإقليمية جرّاء الحرب أدى إلى تهميش مكانة القدس، كبوابة  إلى واشنطن، بالنسبة إلى الدول العربية.

لذلك، يجب إنشاء تحالف تكنولوجي بين إسرائيل والولايات المتحدة، يشمل استثمارات في التكنولوجيا العالية، وفي مجال الحوسبة المتقدمة والذكاء الاصطناعي والرقائق والطاقة، إلى جانب تعزيز الحماية في القانون الإسرائيلي لمنع تسرُّب هذه التقنيات. إن شراكةً كهذه ستُدار عبر مذكرة تفاهُم تكنولوجية منفصلة عن المذكرة الأمنية، وتهدف إلى تحقيق أربعة أهداف:

   – ربط إسرائيل، بعمق، بالبنية التحتية والأُطر التكنولوجية الأميركية، وإجبار الحكومة الإسرائيلية على الاستثمار محلياً لضمان قيادتها للتكنولوجيا العالية، الحيوية لأمنها القومي، إذ تصنَّف إسرائيل في المرتبة الخامسة والأربعين عالمياً في البنى التكنولوجية، والسادسة والأربعين في الاستثمارات الحكومية في التكنولوجيا.

  – إقامة أساس لشراكة تكنولوجية إقليمية مع دول الخليج، بما يتماشى مع رؤية ترامب بشأن توسيع اتفاقيات أبراهام.

 – استثمار هذه الشراكة لضمان استمرار المساعدات الأميركية ضمن صيغة مشابهة للحالية، وستترتب على منع التخفيض الكبير، أو إيقاف الدعم، تبعات اقتصادية كبرى على قدرة إسرائيل على الحفاظ على إنجازات الحرب والاستعداد لمواجهات مستقبلية، علاوةً على أن خصوم إسرائيل قد يفسرون تقليص المساعدات بأنه ضربة للدعم الاستراتيجي الأميركي، الأمر الذي يمكن أن يضرّ بالردع الإسرائيلي.

– الارتقاء بالمكانة العسكرية الإسرائيلية، كأساس لشراء منصات متقدمة وتحسين التطوير المشترك في الدفاع الجوي، وهو ما يسمح بالحفاظ على التفوق التكنولوجي، في ظل تآكل التفوق النوعي التقليدي بسبب ثورة الذكاء الاصطناعي، ورغبة إدارة ترامب في بيع أسلحة متقدمة لشركائها الإقليميين، وفي ظل قدرات التصنيع الذاتي لدولٍ، مثل تركيا وإيران.

في عصر تُقاس فيه التحالفات الاستراتيجية بمنفعتها، وليس بقيَمها، ومع ما تشهده العلاقات مع الولايات المتحدة من تحولات تاريخية، يجب على إسرائيل إجراء تعديلات سريعة لتتلاءم مع هذا العصر، وإذا استغلت نافذة الفرص الحالية، ففي إمكانها الانتقال من علاقة تبعية إلى علاقة شراكة، وأن تصل إلى عامها المئة بعلاقة مستقرة ومتقدمة ومستدامة بالولايات المتحدة.

—————–انتهت النشرة—————–

Share This Article