“حرب في الكابنيت”.. 3 خلافات جوهرية في صفوف القيادة الإسرائيلية حول غزة

تكشف مصادر في إسرائيل أن اجتماع مجلس الحرب، أمس، شهد خلافات وتوترات مجدداً بين مكوناته، وهذا يرتبط أيضاً بخلافات متجددة بين بايدن ونتنياهو. وتنقل صحيفة “هارتس” العبرية عن مصدر مطلع قوله إن غانتس وايزنكوت يبحثان عن أفكار خلّاقة “خارج الصندوق” لصياغة صفقة مع “حماس”، لكن نتنياهو وغالانت يعاندان ويريدان مواصلة الحرب زاعمين أن الضغط العسكري هو الطريق لاستعادة المخطوفين وتحقيق كل أهدافها.

وتوضح “هآرتس” أن الحزب الدولاني، برئاسة غانتس، يحاول دفع مجلس الحرب نحو صفقة لاستعادة المخطوفين، لكن نتنياهو وغالانت يحذّران من أن وقف الحرب قبل إسقاط “حماس” من شأنه المساس بمصالح أمنية عليا لإسرائيل.

وتضيف: “حالياً لا تنجح مصر وقطر في جسر الفوارق في المواقف بين إسرائيل و”حماس”. اجتماع مجلس الحرب، أمس، كشف مرة أخرى عن اختلاف التوجهات في التعامل مع المحتجزين: بين نتنياهو وغالانت وبين غانتس وايزنكوت”.

وتنقل عن المصدر المطلع قوله إن ايزنكوت عزّزَ أقوال غانتس، وقال إن إسرائيل بحاجة للدفع لصفقة كبيرة، وفعل كل شيء من أجل استعادة المخطوفين بسبب الخطر الكبير على حياتهم.

الوضع المأزوم دفع نتنياهو للتوجه للإمارات طالباً أن توزع مساعدات مالية على الفلسطينيين لتحفيف الأزمة الاقتصادية، وفق صحفية عبرية

وقال المصدر السياسي المذكور إنه “لا يوجد بعد تقدّم في المداولات من أجل صفقة، ولا توجد مقترحات من قبل قطر ومصر تعبّر عن مجمل مواقف إسرائيل”.

كما توضح “هآرتس” أنه فيما تحاول “حماس” توظيف أي صفقة مقترحة من أجل إنهاء الحرب، فإن إسرائيل معنية بصفقة إنسانية صغيرة نسبياً لا تشمل بالضرورة كل المخطوفين، وبعدها تستمر الحرب. مع ذلك، هناك جهات في المستوى السياسي تدعو لبلورة أفكار “خارج الصندوق”، في محاولة لتخليص صفقة وشيكة وتشجيع “حماس” للتعاون مع العملية.

وتستذكر الصحيفة العبرية أن قطر ومصر طرحتا، في الأسابيع الأخيرة، مبادرات جوهرها عملية طويلة يتم خلالها الإفراج عن المخطوفين بالتدريج طيلة أسابيع، وفي التزامن، يقامُ كيان سلطوي إداري جديد داخل القطاع، وتنتهي العملية بوقف النار، وتستذكر الصحيفة تصريحات القيادي في “حماس” أسامة حمدان، في الأسبوع الفائت، بأن حركته لن تتداول أي مبادرة لا تشمل وقفاً تاماً للحرب.

ايزنكوت يصرخ في وجه نتنياهو

وفي هذا السياق، تفيد تسريبات صحفية إسرائيلية أن الوزير، وقائد الجيش سابقاً، ووالد ثاكل، قد صرخ، في الأمس، بوجه نتنياهو قائلاً: “كفى نكذب على أنفسنا. علينا إنقاذ المخطوفين قبل فوات الأوان، وهذه ليست قضية إنسانية، بل أمن قومي، لأن بقاء هؤلاء هناك يعني انتهاك “العقد الفريد” بين الدولة وبين مواطنيها”.

تعبيراً عن الخلافات الداخلية، اختار المعلق السياسي الإسرائيلي البارز ناحوم بارنياع عنونة مقال له تنشره “يديعوت أحرونوت”، اليوم، بـ “حرب في الكابنيت”، وفيه يطرح تساؤلاً واضحاً مباشراً: “حجم الخسائر البشرية، الفشل الذريع، الأضرار، وتتمة الحرب التي يعدوننا فيها تلزم بالسؤال؛ هل صحيح أن يواصل القادة، الذين وقع الفشل الذريع خلال ورديتهم، في السابع من أكتوبر، البقاء في مناصبهم؟ السؤال لا ينبع من غضب على الفشل الذريع، بل ينبع أيضاً من الخوف أن الوصمة في جباههم بعد السابع من أكتوبر تصعب عليهم التوصل لقرارات سليمة”.

يذكر أن بارنياع واحدٌ من المعلّقين الإسرائيليين الأوسع قراءة، والذين التزموا خطاً مثابراً مستقلاً، الذين قالوا، منذ اليوم الأول، إن الحرب لن تحقق أهدافها، وإن على إسرائيل وقفها، والتعايش مع الحقيقة المرة، ومع بقاء “حماس”. مؤكداً أن “من يخسر عليه دفع الثمن”.

ويسلط المحلل العسكري في “هآرتس” عاموس هارئيل الضوء على معضلة إسرائيل، التي تتجاوز الاختلافات والخلافات بين نتنياهو وغانتس، بإشارته إلى أن ثمن استعادة المخطوفين هو اعتراف الحكومة والجيش بفشلهما، لأن وقف الحرب لمدة طويلة مع بقاء “حماس” وحصانة قادتها يعني إنهاء الحرب دون تحقيق هدفها المعلن؛ تفكيك “حماس” وقدراتها.

غانتس قال إن إسرائيل بحاجة للدفع لصفقة كبيرة، وفعل كل شيء من أجل استعادة المخطوفين بسبب الخطر الكبير على حياتهم

ويضيف هارئيل، مشكّكاً بإمكانية استمرار هذا الكابنيت: “حالياً نتنياهو يماطل، لكن ليس مؤكداً أن يستطيع شركاؤه من الحزب الدولاني، برئاسة غانتس، قبول ذلك”. وفي المقابل، يقول هارئيل إنه بخلاف بعض التقارير الإعلامية المحلية “لا توجد تسوية ناضجة لاستعادة المخطوفين. هناك أفكار من قبل الوسطاء المصريين والقطريين بدعم أمريكي، وهناك توقعات حول ماذا ستطلب “حماس” المستترة داخل الأنفاق ومحاطة بدرع بشري من المخطوفين”.

لماذا نحن مستمرون؟

وبما يتكاتب مع الشكوك الإسرائيلية الواسعة، بأن حكومة الاحتلال، ورئيسها بالذات، يخلطون الحسابات في إدارة الحرب على غزة، ينقل المحلل السياسي للقناة 13 العبرية رافيف دروكر عن قائد إسرائيلي كبير شريك أساس في إدارة الحرب قوله: “لقد حققنا الهدف الحقيقي للحرب. لا يوجد تهديد علينا من الجنوب. صحيح. حتى نحافظ على المكسب علينا البقاء هناك، لكن لا يوجد سبب حقيقي لمواصلة الفعل العسكري، والآن هو وقت الانتقال للجبهة الشمالية”.

ويوضح دروكر أنه وجّه سؤالاً للمسؤول المذكور، محجوب الهوية: “ماذا مع الوعود بانتزاع قدرات “حماس” العسكرية والسلطوية؟”. ويقول دروكر إنه بعد هذا السؤال: “سمعتُ منه تأوها ثقيلاً. الصمت وقتها كان أبلغ من الحديث العالي”.

موقف الجيش بين المعلن والحقيقة

بالتزامن مع هذه الخلافات داخل الكابنيت، التي باتت سراً ذائعاً، كرّرَ الناطق العسكري دانئيل هغاري، مساء أمس، مقولته بأن جيش الاحتلال لا نية له بالانسحاب من خان يونس، مكرراً أيضاً مقولته: “نحتاج للتصميم والصبر حتى نحقق أهداف الحرب”.

لكن قراءة ما يقال ويكتب في إسرائيل تدلّل على أن الجيش، وبخلاف روايته المعلنة، معنيّ، اليوم، بالبحث عن مخارج، ويطالب بإلحاح بتعريف أهداف استمرارية الحرب، وبتحديد ملامح اليوم التالي تحاشياً لـ “المراوحة في المكان” و”الاستنزاف”.

وينعكس موقف الجيش في مواقف غانتس وايزنكوت، وهما قائدان سابقان لهيئة الأركان، مثلما ينعكس في مواقف محللين عسكريين وسياسيين مقربين منه، ومن المؤسسة الأمنية ممن يشكّكون بجدوى الحرب المكلفة والباقية دون أفق سياسي.

الضفة الغربية داخل “طنجرة ضغط”

لجانب الحرب وحساباتها، هناك خلاف علني آخر داخل الكابنيت حول الضفة الغربية المحتلة، فغانتس وايزنكوت يخشيان من انتفاضة مسلحة متزامنة نتيجة جرائم الاحتلال داخل القطاع ومشاهد الدمار والمساس بالمدنيين، ونتيجة اعتداءات المستوطنين المتصاعدة، والمداهمات اليومية، والأزمة الاقتصادية غير المسبوقة.

يسعى غانتس وايزنكوت لـ “تنفيس” حالة الاحتقان، من خلال تحرير المستحقات المالية للسلطة الفلسطينية الموجودة على حافة الإفلاس، اليوم، وتمكين عشرات آلاف العمال الفلسطينيين من العمل داخل أراضي 48، لكن الوزراء المتشددين، أمثال سموتريتش وبن غفير، يعارضون ذلك، ويعتبرون أن مجرد التفكير بذلك يعني أن إسرائيل ما زالت عالقة بالمفاهيم الإستراتيجية القديمة التي أفضت لفشل السابع من أكتوبر، ويعتقدون أن الحل هو التصعيد والحسم بالقوة المفرطة.

نتنياهو، صاحب التجربة الطويلة كرئيس لحكومة سادسة يؤيد موقف المؤسسة الأمنية الداعي لتخفيف الضغوط داخل الضفة الغربية، عالق ومغلوب على أمره، ويخشى انهيار ائتلافه إذا تجاهل موقف شركائه المتطرفين الغيبين. هذا الوضع المأزوم دفع نتنياهو للتوجه للإمارات طالباً أن توزع مساعدات مالية على الفلسطينيين لتحفيف الأزمة الاقتصادية، وفق تقارير صحفية عبرية.

ومن يتجول في الضفة الغربية يستشعر الأزمة والجو المحتقن بسهولة. ففي رام الله يكاد الزائر لا يجد فندقاً مفتوحاً بعدما أغلقت نتيجة قلّة الزائرين. وهذا هو الحال مع الكثير من المصالح التجارية، وهناك أحاديث عن ظاهرة واسعة تعكس الأزمة تتمثل بـ “شيكات راجعة” بكميات غير مسبوقة دليلاً على العجز المالي.

خلافات مع الإدارة الأمريكية

وتكشف تقارير إعلامية عبرية عن استمرار الخلافات مع الإدارة الأمريكية، فتقول “يديعوت أحرونوت”، اليوم، إن مقرّبين من الرئيس بايدن، الذي عرّفَ نفسه كصهيوني عدة مرات يعتقدون أن نتنياهو “يجرّ الحرب ويطيل عمرها بدوافع شخصية، ما يفسّر عدم وجود محادثة هاتفية بينهما، منذ 20 يوماً.

هناك خشية لدى غانتس وايزنكوت من انتفاضة مسلحة في الضفة متزامنة نتيجة جرائم الاحتلال داخل القطاع، واعتداءات المستوطنين المتصاعدة، والمداهمات اليومية، والأزمة الاقتصادية

وتتابع الصحيفة: “يكبر الانطباع في واشنطن بأن نتنياهو لا يضع المخطوفين في رأس أولوياته لأسباب سياسية”، وفي المقابل، نفى مكتب نتنياهو ذلك. كما تشير لوجود خلافات حول مماطلة إسرائيل بإدخال مساعدات إنسانية كافية، وبمنع الغزيين من العودة لشمال القطاع. وتستذكر أن موظفين أمريكيين في البنتاغون قالوا، قبل أسبوع، لنظرائهم الإسرائيليين أنهم باتوا متشكّكين حيال قدرة الجيش الإسرائيلي على حسم “حماس”، لكن الجانب الإسرائيلي قال عكس ذلك، فـ”المهمة تحتاج إلى وقت وصبر أكبر”.

صورة مضلّلة

في التزامن، تستغرب أوساطٌ إسرائيلية وتبدي غضبها لصور عودة غزيين لشمال القطاع، وفتح بعض أسواقه، وسط تساؤل عن دلالة وتبعات ذلك. وفي هذا الخصوص، يقول الباحث في الشؤون الفلسطينية في جامعة تل أبيب دكتور ميخائيل ميليشتاين للإذاعة العبرية، صباح اليوم الإثنين، إن “حماس” خلف بث هذه الصور، وهي لا تعكس فعلاً عودة الحياة الطبيعية في شمال القطاع المدمر، متّهماً “الجزيرة” و”حماس” بالترويج لهذه الصور، مقابل عدم عودة سكان “غلاف غزة” كجزء من المعركة على الوعي.

ومع ذلك، يضيف ميليشتاين: “هذا مقلق لعدم وجود جهة سيادية، ولأننا نحتاج لصياغة واقع جديد في شمال القطاع، الذي يشهد الآن حالة فوضى”.

كما قال ميليشتاين إن “القتال في جنوب القطاع مختلف تماماً عمّا كان في الشمال، فالقوات الإسرائيلية تحرص على عدم البقاء داخل منطقة خان يونس”.

ويتساءل هو الآخر كيف ستواجه إسرائيل المأزق في الجنوب: “الجنوب مكتظ باللاجئين، ولا تستطيع التوغل برياً هناك، حتى وإن كانت مصر عملياً موافقة، فهل تتسع منطقة المواصي لكافتهم؟ وبحال أعادتهم للشمال هل تضمن عدم تسلل عناصر “حماس” مع المدنيين؟”.

ويتفق ميليشتاين مع التقديرات المحلية بأن إسرائيل تقترب من نقطة حسم ماذا تريد من الهدفين المتنافرين: المخطوفين أم مواصلة الحرب. وهذا ما تؤكده عائلات المخطوفين، التي لم تعد تثق بأن استمرار الحرب يقرّب من استعادتهم، وتجلى ذلك حتى بمقاطعة رئيس إسرائيل هرتسوغ، خلال خطابه أمام مظاهرتهم في تل أبيب، لعدم دعوته الصريحة المباشرة من أجل استعادتهم بكل ثمن.