المسار : يشكّل اغتيال الاحتلال الإسرائيلي قبل يومين لمقاومين في عمليتين منفصلتين، وهما عبد الرؤوف خالد عبد الرؤوف اشتية (30 عاماً) من نابلس، وسلطان عبد الغني (22 عاماً) من قرية باقة الحطب في قلقيلية، بعد أكثر من عام على مطاردتهما أسئلة حول تكيّف المقاومين في الضفة الغربية المحتلة مع المطاردة لوقت طويل، في ظل القبضة العسكرية الإسرائيلية اليومية. كما يطرح الاغتيال أسئلة إن كان هذان المقاومان قد شكلا نواة مرحلة جديدة لمقاومة تستنزف الاحتلال مستقبلاً أم أنهما حالات فردية تم إغلاق دائرة الحساب المتعلقة بهما، حسب تعبير الاحتلال؛ وبالتالي لا يقاس عليهما.
ويرى محللون وخبراء في الشأن الإسرائيلي في أحاديث مع “العربي الجديد”، أن اغتيال المقاومين اشتية وعبد الغني رغم أنه متوقع ومحسوم لصالح التفوق الإسرائيلي العسكري والاستخباراتي والتكنولوجي، لكن طيلة مدة المطاردة التي تجاوزت العام والنصف لاشتية و15 شهراً لعبد الغني ربما تكشف عن تغيّر في مدى صلابة المقاومين واسترارهم من جهة، ووجود حاضنة غير تقليدية أدت لاستنزاف أطول للمؤسسة العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية؛ التي لا يوجد فيها أي أرضية للمقاومة.
وبحسب محللين، فإنّ اللحظات الأخيرة في اغتيال اشتية وعبد الغني وهما في حالة اشتباك، أعادت صورة الفدائي الفلسطيني، الذي ينفذ عملاً مقاوماً ويختفي أشهراً طويلة، ليعود مشتبكاً لحظة استشهاده مع مئات من جنود الاحتلال من قناصين وآليات عسكرية وجنود وغطاء جوي معززة بجهود استخباراتية وتكنولوجية فائقة التطور، وهذه الصورة يحارب الاحتلال ترسيخها بكل الطرق.
ويتهم الاحتلال اشتية بتنفيذ عملية دهس مزدوجة في 29 مايو/ أيار 2024 على حاجز عورتا جنوب نابلس، أدت إلى مقتل جنديين إسرائيليين، ومنذ ذلك التاريخ، طاردته قوات الاحتلال في عملية استمرت 18 شهراً. وكان اشتية قد سلّم نفسه للأجهزة الأمنية الفلسطينية بعد العملية مباشرة لكن الأجهزة الأمنية رفضت استقباله، حسب ما أكدت عائلته لـ”العربي الجديد”، قبل أن يتمكن من الاختفاء مجدداً ويستشهد غير بعيد عن مخيم بلاطة حيث يعيش، ويتم اغتياله باستخدام عدة فرق من جيش الاحتلال قبل أن يتم قصفه مشتبكاً، أول أمس الاثنين.
ومن شبه المستحيل أن تتم مطاردة مطلوب في ظل التنسيق الأمني للسلطة الفلسطينية، التي ترفض إيواء مطاردين مثل اشتية وتعتقل من يملك سلاحاً بشكل استباقي. أما الشهيد عبد الغني (22 عاماً) فقد هاجم في 18 أغسطس/ آب 2024، جندياً إسرائيلياً بمطرقة ثقيلة “شاكوش”، قتله على الفور قرب مستوطنة “قدوميم” المقامة على أراضي قلقيلية، ثم استولى على سلاحه الشخصي ومركبته الخاصة وفرّ هارباً، ومنذ تلك اللحظة أصبح عبد الغني مطارداً وهدفاً لقوات الاحتلال الإسرائيلي، قبل أن يتم اغتياله صباح أمس الثلاثاء، في قرية مركة جنوب جنين.
إغلاق الدائرة أو الحساب
ويرى الخبير في الشؤون الإسرائيلية عادل شديد، في تصريحات لـ”العربي الجديد”، أنّ هناك مصطلحاً لدى المؤسسة العسكرية الإسرائيلية يُدعى “إغلاق الدائرة أو الحساب” ويستخدم لحظة اعتقال أو اغتيال مقاوم نفذ عملاً مقاوماً سواء نجح هذا العمل أم لا، وجرت العادة في السنوات الماضية أن تستمر مطاردة المقاوم عدة أيام أو أسابيع وربما أشهر قليلة. ويستدرك شديد بالقول: “لكن نحن اليوم أمام مقاومين تمكنا من البقاء في منطقة مكشوفة أمنياً طيلة سنة ونصف، الأمر الذي يعكس تعلم الدروس والعبر والتكيف مع الواقع، وهذا الجديد في الأمر”.
ويقول الخبير الفلسطيني إنّ “فشل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية في اغتيال اشتية وعبد الغني لنحو عام ونصف يعتبر فشلاً لدى المنظومة الأمنية الإسرائيلية التي تتباهى بالتفوق الأمني والاستخباراتي والتكنولوجي، لأنه ما كان لهما أن يستمرا على قيد الحياة طيلة هذه الفترة الطويلة بحسابات الأمن الإسرائيلي المعتادة”.
شديد: المقاومة تمكنت من استنبات بيئات جديدة، أي حاضنات غير محروقة ولا معلومة للاحتلال
وبحسب شديد، “فإن هؤلاء الشبان الذين نفذوا عمليات بغض النظر أوقعت قتلى وإصابات أم لم توقع، تنظر لهم المؤسسة العسكرية الإسرائيلية على أنهم قنابل موقوتة يجب أن يتم الوصول لها بأقصى سرعة قبل أن يتمكنوا من تنفيذ عمل مقاوم آخر، لذلك يتم تشكيل طاقم من جهاز الاستخبارات وخبراء في التكنولوجيا لمتابعة كل مقاوم بشكل يومي”.
ويقول شديد: “بالنسبة للاحتلال، فإن مجرد بقاء أولئك الشبان على قيد الحياة وهم مطاردون يشكل أكبر حالة استنزاف للأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وخطراً مستمراً لأشهر طويلة، وهذه كلفة باهظة مقارنة بلو أن المقاوم نفذ عملية أخرى واستشهد خلال وقت قصير”. وإضافة لما سبق “يشكل استشهاد المقاومين اشتية وعبد الغني بعد نحو عام ونصف تحدياً آخر للاحتلال حول استنبات المقاومة بيئات جديدة، أي حاضنات غير محروقة ولا معلومة للاحتلال أو السلطة الفلسطينية، مكنتهما من البقاء أحياء كل هذه المدة”، وفق شديد.
ويشير شديد إلى أنه “بعد نحو عام من تدمير الحاضنات الشعبية المعروفة التي حضنت الكتائب المسلحة في مخيمات نور شمس وطولكرم وجنين، يبدو أن هناك حاضنات مختلفة تشكلت وتكيّفت مع الواقع، وهذا أمر بالغ الخطورة الاحتلال الذي سيفتح تحقيقاً مطولاً لمعرفة ماهيتها لتفكيكها”.
وعي واستفادة لدى مقاومي الضفة
ويرى الباحث في الشأن الإسرائيلي عزام أبو العدس، في حديث لـ”العربي الجديد”، أنّ “مطاردة الشهيدين اشتية وعبد الغني عكست أن المسألة هي مسألة وعي واستفادة من تجارب من سبقوهم من المطاردين، لأن الخطأ الأول للمطارد هو الخطأ الأخير”. ويقول أبو العدس: “إن السلطة الفلسطينية تعاني من حالة ضعف سواء كان الأمر واضحاً أم لا حالياً، وبالتالي هذا سيكون متنفساً لشكل آخر من المقاومة التي تستطيع أن تتكيف لأشهر طويلة عكس المتوقع، وذلك لأنها تكّيفت مع التفوق التكنولوجي والعسكري الإسرائيلي، وتعلّمت من أخطاء غيرها لتصمد وقتاً أطول، فيما سيعاد تشكيل البيئة الحاضنة لها بطريقة أو بأخرى”.
ويتفق المختص بالشأن الإسرائيلي محمد أبو علان دراغمة، في حديث مع “العربي الجديد”، أن الشهيدين اشتية وعبد الغني تمت مطاردتهما لوقت طويل في حسابات الاحتلال، لكن دراغمة يرى أن اغتيالهما أعاد التأكيد على رسالة الاحتلال وهي: “لا يوجد مكان للمقاومة في الضفة الغربية”. ويقول دراغمة: “إن الحضور العسكري الكثيف في الضفة الغربية تبرره إسرائيل لمنع وجود 7 أكتوبر جديد، على شاكلة ما حصل في قطاع غزة، وهي ادعاءات واهية لتبرير جرائم الاحتلال”.
دراغمة: الاحتلال لا يريد اعتقال مقاومين وإنما اغتيالهم، حتى أنه لا يريد انتظار إنجاز قانون بن غفير لإعدام الأسرى
ويشير دراغمة إلى أن جيش الاحتلال “لم يعد معنياً بالاعتقال، وأن ما يقوم به هو تنفيذ أحكام إعدام ميدانية، وهذا انعكس في عملية اغتيال عبد الرؤوف اشتية في مدينة نابلس، مساء أول أمس الاثنين، حيث استخدم الاحتلال وحدة اليمام الخاصة التابعة لشرطة حرس الحدود، وقام بإطلاق نار كثيف جداً واستخدام قناصة وصواريخ “ماتادور” وقصف المنزل الذي تواجد فيه اشتية، واستخدم طائرة مسيّرة مفخخة أرسلت إلى المبنى”.
ويقول دراغمة: “إن كل هذه الآلية العسكرية الكثيفة والمتنوعة على الأرض وفي السماء من أجل اغتيال مقاوم لا يمتلك أكثر من بندقية أو مسدس، وهذا يعني أنّ الاحتلال لا يريد اعتقال مقاومين وإنما اغتيالهم، حتى أنه لا يريد انتظار إنجاز قانون وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير لإعدام الأسرى، بل يقوم بذلك ميدانياً، وربما يعود ذلك لخشيته من خروج هؤلاء المقاومين في أي عمليات تبادل أسرى مستقبلية تفرضها معادلة المقاومة”.
وبدا لافتاً أيضاً اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي صباح أمس الثلاثاء، برفقة جرافة عسكرية وطائرة مروحية المنطقة الشرقية من قرية مركة جنوب جنين شمالي الضفة الغربية، ومحاصرة غرفة زراعية صغيرة ملاصقة لأحد المنازل، حيث دارت اشتباكات مسلحة عنيفة تخللها انفجارات قوية، وبعد ساعات من الحصار، هدمت جرافة الاحتلال الغرفة الزراعية بالكامل، بحسب ما يؤكده رئيس مجلس قرويبعد ذلك، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي اغتيال سلطان عبد الغني، منفذ عملية “الشاكوش”، مشيراً إلى أنه عثر داخل الغرفة على بندقية M16، وسلاح “كارلو” محلي الصنع، وعبوة ناسفة، ومخازن ذخيرة.

