“فلقطنا”.. التونسيون يتظاهرون لإنهاء “الظلم” واستعادة دولة الحقوق والحريات

المسار :  تنطلق السبت في تونس مسيرة كبيرة تضم مختلف القوى السياسية والمدنية والحقوقية، ويُتوقع أن تشكل نواةً لتوحيد المعارضة المنقسمة على نفسها منذ سنوات عدة.

ويركّز الحراك الجديد على الجانب الرمزي، حيث يتّخذ شعار “فلقطنا” وهو مصطلح تونسي يعني “اختنقنا” أو لم نعد قادرين على الاحتمال، ويرتدي المشاركون ملابس سوداء خالية من أي رموز سياسية، للدلالة على شمولية الحراك وعدم انتمائه لجهة بعينها، كما ينطلق الحراك من ساحة حقوق الإنسان في شارع محمد الخامس وسط العاصمة التونسية، في دلالة رمزية تتماهى مع هدف الحراك المطالب بوقف الظلم واستعادة دولة الحقوق والحريات.

كتم صوت المعارضة

وقال وسام الصغيّر، الناطق باسم الحزب الجمهوري: “كلمة “فلقطنا” في اللهجة التونسية ليست مجرد تعبير عن الانزعاج، إنها إعلان صريح بأن قدرة التونسيين على الاحتمال بلغت منتهاها. فنحن أمام وضع سياسي خانق، تمارس فيه السلطة منهجا قائما على الظلم والتشفي وإسكات الأصوات المخالفة”.

وأضاف لـ”القدس العربي”: “الاستهداف طال الجميع، السياسيين عبر التخوين والاعتقالات والمحاكمات العبثية، والناشطين المدنيين عبر المحاكمات السجنية والتضييق والتشهير، والصحافيين عبر المحاكمات والرقابة، والنقابيين والمدوّنين وكل من يجرؤ على قول لا”.

وتابع الصغير: “اليوم لا مؤسسات تحاسِب، ولا سلطة تراقِب، بل انفراد كامل لرئيس الدولة بالقرار وتفكك لمنظومة الحكم، ما جعل البلاد تسير دون بوصلة ودون حوار. ولذلك جاءت المسيرة لتقول: لم نعد نحتمل. وهذا الظلم يجب أن يتوقّف”.

وقال رياض الشعيبي القيادي في جبهة الخلاص الوطني: “هذه المسيرة ستمثل منعرجا قويا في التوازنات السياسية والشعبية في مواجهة الانقلاب الرث في تونس. فشعارها “فلقطنا” لا يعبر فقط عن تدهور وضعية حقوق الإنسان والانسداد السياسي، وإنما أيضا عن وضع اجتماعي رديء ووضع بيئي خطير، أصبح يمس كل الشرائح الاجتماعية”.

وأضاف لـ”القدس العربي”: “لأوّل مرة منذ انقلاب 25 جويلية/ تموز، تلتقي المعارضة بكل ألوانها في مثل هذا التحرك، وتتلاحم الحركة السياسية مع الحراك الاجتماعي في البلاد”.

وقال هشام العجبوني، القيادي في حزب التيار الديموقراطي: “مسيرة فلقطنا تأتي كرد فعل على استشراء الظلم وتجاوزه كل الحدود الحمراء، وهي مسيرة سلمية مدنية مواطنيّة جامعة وبدون أي لون حزبي أو مدني، لأنها تهم كل المواطنين والمواطنات مهما كانت أفكارهم وانتماءاتهم”.

وأضاف لـ”القدس العربي”: “المسيرة هي نتيجة طبيعية لنسف القضاء التونسي وتحويله إلى وظيفة لدى السلطة التنفيذية لتصفية حساباتها السياسية مع معارضيها”.

وأوضح العجبوني بقوله: “نسف القضاء يتم من خلال آلية إعفاء القضاة، وحل المجلس الأعلى للقضاء المنتخب وتعيين مجلس مؤقت، هو نفسه في حالة شلل مقصودة بسبب عدم سد شغور أعضائه، وتعمّد عدم توفير النصاب في تركيبته الحالية حتى تقوم وزيرة “العدل” بالسيطرة على القضاء من خلال مذكرات العمل غير الدستورية. كما يتم نسف القضاء من خلال إعفاء القضاة أو نقلهم وعدم احترام قرارات المحكمة الإدارية المتعلقة بإبطال قرارات الإعفاء، وكذلك من خلال تهديد رئيس الدولة المبطّن لهم بأنّ من يتجرّأ على تبرئتهم فهو شريك لهم”.

كما أشار إلى أن “الأحكام الثقيلة الجائرة في حق سجناء الرأي والسياسة هي نتيجة طبيعية لنسف القضاء وأدنى شروط المحاكمات العادلة، من علنيّة الجلسات ووجوبية حضور المتهمين لمواجهة الهيئات القضائية، وكذلك السماح للصحفيين بتغطية المحاكمات وحضور الملاحظين والمواطنين والمجتمع المدني”.

وأضاف العجبوني: “على سبيل المثال، تم الحكم في ما يسمى بقضية التآمر على أمن الدولة بأحكام ثقيلة جدا، بدون محاكمات حقيقية ولا حق دفاع ولا مرافعات في الأصل، وفي ظل تغييب للمتهمين وإجبارهم على المحاكمات عن بُعد، رغم هذا النوع من المحاكمات يتم الاعتماد عليها بعد موافقة المتهمين وفي حالة وجود خطر ملمّ مثلما كان الحال زمن الكوفيد”.

وتابع بقول: “مثال آخر (على المحاكمات غير العادلة)، يتعلق بمحاكمة القاضي السابق والمحامي الحالي أحمد صواب وفق قانون الإرهاب، والحكم عليه -في محاكمة صورية دامت 7 دقائق فقط- بخمس سنوات سجن و3 سنوات مراقبة إدارية. وينطبق هذا الحال، على كل المحاكمات السياسية ومحاكمات الرأي، حيث شهدنا خروقات إجرائية وقانونية ودستورية ممنهجة وغير مسبوقة، تنسف تماما مبدأي العدالة والإنصاف”.

انهيار الحقوق الأساسية

وحول رمزية المكان الذي ينطلق منه الحراك، قال الصغير: “اختيار ساحة حقوق الإنسان ليس صدفة، فهي من خلال تسميتها تمثل رمزا للنضال من أجل الحرية والكرامة، لذلك اختيارها كمكان لانطلاق المسيرة بهدف التحذير من انهيار الحقوق الأساسية في تونس، وللقول بأن حقوق الإنسان في تونس دخلت مرحلة الظلام، وبأن اللون الأسود الذي سيرتديه المشاركون بشكل موحد هو تعبير عن حداد مدني على ما آلت إليه الحريات في البلاد، وبأن خنق الحقوق والحريات جعل البلاد كلها ترتدي السواد”.

وأضاف: “أما تاريخ 22 نوفمبر/ تشرين الثاني، فهو -رغم تزامنه مع رموز وأحداث في التاريخ- إلا أن اختياره بالأساس جاء تعبيرا عن اللحظة الحارقة التي تعيشها تونس: اقتصاد ينهار، قضاء يُروَّض، إعلام يحاصَر، وأصوات تُقمع”.

وتابع بقوله: “الرسالة واضحة: لا يمكن للوضع أن يستمر. وحان الوقت لرفع الكلفة السياسية للظلم”.

فيما قال العجبوني إن اختيار ساحة حقوق الإنسان بشارع محمد الخامس، يرمز إلى “تشبث التونسيين بحقوقهم وحرياتهم التي تسعى السلطة الحالية لضربها بطريقة ممنهجة، وعلى رأسها الحق في محاكمة عادلة. كما أن التوقيت يأتي في ظل تواتر القضايا والمحاكمات السياسية والأحكام الجائرة في هذا الشهر”.

لحظة مفصلية لتوحيد المعارضة

من جهة أخرى، اعتبر الصغير أنه يمكن اعتبار هذه المسيرة أول محطة جدّية لتقاطع حقيقي بين مختلف القوى المناهضة للانفراد بالحكم.

وأضاف: “ظهرت بوادر التقارب سابقا، لكنها بقيت محدودة ومتقطّعة. أما اليوم، فالوضع بلغ مرحلة من الخطورة جعلت الجميع يدرك أنه ما من أحد قادر على المواجهة منفردا، ولا إمكانية لردّ الانحرافات دون التقاء واسع يجمع السياسي والمدني والحقوقي”.

وتابع الصغير: “هذه المسيرة تمثل لحظة مفصلية يمكن أن تتحول إلى منصة لتأسيس أفق مشترك للمقاومة السلمية والمدنية، وإعادة الحياة للفعل السياسي الجماعي وبناء قوة ضغط حقيقية قادرة على مواجهة الانجراف الذي يهدد الدولة والمجتمع على حدّ سواء”.

فيما اعتبر العجبوني أن توحيد القوى المعارضة السياسية والمدنية لم ينضج بعد.

واستدرك بقوله: “ولكن من شأن هذه التحركات المواطنية -التي لا تحمل ألوانا حزبية- أن تقرّب وجهات النظر حول ضرورة إرساء القواعد الدنيا للعيش المشترك في دولة مدنية ديمقراطية تحكمها المؤسسات، ولا يمكن فيها توظيف أجهزة الدولة -من منظومة أمنية وقضائية وإدارية- لتصفية الحسابات السياسية مع الخصوم والمعارضين”.

Share This Article