
افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات |
إسرائيل اليوم 28/1/2024
وقف الحرب الآن يضع وجود إسرائيل أمام علامة استفهام
بقلم: يوسي بيلين
بدون أوهام
الثمن الدموي الذي دفعته إسرائيل هذا الأسبوع كان ممزقاً للقلب، لكن محظور أن يدفع أصحاب القرار لارتكاب خطأ استراتيجي جسيم. اقتراح إنهاء الحرب الذي جاء من جهة حماس لتحرير المخطوفين على مراحل وابقائها في الحكم في غزة وضمانات لسلامة قادة المنظمة، هو دعوة لكتاب استسلام من إسرائيل. فلا يمكن قبول هذه المطالب. واجب حكومة إسرائيل، التي تركت آلاف المواطنين الإسرائيليين لبراثن حماس هو ان تخرج عن طورها وتبذل كل جهد مستطاع لتحرير المخطوفين في ظل المخاطرة بحياة الساعين لإنقاذهم؛ لكن إنهاء الحرب بينما لا تزال حماس في الحكم في غزة – هو مطلب تهكمي من شأنه أن يضع استمرار وجود الدولة أمام علامة استفهام.
يجب فحص كل اقتراح يطرح على جدول الأعمال. ستكون ضرورة لدفع أثمان باهظة اذا لم تصل الخطوة العسكرية الى المخطوفين، لكن انهاء المعركة اليوم هو اعتراف إسرائيلي بالهزيمة، مع أن الميل في الميدان معاكس. من يعتقد انه بعد بضع سنوات، في ذات يوم صاف، حين “يسمح لنا” بالعمل ضد هذه المنظمة الاجرامية، سننهض ونسحقها – يوهم نفسه.
لا ترفضوا أفكار بايدن
قبل سبع سنوات نشر الباحث والمفكر الهام د. ميخا غوتمان كتابه “مصيدة 67″، عن صعوبة الوصول الى حل إسرائيلي – فلسطيني. انتاجه الأساس: اليسار يؤيد تقسيم البلاد ليضمن فيها اغلبية يهودية وحكماً ديمقراطياً، لكنه ليس لديه جواب جيد لضمان الأمن. اما اليمين، الذي يعارض تقسيم البلاد، يمنح بذلك جواباً جيداً للأمن، لكن ليس لديه جواب جيد على المسألة الديمغرافية. وقد اقترح في هذه المرحلة “تقليص النزاع”، وبدلاً من الخصام على كل شيء – الوصول الى توافقات في مواضيع مختلفة، وعدم منع أي حل سياسي قد يأتي في المستقبل، وتأجيل القرارات السياسية الحاسمة الى وقت لاحق اكثر.
بين دروس 7 أكتوبر، أعتقد أنه يمكن الاتفاق بأن ليس لليمين حل أمني مناسب. لا تقليص النزاع، لا انكماش النزاع وبالتأكيد لا إدارة النزاع. “سيد أمن” لم يعد سيد أمن، والابتكار المذهل في أنه يمكن عمل “السلام مقابل السلام” دون دفع أي ثمن – انهار. يتبين أن مناحيم بيغن لم يخطئ عندما تنازل عن كل سيناء كي يحقق السلام مع مصر.
طريق اليمين هو محاولة دحر المسألة الفلسطينية الى الزاوية. قوله ان ليس النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني هو قلب النزاع بل رفض العالم العربي التسليم بوجود إسرائيل، تفجر في وجهنا. منذ بداية الهجرات الصهيونية الى بلاد إسرائيل كانت مشكلتنا الأساسية هي تحدي العيش في هذه البلاد الى جانب العرب، وحل الدولة الفلسطينية (بعد أن رفض اليمين الخيار الأردني) هو الوحيد المتبقي لمن هو معني بإسرائيل ديمقراطية ويهودية. اذا كان عدم الحل لدى اليمين يوجد منذ سنوات جيل، واثبت فشله المرة تلو الأخرى – فان حل الدولتين لم يجرب أبداً.
يكاد الرئيس بايدن يكرر في كل يوم اقتراحه لتحقيق هذا الحل. فهو يتحدث عن دولة فلسطينية مجردة من السلاح وعن تطبيع مع العالم العربي، فيما تدحر حماس الى الخارج. وهو يفعل ذلك، بينما تتعاظم مشاعر العداء بين الطرفين، لكن في هذه اللحظات بالذات، بعد مواجهات قاسية، تعقد الشعوب التسويات. وبدلاً من فحص خطة بايدن بجديّة -وان كان فقط لوقوفه الذي لا هوادة فيه الى جانبنا في الأشهر الأخيرة والمساعدة التي تقدمها ادارته، سواء في المستوى العسكري ام في المستوى السياسي – فإن نتنياهو يجعل معارضته للدولة الفلسطينية شعاره للانتخابات القادمة.
من سمح بتعزيز قوة “حماس” ويفهم مساهمته الكبرى في واقع حياتنا منذ أكتوبر، يجمل به أن يعد حتى عشرة قبل أن يرفض حلاً سياسياً يعرضه علينا افضل أصدقائنا.
———————————————
هآرتس 28/1/2024
اتهمت “الثلاثي المركزي” لكنها لم تأمر بوقف فوري لإطلاق النار.. إسرائيل: محكمة “نصف سامية”
بقلم: جدعون ليفي
رئيس الدولة إسحق هرتسوغ، ووزير الدفاع يوآف غالنت، ووزير الخارجية إسرائيل كاتس، هؤلاء الثلاثة اختارتهم رئيسة محكمة العدل الدولية في لاهاي، جوان دونهيو، من أجل اقتباسهم كدليل على الاشتباه بالتحريض على الإبادة الجماعية في إسرائيل. القاضية لم تقتبس أشخاصاً هامشيين حالمين في اليمين، أو إيتمار بن غفير وأيال غولان، أو جنرالات سابقين مثل غيورا آيلاند (نشر الأوبئة في غزة) أو يئير غولان، رجل السلام وتشخيص العمليات (تجويع غزة). الأمر الثالث الذي أصدرته المحكمة، بتوقيع أهارون براك، يأمر إسرائيل باتخاذ كل الخطوات الممكنة لمنع ومعاقبة كل الذين يحرضون علناً على الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في غزة. يبدو أن على إسرائيل التحقيق وربما معاقبة الرئيس والوزيرين، وكان يجب استدعاؤهم إلى الشرطة هذا الصباح. إسرائيل لن تفعل ذلك بالطبع، لكن لا يمكن تجاهل الشكوك التي طرحتها المحكمة تجاه العمق الإسرائيلي.
قرار “لاهاي” نموذج للتفكير الحذر والمدروس. على إسرائيل، التي تنكر وتخدع نفسها، أن “تتنفس الصعداء”، وبل عليها “الابتهاج” في أعقاب القرار. دولة تمثل للمحاكمة من قبل الأمم بسبب الإبادة الجماعية، يجب عليها الخجل وليس الابتهاج. دولة يُتهم رئيسها ووزراؤها بالتحريض على الإبادة الجماعية، عليها أن تضع كيساً على رأسها، وألا تنفعل من إنجاز كبير وهمي حققته. كل إسرائيلي كان يمكنه الانكماش أول أمس على الكرسي بسبب هذا الموقف، ويشعر بخزي وعار كبيرين عند سماع مبررات هذا القرار. هناك إسرائيليون ربما سمعوا للمرة الأولى منذ بداية الحرب عن الذي ارتكبته دولتهم في غزة وما الذي تستمر في تنفيذه. هذه المرة حتى وسائل الإعلام الدعائية في إسرائيل، التي تحميهم وما زالت بكل إخلاص ولم تظهر لهم شيئاً، لا يمكنها أن تهب لمساعدتهم.
أصبح أصعب قليلاً اتهام هذه المحكمة باللاسامية لأنها لم تأمر إسرائيل بوقف الحرب. هذا لم يزعج المراسلة السياسية في أخبار 13، موريا اسرف – فولبرغ، وهي تضع على صدرها خارطة إسرائيل الكاملة، ولم تتنازل للاساميين في لاهاي، واستمرت في تكرار الادعاء بأن المحكمة منافقة، والعالم منافق، وإسرائيل تدير الحرب الأكثر عدالة وأخلاقية في العالم. من يصدق ذلك حتى بعد قرار لاهاي فليتفضل، فليصدق الوهم.
ويجب الانتباه إلى حكمة المحكمة، التي ركزت على التيار الرئيسي في إسرائيل وليس على الهوامش: هرتسوغ رئيس حزب العمل السابق والشخص الأكثر رسمية في البلاد، غالنت الذي منع احتجاج الوسط – يسار إقالته، كاتس الذي دعا أمس إلى تقديم مدير الأونروا للمحاكمة، لكنه يعتبر معتدلاً نسباً – هؤلاء هم المتهمون الرئيسيون في التحريض على الإبادة الجماعية. التحريض على إبادة الشعب الفلسطيني ربما اخترعه مئير كهانا، لكنه أصبح ملكاً للجميع تقريباً.
كان الرد التقني لإسرائيل بعد 7 أكتوبر تجاه عقوبة غزة، هو: “هذا شعب كله مسؤول عما حدث” كما قال الرئيس الذي وقع على الصواريخ؛ “أزلت كل العوائق ونحارب ضد حيوانات” قال وزير الدفاع، الذي عندما كان قائد المنطقة الجنوبية أحب القول “يجب تحطيم رأس الأفعى”. أو “لن يحصلوا على قطرة مياه أو كهرباء” وفق الدبلوماسي رقم واحد، وزير الخارجية كاتس، عندما كان وزير الطاقة.
تمكن قضاة محكمة العدل الدولية من التمييز بشكل مدهش ما نرفض نحن هنا الاعتراف به، وهو أن مشكلة إسرائيل في التيار الرئيسي فيها وليس الهوامش الحالمة. التيار الرئيسي هو الذي أوصلنا إلى “لاهاي”، وهو الذي حرض على الإبادة الجماعية، بعد أن أقنعت إسرائيل نفسها بسهولة كبيرة أن كل شيء مسموح لها بعد 7 أكتوبر. لحسن الحظ، يبدو أن “لاهاي” تفكر بطريقة مختلفة جداً.
——————————————–
يديعوت أحرنوت/ كلكليست 28/1/2024
إسرائيل بقراءتها “لاهاي”: من أصدر أمر الحفاظ على الدليل الشاهد على ارتكاب الإبادة؟
بقلم: موشيه غورلي
ابتهاجنا بنتائج محكمة العدل الدولية في لاهاي مبالغ فيه. صحيح أن النتائج كان يمكن أن تكون أسوأ، لكن سرورنا بعدم حدوث الأسوأ، أمر مبالغ فيه. إسرائيل نجحت، بجهود قانونية رائعة، في وقف إصدار أمر بوقف الحرب، وهي اليوم تتفاخر بهذا النجاح يمثل كل شيء، لكن الأمر ليس هكذا.
هذا لأن الحقيقة الأساسية لا يمكن إلغاؤها أو طمسها. فمحكمة العدل الدولية في لاهاي، وهي المؤسسة القضائية الأكثر أهمية في الأمم المتحدة، أصدرت أوامر مؤقتة ضد إسرائيل في إطار دعوى ارتكاب إبادة جماعية، بأغلبية الجميع؛ 15 ضد واحد أو اثنين، حيث انضمت القاضية الأمريكية إلى رأي الأغلبية.
انضمت إسرائيل إلى النادي المشكوك فيه المكون من روسيا والصرب وميانمار، بمجرد إصدار أوامر تدور حول شك قضاة المحكمة واشتباههم وخوفهم بأن إسرائيل قريبة من هذه الأفعال الفظيعة. تكمن خسارة إسرائيل في مجرد القرار بأن للمحكمة صلاحية النظر في الدعوى التي قدمتها جنوب إفريقيا. وبهذا، فقد جررنا من ممر الصلاحيات إلى قاعة الجوهر. ومقارنة مع القانون الجنائي العادي، لم ننجح في إبعاد التهمة، ودخلنا إلى ساحة الأدلة. نجحنا في منع إصدار أمر لوقف القتال، لكننا لم ننجح في إلغاء مناقشة الدعوى. أحد الأوامر التي صدرت أول أمس، أمر إسرائيل بالحفاظ وعدم تدمير الأدلة التي قد تشهد على ارتكاب الإبادة الجماعية. من الذي أصدر مثل هذا الأمر؟
في إطار القرار الصادر، تم اقتباس كبار قادة الدولة: الرئيس، ورئيس الحكومة، ووزراء كبار. بعض المهرجين مثل عميحاي إلياهو ونسيم فاتوري وتالي غوتلب، بقوا في الخارج هذه المرة. بهذا المعنى، حصلنا على هدية مهمة قبل اتخاذ القرار الحاسم في الملف الرئيسي: من الأفضل كم الأفواه. المطلوب من المستشارة القانونية للحكومة التي استيقظت بشكل متأخر جداً، التشدد مع الذين يثرثرون بالتحريض والحث على الإبادة بأنواعها. حتى القاضي الذي عينته إسرائيل، أهارون براك، انضم إلى هذا الأمر.
في هذه الأثناء، الدليل الوحيد على نية إسرائيل ارتكاب إبادة جماعية هو تصريحات القادة الكبار. من العماليق وحتى القنبلة النووية، من التسوية وحتى نفي وجود أشخاص غير مشاركين. انضم براك لرأي الأغلبية في أمرين – أحدهما يدعو إلى الامتناع عن التحريض على الإبادة الجماعية، والآخر يدعو إلى إرسال المساعدات الإنسانية. من غير المستبعد أن براك نجح في إقناع بعض القضاة بالامتناع عن إصدار أمر بوقف القتال مقابل انضمامه لهذين الأمرين. صفقات من هذا النوع سائدة في الهيئات القضائية.
معظم الأوامر التي صدرت ضد إسرائيل هي أوامر عامة وتخضع لتقديراتها، لكن لها أهمية قبل الحسم في القضية النهائية. بهذا المعنى، لم توقف هذه الأوامر إسرائيل عن مواصلة قتالها، لكن ربما تقيده وتخضعه لقواعد القانون الدولي. إذا شئتم، فإنها ساهمت هنا في تعزيز “تقنين” الحرب. خط دفاع إسرائيل الأساسي أنها ليست بحاجة إلى هذا التذكير، لأنها تحرص على قوانين الحرب: استخدام القوة طبقاً للمراقبة القضائية، وممرات التزويد الإنسانية وبالطبع نفي الأعمال التي يعتبرها الميثاق نية للإبادة الجماعية والعرقية أو الدينية، أو جزء منها. الوضع الإسرائيلي حظي بذكر هامشي فقط: دعوة القضاة لإطلاق سراح المخطوفين. لهذه الدعوة أهمية لإسرائيل في حالة أرادت ربط واشتراط التزامها بإطلاق سراح المخطوفين. بالطبع، الأمر الأهم هو الأمر الذي لم يصدر، الأمر بوقف القتال، الأمر الذي يعزز ادعاء إسرائيل بحقها في الدفاع عن النفس وبشرعية ردها على المذبحة التي ارتكبت ضد مواطنيها واختطافهم.
——————————————–
هآرتس 28/1/2024
الفقر يتربص بالفلسطينيين والضفة الغربية على حافة انفجار
بقلم: هاجر شيزاف
اكتشفت الأم أن ابنها أصيب في رأسه، أخذته إلى الطبيب وأخبرها بأن عليها دفع 150 شيكلاً لقاء معالجته وتضميد جرحه. لا تملك الأم هذا المبلغ لتدفعه في تلك اللحظة. ولخشية الطبيب من عدم وصول هذا المبلغ إلى جيبه، اقترح اقتراحاً استثنائياً، أن يبقى الفتى كرهينة إلى أن تتدبر أمه أمرها بالمبلغ المطلوب. قصة غريبة حدثت هذا الشهر في يطا في جبل الخليل. عائلة أبو زهرة، وهي ضحية الأزمة الاقتصادية في الضفة، لم تتمكن من تجنيد حتى بضع عشرات من الشواكل، ووقفت عاجزة. في النهاية، تم الإفراج عن الابن وأرسل إلى البيت إلى روتين حياته، التي فيها أبناء العائلة عاطلون عن العمل، ولا يقدم الطعام على الطاولة إلا بصعوبة، وإذا توفر لا يُسمن ولا يغني من جوع. المهم ألا يحتاج العلاج مرة أخرى.
عمل رجال العائلة، الأب والأولاد الأربعة والصهران، في فرع البناء داخل إسرائيل لسنوات طويلة. ولكن منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة، قررت إسرائيل منع العمال الذين لديهم تصاريح عمل من الدخول إليها (باستثناء حالات شاذة)، هم يجلسون في البيوت في عجز وبدون مصدر رزق. سرعان ما أدى بهم الوضع إلى انهيار اقتصادي؛ في 20 تشرين الأول الماضي، بعد أسبوعين على بداية الحرب، توقفوا عن إرسال الأولاد إلى رياض الأطفال، لأنه لم تعد لديهم إمكانية لدفع 400 شيكل عن الطفل. “الأطفال في البيت طوال اليوم”، قال زهير أبو زهرة (27 سنة) وأب لثلاثة. “لا عمل أو دخل على الإطلاق. أنت في البيت مع الأولاد، والزوجة وتتساءل كيف ستوفر لهم احتياجاتهم”.
حسب التقديرات، كان يعمل في إسرائيل وفي المستوطنات عشية الحرب نحو 160 ألف عامل فلسطيني، 19 في المئة من قوة العمل في “المناطق” [الضفة الغربية]. في كانون الثاني، دخل حوالي 14 ألف عامل فلسطيني بشكل رسمي للعمل في المناطق الصناعية في المستوطنات وفي بعض الفروع التي اعتبرت حيوية في إسرائيل. المأساة التي يضيفها هؤلاء العاطلون أظهرتها وثيقة للمكتب المركزي للإحصاء الفلسطيني أصدرها في الشهر الماضي، حيث بلغت نسبة البطالة في الضفة 29 في المئة من قوة العمل، مقابل 13 في المئة عشية اندلاع الحرب.
تأثير هذه الاعداد على الحياة نفسها أصعب مما تظهره تقارير جافة في وسائل الإعلام الإسرائيلية عن وضع العمال في الضفة الغربية. فداء، أم في عائلة أبو زهرة، قالت إنها لا تملك ما تضعه على الطاولة أحياناً. وعندما يتوفر تطبخ شوربة العدس لأنها سلعة رخيصة. وتعطي أولادها الخبز والشاي في الصباح.
فداء زوجة محمد (45 سنة) الذي لديه تصريح للعمل في إسرائيل. “في البداية، كان لدي القليل من الراتب الأخير”، قال بلغة عبرية طليقة. “قسمته إلى أجزاء واستخدمناه بالقطارة حتى يكفينا لبضعة أيام قادمة. عندما انتهى بدأت أقلق. لي صديق في “نتسيونا”، هو لي مثل الملاك. وقد حول لي عن طريق البنك مبلغ 2000 شيكل، وقمت بالشراء، وهذا المبلغ نفد أيضاً. بعد ذلك، اضطررت للاستدانة بضع مئات من الشواكل من أبناء عمي. وعندما لم يكن هذا كافياً، بدأت في بيع الممتلكات. في البداية، السقالات وبعد ذلك السقالات للأماكن المرتفعة. والآن لا نملك شيئاً. أرى أننا “سنكون في ضائقة اقتصادية خطيرة”، قال بيأس. في البيت، يقولون إنه أصبح يصعب شراء الدواء الذي تحتاجه فداء.
على الورق إمكانية للعمل في “المناطق”، ولكن هناك سبباً لبقاء هذه الإمكانية على الورق، قال زهير. وحسب قوله، فإن سوق العمل المحلية مكتظة جداً منذ بداية الحرب، ومتوسط الأجر ضئيل جداً. “اتصلت مع شخص لأمر يتعلق بعمل في البناء في الخليل، وقال لي إن الأجرة اليومية ستكون 20 شيكلاً. هذه الأجرة ربما تغطي تكلفة السيارة من يطا إلى الخليل ذهاباً وإياباً. هذا أجر ضئيل حتى مقارنة مع الأجور التي حصل عليها الفلسطينيون قبل الحرب. وحسب المكتب المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن متوسط الأجر في الربع الثالث في 2023 للعمال كان 115 شيكلاً في اليوم (مقابل 300 شيكل في إسرائيل).
هذه العائلة لا تعتبر حالة استثنائية. ففي يطا 7400 شخص يملكون تصاريح للعمل في إسرائيل، و700 شخص للعمل في المستوطنات، هذا إضافة إلى كثير من العمال الذين يعملون بدون تصاريح، وهكذا يصبح العدد أكبر بكثير. هذا أمر يظهر في الشوارع حرفياً؛ فالمحلات توقفت عن البيع بالدين في الأشهر الأخيرة، وترفض البيع بكميات كبيرة. وأي عملية سطو في أحد شوارع المدينة لن يعتبر أمراً مفاجئاً. وقال أبو زهرة: إذا لم يكن هذا كافياً، جاء إلى بيته في بداية الأسبوع أشخاص ملثمون وبحثوا عنه. يعتقد أنهم جاؤوا لتهديده، لأنه معني بتسويق التعايش بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ولأنه أجرى مقابلة مع وسيلة إعلام إسرائيلية في بيته.
قبل شهر في مقابلة مع راديو “شهاب نابلس”، قال رئيس الحكومة الفلسطينية محمد اشتية، إن الحرب تمثل “فرصة كبيرة أمام الفلسطينيين للعودة إلى أراضيهم. العمال الذين كانوا يعملون في إسرائيل سيعودون إلى أراضيهم ويقومون بفلاحتها”. ووجه تصريح رئيس الحكومة هذا باحتقار ممزوج بالسخرية أو العكس. “ضحك الجميع من هذه المقابلة. أين سيزرعون وعن أي أرض يتحدث؟”، سأل ماجد (اسم مستعار) باستنكار.
بشكل عام، يقول إن إحباطه الأكبر يتمثل بأن لا أحد يهتم بالعمال. “الوضع بائس جداً. هناك عمال لا يملكون شيكلاً. لا تنظر السلطة الفلسطينية إلى العمال، ولا أحد يسأل عنهم. وما ذنبه هو فيما حدث”. للوهلة الأولى، كان يجب إيجاد حل لذلك: أرسلت السلطة الفلسطينية للعمال رسائل أن بإمكانهم التقدم للبنوك والحصول على قرض صغير. حاول ذلك ماجد (49)، وهو من طولكرم وأب لولدين؛ فقد ذهب إلى البنك وطلب الحصول على قرض ولكن طلبه رفض لأنه لا يملك راتباً.
إحدى شكاوى الفلسطينيين الذين يملكون تصاريح للعمل في إسرائيل ولكنهم باتوا عاطلين عن العمل الآن، أن لا شبكة دعم لهم. في الوقت الذي تمر فيه السلطة الفلسطينية نفسها بأزمة اقتصادية، لا أحد يسأل بجدية هل تستطيع هذه السلطة المساعدة. “هناك أشخاص باعوا سياراتهم. لي صديق له ابن في مدرسة خاصة، ولا يستطيع الدفع عنه، عندها أخرجوه من تلك المدرسة. لا أحد يرحم”، قال ماجد بخيبة أمل. “إذا استمر الوضع على هذا النحو، فما الذي سيحدث؟ انفجار”.
هذه أقوال تبدو معروفة لآساف أديب، المدير العام لجمعية “معا”، التي تضم عمالاً فلسطينيين. حسب قوله، حصلت الجمعية على سيل من الطلبات في الأشهر الثلاثة الأخيرة. “شخص كتب لي بأنه باع أثاث بيته”، قال. “آخرون مترددون؛ هل يلغون تصاريح العمل في هذه الأثناء من أجل الحصول على أموال التقاعد التي تُقتطع منهم كل شهر، وهي الآن محتجزة في يد إسرائيل (سيتم الإفراج عنها إذا تم إلغاء تصريح العمل). ولكن حتى هذا، ترافقه المخاوف. فمن جهة، هناك من يخافون من التنازل عن تصريح العمل، وخلال أسبوع وشهر سيتم استئناف العمل في إسرائيل. من جهة أخرى، إذا تم استئناف العمل، فسيكون الخوف من خطة مقلصة للعمل تشمل كبار السن أو عدداً قليلاً من العمال. هذا نوع من رهان الروليتا الإسرائيلية”.
من عادوا إلى العمل هم العمال الذين يملكون تصاريح عمل في المستوطنات. يدور الحديث في هذه الأثناء عن 9 آلاف عامل فلسطيني (5 آلاف عامل إضافي يعملون في المصانع الحيوية داخل إسرائيل). ماجد وأمثاله يجدون صعوبة في فهم هذا الرقم. “يحضرون عمالاً إلى أماكن بعيدة جداً فيها احتمالية أكبر للاحتكاك. لماذا في المستوطنات نعم، وداخل إسرائيل لا؟ ما المنطق؟”، يتساءل. “في نهاية المطاف، إذا خنقت شخصاً وحبسته، فسيفكر بالإرهاب”.
وقف عمل العمال ليس العامل الوحيد للإضرار بالاقتصاد الفلسطيني في الضفة، هكذا تقدر منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة. فالاقتصاد الفلسطيني يعاني أيضاً من قيود على حركة الأشخاص والبضائع. وحسب التقديرات، أدت هذه القيود إلى انخفاض 10 في المئة آخر في التشغيل في القطاع الخاص. وقال ماجد: “من يبنون بيوتاً لأنفسهم، مثلاً، أشخاص يعملون في إسرائيل. وإذا لم يجدوا دخلاً فالعمل سيتوقف في الضفة أيضاً”. كرة الثلج هذه تؤثر أيضاً على العمال الذين يعملون في “المناطق” [الضفة الغربية].
هذه أقوال تتساوق أيضاً مع موقف جهاز الأمن الإسرائيلي الذي ينسب التدهور في وضع الضفة الاقتصادي لعدة عوامل. أولًا، عدم إدخال العمال؛ فهم لا يكسبون الأموال، وسيشترون بضائع أقل في السوق الفلسطينية. وهذا الوضع يؤدي إلى عدم دخول أموال نقدية إلى منظومة الاقتصاد. ثانياً، الوضع الاقتصادي الصعب للسلطة الفلسطينية نفسها؛ لأن الضرائب التي تجبيها إسرائيل لصالحها، لا تحوّلها إليها. وثمة عوامل أخرى مثل التآكل في أموال التبرعات التي تحصل عليها السلطة في السنوات الأخيرة، وأن مواطني إسرائيل العرب الذين يضخّون أموالاً للاقتصاد الفلسطيني عندما يتسوقون في الضفة، لن يفعلوا ذلك بسبب الوضع الأمني.
في الوقت الحالي، ينجح ماجد في البقاء ورأسه على سطح الماء، ولكن بصعوبة. مشغله الإسرائيلي الذي يعمل عنده منذ 10 سنوات في الزراعة، أرسل له ولعمال آخرين بضعة آلاف من الشواكل على حساب الإجازة والنقاهة. “صديق لي يملك سوبرماركت، يثق بي ويبيعني بالدين مقابل سداده ريثما أملك المال”، قال. في غضون ذلك، اضطر لطلب دين من أبناء العائلة من أجل تمويل الغذاء واحتياجات أساسية أخرى.
ثمة تخوفات من اليوم التالي تبرز عقب فتح الحواجز للعودة إلى العمل، “أخاف العودة للعمل خصوصاً إذا تطلب ذلك العمل في الشارع”، قال أحد العمال، وهو يعزو ذلك للتحريض ضد العمال العرب وخوفاً من أن يتم تشخيصه بالخطأ كمخرب إذا ارتكب أي خطأ أثناء العمل. محمد أبو زهرة يتفق معه في هذا الشعور. “لقد شاهدت ردوداً قاسية في الشبكات الاجتماعية تجاه العمال الفلسطينيين، الأمر الذي أصابني بخيبة الأمل. الجمهور في إسرائيل جيد ومنفتح، وآمل ألا ينجر إلى الإساءة للعمال الذين بنوا الدولة والذين يمرون بالفحص الأمني”، قال.
———————————————
يديعوت أحرونوت 28/1/2024
إسرائيل بعد قرار “لاهاي”: تنفسنا الصعداء.. وسنستمر في حربنا
بقلم: ايتمار آيخنر
كان التخوف الأكبر لدى إسرائيل هو أن تصدر محكمة العدل الدولية أمراً لوقف القتال، لكنه تخوف تبدد. وما إن تبدد حتى باتت كل خطوة أو أمر تصدره المحكمة أقل قلقاً بكثير، وكلها تقع في نطاق المعقول وفق نظرة إسرائيل؛ لأننا تعهدنا تجاه الولايات المتحدة وأهم حلفائنا (ألمانيا وبريطانيا وفرنسا) بالعمل حسب قواعد القانون الإنساني الدولي. وعلى أي حال، تغيرت طبيعة القتال بشكل يسمح الآن بإدخال مساعدات إنسانية للسكان. وترى إسرائيل في هذا تنفساً للصعداء.
الاستعداد الإسرائيلي للبحث في لاهاي أثبت نفسه، وتصدرت هيئة الأمن القومي في الشهر الأخير طاقماً متعدد الوزارات لإعداد المعركة القانونية – السياسية ضد دعوى جنوب إفريقيا. وقرر الطاقم برئاسة رئيس الهيئة تساحي هنغبي المشاركة في البحث الذي تقرر في المحكمة وعدم مقاطعته؛ إضافة قاض إسرائيلي إلى الهيئة هو القاضي اهرون باراك؛ التوجه إلى شخصيات ذات سمعة في مجال القانون الدولي لتمثيل إسرائيل في البحث، وعلى رأسهم البروفيسور مالكون شو.
النتيجة إيجابية حتى الآن: رغم الأقوال المثيرة للحفيظة من المحكمة، والتي استندت إلى تقارير مغرضة لسلطات الأمم المتحدة، لم تكن إسرائيل مطالبة بوقف أعمالها في غزة لتحقيق أهداف الحرب، وعلى رأسها إبادة حماس وإعادة المخطوفين. هذه ضربة شديدة لحماس التي علقت آمالاً بالإجراء القضائي كمخرج أخير.
وقالت مصادر سياسية رفيعة المستوى: “قد يكون هذا هو أفضل ما يمكننا تلقيه، إذ فشلت جنوب إفريقيا في محاولة وقف الحرب. هذه مطالب ملزمة بها إسرائيل على أي حال، ولا شيء عملياً فيها. سيستمر القتال كالمعتاد”.
ستحترم إسرائيل قرار المحكمة، لأنها ترى الآن أنها تحترمها. في اللحظة التي تضم أوامر احترازية كهذه، مع مطالبة إسرائيل برفع تقرير إلى المحكمة بعد شهر عن كيفية تنفيذها للأوامر، فهذا يعني أننا نملك زمناً غير قصير لمواصلة العمل وتحقيق إنجازات أمنية لدولة إسرائيل. فنحن نعرف أنه لا يمكننا فعل هذا إلى الأبد. لذا، يمكن القول إننا نملك شهراً – شهرين آخرين لننهي المهمة في الجانبين: الأول تصفية قادة حماس وقدرات حماس، والثاني تحرير المخطوفين. ولأننا أُعفينا من الأسوأ، فهذا الإنجاز الأهم. فالطرف الآخر يدعي النصر، لأن المحكمة في واقع الأمر اعترفت بإمكانية وشرعية البحث في مسألة ما إذا كنا نقوم بإبادة جماعية أم لا. لكن من جهة أخرى، هذا نصر ليس له معنى؛ لأن المحكمة لا تمنع إسرائيل من أعمالها بأي شكل. جنوب إفريقيا فازت من ناحية تصريحية، لكن عملياً فزنا، بلا شك.
لا ينبغي التباهي بالإنجاز أكثر مما ينبغي؛ فإن جرنا إلى محكمة لاهاي (والتي أقيمت بتأييد من إسرائيل بعد المحرقة) بل ومن دولة فاسدة كجنوب إفريقيا، متماهية مع إيران وحماس، فهذا وحده ضرر إعلامي جسيم سيرافقنا لسنوات. حتى مع وجود احتمال طفيف بأن تثبت جنوب إفريقيا أن إسرائيل ارتكبت جريمة إبادة شعب، فقد نجحت بما لم تنجح فيه حركة الـ “بي.دي.اس” لعشرات السنين. بالمناسبة، من ساهم في هذا الوضع هم وزراء اليمين وتصريحاهم غير المسؤولة.
ما الذي قررته المحكمة في واقع الأمر؟ أصدرت المحكمة الدولية عملياً ستة أوامر أو تدابير مؤقتة، بينما طلبت جنوب إفريقيا تسعة. وحسب الأوامر، إسرائيل مطالبة باتخاذ كل الإجراءات لمنع الإبادة الجماعية، بضمانها (إسرائيل) بشكل فاعل وفوري عدم ارتكاب جيشها إبادة جماعي، واتخاذها كل الإجراءات لمنع وتعاقب التحريض على الإبادة الجماعية؛ (أيد هذا البند مندوبنا أهرون باراك أيضاً، لكن المستشارة القانونية أعلنت بأنها تفحص مثل هذه التصريحات. ليس معقولاً أن تكون هذه قد تجاوزت المستوى الأعلى لموضوع حرية التعبير، خصوصاً لمنتخبي الجمهور الذين يتمتعون بحصانة جوهرية)؛ وأن تقوم إسرائيل بأعمال فورية وفاعلة للسماح بالخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية للسكان الفلسطينيين في غزة. أيد أهرون باراك هذا أيضاً. وعملياً، تستقبل إسرائيل هذه الخطوة بالترحاب؛ كما أن على إسرائيل اتخاذ إجراءات فاعلة لمنع التدمير وتضمن حفظ أدلة تتعلق بالاتهامات في الإبادة الجماعية. وفي النهاية، أن ترفع إسرائيل تقريراً إلى المحكمة عن كل الإجراءات التي وردت في الأمر في غضون شهر.
مشاركة أهرون باراك بصفته قاضياً عن دولة إسرائيل، أنقذت شرفها، فالرجل كبير القضائيين الإسرائيليين، وعبقري قضائي على المستوى الدولي أيضاً، وأقواله ساهمت في سمعة إسرائيل الطيبة. لا مشكلة في انضمامه إلى بعض الخطوات؛ فهو وإن كان ممثلاً للدولة، لكن له تفكراً مستقبلياً. ثانياً، نعمل منذ الآن على أي حال أو نعتزم العمل وفقاً لهذه الخطوات. لم يكن باراك مطالباً بأن يكون مؤيداً أعمى لسياسة الحكومة. ما ينبغي له أن يفعله هو تمثيل العدل وموقف إسرائيل. عندما يتحدث عن المحرقة ويقول إنه الوحيد من بين القضاة الذي شهد محرقة، فإن لهذا وزناً أخلاقياً هائلاً. حضوره وحكمته أثرا إيجاباً على القرار العام للمحكمة. وإذا كان بوسعنا القول إن القرار لا يضر دولة إسرائيل، فهذا كثيراً جداً بفضله.
———————————————
هآرتس 28/1/2024
قرار لاهاي سيكتب في سجل نتنياهو
بقلم: الوف بن
قبل حوالي سنة ونصف عشية الانتخابات التي فاز فيها للولاية السادسة لخص رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو حياته ونشاطاته في كتاب ذكرياته “بيبي: قصة حياتي”. يصعب تخيل سيرة ذاتية تقادمت بهذه السرعة. أي كتاب في المستقبل سيكتب عن نتنياهو سيتركز على حرب 7 أكتوبر وتداعياتها. من الآن فصاعدا هذه هي قصته وقصتنا جميعا. الكارثة التي أنزلها على الدولة سيتم تذكرها على اعتبار أنها الحدث المؤسس في حياته وحياة إسرائيل. كل ما قاله نتنياهو وفعله قبل ذلك سيتم حشره في فصل المقدمة، وسيتم تعليمه في دروس التاريخ في قائمة “العوامل والظروف التي أدت الى المأساة”.
اضافة اعلان
من المهم إذا كان نتنياهو يلوم نفسه الآن حول مسألة هل خطأ حياته كان في تصميمه على “البقاء على دفة القيادة” والعودة إلى الحكم بدلا من التوقيع على صفقة الادعاء التي عرضها عليه المستشار القانوني السابق للحكومة، مندلبليت، والذهاب إلى البيت. هل خلف الشخصية العامة التي تطرح ثقة بالذات لا حدود لها يختفي شخص يعترف بأخطائه؟ الذي يدرك أن فوزه الساحق في الانتخابات الأخيرة وتشكيل “حكومة اليمين المطلقة” قادت إسرائيل إلى حافة الموت؟.
في يوم الجمعة الماضي تلقى نتنياهو ضربة أخرى في حكم محكمة العدل الدولية في لاهاي، التي وافقت على النظر في الدعوة التي قدمتها جنوب أفريقيا والتي تتهم إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في قطاع غزة. من الصعب تعزية أنفسنا بامتناع قضاء المحكمة عن طلب وقف إطلاق النار الفور. قرارهم هذا يعرض إسرائيل كمتهمة واضحة لارتكاب الإبادة الجماعية، ويحذرها من التلاعب بالأدلة ويطالبها بتقديم تقرير عن سلوك جيد، وذكر بالأسماء عدد من قادتها مثل رئيس الدولة إسحق هرتسوغ ووزير الدفاع بوآف غالنت ووزير الخارجية إسرائيل كاتس كمحرضين على الإبادة الجماعية. نتنياهو في الحقيقة أكثر حذرا منهم في أقواله، ولم ينجر إلى الاندفاع على شكل “قوموا بالتدمير والقتل”، لكن مسؤوليته العامة واضحة للقضاة الذين اقتبسوا وعده بحرب طويلة.
قرار حكم بأن إسرائيل تنفذ إبادة جماعية في غزة تم تأجيله للسنوات القادمة، لكن تكفي قراءة المقدمة وما تم اقتباسه في قرار الحكم من أجل فهم بماذا تشبه المحكمة الدولية عملية “السيوف الحديدية”: مذبحة سيربرنتسا، مذبحة أبناء الروهنغا في ميانمار أو غزو روسيا لأوكرانيا. ما هذه المفارقة التاريخية: بالتحديد نتنياهو، الذي يعتبر في إسرائيل الزعيم الأكثر خوفا من استخدام القوة وشن الحروب، يتم ذكره الآن في نفس الزمرة إلى جانب فلادمير بوتين وراتكو ملاديتس والحكام في مينامار. وإذا كانت جنوب أفريقيا ستكسب الدعوة والمحكمة تقرر بأنه يتم ارتكاب إبادة جماعية في غزة فإن نتنياهو سينضم إلى قائمة أسوأ المجرمين.
قرار حكم محكمة العدل الدولية هو الانتصار الأكبر لحركة بي.دي.اس التي تنفي شرعية وجود إسرائيل. وهو أكثر بألف ضعف من قرار الأمم المتحدة الذي تم إلغاؤه والذي يساوي بين الصهيونية والعنصرية، ومن المظاهرات في الجامعات الأميركية أو من عروض المقاطعة التي قام بها روجر ووتر وأصدقاؤه. بالتحديد بعد مهاجمة إسرائيل وارتكب ضد مواطنيها الذبح والتدمير والاختطاف غير المسبوق فإنها تقف أمام المجتمع الدولي كمتهمة بارتكاب أكبر الجرائم خطورة ضد الإنسانية. الإذن الضمني الذي أصدره القضاة بمواصلة الحرب قد يتحول إلى فخ لن يؤدي إلا إلى المزيد من الأدلة ضد اسرائيل في المستقبل. مع ذلك، حتى لو توقف إطلاق النار في القريب فإن أبعاد القتل والدمار التي حدثت بالفعل في غزة لم يتم الكشف عنها بشكل كامل بعد، وسيتعين على إسرائيل أن تتعامل مع العواقب الوخيمة المترتبة على ذلك.
هزيمة مزدوجة
حكومة نتنياهو الحالية انطلقت في طريق الإعلان بأن “الشعب اليهودي له الحق الحصري غير القابل للجدل في كل أرض إسرائيل” (البند الأول في الخطوط الأساسية للحكومة). وبالعبرية البسيطة: الفلسطينيون لا توجد لهم أي حقوق في هذه البلاد، وليس في القطاع حتى. نتنياهو أمل، ويبدو أنه اعتقد، بأن الحركة الوطنية الفلسطينية التي حارب ضدها طوال حياته توجد في حالة تراجع وربما ستنتهي ذاتيا. خطابه الأخير في الجمعية العمومية للأمم المتحدة في شهر أيلول – في حينه بشر بالسلام القريب مع السعودية بدون “فيتو فلسطيني” – ظهر بعد ذلك مثل احتفال انتصار سابق لأوانه، الذي فقط شجع حماس على تنفيذ الهجوم بعد أسبوعين تقريبا. حق الشعب اليهودي في البلاد لا يعتبر حق حصري، كما تدعي الحكومة. في لاهاي تم التوضيح بأنه يوجد أيضا للفلسطينيين حقوق جديرة بالحماية.
نتنياهو بدأ حياته السياسية بخطابات حماسية في الأمم المتحدة. وبدلا من تعزيز مكانة إسرائيل بين الأمم، كما وعد في كتابه الأول “مكان تحت الشمس”، أوصلها إلى مكانة الدولة المجرمة والقاتلة. الشخص الذي اتهم إيران بالتحريض على الإبادة الجماعية وتعود على التلويح بالصور من اوشفيتس أوصل إسرائيل الآن إلى أن تصبح المتهمة بنفس البند.
صحيح أن إسرائيل لم يتم عزلها، حتى بعد 113 يوم قتال، والولايات المتحدة تواصل دعمها وأعلنت بأنها ستزودها بالطائرات والمروحيات القتالية وذخيرة لسلاح الجو الذي يهاجم في غزة. لكن هذا غير كاف. وكما قال دافيد بن غوريون :إن مصير إسرائيل متعلق بأمرين، قوتها وعدالتها. في 7 أكتوبر تبين أن قوتها أضعف بكثير مما تم الاعتقاد، وأمس تلقت عدالتها أيضا ضربة فظيعة. هاتان الهزيمتان المسؤول عنهما هو الزعيم الذي تفاخر بولايته الأطول من ولاية مؤسس الدولة. هذه الولاية أصبحت طويلة جدا.
———————————————
هآرتس 28/1/2024
لم يعد لدى إسرائيل ما تكسبه من الحرب.. توقفوا عن إرسال أطفالنا للموت في غزة
بقلم: أوري مسغاف
عاد يائير نتنياهو هذا الأسبوع إلى The Slate، المجمع السكني المرموق الذي يعيش فيه في ميامي. ولن يُقتل في خان يونس. عندما يعلن والده، رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو: “نحن نواصل الحرب حتى النصر المطلق”، فهو يعني أن أبناء الآخرين يقاتلون فيها.
كما أن نجل وزير الدفاع يوآف غالانت لم يعد من إقامته في شيكاغو للانضمام إلى جنود الاحتياط في وحدة العمليات الخاصة شايطت. وعندما يتحدث والده بشعر عن الكيفية التي “سيستمر بها دخان الدبابات والمدفعية والقوات الجوية في تغطية سماء غزة”، فهو يعني أن الرجال الآخرين في فريق ابنه سوف يطلقون المدفعية.
لقد بلغ نجل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش سن العشرين، ولا يزال لا يرى أنه مناسب للتجنيد، وهو يدرس في مدرسة دينية. عندما يعلن والده أن “وقف الحرب خطوة خطيرة”، فهو يعني أن شباباً من عائلات أخرى، مثل عائلة آيزنكوت، سيقومون بهذا العمل.
بالطبع، لا يحتاج أبناء قادتنا السياسيين إلى القتال في حرب تثير آباءهم، ولكن ربما يكون من المناسب لهم أن يظهروا القليل من التواضع؟
إن الخطاب الذي يهيمن على إسرائيل لا يطاق. ليس هناك وقاحة أعظم من التحدث باسم من سقطوا في المعركة. ولا أحد يعلم ماذا تركوا عند وفاتهم. وبالمناسبة، حتى لو كان منهم من ترك أمنيات مكتوبة أو شفهية تتعلق بالحرب، فإن ذلك لا ينطبق على مصير الجنود الآخرين. إن الإعلان تلقائيا عن ضرورة مواصلة الحرب إلى ما لا نهاية، وإلا فإن “موت القتلى سيذهب سدى”، هو منطق مثير للسخرية بشكل صارخ. والمعنى هو أنه فقط عن طريق المزيد من الموت سيكون من الممكن تبرير الوفيات السابقة، في حلقة لا نهاية لها.
“النصر الكامل” هو شعار غير واقعي. لا يوجد شيء من هذا القبيل، من يقرر؟ على أية حال، ليس لدى إسرائيل أي فرصة لتحقيق النصر، سواء كان كاملاً أم لا، بعد الضربة الافتتاحية في 7 أكتوبر، وبعد عدد القتلى من المدنيين والعسكريين، وملحمة الأسرى.
ويدرك كل شخص عاقل تقريباً أن هناك حاجة أساسية للرد عسكرياً على الغزو الهمجي للنقب الغربي، من أجل تحصيل ثمن باهظ من حماس، وأيضاً لكي يوضح لمؤيديه داخل قطاع غزة وفي أماكن أخرى أنه لا يمكن ذبح الناس في إسرائيل دون دفع عشرة أضعاف في المقابل. لكن القتال في حد ذاته ليس قيمة مقدسة. ولا موت المزيد والمزيد من الجنود والأسرى. لم تنشأ دولة إسرائيل على ثقافة الجهاد والشهداء.
إن البقاء في منطقة حضرية محتلة يجعل القوات مرهقة وثابتة، مما يجعلها هدفًا مناسبًا للهجمات التسللية وعمليات حرب العصابات. ولا يوجد كتاب في التاريخ العسكري إلا ويتكرر فيه هذا النمط إلى حد الملل، بما في ذلك حروب إسرائيل من صور عام 1982 إلى خان يونس عام 2024.
غزة هي الهدف الأكثر تحصينا في تاريخ العالم. لا يوجد شيء آخر يمكننا إنجازه هناك. رصيف آخر مهدم ومبنى آخر مفخخ لن يغير الصورة. لقد تم تدميره بما فيه الكفاية، وتم نقل الرسالة. ولا بد من إخراج الجنود من هناك وإعادة الرهائن وإعادة الانتشار بقوة على طول الحدود وترك الأمر للقوى الإقليمية والدولية. إن النصر الشامل الوحيد الذي يمكن أن نتمناه هو إزاحة حكومة الخراب والدمار، ومحاكمتها من قبل الناخب والتاريخ.
———————————————
معاريف 28/1/2024
تكشف خيبة الاحتلال: رجال المقاومة يدمرون أحلام السيطرة بشمال غزة
كشفت صحف عبرية عن خيبة جديدة للجيش الصهيوني تتمثل في عدم سيطرته على غزة بأي شكل وعجزه عن وقف عناصر المقاومة عن ضربة في الأماكن التي توهم سيطرته عليها .وبحسب الصحف فإن جيش الاحتلال لم يحقق ما كان يريده من وضع مناطق خالصة له تحت سيطرته وفرض رؤيته في تلك المناطق.
وذكرت صحيفة معاريف أن نشاط حماس في المناطق التي سبق أن سيطر عليها الجيش الإسرائيلي في الشمال تثير قلقا في إسرائيل وتبعث على الاندهاش من قدرة المقاومة الفلسطينية على المراوغة.
وأردفت معاريف بأن عناصر مرتبطة بحماس تمكنت من فرض السيطرة المدنية بمناطق شمال غزة ما قد يؤدي لتآكل إنجازات إسرائيل.
ويعطل نشاط المقاومة الفلسطينية الخطط الإسرائيلية في شمال قطاع غزة على التحديد بما في ذلك حلم إنشاء منطقة عازلة. يأتي ذلك فيما كشفت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية نقلا عن مسؤولين أن قوة حماس كما هي إلى حد جيد وكذلك الإنفاق رغم الحرب.
وقالت الصحيفة أن نحو 80% من أنفاق حماس لا تزال سليمة بعد أسابيع من محاولات إسرائيل تدميرها.
مع بدء الجيش الإسرائيلي بالانسحاب تدريجياً من مناطق في قطاع غزة، فإن المكاسب التي حققها ضد حركة حماس، تعد بحسب مسؤولين عسكريين وأمنين، ليست بالكلية ومتراجعة.اعتبروا أنها “مهددة بفقدان فوائدها بسبب الافتقار إلى استراتيجية ما بعد الحرب”، وفقا لتقرير نشرته صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية.
وتقول إسرائيل إنها دمرت الآلاف من مخزونات الأسلحة ومواقع إنتاج الصواريخ وممرات الأنفاق على مدى 3 أشهر من المعارك.
لكن دون استراتيجية لـ”اليوم التالي”، كما يقول المسؤولون، فإن هذه الإنجازات يمكن أن تكون “عابرة”.
ونفى مسؤول في حماس الأرقام الإسرائيلية. وقال للصحيفة الأميركية: “أعتقد أن الإسرائيليين يحاولون تجميل إنجازاتهم”.
———————————————
عرض جديد بين يدي حماس.. وإنهاء الحرب يلوح بالأفق
قالت هيئة البث الإسرائيلية – اليوم الأحد – إن القمة التي عقدت في باريس بمشاركة إسرائيل والولايات المتحدة ومصر وقطر، انتهت، وهناك تقدم في المحادثات بشأن مفاوضات تبادل الأسرى بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وتل أبيب، في حين أشار مكتب رئاسة الوزراء إلى وجود “خلافات” بين الطرفين.
ونقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مصدر سياسي إسرائيلي قوله إن القمة تناولت خطة إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين على مراحل.
وأضاف المصدر أن الأطراف ناقشوا وقف إطلاق النار لمدة شهرين تقريبا، مقابل إطلاق سراح نحو 100 أسير إسرائيلي، بحيث تعطى الأولوية للأطفال والنساء والمرضى، على أن تطلق إسرائيل سراح عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين.
ومثّل إسرائيل في قمة باريس رئيسا جهازي المخابرات الإسرائيلية (الموساد) دافيد برنيع، وجهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) رونان بار، بحسب الهيئة الرسمية.
وقد وصل رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، ورئيس المخابرات المصرية اللواء عباس كامل إلى باريس أمس السبت، في حين أعلنت الخارجية القطرية أن جهود الوساطة لوقف الحرب على غزة ما زالت متواصلة.
مفاوضات مستمرة
من جانبه، أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن اجتماع باريس بين مسؤولين أميركيين ومصريين وقطريين وإسرائيليين حول وقف لإطلاق النار في غزة كان “بنّاء”، متداركا أنه “لا يزال ثمة خلافات” بين الأطراف.
وأضاف أنه من المخطط أن يواصل الأطراف بحث الخلافات خلال الأسبوع في اجتماعات ثنائية إضافية.
ولم يصدر تعقيب رسمي حتى الآن من حركة حماس أو قطر أو مصر على اجتماع باريس، إلا أن حماس أكدت مرارا أنه لا حديث عن صفقة تبادل أسرى قبل وقف شامل لإطلاق النار، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة.
وتقدر إسرائيل وجود نحو 136 أسيرا في غزة، بينما تحتجز في سجونها ما لا يقل عن 8800 فلسطيني.
مقترح صفقة
وكانت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية كشفت اليوم نقلا عن مسؤولين مصريين أنه قد قُدم عرض جديد لحركة حماس من الدول التي تلعب دور الوساطة بين الجانبين، حيث ينص على وقف إطلاق النار لمدة 4 أشهر في قطاع غزة مقابل إطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين.
وأضافت الصحيفة أن العرض الجديد يتضمن وقف الهجمات الإسرائيلية لـ6 أسابيع كمرحلة أولى من أجل إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين من الأطفال والنساء وكبار السن الذين يحتاجون إلى رعاية طبية عاجلة، مقابل إطلاق إسرائيل سراح عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين وزيادة دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة.
كما تضمن العرض في مرحلته الثانية، إطلاق حماس سراح الجنديات الإسرائيليات الأسيرات، ومن ثم الجنود الأسرى، وتسليم جثث القتلى الإسرائيليين في غزة إلى تل أبيب.
وبحسب “وول ستريت جورنال”، فإن العرض الجديد يشمل أيضا حصول حماس على ضمانات دولية، بما في ذلك من الولايات المتحدة الأميركية، بإمكانية التوصل إلى اتفاق شامل من شأنه إيقاف الهجمات على غزة بشكل نهائي.
وكانت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية نقلت عن مسؤولين أميركيين أن اتفاق تبادل الأسرى يمكن إبرامه خلال الأسبوعين المقبلين.
وأوردت القناة الـ12 الإسرائيلية – في وقت سابق – شروط حماس لصفقة تبادل أسرى جديدة، وهي 100 أسير فلسطيني مقابل كل أسير إسرائيلي، وانسحاب الجيش الإسرائيلي بشكل كامل من قطاع غزة، وتهدئة ما بين 10و14 يوما قبل الإفراج عن أي أسير إسرائيلي، وتهدئة لمدة شهرين بين كل مرحلة وأخرى من مراحل الصفقة.
وبينما لا تزال هناك خلافات مهمة يتعين حلها، يبدي المفاوضون تفاؤلا حذرا بأن التوصل إلى اتفاق نهائي في متناول اليد، وفقا لمسؤولين أميركيين أصروا على عدم الكشف عن هوياتهم.
———————————————
معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى- 2024/1/19
الخلافات الداخلية تحد من خيارات نتنياهو مع واشنطن
بقلم: ديفيد ماكوفسكي
مع دخول الحرب بين “حماس” وإسرائيل مرحلة جديدة، يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المزيد من الصعوبات في تحقيق التوازن في العلاقات داخل حكومته ومع البيت الأبيض. وعلى الجبهة العسكرية، سيطرت إسرائيل على معظم مناطق شمال قطاع غزة، على الرغم من أن ما يقدر بنحو 5.000 إلى 6.000 من مقاتلي “حماس” ما يزالون ينشطون في شبكات أنفاق متنوعة. وقد انتقلت العمليات القتالية الكبيرة في معظمها إلى وسط القطاع وجنوبه، في حين سرّح جيش الدفاع الإسرائيلي معظم جنود الاحتياط البالغ عددهم 360 ألف جندي والذين تمت تعبئتهم في بداية الحرب، كما سحب بعض القوات لإعادة تأهيلها.
ومع ذلك، يبدو الوضع أكثر ضبابية على الجبهتين الدبلوماسية والسياسية. ففي التاسع عشر من كانون الثاني (يناير)، تحدث نتنياهو والرئيس بايدن مع بعضهما البعض للمرة الأولى منذ حوالي أربعة أسابيع، في حين تستمر الخلافات الجوهرية بين رئيس الوزراء وحزب “الوحدة الوطنية” الوسطي الذي أسسه غانتس. ومن الجدير بالذكر أن غانتس ساعد بانضمامه إلى الحكومة بعد هجمات 7 تشرين الأول (أكتوبر) في تخفيف تأثير أحزاب اليمين المتطرف التي يقودها وزير المالية بتسلئيل سموتريش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، وتوجيه تركيز مجلس الوزراء على الهدف المشترك المتمثل في إبعاد “حماس” عن السلطة في غزة. ومع ذلك، أصبحت الخلافات السياسية أكثر بروزاً منذ ذلك الحين، إذ يبدو نتنياهو مقتنعاً بأن غانتس، الذي يشهد تأييداً متزايداً في استطلاعات الرأي، سيترك الحكومة قريباً لاستغلال تراجع شعبية رئيس الوزراء خلال الحرب في الانتخابات المبكرة المحتملة. ولذلك ازداد اعتماد نتنياهو على وزرائه في اليمين المتطرف، الأمر الذي يثير خوف البيت الأبيض.
أهداف الحرب ومصير الرهائن
في 18 كانون الثاني (يناير)، أكد نتنياهو مجدداً أن إسرائيل تسعى إلى تحقيق “انتصار كامل” على “حماس”، وأفادت بعض التقارير أنه أخبر القادة المحليين في المجتمعات الجنوبية المجاورة لغزة بأنه يتوقع استمرار القتال حتى العام 2025. ويرى وزير الدفاع، يوآف غالانت، أن إسرائيل لن تتمكن من تحرير الرهائن إلا بمواصلة الضغط العسكري على “حماس”. إلا أنه على الرغم من العمليات الكبرى التي أدت إلى مقتل حوالي 9.000 مقاتل من “حماس”، لم يتم إطلاق أي رهائن آخرين منذ شهر تشرين الثاني (نوفمبر).
أما غانتس وغادي آيزنكوت، وهو رئيس أركان سابق آخر في جيش الدفاع الإسرائيلي الذي يمثل حزب “الوحدة القومية” في مجلس الوزراء الحربي، فيُقدّمان وجهة نظر معاكسة، فيعتبران أن الرهائن المتبقين، المقدر عددهم بـ132 رهينة والذين مات منهم 27 على الأقل، وفقاً لما يعتقده جيش الدفاع الإسرائيلي، محتجزون في ظروف صعبة منذ أكثر من 100 يوم، ويجب أن يكونوا أولوية قصوى الآن، حتى وإن كان تأمين إطلاق سراحهم يتطلب تمديد وقف القتال. وفي هذا الإطار، ناقش مجلس الوزراء الإسرائيلي الأسبوع الماضي اقتراحاً قطرياً يقترح تحرير الرهائن تدريجياً مقابل وقف إطلاق نار دائم وإبعاد قادة “حماس”. وعلى الرغم من أن “حماس” رفضت علناً أي خطة تتنازل بموجبها عن الحكم في غزة، يتساءل المراقبون عما إذا كانت الدوحة كانت ستطرح هذه الفكرة إذا كانت الحركة غير راغبة حقاً في النظر فيها.
ربما تكون واشنطن أكثر تعاطفاً مع موقف نتنياهو إذا تمكن من إقناع البيت الأبيض بأن إسرائيل تقف على أعتاب النصر، لكنّ هذا ليس واقع الحال حتى باعترافه الخاص. وفي الوقت نفسه، يحجم المسؤولون الأميركيون عن إرغام إسرائيل على إنهاء الحرب نظراً لأنها ترى “حماس” كتهديد أمني لا يمكن تقبّله بعد 7 تشرين الأول (أكتوبر). وبالتالي يبدو أن إدارة بايدن تأمل في أن يتم حل الخلاف الإسرائيلي الداخلي (أي إعطاء الأولوية لإطلاق سراح الرهائن أو استمرار القتال) بطريقة توفر مخرجاً دبلوماسياً من الحرب.
الخلاف حول “اليوم التالي”
صرح غالانت أن إسرائيل لا تريد توفير خدمات مدنية لقطاع غزة بعد الحرب، حيث أشار في الأسبوع الماضي إلى أن وجود “سلطة فلسطينية” قوية يصب في مصلحة الأمن القومي الإسرائيلي. وفي المقابل، يرفض نتنياهو منح أي دور “للسلطة الفلسطينية” في غزة بعد الحرب. وليس هناك شك في أن الخلافات السياسية تفاقمت بسبب العلاقة الشخصية السيئة بين الإثنين لدرجة أنهما لم يتقابلا وجهاً لوجه منذ بدء الحرب، وفقاً لبعض التقارير.
ويثير هذا الخلاف على وجه التحديد تساؤلات جوهرية الآن بعد أن بدأت إسرائيل بالابتعاد عن تنفيذ عمليات قتالية كبيرة في أجزاء من شمال غزة. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل يمكن أن يعود سكان شمال القطاع المقدر عددهم بمليون نسمة والذين هربوا إلى جنوب القطاع، إلى منازلهم قريباً؟ وإذا كان الأمر كذلك، فمن هو الذي سيفرض النظام العام ويؤمن الخدمات الأساسية؟ وإذا رفضت إسرائيل منح أي دور “للسلطة الفلسطينية”، فما هي الخيارات الأخرى؟ لقد أعلن وزير الخارجية الأميركي، أنطوني بلينكن، مؤخراً أن إسرائيل وافقت على السماح للأمم المتحدة بإجراء دراسة جدوى حول عودة المدنيين إلى شمال القطاع، لكن المسؤولين الأميركيين يقولون أن القدس لم تسهل ذلك بعد.
صمت بايدن ونتنياهو
على الرغم من أن بايدن ونتنياهو أجريا ستة عشر اتصالاً هاتفياً في الأسابيع التي أعقبت هجمات 7 تشرين الأول (أكتوبر)، إلّا أنهما لم يتحدثا مباشرة منذ حوالي شهر قبل الاتصال الذي جرى في التاسع عشر من كانون الثاني (يناير)، حتى مع تعدد المواضيع التي تشملها الخلافات بين الطرفين، وأولها وقف وزير المالية الإسرائيلي سموتريش تحويل بعض عائدات ضرائب “السلطة الفلسطينية” التي تجمعها إسرائيل وتُستخدم بعد ذلك لدفع رواتب الموظفين في غزة. وفي معرض ردها، قالت “السلطة الفلسطينية” إنها لن توافق على تحويل العائدات جزئياً، الأمر الذي قد يحرم موظفي الضفة الغربية وعناصر الأمن من رواتبهم أيضاً. وقد أعطى الرئيس بايدن هذه المسألة الأولوية نظراً للمصلحة المشتركة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، والمتمثلة في تجنب اندلاع أعمال عنف في الضفة الغربية، ولكن لم يتم إحراز أي تقدم حتى الآن.
وينطبق الأمر نفسه على بعض المطالب الأميركية الأخرى، مثل زيادة المساعدات الإنسانية بما يتجاوز الـ200 شاحنة التي تدخل غزة يومياً، وضمان امتناع الجيش الإسرائيلي عن تنفيذ أي ضربات بالقرب من المخيمات في جنوب غزة. إلا أنه لم يتم حل هذه القضايا في الاتصال الهاتفي الذي جرى في التاسع عشر من كانون الثاني (يناير).
يشعر مسؤولو الإدارة الأميركية بالقلق من أن نتنياهو لن يقف في وجه سموتريش أو غيره من وزراء اليمين المتطرف في حين أن الرئيس بايدن خاطر سياسياً مع التقدميين في قاعدته بدعمه لإسرائيل. وربما يعتقد نتنياهو أنه يجب الاحتفاظ بالمزيد من الخطوات الإنسانية كأوراق مساومة لتحرير المزيد من الرهائن. ولكنه صرّح أيضاً بأن قادة “حماس” غير مبالين بمعاناة سكان غزة، وبالتالي فإن قوة ورقة المساومة هذه موضع شك.
ترابط سعودي فلسطيني
تدرس واشنطن مبادرة دبلوماسية عربية – إسرائيلية أوسع نطاقاً بمجرد انتهاء الحرب، وستكون القدس في وضع يخوّلها رسم معالم هذه الخطة إذا حسّن نتنياهو علاقته مع بايدن. وفي هذا الإطار، أوضح مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، خلال تصريحاته في قمة “دافوس” السنوية التي انعقدت في 16 كانون الثاني (يناير)، أن تحقيق تقدم في العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل مرتبط برسم أفق سياسي للفلسطينيين، وجاء فيها: “قبل السابع من تشرين الأول (أكتوبر) بفترة طويلة، كانت الولايات المتحدة منهمكة جداً في العمل على تأمين أفق سياسي للشعب الفلسطيني… وقد رأينا أن الطريقة المثلى هي بالتوصل إلى صفقة شاملة تتضمن التطبيع بين إسرائيل ودول عربية رئيسية، إلى جانب إحراز تقدم ملموس ورسم أفق سياسي للشعب الفلسطيني… إنها المعادلة الأساسية، أي تحقيق السلام بين إسرائيل وجيرانها العرب وحل الدولتين مع ضمان أمن إسرائيل. وهذه الأجزاء… مترابطة منذ ما قبل 7 تشرين الأول (أكتوبر) وما تزال حتى يومنا هذا”. كما شدد سوليفان على أن هذه النتيجة ممكنة “على المدى القريب”، وأنها تنطوي على “مستقبل لن يتم فيه استخدام غزة مجدداً كمنصة للإرهاب”.
وفي اليوم نفسه، صرّح الوزير بلينكن لشبكة “سي إن بي سي” أن الدول العربية أكدت استعدادها لتقديم “ضمانات” إقليمية لإسرائيل إذا مضت قدماً في التصالح مع الفلسطينيين. إلا أن المسؤولين الإسرائيليين لطالما اعتبروا أن الضمانات الأجنبية لا معنى لها ما دامت الجماعات المتطرفة مثل حركة “حماس” قادرة على التفوق على “السلطة الفلسطينية”، لا سيما عندما تحجم الدول العربية على الأرجح عن استخدام القوة لتقييد الحركة. وحتى الرئيس إسحق هرتسوغ، الزعيم السابق لـ”حزب العمل” الإسرائيلي المحسوب على اليسار الوسطي، ذهب إلى حد القول أمام الحضور في “دافوس” إنه لا يوجد إسرائيلي “بكامل قواه العقلية” يفكر في حل الدولتين في الوقت الحالي.
الخلاصة
وفقاً لاستطلاعات الرأي الأخيرة، ما يزال الجمهور الإسرائيلي ممتناً للغاية للدعم القوي الذي قدمه الرئيس بايدن خلال الحرب، وبذلك يدرك نتنياهو أنه لا يمكن أن يُنظر إليه على أنه يعتبر المساعدة الأميركية التي لا يمكن الاستغناء عنها أمراً مفروغاً منه. ولكنه قد يعتقد في الوقت نفسه أن أي مبادرة دبلوماسية عربية قد تكون ذات آفاق محدودة على المدى القريب لأن الحرب لن تنتهي في أي وقت قريب. وبالتالي، من المحتمل أنه يفكر في اتباع مسار آخر.
في الوقت الحالي، تشهد الأصوات المؤيدة لنتنياهو تراجعاً كبيراً، ولذلك سيتفادى إجراء انتخابات على المدى القريب إذا أمكنه ذلك، على الرغم من أن 63 في المائة من الإسرائيليين يريدون إجراءها الآن، وفقاً لبعض المصادر. ومع ذلك، إذا اضطر إلى خوض حملة سياسية، فيفترض أن يقدم نفسه على أنه حامي إسرائيل من أي مسعى أميركي لإقامة دولة فلسطينية، وهو ما يدّعي أنه سيجعل البلاد أكثر عرضة للخطر.
على أي حال، ما تزال إسرائيل في حالة حرب وما تزال أميركا حليفتها العظمى الوحيدة. لذلك، يتعيّن على القادة في القدس وواشنطن البحث عن طرق لمنع النزاعات السياسية من إحداث ثغرات يمكن لخصومهما المشتركين استغلالها.
*ديفيد ماكوفسكي: “زميل زيغلر المميز” في معهد واشنطن ومدير “مشروع كوريت” حول العلاقات العربية الإسرائيلية.
———————————————
كيف يرتبط تطوير غاز بحر غزة بالاجتياح الإسرائيلي للقطاع؟
باتريك مازا – (ذا ريفِن) 2024/1/24
”غزة مارين” هو حقل غاز قبالة سواحل غزة من المفترض أن يكون خاضعا للولاية الفلسطينية، لكن إسرائيل منعت تطويره.
يبدو أن ثمة خيطا مُشتركا ينتظم الصراعات الكبرى التي يشهدها العالم اليوم، هو الوصول إلى مصادر الوقود الأحفوري. أوكرانيا غنية بالفحم والنفط والغاز. ويحتوي بحر الصين الجنوبي على احتياطيات كبيرة تحت سطح البحر من النفط والغاز. وليس الصراع الجاري حاليًا في غزة استثناء. ثمة رواسب كبيرة من الغاز توجد في منطقة بحرية من المفترض أن تكون تحت الولاية الفلسطينية، لكن إسرائيل سيطرت على المنطقة وأعاقت تطويرها واستخراج مخزوناتها.
يقع حقل “غزة مارين” الذي يقدر حجم محتوياته بنحو 1.4 تريليون قدم مكعب من الغاز على بعد 17 إلى 21 ميلاً من الشاطئ. وقد تم وضع المنطقة، بمسافة تصل إلى 20 ميلاً من الساحل، تحت ولاية “السلطة الوطنية الفلسطينية” بموجب “اتفاقات أوسلو الثانية” التي أُبرمت في العام 1995. لكن إسرائيل منعت تطوير هذا المشروع، ولعبت السياسة المعقدة بين حركة “حماس” التي تسيطر على غزة، و”فتح” التي تسيطر على السلطة الوطنية الفلسطينية، دورًا في خلق مسار ملتوٍ من المفاوضات المتقطعة التي راوحت بين الاتفاق والاختلاف حول الحفر.
اكتشفت “مجموعة الغاز البريطانية” (BGG) الحقل في العام 1999 ووقعت عقدًا لمدة 25 عاماً مع “السلطة الوطنية الفلسطينية” لاستغلاله. ورأت “السلطة” في ذلك فرصة لتوفير الطاقة الخاصة بها، بما في ذلك الطاقة الكهربائية، والحصول على عائدات التصدير. وتمت الموافقة على الحفر في الموقع في عهد رئيس الوزراء الإسرائيلي، إيهود باراك. وسعت “مجموعة الغاز البريطانية” إلى التفاوض على صفقة شراء مع “شركة الكهرباء الإسرائيلية”، لكن رئيس الوزراء التالي، أرييل شارون، ألغى كل ذلك. ثم تم إلغاء قرار شارون مرة أخرى في العام 2002 بتدخل من المملكة المتحدة، ووافق شارون على بدء مفاوضات حول اتفاق كان من شأنه أن يوفر 0.05 تريليون قدم مكعب من الغاز لمدة 10-15 عامًا. لكن همة شارون فترت بشأن المشروع وأوقفَ المفاوضات. وزعم أن الأموال التي يجنيها الفلسطينيون من المشروع يمكن أن تستخدم لتمويل الإرهاب.
بعد ذلك، أعادت حكومة جديدة بقيادة إيهود أولمرت إحياء الاتفاق في نيسان (أبريل) 2007. ومن بين 4 مليارات دولار كان من المتوقع أن تتدفق من الصفقة، كان من المقرر أن يذهب 1 مليار دولار إلى “السلطة الوطنية الفلسطينية”. لكن عناصر من الحكومة الإسرائيلية كانت تثير الاعتراضات. وعمل استيلاء “حماس” على قطاع غزة في العام 2007، وانفصالها عن “السلطة الفلسطينية” التي تسيطر عليها “فتح” في الضفة الغربية، على تغيير الصورة. وكانت حماس تضغط من أجل التوصل إلى اتفاق أفضل.
حسب “لجنة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية” (أونكتاد) UNCTAD، فإنه “في أيلول (سبتمبر) 2007، نصح رئيس أركان إسرائيلي سابق بشدة حكومة إسرائيل بعدم إبرام اتفاق مع “مجموعة الغاز البريطانية”، على أساس أن تحويل إسرائيل مبلغ 1 مليار دولار “إلى حسابات مصرفية محلية أو دولية نيابة عن [السلطة الفلسطينية] سيكون بمثابة قيام إسرائيل بتمويل الإرهاب ضد نفسها””. وتحولت الحكومة الإسرائيلية نحو إبرام صفقة مع “مجموعة الغاز البريطانية” يكون من شأنها أن تبقي الأموال بعيدا عن أيدي “السلطة الوطنية الفلسطينية”، بحيث تدفعها بدلاً من ذلك في شكل سلع وخدمات، مما يلغي فعليًا اتفاقية العام 1999.
انسحبت “مجموعة الغاز البريطانية” من المفاوضات في نهاية العام 2007. وحاولت إسرائيل، من دون جدوى، إعادة إشراك الشركة في العام 2008 لإبرام صفقة كان قد تم التفكير فيها على أساس عاجل قبل التوغل العسكري الإسرائيلي المخطط له في غزة، “عملية الرصاص المصبوب”، في كانون الأول (ديسمبر) 2008. و”في أعقاب العملية، تم وضع حقول الغاز الطبيعي الفلسطينية فعليا تحت السيطرة الإسرائيلية من دون أي اعتبار للقانون الدولي”، كما تقول (أونكتاد).
الكلفة على الشعب الفلسطيني
في تقريرها الصادر في العام 2019 بعنوان “التكاليف الاقتصادية للاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني: إمكانيات النفط والغاز الطبيعي غير المتحققة”، الذي أُخذت منها الاقتباسات أعلاه، خلصت (أونكتاد) إلى أنه “في العام 2018، مرت 18 عامًا منذ حفر حقلي “مارين 1″ و”مارين 2″. وبما أن السلطة الوطنية الفلسطينية لم تتمكن من استغلال هذه الحقول، فإن الخسائر المتراكمة للجانب الفلسطيني تقدر بمليارات الدولارات. وبناء على ذلك، حُرم الشعب الفلسطيني من فوائد استغلال هذا المورد الطبيعي واستخدامه لتمويل التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وتلبية احتياجاته من الطاقة خلال هذه الفترة بأكملها”.
ولاحظت (أونكتاد) أنه “تم اكتشاف احتياطيات حقلي “مارين 1″ و”مارين 2” في العام 1999 وقامت “مجموعة الغاز البريطانية” بالتنقيب عن الغاز في العام 2000. وكان بإمكان الفلسطينيين –افتراضيًا- تسييل نواتج هذه الحقول إلى نقود واستثمار القيمة الصافية البالغة 4.592 مليار دولار لمدة 18 عامًا حتى الآن. وبافتراض انخفاض معدل العائد الحقيقي السنوي البالغ 2.5 في المائة، فقد خسر الفلسطينيون بالفعل ما يقرب من 2.570 مليار دولار من خلال منعهم من ممارسة حقهم في الاستفادة من استغلال مواردهم الطبيعية، الذي يكفله القانون الدولي. وكلما طالت مدة منع إسرائيل الفلسطينيين من استغلال احتياطياتهم من النفط والغاز الطبيعي، زادت تكاليف الفرصة البديلة لهذه الاحتياطيات وزادت التكاليف التي يرتبها الاحتلال على الفلسطينيين”.
تتضاءل أهمية وعوائد حقول “غزة مارين” أمام مورد آخر، هو “حقل مجيد” للنفط والغاز الواقع إلى حد كبير تحت الضفة الغربية. وكان قد تم العثور على الحقل في ثمانينيات القرن العشرين، وبدأ الإنتاج منذ العام 2010. وقدرت (أونكتاد) قيمة احتياطيات الحقل المقدر حجمها بنحو 1.5 مليار برميل، عند 99 مليار دولار بمعدل 65 دولارًا للبرميل. وبحذف تكاليف الإنتاج، قُدرت خسائر الفلسطينيين بنحو 68 مليار دولار. وبسعر (أوبك) الحالي البالغ 79 دولارًا للبرميل، ستكون القيمة الإجمالية للحقل حوالي 120 مليار دولار، وسوف يكون صافي الخسائر عندئذ 84 مليار دولار.
إن احتياطيات الوقود الأحفوري في منطقة فلسطين/ إسرائيل هائلة. وتلاحظ (أونكتاد) أن “”منطقة حوض بلاد الشام” تشمل حوالي 83.000 كيلومتر مربع من شرق البحر الأبيض المتوسط… وقدرت هيئة المسح الجيولوجي الأميركية معدلًا (متوسطًا) من 1.7 مليار برميل من النفط القابل للاسترداد، ومتوسط 122 تريليون قدم مكعب من الغاز القابل للاسترداد في “منطقة حوض بلاد الشام”. وهذا يعني أن هذا الحوض هو واحد من أهم موارد الغاز الطبيعي في العالم”.
تقع بعض هذه الموارد في المياه الدولية، لكنّ الأرقام الإجمالية تؤكد أن استيلاء إسرائيل على أراضٍ وموارد كانت مملوكة للفلسطينيين في السابق قد حرم الفلسطينيين من فرص اقتصادية كبيرة. ويمكن للمرء أن يجادل فيما إذا كان ينبغي تطوير هذه الموارد من حيث المبدأ في وقت يشهد كل هذه الفوضى المناخية. لكن الحقيقة هي أنه يجري تطويرها فعليًا، بينما يتم استبعاد الفلسطينيين من الصفقة.
“غزة مارين” يعود
على مدى السنوات القليلة الماضية، تم إحياء آفاق “غزة مارين” بطريقة أثارت الشكوك بأن السلطات الإسرائيلية تجاهلت عمدًا التحذيرات بشأن هجوم “حماس” في 7 تشرين الأول (أكتوبر)، لأن تطوير الحقل تستلزم إبعاد “حماس” عن الطريق في غزة. وكان “صندوق الاستثمار الفلسطيني”، وهو فرع من فروع “السلطة الوطنية الفلسطينية”، قد وقّع في آذار (مارس) 2021 مذكرة تفاهُم مع الحكومة المصرية تهدف إلى تطوير الحقل واستغلاله. لكن ممثلي “حماس” أثاروا اعتراضات حول هذه الصفقة.
قال حازم قاسم، المتحدث باسم حماس: “من حق شعبنا أن يعرف كيف تتصرف “السلطة” في القضايا الكبرى، لأن السوابق تؤكد أنها تتصرف من دون أدنى درجة من الشفافية، وتقرر أفعالها وعلاقاتها على أساس مصالح حزبية وفئوية الضيقة”.
وقال موسى أبو مرزوق، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، في تغريدة على تويتر: “يجب أن تكون غزة حاضرة في أي تفاهمات حول حقول الغاز الموجودة عند شواطئها. إذا كانت غزة مضطرة إلى استيراد الغاز الطبيعي من الاحتلال [إسرائيل] لمحطة توليد الكهرباء الوحيدة في القطاع، فلا ينبغي أن نقف مكتوفي الأيدي بينما يتم تصدير مواردنا الطبيعية إلى أراضٍ بعيدة. إننا نحتاج إلى معرفة تفاصيل الاتفاقية التي تم توقيعها مع “صندوق الاستثمار””.
(هذه المحطة مغلقة الآن بسبب الحصار الذي تفرضه إسرائيل على وصول الوقود إلى قطاع غزة).
ثم في 18 حزيران (يونيو) 2023، قبل أقل من 4 أشهر بقليل من الهجوم في 7 تشرين الأول (أكتوبر)، بعد سنوات عديدة من تهميش موضوع حقول “غزة مارين”، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عن خطط للمضي قدمًا في تطوير الحقول بالتعاون مع “السلطة الوطنية الفلسطينية” ومصر. وقد أفيد بأن محادثات سرية بشأن التطوير كانت تجري بين إسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية في الشهر السابق.
وذكرت صحيفة “ذا كرادل” أنه ”وفقا لمكتب نتنياهو، سوف تؤكد الخطة على “التنمية الاقتصادية الفلسطينية والحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة”. والخطة “تخضع للتنسيق بين الأجهزة الأمنية والحوار المباشر مع مصر، بالتنسيق مع “السلطة الفلسطينية””. وكانت الخطط لتطوير الحقل من بين المواضيع الرئيسية التي نوقشت خلال الاجتماعات الأمنية الأخيرة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية في العقبة”.
من الواضح أن إسرائيل كانت مهتمة ببناء قدرات “السلطة الوطنية الفلسطينية”، التي تُعتبر متواطئة مع الاحتلال الإسرائيلي، كخيار مناهض لـ”حماس”. وتعزز الصفقة التي تضع المال في جيب السلطة الوطنية الفلسطينية هذا الهدف، وتشتري المزيد من التواطؤ. لكنّ من الواضح بنفس القدر أن تطوير حقول الغاز قبالة ساحل غزة لا يمكن أن يمضي قدمًا في ظل اعتراضات “حماس”. وتريد حماس حصة من العائدات، وهو أمر غير مقبول بالنسبة لإسرائيل. وكان يتعين بطريقة ما إخراج “حماس” من الصورة.
تبقى حقول “غزة مارين” صغيرة نسبيًا مقارنة بحقول الغاز البحرية الأخرى التي تطورها إسرائيل، التي يبلغ حجم احتياطياتها نحو 38 تريليون قدم مكعب. لكن تطوير “غزة مارين” لزيادة شراء تواطؤ “السلطة الفلسطينية” هو المكان الذي تبدو فيه التحركات الأخيرة نحو التطوير مرتبطة بالغزو ومحاولة القضاء على “حماس”. هذه هي الصلة الواضحة للوقود الأحفوري بهذا الصراع. وبالنظر إلى ذلك على أنه جزء من إستراتيجية أكبر لتحسين وضع، وشراء “السلطة الوطنية الفلسطينية” مع القضاء على “حماس”، سيكون هذا حافزًا آخر لتجاهل التحذيرات والتقارير الاستخباراتية التي تنبأت بدقة بهجوم “حماس” في 7 تشرين الأول (أكتوبر).
———————————————
قرار لاهاي يعني أن إسرائيل أصبحت الآن في قفص الاتهام بتهمة الإبادة الجماعية
بقلم: دافيد هوروفيتس
هناك جوانب قضائية إيجابية، بما في ذلك عدم وجود أمر لوقف إطلاق النار. لكن قرار المحكمة سيعطي دعما للدعوات الدولية لفرض عقوبات تجارية وحظر توريد الأسلحة ضد إسرائيل
هناك خلاصتان رئيسيتان من قرار محكمة العدل الدولية يوم الجمعة التي أمرت باتخاذ إجراءات مؤقتة ضد إسرائيل على أساس مزاعم الإبادة الجماعية التي وجهتها جنوب إفريقيا ضدها.
الخلاصة الاولى والأكثر أهمية هي أنه من خلال طبيعة الأوامر واللغة المستخدمة، يمكن القول بحذر أن المحكمة لا يبدو أنها تعتقد أن إسرائيل ترتكب حاليا وبالفعل جريمة إبادة جماعية ضد الفلسطينيين.
لو كان الأمر كذلك، لكانت المحكمة قد وافقت بكل تأكيد على مطلب جنوب إفريقيا بأن توقف إسرائيل بشكل فوري وأحادي عمليتها العسكرية في غزة، وكانت ستستخدم أيضا كلمة “التوقف” في أمرها، كما استخدمتها جنوب إفريقيا صراحة في دعواها ضد إسرائيل، مما يعني ضمنا أعمال إبادة جماعية حالية ومحتملة في المستقبل.
وفي الوقت نفسه، قبلت المحكمة الادعاء الضار للغاية الذي يقول إن ادعاءات جنوب إفريقيا بأن الفلسطينيين في غزة بحاجة إلى الحماية من الإبادة الجماعية “معقولة”، وقد فعلت ذلك بالفعل بأغلبية ساحقة بلغت 15 صوتا مقابل صوتين.
تشير هذه الخطوة إلى أن المحكمة لا تعتقد أن مزاعم جنوب إفريقيا المثيرة للجدل لا أساس لها من الصحة على الإطلاق، وهو قرار احتفت به حماس وجنوب إفريقيا وأعداء إسرائيل على نطاق واسع عقب صدور القرار.
وهذا الجانب من القرار هو الذي يمكن أن تكون له تداعيات خطيرة بالنسبة لموقف إسرائيل الأخلاقي وسمعتها الدولية ومكانتها الدبلوماسية. لأنه، كما قالت رئيسة المحكمة جوان دونوهيو، فإن المحكمة لا ترفض القضية بشكل كامل، كما طلبت إسرائيل.
وهكذا فإن دولة إسرائيل تقف في قفص الاتهام بتهمة الإبادة الجماعية، حيث تقول محكمة العدل الدولية إن هناك دليلا ظاهريا على أن هناك قضية يتعين على إسرائيل الرد عليها.
من المؤكد أن هذا سيعطي دعما للدعوات الدولية لفرض عقوبات تجارية وحظر توريد أسلحة ضد إسرائيل. ومن المؤكد أن منتقدي إسرائيل، سواء في عامة الجمهور أو لدى حكومات الدول الأجنبية – وهناك الكثير منهم – سيشيرون إلى هذه الحقيقة كسبب حتى لا يكون هناك أي ارتباط مع هذا البلد.
ومع ذلك، هناك جوانب قضائية إيجابية لهذه الصورة القاتمة.
إن المعيار في هذه العملية الاولية ليس ما إذا كانت إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية، بل فقط ما إذا كانت هناك “معقولية” لادعاءات جنوب إفريقيا بأن الفلسطينيين غير محميين، والفشل في التأكيد على هذه المعقولية سيعني رفض القضية بالكامل.
وهذه يُعتبر معيارا أدنى بكثير، ونظرا للتصريحات الإشكالية التي أدلى بها وزراء في الحكومة ومشرعين التي بدا فيها أنهم يقللون من أهمية الحاجة لحماية المدنيين في غزة، قد لا يكون من المفاجئ أن المحكمة لم تر أنه من المناسب رفض هذه المزاعم.
إذا أخذنا هذا الأمر جانبا بالإضافة إلى بعض الجوانب الأوسع لجريمة الإبادة الجماعية كما هي معرّفة في الاتفاقية لمنع جريمة الإبادة الجماعية، بما في ذلك التسبب عمدا في أذى جسدي أو نفسي خطير لمجموعة من المدنيين أو التسبب بظروف تؤدي إلى تدمير الحياة البشرية، فربما كان أقل ما يمكن للمحكمة أن تفعله هو قبول معقولية هذه الادعاءات.
ويبدو أن المحكمة قررت أنها لا تستطيع تجاهل التصريحات المتهورة التي ادلى بها وزير الدفاع يوآف غالانت في بداية الحرب بشأن فرض حصار كامل دون طعام وماء ووقود وكهرباء (على الرغم من أن إسرائيل سمحت منذ ذلك الحين بدخول كل هذه الموارد إلى غزة)، والإشارات إلى “حيوانات بشرية” التي ذُكرت في المحكمة (على الرغم من أن غالانت كان يشير بالتحديد إلى حماس، وليس إلى سكان غزة). ولكن كما أشارت المحكمة، فإن هذا ليس له أي تأثير على الحكم النهائي.
ونظرا لمستوى الدمار في غزة، والخسائر الفادحة في أرواح المدنيين والظروف المروعة التي يواجهها سكان غزة حاليا، فمن الواضح أن المحكمة وقضاتها لم يظنوا أن بإمكانهم رفض الدعوى بشكل قاطع.
وكما ذُكر، قد ينُظر إلى ذلك على أنه ينعكس في الأوامر العملية للمحكمة، بما في ذلك رفضها إصدار أمر لإسرائيل بوقف إطلاق النار، لكنه بالأحرى ينعكس في تذكير إسرائيل بالتزاماتها بموجب اتفاقية منع جريمة الابادة الجماعية والحاجة لتوفير مساعدات انسانية.
وكما أشار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو فقد أيدت المحكمة حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد العدو الإرهابي المجرم والمتوحش الذي تواجهه والمتمثل في حركة حماس في غزة. وربما كانت المحكمة، بفعلها هذا، تقر بأن إزالة التهديد الذي تمثله حماس، وليس تدمير الشعب الفلسطيني، هو هدف الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة، كما أوضح فريق الدفاع الإسرائيلي بجهد مضن في مرافعته في لاهاي قبل أسبوعين.
———————————————
نيويورك تايمز” معظم أسلحة “حماس” من إسرائيل
الولايات المتحدة – نقلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن مسؤولين إسرائيليين عسكريين واستخباراتيين أن عددا كبيرا من الأسلحة التي استخدمتها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في هجمات 7 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي جاءت من مصدر غير متوقع، وهو الجيش الإسرائيلي نفسه.
ولسنوات، ظل المحللون يشيرون إلى طرق التهريب تحت الأرض، لتفسير كيف ظلت حماس مدججة بالسلاح على الرغم من الحصار العسكري الإسرائيلي لقطاع غزة.
لكن المعلومات الاستخباراتية الأخيرة أظهرت مدى قدرة حركة حماس على بناء العديد من صواريخها وأسلحتها المضادة للدبابات من آلاف الذخائر التي لم تنفجر عندما أطلقتها إسرائيل على غزة، وفقا لخبراء أسلحة واستخبارات إسرائيلية وغربية، كما تقوم الحركة أيضا بتسليح مقاتليها بأسلحة مأخوذة من القواعد العسكرية الإسرائيلية. وكشفت المعلومات الاستخباراتية التي تقصتها صحيفة “نيويورك تايمز” خلال أشهر من القتال أنه مثلما أخطأت السلطات الإسرائيلية الحكم على نوايا حماس قبل 7 تشرين الأول (أكتوبر) فقد قللت أيضا قدرتها من على الحصول على الأسلحة.
وتشير الصحيفة إلى أن الأمر الواضح الآن هو أن الأسلحة نفسها التي استخدمتها القوات الإسرائيلية لفرض الحصار على غزة على مدى الأعوام الـ17 الماضية تستخدم الآن ضدها.
ونقلت عن مايكل كارداش النائب السابق لرئيس قسم إبطال مفعول القنابل في الشرطة الوطنية الإسرائيلية ومستشار الشرطة الإسرائيلية أن “الذخائر غير المنفجرة هي المصدر الرئيسي للمتفجرات بالنسبة لحماس”.
ويقول خبراء الأسلحة إن ما يقارب 10 % من الذخائر عادة لا تنفجر، ولكن في حالة إسرائيل قد يكون الرقم أعلى، وقال أحد ضباط المخابرات الإسرائيلية -الذي تحدث للصحيفة بشرط عدم الكشف عن هويته- إن معدل الفشل في بعض هذه الصواريخ يمكن أن يصل إلى 15 %.
وتشمل ترسانة إسرائيل صواريخ تعود إلى حقبة فيتنام، والتي أوقفتها الولايات المتحدة وقوى عسكرية أخرى منذ فترة طويلة.
وفي كلتا الحالتين فإن سنوات من القصف المتقطع والقصف الأخير لغزة خلفت تناثر آلاف الأطنان من الذخائر غير المنفجرة في المنطقة والتي تنتظر إعادة استخدامها، والقنبلة الواحدة التي تزن 750 رطلا والتي لا تنفجر يمكن أن تتحول إلى مئات الصواريخ.
وكان المسؤولون الإسرائيليون يعلمون قبل هجمات تشرين الأول (أكتوبر) الماضي أن حماس قادرة على الاستفادة من بعض الأسلحة إسرائيلية الصنع، لكن النطاق أذهل خبراء الأسلحة والدبلوماسيين على حد سواء.
كما عرفت السلطات الإسرائيلية أن مستودعات الأسلحة الخاصة بها كانت عرضة للسرقة، فقد أشار تقرير عسكري صدر في أوائل العام الماضي إلى أن آلاف الرصاص ومئات الأسلحة والقنابل اليدوية قد استولت عليها حماس من قواعد سيئة الحراسة.