تلويح بايدن بحل الدولتين وانتقاد حرب إسرائيل لا يكفي؟

بدخول حرب إبادة إسرائيل المسعورة على غزة شهرها الخامس وتجاوز عدد الشهداء والمصابين 100 ألف واللاجئين والنازحين مليونين، 90٪ من سكان غزة النازفين والمحاصرين وزحف الأمراض والمجاعة وتدمير نصف مباني غزة في تدمير منهجي للبشر والحجر، وجعل غزة منطقة منكوبة وغير قابلة للحياة بتدمير كل مقومات الحياة، تراوح الأوضاع مكانها، من ضعف وخذلان عربي، وتواطؤ أمريكي وغربي لا تنهي آلام المعاناة الكارثية!
وبرغم مرور أكثر من أسبوعين على قرار محكمة العدل الدولية وطلبها «اتخاذ إسرائيل جميع التدابير لمنع أي أعمال يمكن اعتبارها إبادة بشرية وضمان عدم ارتكاب الجيش الإسرائيلي أعمال إبادة، وإطلاق تصريحات وتعليقات عامة تحرض على ارتكاب إبادة جماعية في غزة، وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى داخل قطاع غزة، وتقديم تقرير للمحكمة خلال شهر بمدى تطبيق إسرائيل لهذه التدابير والأحكام» ومع ذلك تضرب حكومة نتنياهو بقرار محكمة العدل الدولية عرض الحائط منتهكة بنوده، ومستمرة بارتكاب حرب الإبادة بلا عواقب!
يرافق ذلك برغم تصعيد ومطالبات بايدن ووزير خارجيته بلينكن الذي أنهى زيارته الخامسة للمنطقة منذ اندلاع الحرب في أكتوبر، خاوي الوفاض، ودون تحقيق أي اختراق حتى بهدنة إنسانية والانتقال لمرحلة استهداف نوعية لمقاتلي وقادة حماس العسكريين، والحرص على عدم استهداف المدنيين. كل ذلك لم يغير رأي نتنياهو وحكومة الحرب المصممة على حربها وغير عابئة بتداعياتها الكارثية، حتى لو ضحى وقضى على جميع الرهائن والمحتجزين الإسرائيليين لدى حماس في حربه التي يحضّر لها على رفح. يقدّر الجيش أن 31 من 136 من المحتجزين قُتلوا بالقصف الإسرائيلي على غزة منذ 7 أكتوبر الماضي.
يستمر نتنياهو بأهداف حربه غير الواقعية، حتى النصر وهزيمة حماس وإطلاق سراح الأسرى وتحييد غزة، ويدعي أن الانتصار اقترب، برغم تقدير الاستخبارات الأمريكية أن حماس أضعفت لكنها لم تُهزم وأن هدف القضاء على حماس غير واقعي!
برغم مشاركة مدير الموساد الإسرائيلي في مفاوضات اتفاق الإطار في باريس ومدير CIA ومدير المخابرات المصرية ورئيس وزراء قطر للتوصل لوقف إطلاق نار وصفقة تبادل الأسرى والمحتجزين وإدخال المزيد من المساعدات الإنسانية لتخفيف المعاناة، إلا أن نتنياهو واليمين المتطرف في حكومته رفضوا وقف القتال واتفاق الإطار، برغم موافقة حماس على بنوده بشروط وعلى ثلاث مراحل كل مرحلة 6 أسابيع.. وإطلاق سراح الرهائن والمحتجزين المحكومين بمدد طويلة وعلى دفعات، وإدخال مساعدات وإعادة الإعمار والانسحاب الكلي من غزة.

برغم مشاركة مدير الموساد الإسرائيلي في مفاوضات اتفاق الإطار في باريس ومدير CIA ومدير المخابرات المصرية ورئيس وزراء قطر للتوصل لوقف إطلاق نار إلا أن نتنياهو واليمين المتطرف في حكومته رفضوا وقف القتال

يصعّد ويحشد نتنياهو قواته لشن عملية عسكرية دامية وأخيرة للسيطرة على محور صلاح الدين. وللمفارقة وللتدليل على النفاق الإسرائيلي في بداية الحرب أجبر جيش الاحتلال سكان شمال ووسط غزة النزوح إلى جنوب القطاع «الآمن» واليوم يُحاول الجيش تهجير السكان من رفح-لكن إلى أين؟ إلى سيناء؟! لشن عملية عسكرية دموية وسط تكدس 1.3 مليون فلسطيني نازح في رفح على حدود مصر، مع انتشار الأمراض والمجاعة بين النازحين بأوضاع إنسانية صعبة وبائسة بهدف سيطرة جيش الاحتلال على الحدود بين غزة ومصر بمخالفة لاتفاقية كامب ديفيد، كون معبر رفح عربيا بين مصر وغزة. في ظل ذلك المشهد المرتبك والضبابي لا يزال موقف مصر مبهما من العملية العسكرية!
لكن من اللافت تحول موقف بايدن وإدارته بعد طول دعم وإسناد عسكري ومالي وغطاء سياسي بلا سقف. بدأ التلويح بالاعتراف بدولة فلسطينية منزوعة السلاح بعد وقف الحرب، وتكرار انتقاد إسرائيل قبل شهرين «بشن إسرائيل قصفا عشوائيا على غزة ما يفقدها الدعم الدولي. إلى انتقاد إسرائيل بسبب مقتل وإصابة أعداد كبيرة من المدنيين الأبرياء، والأوضاع الصعبة، إلى تجاوز إسرائيل الحدود في حربها على غزة ويجب وقف ذلك» وتصريح بايدن مؤخراً: «أمارس مزيدا من الضغوط على إسرائيل ومصر لفتح معبر رفح، وإدخال المساعدات الإنسانية. وأدفع بشكل كبير للتوصل لصفقة لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى».
لكن يخالف ذلك تأكيد الرئيس بايدن أن أحد أهداف عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر الماضي، تعطيل عملية التطبيع بقيادة الولايات المتحدة بين السعودية وإسرائيل. وهو مشروع يمكن برأي بايدن أن يحوّل المنطقة للأفضل، ولكن يرون أنه سيكون على حساب القضية الفلسطينية لذلك سعوا لمنعه.
وبرغم زلة لسان بايدن في المؤتمر الصحافي بضغطه على السيسي (رئيس المكسيك-بدل مصر) وعلى نتنياهو لفتح معبر رفح وإدخال المزيد من المساعدات الإنسانية، إلا أن ذلك حسب نيويورك تايمز- يُظهر تصاعد الاستياء من رفض نتنياهو لهدنة ووقف استهداف المدنيين، وتحول الانتقاد من خلف الأبواب المغلقة إلى العلن مع ارتفاع أعداد الشهداء والمصابين والنازحين، وخاصة بعد قرار محكمة العدل الدولية، وتصاعد الغضب في الداخل الأمريكي من ناشطين وشباب الجامعات والجناح التقدمي والعرب الأمريكيين في حزبه الديمقراطي!
بالنسبة لحجم كارثة الإبادة المستمرة، لم يعد يكفي انتقاد بايدن العلني الناعم والمؤدب والتلويح بالاعتراف بالدولة الفلسطينية وإرسال كبار مسؤوليه إلى المنطقة والضغط لفتح معبر رفح وإدخال المساعدات، لكن هذه المساعي فشلت بتغيير تعنت نتنياهو وأركان حكومته المتطرفة. لذلك يجب انتفاض بايدن وفرض وقف شامل للحرب،
واعتراف بالدولة الفلسطينية، والتهديد بوقف الدعم العسكري وتجميد مخصصات 14 مليار دولار العالقة في الكونغرس، وأمر وزارة الخارجية فتح تحقيق في استخدام جيش الاحتلال السلاح والذخائر الأمريكية بارتكاب جرائم حرب وقتل مدنيين الموثقة، وكما يفرضه القانون الأمريكي، بمنع استخدام السلاح الأمريكي لارتكاب جرائم قتل ضد المدنيين. وهذا ما سينقذ بايدن وحزبه من تراجع شعبيته وفرص فوزه بانتخابات الرئاسة في انتخابات نوفمبر القادم!

عبد الله الشايجي : أستاذ في قسم العلوم السياسية ـ جامعة الكويت

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر المسار الإخباري