المسار : أدرجت الولايات المتحدة ثلاثة قضاة من المحكمة الجنائية الدولية على قوائم العقوبات، بعد موافقتهم على إصدار مذكرات توقيف بحق رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو بتهم تتعلق بجرائم حرب وإبادة جماعية في قطاع غزة، في خطوة اعتبرها مراقبون تجسيدًا لانهيار ما يُسمّى “النظام القائم على القواعد”.
ووفق ما كشفته الصحافة الدولية، فقد شملت العقوبات القاضي الفرنسي نيكولا غيو، الذي أصبح غير قادر على استخدام بطاقاته المصرفية وتعرض لإلغاء حجوزاته عبر الإنترنت، بعد وضعه على قائمة سوداء تضم آلاف المتهمين بجرائم إرهاب، إلى جانب شخصيات مثل فلاديمير بوتين.
وبررت واشنطن هذه الخطوة بالزعم أن القضاة “شاركوا في أعمال غير قانونية تستهدف الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل”، وهو ما اعتبرته مصادر حقوقية محاولةً واضحة لتعطيل العدالة الدولية ومنع محاسبة مرتكبي الجرائم في غزة.
ازدواجية فاضحة في تطبيق القانون
تسلط هذه العقوبات الضوء على النهج الأمريكي المستمر في منع أي مساءلة قانونية تتعلق بعمليات جيش الاحتلال. ويعكس ذلك تصريحات أعضاء بارزين في الكونغرس، بينهم السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، الذي قال صراحة إن المحكمة الجنائية الدولية “لم تُصمّم لمحاسبة دول مثل إسرائيل”.
وتشير تحليلات قانونية إلى أن الولايات المتحدة ترفض الانضمام للمحكمة خشية أن تُخضع ممارساتها العسكرية – أو ممارسات إسرائيل – لتحقيقات دولية، وهو موقف يضعها في ذات خانة الدول المتهمة بانتهاكات خطيرة، مثل روسيا والصين.
القضية التي أغضبت واشنطن
كانت المحكمة قد أصدرت مذكرات توقيف بحق نتنياهو ووزير جيشه السابق يوآف غالانت، إلى جانب القائد العسكري في حركة حماس محمد ضيف، بعد عملية تحقيق واسعة ركزت على سياسة التجويع المتعمد ومنع دخول الغذاء والدواء إلى غزة، وهي ممارسات أعلنها القادة الإسرائيليون بأنفسهم.
وأكدت تقارير أمريكية رسمية في 2024 أن الاحتلال يعرقل عمدًا وصول المساعدات، ورغم أن القانون الأمريكي يفرض وقف تسليح أي جهة تعيق المساعدات الإنسانية، تجاهلت إدارة واشنطن هذه الالتزامات.
إفلات كامل من المحاسبة
يرى خبراء الإبادة الجماعية أن الجرائم في غزة وصلت إلى مستوى “الإبادة الكاملة”، مع استهداف المدنيين والبنى التحتية بشكل منهجي. ومع ذلك، ما تزال الولايات المتحدة – بحسب مراقبين – توفر مظلة حماية تحول دون محاسبة تل أبيب.
كما اتبعت دول غربية أخرى النهج ذاته، كفرنسا وإيطاليا، التي قيدت قدرة المحكمة على تنفيذ مذكرات التوقيف، ومنحت عمليًا حصانة لنتنياهو خلال زياراته الخارجية، في تجاهل صارخ لمبادئ العدالة الدولية.
انهيار منظومة العدالة الدولية
تؤكد هذه التطورات أن النظام الغربي يطبق القانون الدولي بشكل انتقائي: على الضعفاء فقط، وليس على القوى الكبرى وحلفائها. واستهداف القضاة الذين يحاولون تطبيق القانون يشكل، وفق محللين، “ضربة قاتلة لمصداقية الغرب”.
ويشير مراقبون إلى أن قضية القاضي غيو لم تعد شأنًا شخصيًا، بل رمزًا لصراع أوسع بين العدالة الدولية من جهة، والهيمنة السياسية والعسكرية من جهة أخرى، في وقت تتسارع فيه مظاهر تفكك النظام القانوني الذي تباهت به الدول الغربية لعقود.

