
كتب عاموس هرئيل
المؤتمر الصحافي الذي عقده نتنياهو جاء بصورة مستعجلة مساء الخميس الماضي، قبل لحظة من مقابلة مع الوزير غادي آيزنكوت في برنامج “عوفداه” في القناة 12. لم يكن حدثاً يقطر أمناً. تتراكم الآن في أوساط معظم المواطنين تخوفات من تصعيد في الشمال، وتضاف إلى عدم ثقة متزايد يثيره هذا الشخص الذي يجب عليه توجيه الحرب. أمس، نسبت عمليتا اغتيال لإسرائيل، في دمشق وقرب مدينة صور في لبنان.
ظهور نتنياهو الأخير ولد انطباعاً بائساً ومخيباً للآمال. ظهر رئيس الحكومة وكأنه في حملة انتخابية. التشويش والخوف اللذين بثهما ظهوره بعد هجوم حماس في النقب الغربي في 7 تشرين الأول، حلت محله غطرسة وروح هجومية، التي تم توجيهها بالأساس للمراسلين الذين تجرأوا على توجيه أسئلة صعبة جداً له أكثر مما فعل مراسلو القناة 14 (الذين كان من حسن حظهم توجيه السؤال الأول). ورفض نتنياهو بشكل حازم الاعتراف بأي خطأ أو تحمل المسؤولية، حتى لو جزئية، عن الإخفاقات التي مكنت من اندلاع الحرب.
فوق كل ذلك، كان ثمة إدراك يحوم ويفيد بأن عدم اتخاذ القرارات هو في الحقيقة سياسته الأساسية. وعندما لم يقم نتنياهو بمناوشة مباشرة مع وسائل الإعلام، وعد بحرب طويلة لمدة سنة على الأقل، ورفض مناقشة الوضع النهائي للمعركة ضد حماس في قطاع غزة، وتملص من تطرق مباشر لمحنة الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزة في وضع خطير على حياتهم، وتجاهل الوضع الذي يزداد تعقيداً في الضفة الغربية.
هذه الأقوال كانت مناقضة لأقوال رئيس الأركان السابق غادي آيزنكوت في مقابلته مع أيلانا ديان، بعد ساعتين تقريباً. مأساة عائلة آيزنكوت الشخصية بعد قتل ابنها الجندي غال في جباليا في بداية كانون الأول، نتج عنها موضوع عام كبير في مقابلة أجراها الأب الثاكل. الصدق والاستقامة التي تحدث بها عن ألم العائلة أثارا تماهياً كبيراً، لكن كان يمكن معرفة الكثير أيضاً من الأجزاء الأقل شخصية في البرنامج؛ فقد اعترف آيزنكوت بأن قيادة إسرائيل لا تقول الحقيقة للجمهور عن الحرب، ورفض القول بأنه يثق بنتنياهو بشكل شخصي.
هو يثق بمنظومة اتخاذ القرارات في مجلس الحرب. ودعا بضرورة الإسراع في صفقة تبادل حتى بثمن باهظ، واقترح إجراء انتخابات جديدة خلال بضعة أشهر.
الظروف الأمنية والسياسية المعقدة تؤثر أيضاً على اتخاذ قرارات مجلس الحرب. فنتنياهو ووزير الدفاع في الحقيقة يعرضان الخط الأكثر تشدداً بخصوص استمرار الحرب والتفاوض على صفقة تبادل للمخطوفين، لكنهما متخاصمان بشكل شخصي، وتقريباً لا يتكلم أحدهما مع الآخر. حتى إن غالنت عبر بشكل صريح في الأسابيع الأخيرة عن دعمه لبلورة خطة “اليوم التالي”، التي يقوم نتنياهو بتأجيلها لخوفه من شركائه في اليمين المتطرف.
غالنت وآيزنكوت غير متفاهمين، لكن علاقة وزير الدفاع مع رئيس المعسكر الرسمي، الوزير بني غانتس، جيدة. ولدى هؤلاء الجنرالات الثلاثة المتقاعدين شكوك عميقة بنوايا رئيس الحكومة، وغير راضين عن طريقته في إدارة السياسة. أمن الدولة هو الذي يقف نصب عين غالنت. والسؤال هو: هل سيترجم ذلك إلى خطوات سياسية تجاه نتنياهو، أو سيتم العثور على أشخاص آخرين لديهم الشجاعة في أوساط الوزراء وأعضاء الكنيست من الليكود؟ في هذه الأثناء، يبدو أن رئيس الحكومة هو الأكثر تصميماً وحساباً من بين جميع منافسيه في كل ما يتعلق بالنضال السياسي.
الوقت ينفد
بعد توقف لمدة شهر، استأنف الرئيس الأمريكي جو بايدن، أول أمس، الاتصالات الهاتفية مع نتنياهو. توقف بايدن عن المحادثات المتواترة بعد أن غضب من رفض نتنياهو المصادقة على اتفاق لإعادة أموال الضرائب المجمدة للسلطة الفلسطينية. يوم الخميس الماضي، نشر أن الكابنت السياسي ناقش اقتراح تسوية متعرجاً لنقل الأموال للسلطة من خلال النرويج، وفي اليوم التالي جرت المحادثة. وقال مكتب رئيس الحكومة إن المحادثة كانت جيدة. وسربت الحكومة لوسائل الإعلام الأمريكية بأن بايدن ضغط على نتنياهو كي يوافق على إقامة دولة فلسطينية بعد انتهاء الحرب، وأن نتنياهو لم يرفض الفكرة – وهذا مخالف بشكل واضح للخط العلني الذي يعبر عنه في ساحته المحلية، حيث يعرض نفسه وكأنه الوحيد الذي يمكنه منع إقامتها. ونشر مكتب رئيس الحكومة بشكل استثنائي بياناً السبت، ادعى فيه أن نتنياهو يصمم على معارضة أي سيادة فلسطينية في القطاع.
مقابل حل الدولتين، لا يمكن الاستخفاف بالمسألة الملحة، وهي إنقاذ الـ 136 مخطوفاً المحتجزين لدى حماس، الذين أعلن الجيش الإسرائيلي عن موت أكثر من 25 منهم. أمس، تم التعبير عن الخوف على سلامة المخطوف اوهيد يهلومي، بعد الفيلم الذي نشره تنظيم فلسطيني في القطاع. في الأسبوع الماضي، أُعلن عن موت مخطوفين هما يوسي شرعابي وايتي سيفرسكي. شقيقة سيفرسكي، ميراف، طرحت نقطة مهمة، وهي أن عائلته تعرف أنه قتل على يد خاطفيه بعد هجوم لإسرائيل في المنطقة. وقال الجيش إنه لم يعرف أن سيفرسكي كان محتجزاً قرب المكان الذي هاجمه. وقالت الشقيقة إنهم يعرفون عدداً من الحالات المشابهة، هكذا يتبين بأن حماس توجه حراس المخطوفين قتلهم في حالة وجود خوف من عملية لإنقاذ الرهائن.
أما معظم عائلات المخطوفين فترى أن جهود الجيش الإسرائيلي لم تثمر في تحرير أي مخطوف على قيد الحياة، باستثناء الجندية اوري مغيدش في نهاية تشرين الأول، بل إن عمليات جريئة وحتى هجمات غير مركزة أدت إلى تعريض حياتهم للخطر أو قتلهم. مساء أول أمس، أقامت عدة عائلات خيمة احتجاج أمام منزل نتنياهو في قيساريا. ومن المرجح أن نشاهد في الأيام القريبة القادمة المزيد من خطوات الاحتجاج الأشد كلما زاد الشعور بنفاد الوقت. في المقابل، يبدو أن اقتراحات مصر وقطر لعقد صفقة جديدة، تتقدم ببطء رغم التفاؤل الذي تحرص الادارة الأمريكية على بثه.
في الشمال، كانت هناك عمليتا اغتيال في غضون ساعة. في البداية، نُشر عن هجوم جوي لإسرائيل في دمشق، حيث أصيب مبنى يستخدمه حرس الثورة الإيراني، وقتل فيه خمسة من أعضاء حرس الثورة، منهم رئيس وحدة المخابرات في “قوة القدس” ونائبه. وقرب مدينة صور في لبنان نُشر بأن مسيرة إسرائيلية هاجمت سيارة وقتلت فلسطينيين، أحدهما ضابط الاتصال بين “قوة القدس” وأعضاء حماس في لبنان.
إذا كان هذا النشر صحيحاً، وكما حال الهجوم الذي قتل فيه الجنرال الإيراني رضي موسوي، حينئذ يتضح أن إسرائيل تريد استغلال الحرب للمس بالقادة الذين يقودون جهود إيران الواسعة لتسليح “حزب الله”، وهي جهود ازدادت منذ تشرين الأول الماضي. ونُشر في سوريا أيضاً عن عشرات الهجمات الجوية لإسرائيل في الأشهر الثلاثة والنصف الأخيرة. وعملية الاغتيال التي حدثت قرب مدينة صور هي انحراف عن الحدود الجغرافية للقتال، لكن ليس ضد “حزب الله” بل ضد حماس التي تعتبر شريكة صغيرة في المعركة في لبنان. وقد سبقت هذا الهجوم تصفية صالح العاروري الشخصية الرفيعة في حماس، في بداية الشهر الحالي، التي تنسب أيضاً لإسرائيل.
نشرت “واشنطن بوست” أول أمس، بأن إسرائيل منحت الأمريكيين بضعة أسابيع أخرى للمفاوضات في محاولة لحل الأزمة على الحدود مع لبنان بطرق سلمية، من أجل إبعاد رجال “حزب الله” عن الحدود. من المرجح أن الفترة الزمنية الحقيقية هي أطول مما تم نشره. مصادر أمريكية ولبنانية قالت للصحيفة إن المبعوث الأمريكي في المنطقة، عاموس هوكشتاين، عرض على الطرفين اقتراحاً لإبعاد “حزب الله” بضعة كيلومترات إلى الشمال، وإعطاء دور فعال أكثر للجيش اللبناني في جنوب الدولة.
الحرب في كل الساحات تغير صورتها الآن: الجيش الإسرائيلي قلص قواته بشكل بارز في القطاع، وباستثناء وجود كبير في خان يونس، فإن الجيش يركز عمليات محدودة ضد حماس في المناطق الأخرى. أما صفقة المخطوفين فأصبحت أكثر إلحاحاً بسبب الوضع الصعب لكثيرين منهم. في الشمال، يتطور تحد استراتيجي أكبر إزاء التصعيد والصعوبة في إعادة سكان بلدات الشمال القريبة من الحدود إلى بيوتهم. تقترب إسرائيل كما يبدو من اتخاذ قرار، حتى لو لم يظهر رئيس الحكومة أي علامات تشير إلى ذلك، وهو أكثر انشغالاً بإعطاء وعود عن انتصار مطلق سيتحقق في وقت ما في المستقبل البعيد. في ظل غياب قرار استراتيجي، تنتقل الكرة للساحة السياسية بشكل كبير، وتعتمد على قرار شركائه في مجلس الحرب، الوزيرين غانتس وآيزنكوت.
هآرتس 21/1/2024