لم تكف قوات الاحتلال الإسرائيلية عن مواصلة عدوانها الهمجي والوحشي وجرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والترانسفير بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، رغم الأوامر الصادرة عن محكمة العدل الدولية والتي شكلت اتهاماً غير مباشر لإسرائيل بارتكابها جريمة الإبادة الجماعية في غزة.
وسادت خيبة الأمل في صفوف الشعب الفلسطيني والعشرات من الدول ومقدمي الشكوى وهي دولة جنوب أفريقيا، بعد صدور أوامر محكمة العدل الدولية والتي لم تلزم «إسرائيل» بوقف حربها وعدوانها البربري والهمجي على قطاع غزة بشكل فوري.
ومن الواضح أنه رغم أن القرار المتعلق بالتدابير الاحترازية المؤقتة لم يجزم أن «إسرائيل» ارتكبت جريمة الإبادة الجماعية، لكنها وضعت «إسرائيل» بقفص الاتهام لأول مرة أمام المجتمع الدولي والمجهر الدولي لمراقبة الجرائم الإسرائيلية المرتكبة في قطاع غزة، وأيضاً أن الدعوى المقدمة من دولة جنوب أفريقيا في طريقها نحو إثبات أن «إسرائيل» ارتكبت جريمة الإبادة الجماعية لاحقاً.
وحسب مراقبين أن تنفيذ الأوامر الصادرة عن محكمة العدل الدولية تتطلب وقفاً لإطلاق النار في قطاع غزة، فعلى سبيل المثال، دعوة محكمة العدل الدولية «إسرائيل» لاتخاذ التدابير الاحترازية المؤقتة لمنع أية أفعال تحرّض على الإبادة الجماعية، وأنه على «إسرائيل» الالتزام بتجنب كل ما يتعلق بالقتل والاعتداء والتدمير بحق سكان غزة.
ربما «إسرائيل» الدولة القائمة بالاحتلال أبدت نوعاً من الارتياح لعدم دعوتها من قبل محكمة العدل الدولية بالوقف الفوري لإطلاق النار والسماح بعودة الغزيين من جنوب قطاع غزة إلى شماله، فيما تبدي «إسرائيل» تخوفاً من أية قرارات قد تصدر عن اجتماع مجلس الأمن الدولي يوم الأربعاء القادم في 31 كانون ثاني (يناير) 2023 رغم إدراكها أن البطاقة الحمراء الأميركية سترفع في وجه أي قرار يدعو لوقف إطلاق النار في قطاع غزة أو وصف ما يجري في غزة أنها جرائم إبادة جماعية وتطهير عرقي.
ولكن على دولة الاحتلال أن تقدم تقريراً لمحكمة العدل الدولية في غضون شهر حول شبهات ارتكابها جرائم إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني، وهذا يفتح الباب أمام المجتمع الدولي في حال عدم الالتزام الإسرائيلي بقرارات المحكمة، البدء بمحاسبة «إسرائيل» في المحاكم الوطنية والأوروبية والأميركية وفرض عقوبات عليها، استناداً على قرار المحكمة الدولية الذي يعتبر أن المعاقبة على الإبادة الجماعية ذات اختصاص عالمي.
وفي هذا السياق، يرى مراقبون أنه طالما أقرت محكمة العدل الدولية أن المعاقبة على الإبادة الجماعية ذات اختصاص دولي، فإن الإبادة الجماعية تدخل ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، لذلك لم يعد أية حجة قانونية أمام المدعي العام لمحكمة الجنائية الدولية كريم خان ولجان التحقيق الأممية، وعلى المحكمة البدء الفوري بالتحقيق حول ارتكاب «إسرائيل» جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة وإرسال فريق المحكمة إلى غزة للتحقيق الفوري في تلك الجرائم دون الانتظار أو الخضوع للقيود الإسرائيلية.
أليس مستغرباً أن تقول محكمة العدل الدولية، إن لها السلطة في فرض التدابير المؤقتة عندما يكون هناك ضرر لا يمكن إصلاحه، وإذا كان هناك إلحاح من خطر محدق قبل إطلاق حكم نهائي، في الوقت الذي توضح المحكمة الدولية وهي تستند على البيانات والتقارير الصادرة عن المنظمات الأممية والدولية أن «إسرائيل» قتلت أكثر من 25 ألف فلسطيني وأصابت أكثر من 60 ألفاً، ودفعت نحو 2 مليون شخص للنزوح جراء الحرب ودمرت مئات الآلاف من الوحدات السكنية، وأن نحو 93% من المواطنين في قطاع غزة يواجهون مستوى غير مسبوق من المجاعة وسوء التغذية ما حوّل غزة إلى مكان لفقدان الأمل واليأس والموت.
أمام تلك الأرقام والبيانات والتقارير والوقائع الميدانية، وتصريحات المسؤولين الإسرائيليين التي تحرّض على جرائم الإبادة الجماعية ومنها إعلان وزير الحرب الإسرائيلي يؤاف غالنت فرض الحصار الكامل على غزة ومنع الكهرباء والماء والوقود والغذاء، ورفع القيود عن القتال في غزة، ووصف القاطنين في غزة بأنهم «حيوانات بشرية»، ودعوة وزير التراث الإسرائيلي لضرب غزة بالقنابل النووية، التي استندت إليها محكمة العدل الدولية، ألا يتطلب ذلك من المحكمة فرض التدابير الاحترازية المؤقتة وفرض أمر لوقف إطلاق النار بعد توجيهها اتهامات بوجود شبهات أن «إسرائيل» ارتكبت جرائم إبادة جماعية.
وإن كانت أوامر محكمة العدل الدولية لا تجبر «إسرائيل» على وقف إطلاق النار بل اتخاذ التدابير الاحترازية المؤقتة لمنع ارتكاب جنودها جرائم الإبادة الجماعية، فإن القرار يجبر الأجهزة الأممية والدولية على اتخاذ إجراءات لحماية حياة الناس المهددة بالقتل والتدمير وخطر المجاعة وسوء التغذية.