المسار : سنة مرّت على دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 بين لبنان وإسرائيل، بيد أن الخروقات والهجمات الإسرائيلية على الأراضي اللبنانية لم تتوقف يوماً، بل تأخذ مع الوقت منحى تصاعدياً خطيراً، يزيد احتمالات توسعة العدوان، وتسجّل بذلك مزيداً من الخسائر البشرية، إلى جانب الأضرار المادية، التي لا تزال أرقامها ضمن التقديرات الأولية في ظلّ استمرار التدمير الإسرائيلي الممنهج.
وقالت مصادر رسمية لـ”العربي الجديد”، إن “الخسائر الاقتصادية والأضرار المادية والزراعية خصوصاً في الجنوب لا تزال تأخذ منحى تصاعدياً في ظل استمرار الاعتداءات الإسرائيلية، فعلى سبيل المثال، إسرائيل أحرقت خلال الحرب نحو 8 آلاف هكتار من الأراضي الزراعية، وأكثر من 200 هكتار منذ نوفمبر، كما بلغ عدد المباني المدمّرة حتى وقف إطلاق النار 11.127 بينما بلغ عدد المباني المدمّرة بعد 27 نوفمبر 2.764، أما الألواح الشمسية فقد دُمّر حتى وقف إطلاق النار 14.869 لوحاً وبعد وقف إطلاق النار 2.922، وهذه أرقام كلها صادرة عن المجلس الوطني للبحوث العلمية”.
دمار واسع
خلال الحرب التي انطلقت مع فتح حزب الله جبهة الإسناد اللبنانية دعماً لغزة في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023، سقط 3.961 شهيداً و16.520 جريحاً، بحسب وزارة الصحة، كما سُجّل نزوح أكثر من مليون شخص، أغلبهم من البقاع والجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت، ودمار واسع طاول مختلف القطاعات، خصوصاً منها القطاع الزراعي، بحيث تعطّل النشاط على امتداد 130 ألف هكتار من الأراضي الزراعية أي ما يشكل ربع المساحات الزراعية في لبنان، وذلك إلى جانب الدمار الذي لحق بالمباني والمؤسسات والوحدات السكنية مع لجوء إسرائيل إلى سياسة إبادة المدن، وكذلك البنى التحتية الحيوية.
وأظهر تقييم سريع للأضرار والاحتياجات الناجمة عن آثار الصراع، الذي أجراه البنك الدولي خلال الفترة من 8 أكتوبر 2023 إلى 20 ديسمبر/كانون الأول 2024، ونشره في 24 يونيو/حزيران الماضي، أن إجمالي الأضرار المباشرة في عشرة قطاعات رئيسية بلغ نحو 7.2 مليارات دولار، في حين قُدّرت احتياجات التعافي وإعادة الإعمار بنحو 11 مليار دولار أميركي.
كذلك، قدّرت الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية والمرافق الحيوية التي تمثّل ركائز أساسية للنشاط الاقتصادي وصحة المجتمعات المحلية وسلامتها بنحو 1.1 مليار دولار، شملت قطاعات النقل والمياه والطاقة والخدمات البلدية والتعليم والرعاية الصحية.
ولا تزال أرقام الخسائر غير نهائية، في ظلّ استمرار الخروقات الإسرائيلية لاتفاق نوفمبر، وتخطيها عتبة الـ7 آلاف خرقٍ، ومواصلة جيش الاحتلال اعتداءاته، التي تمنع عودة السكان خصوصاً في القرى الحدودية الجنوبية، وتحول دون إعادة الإعمار اللازمة في المناطق التي لا تزال عرضة للقصف، كما تصعّب عمليات مسح الأضرار في ظلّ توجيه إسرائيل بعض الأحيان ضربات على العمّال والآليات، علماً أن إعادة الإعمار الشاملة، لم تبدأ بعد ربطاً أيضاً بعدم حصول لبنان على دعم دولي، في ظلّ الشروط القاسية المطلوبة منه، على صعيد نزع سلاح حزب الله وتنفيذ مجموعة من الإصلاحات.
10.5 ملايين طن ركام
منذ 27 نوفمبر 2024 لغاية 3 نوفمبر الجاري، شملت الاعتداءات 6 مساجد، و5 مدارس، ومقبرة، وموقعين دينيين، و168 سيارة، و3 بلديات وطواقمها، وأكثر من 300 جرافة، و3 مواقع أثرية، وذلك بحسب تقرير للمجلس الوطني للبحوث العلمية الذي حصل عليه “العربي الجديد”.
كذلك، بلغ وزن ركام المباني المدمّرة كلياً حتى وقف إطلاق النار بين 7.5 إلى 10.5 ملايين طن، بينما بلغ وزن ركام المباني المدمّرة بعد وقف إطلاق النار بين 1.4 مليون طن ومليوني طن.
ولفتت المصادر أيضاً إلى أن “القرى التي شهدت أعلى عدد من الخروقات هي كفركلا، ميس الجبل، عيتا الشعب، يارون، حولا، عيترون، الناقورة، بنت جبيل، كفرشوبا، صور، الخيام، شبعا، إلى جانب خروقات سجلت في بعلبك الهرمل، والضاحية الجنوبية لبيروت”.
وقال رئيس مجلس الجنوب هاشم حيدر لـ”العربي الجديد”، إن القرى المدمَّرة كلياً، هي في قضاء بنت جبيل عيتا الشعب راميا ومارون الراس، في قضاء مرجعيون عديسة كفركلا محيبيب، وفي قضاء صور مروحين أم التوت الزلوطية الظهيرة يارين والبستان.
ولا تزال إسرائيل موجودة حتى اليوم، في 5 تلال أساسية في الجنوب هي الحمامص، مقابل بلدة الخيام، الدواوير مقابل بلدة مركبا، جبل الباط مقابل بلدة عيترون، اللبونة مقابل بلدة الناقورة، جبل بلاط مقابل بلدة مروحين، ووسّعت تمركزها في محيطها، وبنت جدران تؤشر إلى عدم مغادرتها في وقت قريب، علماً أنه بحسب الاتفاق كان يجب أن تنسحب أولاً في 26 يناير/كانون الثاني الماضي، قبل تمديد المهلة إلى 18 فبراير/شباط الماضي، الأمر الذي لم يحصل.
سكان قرى الحافة الأمامية
وأشار حيدر إلى أن الصعوبات بقيت موجودة رغم وقف إطلاق النار خصوصاً لسكان قرى الحافة الأمامية، الذين منعوا من العودة، في ظل وجود قرار إسرائيلي بإقامة منطقة شبه عازلة ممنوع الحياة فيها وإعادة الإعمار وهذا واضح بالممارسات الإسرائيلية، لافتاً إلى أنّ فرقنا باشرت منذ اليوم الأولى عمليات مسح الأضرار ورفع الردم والركام، رغم كل المخاطر واستمرار الاعتداءات الإسرائيلية وقد تعرضت 326 آلية للاعتداء أو التدمير، ومع ذلك نحن مستمرون.
ولفت حيدر إلى أننا “أجرينا مسحاً شاملاً للأضرار، ونقوم بخطوات بسيطة بانتظار تأمين الاعتمادات اللازمة لإعادة الإعمار الشامل، بحيث رممنا 190 مدرسة، الأمر الذي سمح للعام الدراسي أن يكون طبيعياً، ورممنا مستشفيات في الجنوب، ومباني السرايا في كل قضاء، ونرمم مراكز الدفاع المدني والشؤون الاجتماعية، ومبانيَ رسمية أخرى، وفتحنا بعض الطرقات التي تعرّضت للقصف”.
وأشار إلى أن “الخسائر في المنازل والمحال والمؤسسات كمبانٍ تقدر بحوالي 5 مليارات دولار، أما البنى التحتية فحوالي 500 مليون دولار، هذا لا يشمل الأضرار الزراعية والممتلكات، فهناك ممتلكات بمئات ملايين الدولارات لم تؤخذ بعد بعين الاعتبار، كما لم تشمل الآليات التي تعرضت للاعتداءات والتدمير بعد وقف إطلاق النار”.
وفي 24 يونيو الماضي، وافق مجلس المديرين التنفيذيين للبنك الدولي على تمويل بقيمة 250 مليون دولار للبنان لدعم ترميم وإعادة إعمار البنية التحتية الأساسية المتضررة على نحو طارئ واستعادة الخدمات الحيوية، بالإضافة إلى تعزيز الإدارة المستدامة للركام والأنقاض في المناطق المتضررة من الصراع، بيد أن مجلس النواب اللبناني لم يقرّ حتى هذا التاريخ، التمويل، في ظلّ خلافات داخلية تحول دون انعقاد جلسة تشريعية.
وقال المدير الإقليمي لدائرة الشرق الأوسط في البنك الدولي جان كريستوف كاريه، إنه “نظراً إلى ضخامة احتياجات إعادة الإعمار التي يواجهها لبنان، فقد صُمِّم هذا المشروع ليكون بمثابة إطار قابل للتوسّع، بقيمة تصل إلى مليار دولار، مع مساهمة أولية قدرها 250 مليون دولار أميركي من البنك الدولي”.

