| افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات |
معهد بحوث الامن القومي (INSS) 23/11/2025
حول النصر والحسم وما بينهما: تحدي تحقيق أهداف حرب حماس
بقلم: تامير هايمن
ظاهريًا، يُنظر إلى النصر في الحرب كمفهوم واضح المعالم – تحقيق أحد الجانبين لأهدافهما بينما يخسر الجانب الآخر، أي يفقد قدرته وإرادته على القتال. في الواقع، يشير تاريخ الحرب إلى حد كبير إلى أن هذا كان المعنى العملي لمفهوم النصر. يتضمن هذا المفهوم إجابة على سؤالين: ماذا حققت قواتنا؟ ماذا حدث للعدو؟
التعاريف الحديثة للنصر والحسم: تُميز العقيدة الحديثة بين مفهوم “النصر”، وهو تحقيق الأهداف القتالية التي حددتها القيادة السياسية، مع تحسين الواقع الأمني بمرور الوقت، و”الحسم”، وهو تدمير القدرة القتالية للعدو (فقدان العدو القدرة والرغبة في مواصلة القتال في المعركة الحالية). تسيطر القيادة السياسية على الجيش من خلال سلطتها في تحديد هدف العملية – أهداف الحرب.
أهداف الحرب كأداة للسيطرة على الجيش: تُمكّن أهداف الحرب القيادة السياسية من التحكم في شدة النيران. إذا رغبت، يمكنها المطالبة بـ”الحسم” كجزء من هدف الحرب، بل وحتى وصف الوضع النهائي المنشود للحرب بوضوح. يشارك المستوى العسكري في صياغة أهداف الحرب، وإبداء رأيه في جدواها، ثم عرض آلية تحقيقها. على أي حال، الحوار بين المستويات ضروري طوال العملية، وفقًا لقاعدتين: 1) يجب أن يكون الحوار حميميًا وسريًا للغاية. 2) لا يُسمح للمستوى السياسي بإملاء أسلوب العمل على المستوى العسكري (كما تمليه نظرية الحرب فيما يتعلق بأي حوار بين مستوى أعلى ومستوى أدنى).
الفرق بين النصر في الرياضة والنصر في الحرب: على عكس الخطاب المهني حول نظرية الحرب، يختلف الخطاب العام المدني. في هذا الخطاب، يُنظر إلى مفهوم “النصر” على أنه نجاح موضوعي، تمامًا كما هو الحال في نهاية المباراة الرياضية، حيث لا يوجد نقاش حول من خسر ومن فاز – فالنصر واضح ومحدد. المشكلة هي أن الجمهور يطالب بهذا أيضًا في الحرب. لكن بعيدًا عن قيود المستوى السياسي للجيش، للحرب نفسها خصائص فريدة. ليس للحرب قواعد ثابتة ولا قاضٍ متفق عليه. الحرب “عالم من عدم اليقين والعشوائية” (كما جادل كلاوزفيتس). يسعى كل طرف إلى تحقيق أهدافه بالخداع والاحتيال والكذب والتضليل، ولذلك قد يدّعي كلا الطرفين النصر، كلٌّ وفق أهدافه الخاصة. على عكس النصر، يختلف الوضع في حالة القرار. من المستحيل أن يدّعي أيٌّ من الطرفين أن الطرف الآخر قد اتخذ القرار. في حرب حاسمة، يُمكن الحكم بموضوعية على أي طرف فقد قدرته القتالية وأي طرف لم يفقدها.
توسيع المفاهيم التكتيكية: وُلدت الحرب على المستوى التكتيكي، بدءًا من المعارك القبلية ووصولًا إلى حروب العصور القديمة. مع تطور البشرية (التصنيع التكنولوجي والثورات الاجتماعية)، توسّعت ساحة المعركة أيضًا. على سبيل المثال، قد تشمل الحرب النووية العالم بأسره كساحة معركة واحدة. أدى هذا التوسع إلى “توسيع” المفاهيم الأساسية للحرب لتغطية ساحة المعركة المتوسعة. وينطبق الأمر نفسه على مفهوم “الحسم”. وُلدت في سياق المعركة التكتيكية، ثم توسّعت إلى المستوى النظامي والاستراتيجي. تكمن المشكلة في أن مفهوم “الحسم” يفقد معناه على هذه المستويات التحليلية.
وُسِعَ مفهوم الحسم أيضًا في التفسير السائد لحسم الإرهاب وحرب العصابات. وكما هو الحال في القتال التكتيكي، يُفسَّر النصر الحاسم بشكل أفضل في الحروب بين جيوش الدول منه في الحروب بين دولة ومنظمة إرهابية. ينبغي توضيح ذلك: إن تحقيق نصر حاسم من قِبل المنظمات الإرهابية ومنظمات حرب العصابات أمر ممكن، ولكنه معقد وأقل وضوحًا.
منذ حرب يوم الغفران، كانت جميع حروب إسرائيل ضد منظمات إرهابية ومنظمات حرب العصابات، “جيوش الإرهاب”، باستثناء المواجهة مع سوريا في حرب لبنان الأولى (1982) وحرب الأيام الاثني عشر مع إيران (2025). في هاتين الحربين، امتنع المستوى السياسي عن المطالبة بنصر حاسم. فضّلت أهدافًا محدودة، كان من بينها، على سبيل المثال، “المس بالقدرات”، و”زيادة الردع”، و”تدمير القدرات”. وهكذا، على مر السنين، نشأ واقعٌ تراجع فيه تدريجيًا مفهوم “الحسم”. أما السؤال عما إذا كان هذا التطور يعكس عجزًا من المستوى العسكري عن هزيمة هذه التنظيمات، أم عدم رغبة المستوى السياسي في المخاطرة بدفع ثمن هذا النصر؟ الإجابة هي كليهما. عرض المستوى العسكري تداعيات هزيمة منظمة إرهابية مختبئة بين السكان المدنيين على المستوى السياسي، الذي قرر مرارًا وتكرارًا أن الثمن سيكون باهظًا للغاية، ولذلك امتنع عن تحديد “الحسم” كهدف للحرب.
هل انتصرت إسرائيل في حرب “السيوف الحديدية”؟ (بافتراض انتهاء الحرب بالفعل)
ينبغي صياغة إجابة هذا السؤال في ضوء أهداف الحرب، كما حُددت في بدايتها:
انهيار حكم حماس في قطاع غزة وتفكيك قوتها العسكرية
إزالة أي تهديد عسكري من القطاع لدولة إسرائيل، واستعادة الشعور بالأمن لدى سكان النقب الغربي
استعادة الأمن والمناعة الوطنية للمواطنين الإسرائيليين
تعزيز الردع الإسرائيلي ومنع التصعيد في ساحات أخرى
تهيئة الظروف لعودة الأسرى لدى حماس
العودة الآمنة لسكان القطاع والشمال إلى ديارهم (أُضيف هذا الهدف في أيلول 2024).
صُممت بعض الأهداف بطريقة لا يمكن قياسها: “الشعور بالأمن”، “استعادة المناعة الوطنية “، “تعزيز الردع” – هذه مفاهيم وإنجازات لا يمكن تقييمها أو قياسها بدقة. في نهاية المطاف، لا يُختبر الردع إلا عند انهياره، وبالتالي، فإن مدى نجاحه، ما دام العدو ممتنعًا عن التحرك، أمرٌ قابلٌ للنقاش. إن الشعور بالأمن أمرٌ نسبي، والمناعة الوطنية تُقاس بالقدرة على التعافي من الأزمة، لذا لا يُمكن اختبارها إلا بعد فترةٍ من الوقت وخلال الأزمة التالية. لقد تحقق هدف إعادة المُهجّرين من مستوطنات جنوب وشمال البلاد. ورغم أنه حتى وقت كتابة هذا التقرير، لم يُعاد بعد ثلاثة مختطفين قتلى إلى إسرائيل، يُمكن القول إن هدف تهيئة الظروف لعودة المختطفين قد تحقق. لذلك، يبقى أن ندرس مسألة انهيار حكم حماس وتفكيك قوتها العسكرية.
حسم حماس / تفكيك قدراتها العسكرية: فيما يتعلق بحماس، تُعرّف هزيمتها المنشودة في صياغة أهداف الحرب الرسمية بأنها تفكيك قوتها العسكرية وإلغاء حكمها المدني في قطاع غزة. اليوم، لم تعد حماس جيشًا إرهابيًا كما كانت عشية 7 أكتوبر 2023: فقد تم تصفية قادتها، وتفكيك كتائبها، ووحداتها لا تعمل بشكل منهجي، وليس لديها صناعة عسكرية، ولا وحدة اتصال، ولا قوات خاصة، ولا سلاح جوي، ولا قوة بحرية، ولا مقر قيادة منظم. لا يشارك أعضاؤها في قتال منظم، بل هم في حالة حرب عصابات وخلايا إرهابية صغيرة، تركز أنشطتها، بالإضافة إلى جهودها لإلحاق الضرر بقوات الجيش الاسرائيلي، على البقاء. علاوة على ذلك، يُعرّف وضع حماس بأنها مهزومة من قبل العديد من سكان غزة وقادة الرأي العام الفلسطيني.
من حيث القدرات العسكرية، تمتلك حماس حوالي 10 في المئة من الصواريخ التي كانت لديها قبل القتال، ووفقًا للتقديرات العامة، يمتلك مقاتلوها البالغ عددهم 17 ألفًا (معظمهم جدد وغير مدربين) حوالي 10 آلاف بندقية. وبأي مقياس فيما يتعلق بالتهديد الذي واجهته إسرائيل عشية 7 أكتوبر، فإن هذا واقع مختلف تمامًا. وفي الوقت نفسه، لا تزال هناك حاجة إلى آلية وترتيبات أمنية مخصصة لمنع إعادة تأهيل المنظمة الإرهابية. لذلك، فإن حسم حماس، إذا ما تم تحديده كهدف، يتطلب تدمير الآلية التي تسمح لحماس بتجنيد عناصر جدد مع إبعاد الإرهابيين الحاليين عن دائرة القتال (أو بموافقتهم كجزء من “اتفاقية مسلحين” يسلمون بموجبها الأسلحة إلى السلطة الأمنية في غزة ويلتزمون بالامتناع عن الإرهاب أو القوة العسكرية).
تدمير القدرات الحكومية: يمكن تحقيق كل من تصنيف حماس كمنظمة إرهابية وتدمير قدراتها الحكومية بشرط تشكيل حكومة منافسة. تسيطر حماس اليوم على حوالي نصف أراضي قطاع غزة، ولكن في غياب هيئة حاكمة أخرى، وبما أن حماس لا تزال تمتلك أسلحة، فإنها تعزز سيطرتها وتردع أي كيان أجنبي عن دخول غزة ومحاولة نزع سلاحها. كل يوم يمر دون تشكيل هيئة بديلة تستغل ضعف حماس الحالي لفرض سيطرة مدنية هو يوم تزداد فيه حماس قوة.
تحدد خطة الرئيس ترامب لإنهاء الحرب بالتفصيل مجلس إدارة دولي (مجلس السلام – BOP) وحكومة تكنوقراطية، والتي ستسيطر مؤقتًا على قطاع غزة حتى تستعيد السلطة الفلسطينية السيطرة على القطاع بعد اجتيازها عملية إصلاح شاملة (وفقًا لقرار مجلس الأمن رقم 2803، 17 تشرين الثاني 2025 – في غضون عامين). كما تقدم الخطة إنشاء قوة استقرار مؤقتة (ISF). إن نشر هذه القوة، التي تضم قوات أمن من مختلف البلدان، بما في ذلك الفلسطينيين، يشكل منافسة لحماس. وعلى الرغم من أنه من غير المرجح أن يفرض نزع سلاح حماس، فإن حقيقة أنها ستسمح بحل بديل لسيادة القانون والنظام ستضعف حماس. من الناحية العملية، من المفترض أن يحل هذا النظام الحكومي محل حماس ويحقق هدف الحرب في هذا السياق.
الخلاصة
النصر هو تحقيق أهداف الحرب وتحسين الوضع الأمني لإسرائيل مع مرور الوقت. في هذا السياق، هزمت إسرائيل حماس بالفعل في قطاع غزة – وهي حملة ركزت عليها هذه المقالة (وليس في ساحات أخرى). لقد تغير النظام بالفعل، ولكن يجب تعديل هذا القول نظرًا لضيق الوقت، مما يجعل من الصعب تقييم التغيير بشكل كامل: يتطلب الأمر منظورًا أطول وأوسع لتقييم كيفية ومدى تحسن الوضع الأمني لإسرائيل. ومع ذلك، فمن خلال الفترة الزمنية وحتى يومنا هذا، يمكن الجزم بأن الوضع الأمني لإسرائيل من حيث الدفاع الوطني أفضل بكثير مما كان عليه قبل الحرب.
في هذا السياق، يجب التأكيد على أن الدفاع الوطني هو المكون العسكري للأمن القومي. إنه التقييم الصافي للتهديدات التي تواجه إسرائيل والرد عليها. وهو لا يشمل المكونات الدبلوماسية والاقتصادية والاجتماعية للأمن القومي. مع ذلك، بدون التنفيذ الكامل لخطة ترامب، لن يتم نزع سلاح حماس ولن يتحقق بديل لها في قطاع غزة. إذا لم تُنفذ الخطة (بما في ذلك مرحلتها الثانية)، فلن يتحقق هدف الحرب هذا.
لم يتُحدد حسم حماس كهدف حرب قط، وبهذا المعنى، فقد تحققت أكثر مما تم تحديده كهدف. حماس الآن منظمة مهزومة. في اليوم الذي تنتهي فيه الحرب رسميًا، في 10 أكتوبر 2025، ستكون قدرات حماس العسكرية قد تراجعت 30 عامًا. ومع ذلك، فإن حماس معزولة عن قنوات التعزيز، لكنها تتعافى، وتسيطر فعليًا على نصف أراضي قطاع غزة، وتزيد سيطرتها على ما يقرب من 98 في المئة من سكان القطاع، وتعزز قوتها العسكرية (خاصة في مجال العبوات الناسفة، وتعيين القادة، وتدريب المقاتلين). مع مرور الأيام، وتوقف عملية نزع سلاح المنظمة وتفكيك وحداتها، وظهور بوادر تجنيد جديدة لمقاتليها في قوة رسمية، سيثبت إنجاز إسرائيل أنه مؤقت، وسيتجدد التهديد لها. وكذلك القتال ضد حماس.
——————————————-
هآرتس 23/11/2025
الولايات المتحدة بدأت تقلص تواجدها العسكري في القيادة في كريات غات
بقلم: ليزا روزوفسكي
(سي.ام.سي.سي)، هكذا قالت للصحيفة مصادر امريكية رسمية. وحسب هذه المصادر فان هدف الولايات المتحدة هو ان يكون هذا المركز خاضع لمجلس السلام الدولي الذي سيقام في المستقبل القريب. في اطار الخطوة الامريكية فان جزء من الـ 200 رجل عسكري الذين كانوا في اسرائيل لغرض اقامة المركز في كريات غات بدأوا في المغادرة.
مصدر أكد على ان مجلس السلام الذي سيتراسه الرئيس الامريكي دونالد ترامب يشكل عامل اساسي في الخطة الامريكية. “مثلما كتب في قرار مجلس الامن الذي اتخذ هذا الاسبوع فان المجلس سينسق توفير المساعدات الانسانية وسيدفع قدما بتطوير غزة. المجلس ايضا سيدعم لجنة التكنوقراط الفلسطينية التي ستكون مسؤولة عن التنفيذ اليومي للخدمات المدنية في غزة وعن ادارتها، في حين ان السلطة الفلسطينية ستطبق خطة اصلاحاتها”، قال المصدر.
مصادر دبلوماسية مطلعة على ما يحدث في مركز التنسيق في كريات غات ومصدر اخر في نفس المركز قالت ان تطوير القطاع، أو للدقة بناء “الهيئات المؤقتة البديلة” تحت سيطرة الجيش الاسرائيلي شرق الخط الاخضر توجد في اعلى سلم الاولويات الامريكية. “يوجد للامريكيين هدفان، فتح المزيد من المعابر لادخال المساعدات الانسانية وبناء الهيئات المؤقتة”، قال في هذا الاسبوع مصدر دبلوماسي. وقد قدر انه ربما الحديث يدور ايضا عن مصلحة اسرائيلية، حيث ان بناء هذه الهيئات سيقسم القطاع الى قسمين.
في مركز التنسيق تمثل الان اكثر من 20 دولة من بينها دول اوروبية ودول عربية مثل مصر واتحاد الامارات. كجزء من مشاركتها في المركز هذه الدول تطرح على الامريكيين اسئلة قانونية واخلاقية تتعلق بالخطة التي بحسبها ستبى احياء جديدة في القطاع، من بين هذه الاسئلة من سيتم اختياره للسكن فيها وبأي معايير، هل من سيتم استيعابه يمكنه الخروج، وماذا سيكون مصير اصحاب الاراضي الاصليين. مصدر دبلوماسي تحدث مع “هآرتس” قال ان الفكرة الامريكية الان هي مصادرة الاراضي من اصحابها وتعويضهم. وحتى انه اشار الى ان اعمال تخطيط في مركز التنسيق المرتبطة باخلاء الانقاض من اجل بناء التجمعات المؤقتة تتقدم بوتيرة سريعة.
حسب مصادر اخرى فان الدول التي تشارك في مركز التنسيق لا تعارض بصورة شديدة الخطة الامريكية الان. بعضها يحاول اقناع الولايات المتحدة باستغلال اقامة الاحياء من اجل منح السلطة الفلسطينية دور عملي في القطاع. “سيتعين على احد ما ان يدير المدارس والمستشفيات في غزة”، قال هذا الاسبوع دبلوماسي اوروبي.
رغم الضغط الذي تستخدمه الدول على الولايات المتحدة الا ان بعض المصادر اكدت على ان من يقرر بالفعل بشان سياسة بناء الاحياء لا يوجد في مركز التنسيق. وحسب اقوال المصادر فان المركز مسؤول فقط عن توفير حلول هندسية وتقنية للبناء. القرارات تتخذ في البيت الابيض او في اطار المشاروات في البيت الابيض أو في اطار المشاورات بين البيت الابيض والمستوى السياسي في القدس.
ادخال المساعدات الانسانية
في الاسبوع الماضي نقلت صلاحيات منسق شؤون الحكومة في المناطق في كل ما يتعلق بتنسيق ادخال المساعدات الانسانية الى مركز التنسيق. هذا حسب مصدر امريكي رسمي وحسب مصدر في المركز. مصادر مختلفة تحدثت مع “هآرتس” وصفت وجود توتر ثار بين الاسرائيليين والامريكيين في المركز على خلفية قرارات تتعلق بالمساعدات. مع ذلك، دبلوماسي مطلع على ما يحدث قال ان الطرفين نجحا في التوصل الى تسوية فيما يتعلق بعدد الشاحنات وانواع البضائع التي ستدخل الى القطاع (في اسرائيل يخشون من ادخال بضائع “ثنائية الاستخدام”). دبلوماسي اخر قال انه “لا يوجد تغيير كبير على الارض في مواقف الاسرائيليين في كل ما يتعلق بادخال المساعدات الانسانية”.
حسب مصدر امريك، رغم انه حسب اتفاق وقف اطلاق النار فان اسرائيل ملزمة بادخال 600 شاحنة مساعدات كل يوم الا ان العدد ارتفع مؤخرا الى 800 شاحنة في المتوسط، الامر الذي ينسبه لعمل مركز التنسيق. منسق اعمال الحكومة في المناطق، قال المصدر، هو “جزء لا يتجزأ من مركز التنسيق الذي يعمل بموازاة مطلقة من اجل ضخ اكبر قدر من المساعدات لسكان غزة المحتاجين اليها”. ولكن بيانات الامم المتحدة تظهر ان جزء صغير جدا من الشاحنات التي دخلت الى القطاع منذ وقف اطلاق النار ينتمي الى التجمع الانساني (الامم المتحدة والمنظمات الدولية الاخرى) التي تعمل بتعاون مع المركز.
منذ دخول وقف اطلاق النار الى حيز التنفيذ تم ادخال 4335 شاحنة تعود لهذا التجمع الانساني. أي انه في الستة اسابيع التي مرت فان مساعدات الامم المتحدة التي تم ضخها هي كمية تكفي لاسبوع واحد، أي ان نصيب الاسد من الطعام والبضائع التي تدخل تاتي الى السوق الخاصة او يتم ادخالها من قبل دول تمنح مساعدات ليس بواسطة اجهزة الامم المتحدة.
“معظم البضائع التي يتم استيرادها لاغراض تجارية هي المعلبات، الشوكولاتة ومنتجات مشابهة”، قال مصدر في الامم المتحدة. “بالنسبة الينا لا يهمنا اذا احضروها أو لا، كنا نريد رؤية أنه عبر القطاع الخاص يتم ايضا ادخال مواد غذائية”. المصدر اكد انه ايضا بعد شهر ونصف على بداية وقف اطلاق النار ما زال في القطاع من الصعب الحصول على منتجات اللحوم والحليب والخضراوات. وحسب قوله فان معظم السكان يتغذون على الكربوهيدرات. مصدر امريكي رسمي قال للصحيفة بان “مركز التنسيق وكل الشركاء فيه يعملون بنشاط لزيادة نسبة المساعدات الانسانية مقارنة بنسبة البضائع الداخلية عبر القطاع الخاص”.
من منسق اعمال الحكومة في المناطق جاء ردا على ذلك بانه “بدات عملية دمج الامريكيين في اجهزة التنسيق لادخال المساعدات الى قطاع غزة، الذي يشمل تعاون معلوماتي الى جانب نقل غرفة التنسيق المشتركة من غرفة عمليات غزة الى سي.ام.سي.سي”. ايضا المصادر قالت بانه “تقرر ان يكون الامريكيين في جبهة المحادثات مع المجتمع الدولي في السياقات الانسانية، وفي التنسيق وفي تخطيط مشترك مع الوحدة”.
في قسم منسق اعمال الحكومة في المناطق اكدوا على ان “الحديث لا يدور عن عملية نقل صلاحيات او مسؤولية من منسق اعمال المناطق للامريكيين، بل عن دمج الامريكيين في بلورة وتطبيق آلية التنسيق، الرقابة والاشراف، في مجال المساعدات الانسانية، بالتعاون مع الجهات الامنية الاسرائيلية”. حسب قسم منسق اعمال الحكومة في المناطق فانه “لا يوجد أي تغيير في سياسة فحص المساعدات ومحتوياتها. شاحنات المساعدات سيتم فحصها في المعابر من قبل اجهزة الامن والسلطات الاسرائيلية. هذا الى جانب اتخاذ النشاطات المطلوبة لصالح تقليص تدخل منظمة الارهاب حماس في المساعدات الانسانية”.
——————————————
هآرتس 23/11/2025
بعد تسجيل سلسلة إنجازات سياسية، سياسة الشرع الداخلية موضع اختبار
بقلم: تسفي برئيل
“لقد ارسلنا رسالة تهنئة الى جميع البنوك الدولية. بدأنا في الاحتياطي الفيدرالي. ونحن نؤكد لهم على عودتنا الى النظام المالي الدولي وتطلعنا الى علاقات تجارية بعيدة المدى”، هذه هي الرسالة التي ارسلها محافظ البنك المركزي في سوريا، عبد القادر خصرية، في يوم الخميس الماضي. النظام في سوريا يأمل، برئاسة احمد الشرع، ان يكون هذا بداية عهد جديد تصبح فيها سوريا ارض الفرص.
في نفس اليوم تم ابلاغ سوريا بقرار رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، بريان ماست، المعارض المتشدد جدا لرفع العقوبات عن سوريا حتى الآن، بالموافقة على رفع العقوبات عنها. وماست اشترط موافقته على ان ينص التشريع على امكانية اعادة فرض العقوبات على سوريا اذا لم تقم بالوفاء بالتزاماتها. ويتوقع ان يصوت مجلس النواب الامريكي في بداية كانون الاول القادم على الموافقة النهائية على رفع العقوبات، الامر الذي سيفتح انبوب تدفق الاموال الى سوريا على مصراعيه، الذي تراكمت عند مدخله تعهدات مدهشة: السعودية وعدت باستثمارات تبلغ 6 مليارات دولار، قطر تنقل الان كميات من النفط والغاز، الامارات وقعت على اتفاقات بمبلغ 800 مليون دولار لاعادة الاعمار وادارة الموانيء في سوريا في البحر المتوسط، الاتحاد الاوروبي وصندوق النقد الدولي مستعدان بالفعل لتقديم مساعدات كبيرة لخطة اعمار سوريا.
لكن سوريا تظهر الان مثل هاوية لا قرار لها. تقديرات البند الدولي لحجم الاضرار التي لحقت بسوريا في فترة الحرب الاهلية تبلغ حوالي 215 مليار دولار. رغم ان هذا المبلغ اقل مما تم تقديره قبل سنة فقط الا انه ما زال مبلغ كبير يتطلب ليس فقط فتح الخزينة الدولية، بل هو يقتضي ايضا استعداد مناسب من قبل سوريا. مثلا، سيتعين على سوريا اجراء اصلاحات جذرية للبنية التحتية المالية كلها، يشمل اعادة بناء النظام المصرفي الذي كان يدار في عهد الاسد كجهاز الصراف الالي الخاص بعائلته، واعتماد تشريعات تتلاءم مع المعايير الدولية لمكافحة غسل الاموال والشفافية في انفاقها، وبناء آلية رقابة حكومية وغير حكومية لنشر المناقصات وتحويل الاموال، ضمن امور اخرى، لمنع الاخفاقات الشديدة التي اتسمت بها مئات المليارات من المساعدات التي حصل عليها العراق وافغانستان بعد حرب الخليج. في ذلك الوقت تسربت اموال ضخمة للجيوب الخاصة بدون رقابة واشراف.
نظام الشرع ملزم ايضا بسن تشريع ورقابة في مجال حقوق الانسان وحقوق الاقليات، وترميم جهاز القضاء الذي يعمل الان بالحد الادنى، واجراءات لاستيعاب 6 ملايين لاجيء سوري يعيشون الان في تركيا، لبنان ودول اوروبية، واستيعاب 2 مليون لاجيء سوري في داخل الدولة.
سوريا هي في هذه الاثناء دولة هشة حصلت على ترخيص دولي لاعادة الاعمار، ولا توجد منطقة واحدة في البلاد لا تحتاج الى اعادة اعمار جذرية. ولعل وضع جهاز التعليم هو المثال الابرز على هذا التحدي. في كانون الاول 2024 عندما تم اسقاط نظام الاسد على يد مليشيات الشرع، قدرت وكالات الامم المتحدة ومنظمات الاغاثة الدولية بان اكثر من 2.4 مليون طفل لا يذهبون الى المدارس، وان اكثر من مليون طفل معرضين لخطر التسرب من المدرسة.
بعد مرور سنة تقريبا على سيطرة النظام الجديد على البلاد لم يتحسن الوضع بشكل كبير. وفقا لتقارير اعلامية سورية تعاني المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، التي تشكل 60 في المئة من مساحة البلاد، من نقص يقدر بنحو 80 ألف معلم. ايضا نصف المدارس مدمرة بالكامل أو انها غير صالحة للتعليم، لا سيما عند بدء فصل الشتاء ونقص التدفئة. يتم دفع الان جزء من رواتب المعلمين، ويجبر كثيرون منهم على العمل اليدوي لزيادة الدخل. معظم المدارس تنقصها الكتب الدراسية والدفاتر والقرطاسية الامر الذي يجبر الاباء على شرائها من راتبهم القليل. هذا اذا كان لهم أي دخل في الاصل.
وزارة التعليم في سوريا حاولت حل المشكلة من خلال تطبيق يمكن طلاب الابتدائية من تنزيل الكتب الدراسية. ولكن في مناطق واسعة في البلاد ينقطع الانترنت أو لا تتوفر الكهرباء الكافية لتشغيله، الامر الذي يجبر الاباء على طباعة الكتب على نفقتهم الخاصة.
قطر قدمت يد العون في الشهر الماضي، حيث وزعت 680 الف كتاب دراسي. ولكن هذه الكتب لم يتم ارسالها الا الى محافظة ادلب وحلب وشمال سوريا. وتركيا من ناحيتها ستساعد في ادارة وتنظيم جهاز التعليم بما يلبي متطلبات سوق العمل.
بعيدا عن مسالة الميزانيات المطلوبة لتمويل النشاطات الجارية في نظام التعليم فقد ورثت ادارة الشرع نظام تعليمي غير موحد من حيث المنهاج. ففي المناطق الخاضعة لسيطرة النظام تم تطبيق منهاج تعليمي وضعه واملاه حزب البعث الحاكم. في المقابل، ساد نظام تعليمي مستقل في المناطق الكردية في شمال البلاد، وكان المواد التعليمية تختلف عن مواد النظام، بينما طبق في محافظة ادلب، التي كانت تحت حكم “حكومة الانقاذ الوطني” التابعة لهيئة تحرير الشام، مناهج تعليمية اسلامية تختلف عن النظامين الاخرين.
في كانون الثاني الماضي سارع النظام الى “تطهير” المناهج التعليمية من وجود نظام الاسد. حيث تمت ازالة صورة القائد والشعارات التربوية التي تمجد اعماله، وتم الغاء دروس التاريخ التي تصف “الاحتلال العثماني” والنشيد الوطني ودروس “التربية الوطنية”. هذه اجراءات معروفة في الدول التي كانت فيها ثورات، لكن لم يتم ملء بعد مكان المحتوى القديم المحظور، بمحتوى جديد، عصري ومهني، يربي الجيل الضائع من الطلاب السوريين.
هكذا، في حين ان شق الشوارع وبناء آلاف البيوت واعادة بناء جهاز الصحة المنهار وانشاء بنية تحتية حديثة للاتصالات أو توفير الكهرباء بانتظام، هي مشاريع تحتاج ميزانيات ضخمة، الا انها لا تثير الخلافات الايديولوجية. في المقابل، سيكون تصميم جهاز التعليم وصياغة المناهج التعليمية هو المعيار الذي سيختبر فيه التوجه الايديولوجي الذي ينوي النظام قيادة البلاد نحوه. ما زال يتوقع حدوث صدامات صعبة بين التيارات الايديولوجية حول هذه الامور. والاختبار الحقيقي ينتظر النظام.
سيتم الان فحص النجاح السياسي المدهش الذي حققه الشرع وبنى حوله غطاء سعودي وتركي وقطري، خاصة امريكي، الذي منحه الشرعية الدولية والدعم المالي. هذا النجاح يوجد الان تحت المجهر لمعرفة لمن سيعزو الرئيس السوري الفضل السياسي الذي حصل عليه، والى أي درجة ينبغي منحه الثقة. رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الغاضب جدا من ان الشرع “عاد منفوخ من واشنطن وبدأ يفعل امور لن توافق عليها اسرائيل”، هو المؤشر الابرز على عدم الثقة بالنظام السوري الجديد. حديث نتنياهو لا يقتصر فقط على مسالة الترتيبات الامنية التي لا تحرز المفاوضات بشانها أي تقدم حاليا، بل يمكن تفسير اقواله ايضا بانها تعبير ساخر عن عدم جديته، وربما عن غباء ترامب الذي وقع في شرك العسل الذي نصبه له الشرع عندما سارع الى سحب لقب “الارهابي الجهادي” عنه. ترامب قد يكون جاهل وساذج في الامور “الاسلامية”، لكن يصعب التشكك في هذا الامر بالنسبة للسعودية ودولة الامارات. فالموقف الحازم لهما ضد الاسلام المتطرف والتنظيمات الاسلامية المتطرفة معروف، ومن المستبعد ان تقوم بدعم من تخشى من اقامته لدولة اسلامية في سوريا، التي لن تشكل فقط تهديد لاسرائيل، بل لكل المنطقة.
عندما قدمت هذه الدول، التي تضاف اليها تركيا التي طموحاتها في سوريا استراتيجية ولا تنبع من ايديولوجيا دينية، لترامب ضمانات على حسن سلوك الشرع فانها تقدمها بشكل غير مباشر لاسرائيل ايضا. هذه الدول يقلقها ايضا سؤال ما اذا كانت سوريا ستكون دولة اسلامية دينية أو دولة تكنوقراط، حتى لو لم تتضمن الديمقراطية، بسبب عامل الخوف من النظام في الساحة الدولية. هذه الدول، مثل الولايات المتحدة، تعترف بان خطاب الشرع وحده غير كاف لتبديد عامل الخوف هذا. هو يجب عليه توفير اثباتات عملية بواسطة السياسة الداخلية، مناهج التعليم، تشريعات وكبح الجهات المتطرفة. هذه ستكون هي التي ستحدد درجة الثقة التي يمكن وضعها في الترتيبات الامنية التي سيتم التوصل اليها مع النظام، اكثر من أي اتفاق سيتم التوقيع عليه معها.
——————————————
معاريف 23/11/2025
التدهور في الضفة سيصعب على الجيش الإسرائيلي التصدى لساحات اخرى
بقلم: آفي أشكنازي
بهدوء تام يواصل الجيش الإسرائيلي العمل في قطاعه غزة. الشاباك وأمان (المخابرات والاستخبارات) يواصلان جمع المعلومات الدقيقة في كل ما يتعلق بحركة نشطاء حماس. في رفح، مقاتلو سلاح الهندسة القتالية الى جانب مقاتلي لواء الناحل ولواء جولاني يغلقون على المخربين الذين يوجدون تحت الأرض في جيوب الانفاق إياها تحت حي الجنينة في رفح. في الأيام الأخيرة أصاب الجيش الإسرائيلي مخربين فقتل عشرات منهم. وأول أمس وأمس بدأ بعضهم يخرج من الانفاق، بعضهم صفي بنار مقاتلي الجيش والباقون رفعوا الايادي واعتقلوا.
في تحقيقهم رووا أن بعضا من رفاقهم قتلوا تحت الأرض وان الغذاء والماء نفدا. والان بات هذا مسألة أيام – إما ان يستسلموا أو يلقوا حتفهم.
لقد اثبت رئيس الأركان الفريق ايال زمير في حملة “عربات جدعون 2” أيضا بانه يعمل من الرأس وليس من البطن: ان الجيش الإسرائيلي ملزم بان يستغل تفوق قوته وعظمته وينبغي استخدامهما بتقنين، بحيلة وبكثير جدا من الصبر. هكذا تحفظ القوة، يحمى المقاتلون ويتم الوصول الى النتيجة المرغوب فيها – حتى لو استغرق هذا بضعة أيام أخرى.
يستعد الجيش الإسرائيلي في هذه اللحظة للقتال في ثلاث ساحات: ايران، لبنان وغزة. ايران تشدد سباق تسلحها. وهي تعمل في الداخل وفي الخارج وتحاول ترميم منظومة صواريخها الباليستية. هدفها هو جمع عدد هائل من الصواريخ، ولكن أيضا عدد كبير على نحو خاص من المنصات. في حملة “الأسد الصاعد” فهم الإيرانيون بان ليس لعدد الصواريخ معنى، اذا لم يكن لديك ما يكفي من المنصات كي تخلق تواصلا لاطلاق الصواريخ. وبخاصة عندما يكون لسلاح الجو تفوق جوي فوق سماء ايران.
في طهران يفهمون بانهم لن يتمكنوا من المواجهة وحدهم لقوة الجيش الإسرائيلي وسلاح الجو. وعليه يعمل النظام على أعادة بناء الطوق الخانق على إسرائيل. من الحوثيين في اليمن، عبر الميليشيات الشيعية في العراق وحتى في سوريا، مرورا بحزب الله والمنظمات الفلسطينية في لبنان وحتى اغراق بلدات الوسط العربي في إسرائيل بكميات هائلة من السلاح. بالتوازي تحاول ايران إعادة إقامة كتائب الإرهاب في الضفة.
في لبنان، برعاية ايران، يحاول حزب الله بناء قوة اجتياح وقوة نار تضرب الجبهة الإسرائيلية الداخلية. حزب الله وايران يستغلان ضعف حكومة لبنان والجيش اللبناني. يدور الحديث عن جيش ضعيف وفاسد، بعض من الجنود والضباط فيه يتلقون رواتب من الحكومة بالتوازي مع مبالغ مالية شهرية من حزب الله أيضا. النتيجة في افضل الأحوال هي غض النظر، وفي الحالة الأسوأ مساعدة فاعلة لمنظمة الإرهاب.
في الجيش الإسرائيلي يعملون ضد تسلح حزب الله. سلاح الجو يهاجم على أساس يومي أولئك المسؤولين الذين يعملون في المنظمة على بناء قوة حزب الله. كما أنه يعمل ضد المخازن والمنصات التي تنصب في الميدان. واضح للجيش منذ الان بانه سيعمل مرة أخرى في لبنان والسؤال هو فقط متى – هذا الأسبوع، الأسبوع القادم ام ربما فقط في الشهر القادم. لكن لا يوجد شك بان هذا سيحصل، ببساطة لان الجيش اللبناني لا يفي بمهمته لنزع سلاح حزب الله.
في الجبهة الجنوبية، حماس لا تلتزم بالاتفاق. هي تحتجز ثلاثة جثامين مخطوفين ولم تعدهم الى إسرائيل بعد. بالتوازي، في الجيش الإسرائيلي يفهمون بانه بدون نزع سلاح حماس وتجريدها من انفاقها في ارجاء القطاع – سيتعين العودة للعمل بل وحتى احتلال كل القطاع.
هذه المرة، سيدخل الجيش الإسرائيلي الى المعركة بلا قيود وكوابح تتمثل بمدنيين وجنود مخطوفين، مثلما كان حتى وقت أخير مضى. الاحداث في نهاية الأسبوع في رفح وبجوار الخط الأصفر تدل على أن حماس لا تزال تحاول تحدي الجيش الإسرائيلي وانها ليست مهزومة على الاطلاق.
مشكلة الجيش الإسرائيلي الأخرى الان هي ما يجري في الضفة. 25 كتيبة تعمل في هذه الجبهة للحفاظ على وضع لا تنجح فيه حماس ومنظمات الإرهاب، التي تعمل وتمول من ايران بل وتوجه الى تركيا، في خلق موجة إرهاب اجرامية في الضفة وفي خط التماس. الجيش الإسرائيلي يعمل كل ليلة وينفذ مع الشاباك اعتقالات واعمال احباط.
غير أن المشكلة المقلقة هي الإرهاب اليهودي الذي نبت منفلتا في الضفة ويهدد بدهورة الوضع. ان التدهور في الضفة سيجعل من الصعب على الجيش الإسرائيلي ان يتصدى للساحات الثلاثة التي يتوجب عليه ان يتصدى لها بقوة عالية – وعلى ما يبدو قريبا.
——————————————-
يديعوت احرونوت 23/11/2025
غزة على الطاولة
بقلم: يؤاف زيتون
دون أي نموذج دولي سابق في العالم، ومع درس مرير من فشل اليونيفيل في جنوب لبنان، وبين تفاؤل حذر وتشاؤم طفيف، تجتمع ست مراكز أبحاث وفرق توجيهية كل صباح في الطابق الثالث والأخير من مقر التنسيق الأمريكي. تضم هذه المراكز ممثلين من 21 دولة، ويحاولون تحديد مستقبل قطاع غزة. معظمهم متحمسون، لكنهم ينتظرون قرارًا بعيدًا عن المنطقة الصناعية في كريات غات. من الواضح للجميع: إذا فشلت الخطة أو تأخرت، ستكون حماس المستفيد الأكبر.
يقدر الجيش الاسرائيلي أن هذا هو الوقت الذي سيستغرقه قرار الولايات المتحدة بإنشاء القوة متعددة الجنسيات، والذي بدونه لن تتحقق المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار مع حماس. بينما يناقش المسؤولون القانونيون في الأمم المتحدة صلاحيات القوة مع نظرائهم من القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM)، تناقش مجموعات العمل الست في كريات غات كيفية تجهيز المنطقة لاستيعابها بسرعة. إنهم يخططون للأسلحة التي ستمتلكها، وأين ستعمل تحديدًا وبأي تفويض، وكيفية منع تبادل إطلاق النار بينها وبين الجيش الاسرائيلي، وأجهزة الاتصال الخاصة التي سيستخدمها الجنود الأجانب الذين سينزلون في القطاع. حتى اسم القوة نوقش في المقر، وكذلك لون زي الجنود المفترض أن يحلوا محل مقاتلي الجيش الاسرائيلي، بما في ذلك المهام المتفجرة المتمثلة في تحديد مواقع أنفاق الإرهاب العديدة المتبقية في قطاع غزة، وتدميرها، وجمع الأسلحة، سواء بالاتفاق أو بالقوة، من أكثر من 20 ألف إرهابي من حماس.
وعلم موقعا Ynet ويديعوت أنه، خلافًا لتقارير مختلفة، فإن القوة متعددة الجنسيات – إذا ما شُكِّلت بالفعل ووافقت دول مختلفة، أغلبها مسلمة، على إرسال جنود إليها – ستتمركز بالفعل في قاعدة ستُنشأ لها في غزة، وليس في الأراضي الإسرائيلية. تُصرّ المؤسسة الدفاعية على ذلك، لكن قرارات الدول التي تُجرى معها مفاوضات بهذا الشأن ستكون لها وزنها، إذا كانت تخشى على مصير جنودها.
في الأسبوع الماضي، قرر الأمريكيون الكشف لوسائل الإعلام عن شكل المقر، على أمل أن تكتسب الدعاية لهذا النشاط، وإن كانت نظرية في معظمها، زخمًا إيجابيًا وأن تتحول الأقوال إلى حقائق وأفعال. في هذه الأثناء، يستمتع العشرات من موظفي المجمع بوقتهم هنا – بعضهم قادم من دول مثل مصر والإمارات العربية المتحدة وبريطانيا ونيوزيلندا – بفضل القرار التاريخي رقم 2803، الذي اعتمده مجلس الأمن الدولي الأسبوع الماضي، للتحرك نحو تشكيل حكومة جديدة في قطاع غزة، بدون حماس.
تنسيقٌ يُثبت جدارته
ممثلو السلطة الفلسطينية ليسوا في المقر، ولا الأتراك ولا القطريون، لكن روحهم تُلمس في كل نقاش: فالأموال الطائلة والدعم المركزي، وخاصةً التأثير على إعادة إعمار قطاع غزة، من المفترض أن يأتيا من العاصمتين اللتين أنهتا الحرب، أنقرة والدوحة. يُحذّر الجيش الاسرائيلي مجددًا من تدخّل تركيا وقطر، لكونهما جزءً من جماعة “الإخوان المسلمين” التي تنتمي إليها حماس.
آليات التنسيق المحدودة أثبتت جدارتها بالفعل. ليس لديها ضباط اتصال رسميون، ولكن عندما يخرج عناصر حماس الإرهابيون، بمن فيهم المسلحون، كل بضعة أيام للبحث – حتى على جانب الجيش الاسرائيلي من الخط الأصفر – عن المدنيين المختطفين، فإن مقاتلي الجيش الاسرائيلي لا يُلحقون بهم الأذى بفضل التنسيق التكتيكي الناجح بين الطرفين.
يقول الجيش الاسرائيلي: “بدأت الأمور تُصبح أسهل. حتى قبل عامين، على سبيل المثال، كان علينا أن نُثبت للعالم وللولايات المتحدة أن حماس تستولي على المساعدات الإنسانية، في عدد من الحوادث المعقدة. اليوم، يتواجد الأمريكيون فعليًا في قافلة المساعدات الإنسانية التي انتقلت إلى هنا من القاعدة الميدانية اليمنية، ونشهد ذلك يوميًا.
يُثبت هذا الاختلاف تحديدًا ما لم يتغير: تتلقى المنظمة الإرهابية آلاف الأطنان من الغذاء والوقود والغاز والأدوية يوميًا من 600 شاحنة تُدخلها إسرائيل إلى غزة، بهدف استعادة السيطرة على قطاع غزة وتحقيق استقلالها المالي أسبوعًا بعد أسبوع.
إحدى أكثر المجموعات إثارة للاهتمام هي مجموعة الاستخبارات. لإعداد القوة متعددة الجنسيات للعمليات، يُقدم ممثلو مديرية الاستخبارات في مقرها تقارير ومراجعات يومية للضباط الأجانب لشرح كيفية عمل حماس كمنظمة عسكرية. كيف تبدو أنفاقها المختلفة من الداخل، وكم من الوقت يستغرق بناء أو ترميم فتحة نفق تم قصفه، وما هو هيكل سرية وفصيلة حماس، وأنواع أسلحتها وتشكيلات الغارات الخاصة بها – بشكل رئيسي في تكتيكات حرب العصابات جنبًا إلى جنب مع نيران مضادة للدبابات وقناصة، والتي استخدمها إرهابيوها بشكل رئيسي في العام الماضي ضد قوات الجيش الاسرائيلي.
الهدف بسيط: أن تكون القوة – التي سيصلون إلى هنا بعد تدريب في قواعد مخصصة في الأردن ومصر، وربما إلى جانب ضباط الشرطة الفلسطينية الذين سيتلقون تدريبًا موازيًا لمهام مماثلة، فلا يفاجأوا بمواجهتهم الأولى مع الإرهابيين.
لا يوجد نموذجٌ لمثل هذه القوة متعددة الجنسيات في العالم. يصف الجيش ذلك قائلاً: “كنا نبحث عن شيء نتعلمه منها، مع التركيز على كيفية منع الاخطاء”. “على سبيل المثال، قوة حفظ السلام متعددة الجنسيات في السودان مسلحة، لكنها كانت تميل إلى الفرار بدلًا من المواجهة كلما أُطلقت عليها النيران. من نواحٍ عديدة، ستكون القوة متعددة الجنسيات في غزة الأولى من نوعها في العالم. لقد أُسندت مهمة التأسيس الفعلي للقوة إلى الوحدة المسؤولة عن القوات الخاصة في القيادة المركزية الأمريكية، وبالتالي يُمكن الافتراض أن جنودها لن يكونوا مشابهين للمفتشين الفلبينيين أو الإيطاليين المتساهلين في قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك في الجولان السوري أو اليونيفيل في جنوب لبنان. بشكل عام، يُذكر مصطلح اليونيفيل كثيرًا في مناقشات التوجيه، وفي سياق سيء: من وجهة نظر الجيش الاسرائيلي، فإن القوة الدولية التي تعمل لفرض السلام في جنوب لبنان منذ أواخر السبعينيات هي عكس ما يريدون رؤيته في غزة تمامًا.
يُستفاد من فشل اليونيفيل، وخاصة في العامين الماضيين، كدرس سلبي لمستقبل غزة: نجح حزب الله في إرهاب المفتشين بالقبعات الزرقاء في جنوب لبنان، وكانوا يخشون دخول الأماكن الخاصة ليشهدوا بأنفسهم تعزيز جيش الإرهاب ضد الجليل. من وجهة نظر الجيش الاسرائيلي، لن يكون هناك مثل هذا الخوف تجاه حماس في دير البلح أو خان يونس، بالتأكيد بعد اكتمال الانسحاب الإسرائيلي من الخط الأصفر كجزء من المرحلة الثانية. تُبنى الثقة بين الطرفين ببطء وثبات من القيادة: عندما تدخل قوة من الجيش الاسرائيلي من لواء الناحل إلى بيت حانون أو جزء من جباليا لتدمير نفق اكتُشف مؤخرًا، على جانب الجيش الاسرائيلي من الخط الأصفر، يُنقل التحديث أولًا إلى الضباط الأمريكيين، الذين يتأكدون من تنفيذ العملية وفقًا لقواعد وقف إطلاق النار.
وينطبق الأمر نفسه على نشاط لواء غولاني على الجانب الإسرائيلي من رفح، في الجيب المنهار تحت الأرض حيث لا يزال عشرات الإرهابيين متحصنين، وقد استسلم بعضهم أو قُتلوا أثناء محاولتهم الفرار يوم الجمعة. تُنقل لقطات حية لهذه الأحداث عبر شاشات وعدسات الطائرات المسيرة إلى جهات أجنبية في كريات غات، وذلك بالأساس لبناء الثقة.
نموذج أولي لأحياء جديدة
الفئة الأكثر نشاطًا هي التي تناقش القضية الإنسانية. أعلن الأمريكيون مؤخرًا نقل المساعدات إلى غزة إلى مسؤوليتهم، ولكن عمليًا، فإن إسرائيل هي من يتحكم بها، حتى في إطار تلك المجموعة التوجيهية. يفتش الجيش الاسرائيلي شاحنات المساعدات على المعابر، وتتخذ المؤسسة الأمنية الإسرائيلية قرارات بشأن معضلات مهمة، مثل استيراد المواد ثنائية الاستخدام، مثل الخرسانة والحديد، الذي لا يزال محظورًا، والمخصصة لإعادة إعمار عشرات الآلاف من المنازل المدمرة، والتي يمكن استخدامها أيضًا لبناء الأنفاق.
يُظهر هذا المثال بوضوح الطريقة التي تُسوّق بها العملية برمتها للجمهور لتسهيل استيعابها، وخاصة داخل إسرائيل: إسرائيل هي من تُدخل المساعدات إلى غزة، وبالتالي إلى حماس، لكن الأمريكيين يُصوّرون أنفسهم مسؤولين عنها، كما لو أن الولايات المتحدة وترامب سيسيطران على غزة الآن، وسيكون كل شيء مسؤوليتهما أو خطأهما – سيتم القضاء على حماس بالتأكيد وسيُضمن السلام لسكان النقب.
يُجري فريق آخر بالفعل دراسةً لأفكار وخططٍ لبناء أحياء جديدة للفلسطينيين في القطاع. معظم سكان غزة، أي ما يقارب مليوني نسمة، ليس لديهم منازل يعودون إليها. معظم المباني دُمرت بالكامل خلال الحرب على يد الجيش الاسرائيلي أو تضررت بشدة بشكلٍ يجعلها غير صالحة للسكن.
يخدم 150 جنديًا من الجيش الاسرائيلي بالفعل في الآلية الدولية تحت القيادة الأمريكية، بهدف حماية المصالح الأمنية لإسرائيل في جميع هذه المناقشات. هناك بالفعل ضباط عمليات معينون من قبل الجيش الاسرائيلي لهذه العملية، وانطباع بعضهم إيجابي.
على سبيل المثال، يُبدي الإيطاليون، وكذلك البريطانيون، اهتمامًا كبيرًا بالطريقة التي ستُدمر بها أنفاق حماس، في حال حدوث ذلك، على يد القوة متعددة الجنسيات، بعد أن اكتسب البريطانيون خبرة عسكرية واسعة في مهمات مختلفة حول العالم، لا سيما بالنيابة عن حلف شمال الأطلسي (الناتو)، في مجال التفجيرات الهندسية المعقدة. يشارك الأستراليون أيضًا في هذا، بينما يُركز المجريون والدنماركيون بشكل أكبر على طرق المساعدات الإنسانية.
الرأي السائد في المؤسسة الأمنية بشأن مستقبل غزة هو أنه من الواضح للجميع أنها ستشمل حكمًا فلسطينيًا محليًا تحت إشراف ومشاركة ومساعدة دولية مؤقتة، قد تتحول إلى حكم دائم.
——————————————-
هآرتس 23/11/2025
المعارضة هي التي تخرج العرب من اللعبة، باستمرار وبعنصرية وبغباء
بقلم: ايريس ليعال
مؤخرا اطلقت مبادرة مدنية تهدف الى تغيير الصورة النمطية لتقسيم الكتل في الاستطلاعات، بحيث تعتبر الاحزاب العربية جزء من كتلة المعارضة. ووفقا للمبادرين فان طريقة العرض الحالية تشوه صورة الواقع بطريقة قد تؤثر، بشكل متعمد كما يبدو، على قرارات الناخبين. والحجة التي لا ينبغي الاستخفاف بها، تقديم الاحزاب العربية ككتلة منفصلة وليس كمعارضة او ائتلاف، تخدم بنيامين نتنياهو الذي يسعى منذ عدد من الحملات الانتخابية الى عزلها بدافع الاشمئزاز وقمع اصوات العرب.
انشغال الاسرائيليين بالمظاهر اصبح يشكل اضطراب قهري في السنتين الاخيرتين. فعندما تنشر صور الاطفال الجائعين في غزة أو المستشفيات التي تعرضت للقصف، فان المعارضة لهذه الاعمال التي تنتجها هي بصرية. حتى عندما يقوم الارهابيون اليهود بالاحراق والقتل في الضفة الغربية فان الاغلبية تشعر بالقلق من مسالة كيف يمكن الشرح للعالم مذابح اليهود. الجمهور في اسرائيل ما زال يستثمر معظم قوته في رفض الواقع. وينطبق نفس الشيء على الرسم البياني. خلافا لادعاء معارضي السلطة هذا لا يمثل سرقة للرأي، وهندسة وعي أو تدخل متعمد لصالح نتنياهو. هذه هي الحقيقة. الاستطلاعات التي تعرض الاحزاب العربية في كتلة منفصلة تصف الواقع: ليس وكالات الانباء هي التي تخرجها من اللعبة السياسية، المعارضة هي التي تفعل ذلك بثبات وعنصرية وظلم وغباء سياسي لا مثيل له.
افيغدور ليبرمان وبني غانتس ويئير لبيد تجندوا لازاحة ايمن عودة من الكنيست. ليبرمان ولبيد اللذان يناضلان ضد التشريع غير الديمقراطي، وعدا بتمرير قانون يلغي حق اساسي مدني ويضر بالـ 20 في المئة من مواطني الدولة العرب، حرمان من لا يخدم في الجيش من حقه في التصويت. احزاب المعارضة لم تقم باستدعاء الشريك السابق منصور عباس الى الاحتفال بالذكرى السنوية لقتل رابين. في الاسبوع الماضي طلب عودة تشكيل لجنة تحقيق رسمية تفحص مسالة الجريمة المتفشية في الوسط العربي. اثنان من اعضاء الكنيست في المعارضة صوتا مع، ناؤور شيري وجلعاد كريب، الذي لا توجد كلمات كافية لمدح نشاطاته ضد عنف المستوطنين ومن اجل تاييد الفلسطينيين والمواطنين العرب. وفي المظاهرة الكبيرة من اجل تشكيل لجنة تحقيق رسمية يجلس رؤساء المعارضة في الاحتفالات في الصف الاول – غانتس، لبيد، ليبرمان، غادي ايزنكوت، نفتالي بينيت ويئير غولان – بدون ايمن عودة واحمد الطيبي ومنصور عباس.
“نحن يجب علينا التقرير، المساواة أو التفوق اليهودي”، قال لي عودة، الذي هو واصدقاءه لم تتم دعوتهم ايضا للقاءات الشهرية لرؤساء المعارضة. غولان يطلعه على المستجدات. بادرة احترام لطيفة، لكنها في الاساس دافع لفهم الواقع. غولان يعتقد ان “المستقبل هو فقط الشراكة مع المواطنين العرب”، لكنه لا يستطيع معارضة شركاءه في المعارضة. لكن الامر ليس هكذا. ولذلك فقد غاب عن صف الشرف في المظاهرة، التي طرحت طلب واسع هم شركاء فيه، والذي يمكن ان يؤكد على حقيقة انه خلافا لاقوال رئيس الحكومة هو يعبر عن ارادة اغلبية الشعب، تشكيل لجنة التحقيق. ولكن هذا الشعب هو الشعب اليهودي، ولا يتم حساب خمس هذا المجتمع.
كيف يمكن لشخص (ليس من مؤيدي افيغدور ليبرمان، العنصري المتغطرس) يفكر في ان يصوت لحزب من احزاب المعارضة ويامل في استبدال نتنياهو، ان يتسامح مع اقصاء ممثلي الجمهور العربي من الحياة المشتركة في البلاد. كيف يمكن لمعسكر التغيير النظر الى نفسه في المرآة، ويشتكي من الكهانيين، بينما هو يفكر مثلهم؟ يوجد شيء واحد مؤكد وهو اذا لم نغير مسارنا بشكل جذري فسنضطر الى تعلم هذا الدرس بقسوة. كيف سيستيقظ من يستخف بقادة الاحزاب العربية على حكومة يمينية مرة اخرى. وعندها يمكن تابين، بصدق، ونصلي على قبر الدولة.
——————————————-
هآرتس: هآرتس 23/11/2025
المعارضة هي التي تخرج العرب من اللعبة، باستمرار وبعنصرية وبغباء
بقلم: ايريس ليعال
مؤخرا اطلقت مبادرة مدنية تهدف الى تغيير الصورة النمطية لتقسيم الكتل في الاستطلاعات، بحيث تعتبر الاحزاب العربية جزء من كتلة المعارضة. ووفقا للمبادرين فان طريقة العرض الحالية تشوه صورة الواقع بطريقة قد تؤثر، بشكل متعمد كما يبدو، على قرارات الناخبين. والحجة التي لا ينبغي الاستخفاف بها، تقديم الاحزاب العربية ككتلة منفصلة وليس كمعارضة او ائتلاف، تخدم بنيامين نتنياهو الذي يسعى منذ عدد من الحملات الانتخابية الى عزلها بدافع الاشمئزاز وقمع اصوات العرب.
انشغال الاسرائيليين بالمظاهر اصبح يشكل اضطراب قهري في السنتين الاخيرتين. فعندما تنشر صور الاطفال الجائعين في غزة أو المستشفيات التي تعرضت للقصف، فان المعارضة لهذه الاعمال التي تنتجها هي بصرية. حتى عندما يقوم الارهابيون اليهود بالاحراق والقتل في الضفة الغربية فان الاغلبية تشعر بالقلق من مسالة كيف يمكن الشرح للعالم مذابح اليهود. الجمهور في اسرائيل ما زال يستثمر معظم قوته في رفض الواقع. وينطبق نفس الشيء على الرسم البياني. خلافا لادعاء معارضي السلطة هذا لا يمثل سرقة للرأي، وهندسة وعي أو تدخل متعمد لصالح نتنياهو. هذه هي الحقيقة. الاستطلاعات التي تعرض الاحزاب العربية في كتلة منفصلة تصف الواقع: ليس وكالات الانباء هي التي تخرجها من اللعبة السياسية، المعارضة هي التي تفعل ذلك بثبات وعنصرية وظلم وغباء سياسي لا مثيل له.
افيغدور ليبرمان وبني غانتس ويئير لبيد تجندوا لازاحة ايمن عودة من الكنيست. ليبرمان ولبيد اللذان يناضلان ضد التشريع غير الديمقراطي، وعدا بتمرير قانون يلغي حق اساسي مدني ويضر بالـ 20 في المئة من مواطني الدولة العرب، حرمان من لا يخدم في الجيش من حقه في التصويت. احزاب المعارضة لم تقم باستدعاء الشريك السابق منصور عباس الى الاحتفال بالذكرى السنوية لقتل رابين. في الاسبوع الماضي طلب عودة تشكيل لجنة تحقيق رسمية تفحص مسالة الجريمة المتفشية في الوسط العربي. اثنان من اعضاء الكنيست في المعارضة صوتا مع، ناؤور شيري وجلعاد كريب، الذي لا توجد كلمات كافية لمدح نشاطاته ضد عنف المستوطنين ومن اجل تاييد الفلسطينيين والمواطنين العرب. وفي المظاهرة الكبيرة من اجل تشكيل لجنة تحقيق رسمية يجلس رؤساء المعارضة في الاحتفالات في الصف الاول – غانتس، لبيد، ليبرمان، غادي ايزنكوت، نفتالي بينيت ويئير غولان – بدون ايمن عودة واحمد الطيبي ومنصور عباس.
“نحن يجب علينا التقرير، المساواة أو التفوق اليهودي”، قال لي عودة، الذي هو واصدقاءه لم تتم دعوتهم ايضا للقاءات الشهرية لرؤساء المعارضة. غولان يطلعه على المستجدات. بادرة احترام لطيفة، لكنها في الاساس دافع لفهم الواقع. غولان يعتقد ان “المستقبل هو فقط الشراكة مع المواطنين العرب”، لكنه لا يستطيع معارضة شركاءه في المعارضة. لكن الامر ليس هكذا. ولذلك فقد غاب عن صف الشرف في المظاهرة، التي طرحت طلب واسع هم شركاء فيه، والذي يمكن ان يؤكد على حقيقة انه خلافا لاقوال رئيس الحكومة هو يعبر عن ارادة اغلبية الشعب، تشكيل لجنة التحقيق. ولكن هذا الشعب هو الشعب اليهودي، ولا يتم حساب خمس هذا المجتمع.
كيف يمكن لشخص (ليس من مؤيدي افيغدور ليبرمان، العنصري المتغطرس) يفكر في ان يصوت لحزب من احزاب المعارضة ويامل في استبدال نتنياهو، ان يتسامح مع اقصاء ممثلي الجمهور العربي من الحياة المشتركة في البلاد. كيف يمكن لمعسكر التغيير النظر الى نفسه في المرآة، ويشتكي من الكهانيين، بينما هو يفكر مثلهم؟ يوجد شيء واحد مؤكد وهو اذا لم نغير مسارنا بشكل جذري فسنضطر الى تعلم هذا الدرس بقسوة. كيف سيستيقظ من يستخف بقادة الاحزاب العربية على حكومة يمينية مرة اخرى. وعندها يمكن تابين، بصدق، ونصلي على قبر الدولة.
——————————————
هآرتس 23/11/2025
“استفزازات حماس” و”ضرورة أمنية” في لبنان.. نتنياهو وذرائعه لتجديد الحرب: ما رأي ترامب؟
بقلم: أسرة التحرير
يبدو أن إسرائيل تعمل على التحضير لحرب متجددة في لبنان وغزة، بهدف عرقلة تنفيذ خطة ترامب المكونة من 20 نقطة. الخطة التي يُعلنها ترامب “مسارًا للسلام في الشرق الأوسط”، لا تحظى بالتطبيق الأمريكي الكافي، وإسرائيل تستغل الفراغ لخلق واقع يعيق تقدمها.
أمس، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه هاجم أهدافًا لحماس في غزة، وأفادت وكالات الأنباء بمقتل 24 شخصًا في الهجمات. في الوقت نفسه، هاجم الجيش الإسرائيلي منصات إطلاق صواريخ ومواقع عسكرية لحزب الله في لبنان، وهذه ليست المرة الأولى. في الأيام الأخيرة، شهدت غزة هجمات إسرائيلية واسعة النطاق، بالتزامن مع توسيع الخط الأصفر غربًا. حتى مصادر غير تابعة لحماس تُشير إلى أن هذه “تجربة مُدروسة” تهدف إلى اختبار حدود الاتفاق وقدرة الوسطاء على الاستيعاب (جاكي خوري، “هآرتس”، 20/11).
في غزة يُحذرون من “الزحف غربًا”، وهو ليس مجرد تغيير طوبوغرافي، بل تغيير استراتيجي: خلق ظروف تُتيح الادعاء بأن الاتفاق قد استنفد نفسه، وتجدد القتال “بسبب الاستفزازات”. في الوقت نفسه، تُهيئ هجمات حزب الله في لبنان أجواء حرب وشيكة في الشمال، وتُصوَّر على أنها ضرورة أمنية حتمية.
لقد ازدادت الحاجة إلى اليقظة الأمنية بشكل مأساوي عقب 7 أكتوبر. ومع ذلك، قد يستغل نتنياهو ووزراؤه المتعطشون للدماء هذه الصدمة ذاتها لجعل الحرب قضية دائمة ستُلازم إسرائيل والمنطقة لسنوات قادمة.
إن عودة جميع الرهائن الأحياء إلى إسرائيل، بالإضافة إلى معظم جثث الرهائن القتلى، تُتيح لنتنياهو حرية رفع وخفض مستوى النيران كما يشاء. ومع وجود الانتخابات في الخلفية، قد يستخدم نتنياهو هذا ليُثبت لقاعدته الانتخابية وناخبيه المتأرجحين أنه “سيد الأمن” الذي يضرب أعداء إسرائيل بلا رحمة. إن مسؤولية “السيد الأمن” عن أكبر خطأ في تاريخ إسرائيل لا تجعله يخجل فحسب، بل تدفعه إلى محو العار باستخدام يد عسكرية ثقيلة.
مفتاح وقف التدهور هو الرئيس ترامب. عليه أن يوضح لنتنياهو حدوده. من الضروري مساعدة الحكومة اللبنانية في حربها ضد حزب الله، لا إضعافها بقصف مكثف يُظهرها عاجزة.
أما في غزة، فيجب أن نمضي قدمًا وفقًا لخطة ترامب، دون محاولة إشعال المنطقة. إن خوف الحكومة الإسرائيلية من تنفيذ أجزاء من الخطة تتطلب انسحابات إقليمية وتدويل السيطرة على القطاع يجب ألا يُفسد استمرار تنفيذ الخطة.
على ترامب أن يُوضح لنتنياهو أن أي محاولة لتفكيك الاتفاق ستُقابل برد أمريكي قاسٍ، وأن الفضل الذي منحه إياه قبل بضعة أشهر قد ينفد.
——————————————
هآرتس 23/11/2025
انتهاء الحرب لن يُسعف إسرائيل في “لاهاي”
بقلم: حين معانيت
في تشرين الثاني 2024، بلغت إسرائيل دركاً غير مسبوق في مكانتها الدولية؛ فقد أصدرت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع السابق، يوآف غالانت، بعد أن وجدت المحكمة “أساساً معقولاً” للاعتقاد بأن الرجلين مسؤولان عن ارتكاب جرائم حرب في غزة.
من وجهة نظر إسرائيل، جاء قرار المحكمة بإصدار أوامر الاعتقال ضد كبار مسؤوليها امتداداً لمسار قضائي آخر بدأ قبل نحو عام في محكمة العدل الدولية في لاهاي، حيث اضطرت إسرائيل إلى الدفاع عن نفسها ضد اتهامات بارتكاب إبادة جماعية، في الدعوى التي رفعتها ضدها جنوب أفريقيا. منذ ذلك الحين، ورغم أن المحكمة أصدرت أوامر مؤقتة خلال سير المحاكمة، فإن الإجراءات ما زالت مستمرة، ويُتوقّع أن تمتد لسنوات طويلة قبل صدور حكم نهائي.
ومع ذلك بدا في الأشهر الأخيرة للكثير من الإسرائيليين أن القضية طُويت ونُسيت، وذلك جزئياً بفضل اتفاق وقف إطلاق النار الذي وُقّع في تشرين الأول الماضي، وبسبب الموقف المتصلّب الذي تتبناه الولايات المتحدة تجاه المحاكم الدولية في لاهاي. فهل هذا صحيح؟
تحدثت صحيفة “هآرتس” مع خبراء في القانون الدولي لرسم صورة دقيقة لمسار الإجراءات ضد إسرائيل ومسؤوليها، ولمعرفة مدى تأثير المتغيرات السياسية على تلك المسارات، إن كان لها تأثير أصلاً.
تُظهر إجابات الخبراء حقيقة واضحة واحدة قبل كل شيء: الإجراءات القضائية ضد إسرائيل ومسؤوليها قائمة وسارية، ولا يبدو أنها في طريقها إلى الزوال رغم كل ما استجدّ من ظروف.
تقول البروفيسور تمار هوستوفسكي برانديس، من الأكاديمية الكورية (أونو): “سادت في إسرائيل قناعة مفادها أنه في عهد ترامب لم يعد للقانون الدولي أي وزن، وبالتالي لا داعي للخوف من تبعاته، لكن هذا غير صحيح. فالإجراءات ضد إسرائيل قد تنتهي بعد انتهاء عهد ترامب، غير أن آثارها قد تظل تلاحق إسرائيل سنوات طويلة”.
علاوة على ذلك، يتّضح من أحاديث الخبراء أن تطورات الساعة – وفي مقدّمتها قضية معتقل “سديه تيمان” والمدعية العسكرية السابقة، إضافةً إلى تصريحات وزير الدفاع بشأن تعيين خليفتها – تسهم هي الأخرى في تعميق تراجع مكانة إسرائيل في العالم، المتدهورة أصلاً.
ورغم أنه لا تأثير مباشراً لهذه الأحداث على الإجراءات الجارية في لاهاي، فإن صورة إسرائيل باتت تتكرّس دولة لم تعد منظومتها القضائية قادرة على التحقيق بنفسها في الجرائم التي يرتكبها جنودها.
تصريحات كاتس
“في نظر العالم، يُنظر إلى قضية المدعية العسكرية السابقة بهذا الشكل البسيط: المسؤولة عن التحقيق في جرائم الحرب داخل إسرائيل أُقيلت ثم اعتُقلت، على خلفية واحدة من الحالات النادرة في الحرب التي حاولت فيها التحقيق في تجاوزات ارتكبها جنود الجيش الإسرائيلي بحق الفلسطينيين”، يقول إلياف ليبليخ، أستاذ القانون الدولي في كلية الحقوق بجامعة تل أبيب.
ويضيف: “حادثة تسريب واقعة تعذيب الأسير في قاعدة سديه تيمان، والاشتباه في عرقلة سير التحقيقات، تُعد تفصيلاً هامشياً أمام هذه الحقيقة الجوهرية، لا سيما بعد انكشاف الضغوط التي مورست على النيابة العسكرية لعدم فتح تحقيقات في مثل هذه القضايا”.
أحد الأسباب الرئيسة لتورّط إسرائيل في الإجراءات أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي هي التصريحات القاسية وغير المسؤولة التي أدلى بها عدد من كبار مسؤوليها، والتي استشهدت بها المحكمة في أوامرها المؤقتة، باعتبارها مؤشرات على نية إسرائيل تنفيذ إبادة جماعية في غزة. كما أن قرار المستشارة القانونية للحكومة، غالي بهراف – ميارا، بعدم فتح تحقيق ضد سياسيين بارزين حرّضوا على إيذاء سكان القطاع، لم يُسعف موقف إسرائيل.
يبدو، للأسف، أن الائتلاف الحاكم لم يتعلم الدرس بعد، إذ لا يزال بعض أعضائه يطلقون تصريحات طائشة، غير مكترثين بما قد تخلّفه من تبعات دولية خطيرة.
المثال الأحدث على ذلك قدّمه وزير الدفاع، يسرائيل كاتس، الذي برّر اختياره للمحامي إيتاي أوفير لمنصب المدعي العسكري العام الجديد بالقول: إنّه “رجل صهيوني – متديّن ومن سكان المستوطنات في الضفة الغربية، ساهم في تعزيز وترسيخ الاستيطان اليهودي هناك، ودافع عن حق القيادة السياسية في اتخاذ قرارات حتى لو خالفت موقف الجهاز البيروقراطي”، مضيفاً: “هذا هو الرجل الذي سيعيد النظام إلى المنظومة، ويغيّر نهجها لتقف إلى جانب الجنود لا إلى جانب حقوق إرهابيي النخبة”.
بهذه الكلمات، بعث وزير الدفاع إشارة واضحة مفادها أنّ الجيش الإسرائيلي لن تكون له بعد اليوم منظومة قضائية مستقلة، معترفاً بذلك – وإن بشكل غير مباشر – بصحة الادعاءات الموجّهة ضد إسرائيل في لاهاي. تعلّق البروفيسور تمار هوستوفسكي برانديس قائلة: “تعكس تصريحات كاتس ازدراءً لسيادة القانون. وهي لن تفيد جنود الجيش الإسرائيلي، بل على العكس، إذ تبعث إلى العالم رسالة بأن الجيش لن يحقّق أو يقدّم للمحاكمة من يُشتبه في ارتكابه جرائم حرب، ناهيك عن أنها في جوهرها تصريحات مرفوضة أخلاقياً وقانونياً”.
يقول بروفيسور ليبليخ: إن تصريحات كاتس تعكس جهلاً عميقاً بجوهر سيادة القانون وبالدور الحقيقي للنيابة العسكرية. “بدلاً من التأكيد على ضرورة أن تكون النيابة العسكرية مستقلة ومهنية، يقدّم كاتس المدّعي العسكري العام الجديد كشخص منحاز سياسياً لليمين”، يوضح ليبليخ. “إلى جانب ما تنطوي عليه تصريحاته من استخفاف بواجب التحقيق في جرائم الحرب وبمسؤولية حماية حقوق الأسرى، فإنها تُضعف مكانة المدّعي العسكري نفسه. ومن هذا المنطلق، فإن هذا النهج سيعرّض جنود الجيش الإسرائيلي أكثر فأكثر للإجراءات القضائية الدولية. يبدو أن الوزير يعتقد أن وظيفة النيابة العسكرية هي القيام بالدعاية وترويج مواقف القاعدة السياسية، لا تطبيق القانون داخل الجيش”.
يرى كثير من الإسرائيليين أن اتفاق وقف إطلاق النار وصفقة تبادل الأسرى من شأنهما أن يساعدا إسرائيل في الدفاع عن نفسها أمام الدعوى المقامة ضدها في لاهاي، والتي تتهمها بارتكاب إبادة جماعية. غير أنّ ما يقوله الخبراء يشير إلى أن الصورة أكثر تعقيداً مما يبدو.
فمن المتوقع أن تزعم إسرائيل أن مجرد التوصّل إلى الاتفاق يدحض ادعاء جنوب أفريقيا القائل: إن إسرائيل كانت تنوي تدمير جزء من الشعب الفلسطيني. لكن في المقابل، يُرجَّح أن تؤكد جنوب أفريقيا أن إسرائيل وافقت على شروط وقف القتال فقط تحت ضغط من الولايات المتحدة، وأن الاتفاق فُرض عليها فرضاً في نهاية المطاف.
يقول الخبراء: إن وقف القتال في غزة لا يُتوقع أن يؤثر على مسار التحقيقات في المحكمة الجنائية الدولية، وهي التحقيقات التي أُصدرت في إطارها أوامر اعتقال بحق نتنياهو وغالانت، إذ تتعلّق هذه الإجراءات بأفعال يُزعم أنها ارتُكبت بالفعل، وبالتالي يتعيّن محاسبة المسؤولين عنها.
أمّا التطور الأبرز الذي أثّر فعلاً على المحكمة خلال العام الأخير فهو الضغوط الشديدة التي مارستها إدارة ترامب، التي تشكّك في شرعية المحكمة ذاتها. فمنذ عودته إلى البيت الأبيض اتخذت الولايات المتحدة سلسلة من الإجراءات ضد المحكمة، بلغت ذروتها بفرض عقوبات شخصية على عدد من المدعين العامين والقضاة: جُمّدت أصولهم في الولايات المتحدة، وفُرضت قيود على دخولهم أراضيها، كما مُنعوا من المشاركة في أي معاملات تُجرى داخلها.
في شباط الماضي، فُرضت عقوبات على المدّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، الذي قدّم طلبات إصدار أوامر الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت. بعد ذلك، في حزيران، فرضت إدارة ترامب عقوبات على أربع قاضيات هنّ: بيتي هولر من سلوفينيا، ورين أديلايد صوفي ألافيني غانسو من بنين، اللتان صادقتا على أوامر الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت، وسولومي بالونغي بوسا من أوغندا، ولوس ديل كارمن إيبانييث كارانسا من البيرو، اللتان وافقتا على فتح تحقيق ضد عناصر من الجيش الأميركي الذين شاركوا في الحرب على أفغانستان.
وقال وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو: إن القاضيات الأربع “شاركن فعلياً في إجراءات غير شرعية وعديمة الأساس اتخذتها المحكمة ضد الولايات المتحدة أو ضد أقرب حلفائها، إسرائيل”، مضيفاً: إن ادّعاء المحكمة بامتلاكها “صلاحية غير محدودة للتحقيق واتهام ومحاكمة مواطنين أميركيين أو من حلفاء الولايات المتحدة” هو ادعاء كاذب وخطير، يمسّ سيادة كلٍّ من الولايات المتحدة وإسرائيل وأمنهما القومي.
بعد شهرين، في آب الماضي، فرضت واشنطن عقوبات إضافية على قاضيَين ونائبَين للمدّعي العام في المحكمة الجنائية الدولية. شملت العقوبات نيكولا يان غيو من فرنسا، الذي ترأس اللجنة التي أصدرت أوامر الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت، والقاضية الكندية كيمبرلي فروست، التي صادقت على فتح تحقيق في جرائم يُزعم أن جنوداً أميركيين ارتكبوها في أفغانستان، إضافةً إلى نائبي المدّعي العام كريم خان، وهما نزهات شامين خان من فيجي وماما مانديايه نيانغ من السنغال.
حسب أقوال بروفيسور ليبليخ، فإن الولايات المتحدة ألحقت ضرراً كبيراً بالمحكمة الجنائية الدولية، لكنها لم تنجح في شلّها تماماً. “المسألة هي أن الإجراءات الجارية هناك لا تسقط بالتقادم”، يوضح ليبليخ، “وفي يومٍ ما سينتهي عهد ترامب، وعندها ستُرفع على الأرجح تلك العقوبات”.
تورّط كريم خان
عامل آخر مهم يضعف مكانة المحكمة الجنائية الدولية هو الاتهامات المتعلقة بعنف جنسي ضد المدّعي العام، كريم خان. بدأت القضية، العام الماضي، عندما فُتح تحقيق بحقه من قبل هيئة رقابية تابعة للأمم المتحدة، عقب شكوى قدّمتها موظفة في المحكمة. وفي أيار الماضي، تم تعليق مهامه مؤقتاً إلى حين استكمال التحقيق. وفي آب أدلت امرأة أخرى بشهادتها متهمةً خان بالتحرّش الجنسي.
“الاتهامات الموجَّهة إلى كريم خان تُلقي بظلالها على المكانة العامة والأخلاقية للمحكمة الجنائية الدولية، التي تعيش أصلاً تحت ضغوط كبيرة بفعل العقوبات الأميركية”، تقول د. تمار مجيدو من الجامعة العبرية. ومع ذلك تضيف: إن هذه الاتهامات لا تمسّ بشرعية المحكمة ولا بسلطة الادعاء العام في مواصلة التحقيق في قضية إسرائيل.”السؤال الحقيقي هو ما إذا كانت المحكمة ستتمكّن من أداء مهامها، وهذا يعتمد إلى حدٍّ كبير على دعم الدول الـ124 الأعضاء فيها: هل ستنفّذ أوامر الاعتقال؟ هل ستحوّل الميزانيات المطلوبة؟ وهل ستوفّر الغطاء السياسي والدعم الشعبي اللازمَين؟”، تقول مجيدو.
يؤكد إلياف ليبليخ أن أوامر الاعتقال بحق غالانت ونتنياهو لا تزال سارية المفعول، وأن كليهما ممنوع من زيارة الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية. أما كشف تحقيق صحيفة “الغارديان”، العام الماضي، والذي أفاد بأن إسرائيل تجسّست على المدّعي العام، كريم خان، وعلى سلفه في المنصب بتوجيه مباشر من نتنياهو، الذي وُصف في التقرير بأنه “مهووس بالقضية”، فقد زاد الطين بلّة، وألحق ضرراً بالغاً بصورة إسرائيل وصورتِه شخصياً على الساحة الدولية.
إلى جانب ذلك، ليست الدول ملزَمة بأن تكون أعضاء في المحكمة الجنائية الدولية كي تفرض عقوبات أو تتخذ إجراءات ضد إسرائيل. المثال الأبرز على ذلك هو تركيا: ففي الأسبوع الماضي، أصدرت أنقرة أوامر اعتقال بتهم الإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية بحق 37 مسؤولاً إسرائيلياً، بينهم نتنياهو، ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، ووزير الدفاع كاتس، ورئيس الأركان، إيال زامير، وقائد سلاح البحرية، دافيد سلمَه. وتوضح الدكتورة مجيدو أن للدول ولاية قضائية عالمية تتيح لها محاكمة المشتبه في ارتكابهم جرائم دولية جسيمة، “من الممكن أن تُفعَّل هذه الولاية ضد إسرائيليين حتى في دولٍ ليست أعضاء في المحكمة في لاهاي”.
ويضيف البروفيسور إلياف ليبليخ ملاحظة من شأنها أن تثير قلق كثيرٍ من الإسرائيليين: “ليس مستبعداً أن تكون بعض الدول قد أصدرت أوامر اعتقال سرّية بحق إسرائيليين، دون أن تكون إسرائيل على علمٍ بوجودها أصلاً”.
—————–انتهت النشرة

