
هاجمت السلطات الجزائرية، عبر الإعلام الرسمي التابع للرئاسة، بشدة دولة الإمارات العربية المتحدة، واتهمتها بتعمد إثارة النعرات العرقية في الجزائر، وذلك بعد يوم واحد من بث قناة مملوكة لأبوظبي حواراً مع مؤرخ جزائري “أثار قضايا إثنية وعرقية حساسة، أعقبها جدل حاد في البلاد”.
وافتتح التلفزيون الجزائري الرسمي نشرته الرئيسة ببيان افتتاحي غير مسبوق، هاجم فيه الإمارات، جاء فيه أن أبوظبي “تحولت إلى مصنع لإنتاج الشر والفتنة، وعادت هذه المرة عبر إحدى قنواتها (اللقيطة) لتنفث شكلاً جديداً من السموم والوساخة والعفن والوقاحة وسط الجزائريين”، مضيفاً: “ليست المرة الأولى التي تُقدم فيها (دويلة) الإمارات (المصطنعة) على التهجم على دولة الجزائر السيدة، الكبيرة والشامخة، بلا سبب، سوى تقديم المزيد من الولاء لكيانات شبيهة في الاصطناع”، في إشارة إلى إسرائيل.
ويشير هذا الموقف الحاد إلى برنامج حواري بثّته قناة “سكاي نيوز” مع المؤرخ الجزائري محمد أمين بلغيث، تطرق فيه إلى قضية الأمازيغية في الجزائر، واعتبرها “مشروعاً فرنسياً صهيونياً لتقسيم المنطقة”، وهو ما اعتُبر في الجزائر مساساً بالهوية الوطنية وإثارة للنعرات العرقية وإلغاء لمكون ثقافي وهويّاتي أساسي في البلاد. ووصف البيان البرنامج بأنه “ككل مرة، صاحب نفس مريضة، وتاجر أيديولوجيا في سوق التاريخ. فكانت الأسئلة مسمومة، وجاءت الأجوبة وقحة، خالية من أي سند علمي، وبعيدة عن أي طرح موضوعي، وعاد بنا البرنامج الأرعن إلى أسطوانة مشروخة بالية تحاول التشكيك في أصول الجزائريين وضرب التناغم بين مكونات هويتهم”.
وأضاف المصدر نفسه: “وبالرغم من حكمة الجزائر العريقة وتبصرها وتعقلها وهدوئها وسعة صدرها، وعلى الرغم من كل التنبيهات المباشرة والمبطنة، التي كانت ترجو من المتآمرين أن يتورعوا، تصر الإمارات على إدارة ظهرها لكل ما سبق من مودة، ولكل ما سُجل من مواقف داعمة وناصرة حين التأسيس، قبل خمسة عقود”. وأضاف أن “الجزائري لا يمكن أن يغض الطرف عن الجراءة على وحدته، والمساس بأسس هويته وثوابت دستوره. فاليد التي تمتد تقطع، والقدم التي تطأ تبتر، واللسان الذي يطلق يقلع”.
وترى الجزائر أن الإمارات “تجاوزت هذه المرة كل الخطوط الحمر، وكل الحدود التي يمكن أن تغض الجزائر الطرف عنها أو تسكت. والجزائر لن تقف باكية على الأطلال، لكنها سترد الصاع صاعين”، دون أن يوضح البيان طبيعة الرد السياسي الذي قد تعمد إليه الجزائر، أو ما إذا كانت ستلجأ إلى إجراءات دبلوماسية مثل استدعاء سفيرها من أبوظبي للتشاور، أو استدعاء السفير الإماراتي في الجزائر لإبلاغه احتجاجاً رسمياً على ما تعتبره الجزائر تطاولاً إعلامياً من قناة تملكها الإمارات وتبث من أراضيها.
وتزامن هذا التصعيد الجديد في العلاقات بين الجزائر وأبوظبي مع تواجد النائب الأول لرئيس المجلس الاتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة، طارق حميد الطاير، في الجزائر، حيث يشارك في أعمال الاتحاد البرلماني العربي، الذي بدأت أشغاله يوم الجمعة وتستمر حتى الأحد المقبل.
وليست هذه المرة الأولى التي يهاجم فيها الإعلام الرسمي الجزائري الإمارات، إذ سبق أن وقعت مناكفات إعلامية حادة. ففي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وجهت وسائل إعلام رسمية ومقربة من السلطة في الجزائر اتهامات مباشرة إلى السفير الإماراتي بالسعي لإثارة أزمات مع الجزائر، في خضم أزمة صامتة بين البلدين منذ مطلع عام 2020، حين وصف الرئيس عبد المجيد تبون اتفاقات “أبراهام” بـ”الهرولة”. وفي بداية عام 2024، أصدر مجلس الأمن القومي الجزائري بياناً لمح فيه إلى اتهام أبوظبي – واصفاً إياها بـ”بلد عربي شقيق” – بلعب دور في توترات المنطقة وسلوك عدائي تجاه الجزائر.
كما هاجم الرئيس الجزائري، بشكل غير مباشر، الإمارات خلال مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قائلاً إن “دولاً تقوم بإثارة الفتنة في السودان، وستحاسب على ذلك”، في إشارة واضحة إلى الإمارات التي تدعم قوات الدعم السريع.