خان يونس.. لغز الأنفاق يحبط رهانات الاحتلال

لم يستطع جيش الاحتلال الإسرائيلي بعد أشهر من عدوانه على خان يونس، جنوبي قطاع غزة، أن يتمركز أو يثبّت نقاطاً عسكرية فيها.

قادت المقاومة الفلسطينية في معركتها “طوفان الأقصى” العمليات العسكرية الأكثر ضراوة في هذه المنطقة، محافظة بذلك على سيطرتها الميدانية، على الرغم من دخول العدوان الإسرائيلي على غزّة شهره السادس.

أقرّ المتحدث باسم جيش الاحتلال دانييل هاغاري في مطلع آذار/مارس 2024 بأنّ “القتال صعب في خان يونس”، وذلك نتيجة ما شهدته القوات الإسرائيلية التي حاولت التوغل عند أكثر من محور من تكتيكات قتالية نوعية للمقاومة، أدت إلى انسحاب الاحتلال من مدينة حمد في 13 من الشهر نفسه.

ونقلت اعترافات قائد لواء “الكوماندوس” في جيش الاحتلال، عومر كوهن الذي عاين خان يونس ومدينة حمد، واقع الإخفاقات العسكرية الإسرائيلية هناك، إذ قال: “عندما تدخل تفهم حقاً أنه عش دبابير، تبدو مدينة حمد وكأنها بُنيت لليوم الذي تدخل فيه القوات الإسرائيلية المنطقة”.

وأضاف كوهن بعد نحو أسبوع من القتال العنيف، من الواضح أن “حماس لا تزال تدير قواتها، ويخرج المقاتلون من كلّ مكان في خان يونس”، إقرار إسرائيلي يؤكد أنّ المقاومة تحافظ على بنيتها التحتية وعلى قدراتها القتالية.

كيف عملت المقاومة؟

تصدت المقاومة الفلسطينية للقوات الإسرائيلية في كلّ محاور خان يونس بصورة شرسة، ما أفقد الاحتلال قدرته على السيطرة، وبالتالي اضطر في كلّ مرّة إلى التراجع ليحاول التقدّم من جديد، ويدور مرّة ثانية في دوامة الفشل، وذلك على الرغم من سيطرة الاحتلال النارية عند الساحل في الجهة الغربية، وعند شارع صلاح الدين في الجهة الشرقية.

تعتمد المقاومة في خان يونس في القتال على الأنفاق، وهي أنفاق هجومية ودفاعية، وبينما تعتمد المنطقة الغربية، والتي تتضمّن مدينة حمد، على الأنفاق الدفاعية، فإنّ المنطقة الشرقية من المحافظة تشمل نوعي الأنفاق، الهجومية لأنها منطقة حدودية تنطلق منها المقاومة لتنفيذ العمليات خلف خطوط العدو، والدفاعية كان لها دورها الفعّال في معركة “طوفان الأقصى”.

في محاولة لعزل المناطق الشرقية من خان يونس عن المناطق الغربية فيها، توغلت قوات جيش الاحتلال من ناحية شمالي القرارة باتجاه شارع صلاح الدين – متجنبة بذلك في بداية التوغل الوقوع في المواجهات في المناطق الشرقية – لكنّ تكتيك الأنفاق أحبط مخطط الاحتلال في محاصرة المناطق والسيطرة الكاملة على خان يونس، وحافظ على الترابط والاتصال بين مجموعات المقاومة كافة.

وعزّزت الأنفاق الدفاعية تنفيذ المقاومة لكمائنها النوعية في خان يونس، والتي شهد الاحتلال على قساوتها، إذ كبّدته عدداً من القتلى والخسائر في الآليات، وأحبطت المستوى النفسي والدافعية القتالية لدى الجنود الإسرائيليين.

تخرج المجموعات العسكرية من الأنفاق الدفاعية بعد انتهاء الأحزمة النارية التي يشنّها الاحتلال ليدمّر معالم المنطقة المستهدفة، وتبدأ هذه المجموعات بمواجهة القوات الإسرائيلية المتوغِلة. تعمل المقاومة على شكل زُمر، وهو تكتيك معتمد في أغلب محاور القتال تقريباً في القطاع، وتتألف “الزمرة”، كفريق قتالي، من 4 مقاتلين مجهّزين بالأسلحة اللازمة والمناسبة، وعادةً ما يتمّ تكليفها بمهمة أو مهمتين.

الطبيعة الجغرافية

سمحت الطبيعة الجغرافية في خان يونس لأن تكون مناسبة لحفر الأنفاق، وهي ذات طبيعة واضحة ومكشوفة، ومن ناحية العمران، فإنها لا تتضمّن في أغلبها المباني الشاهقة، وتتوزع كتلها السكانية على أراضيها الواسعة، فهي أكبر محافظة في القطاع وتحتل 108 كلم تقريباً.

ضمّت خان يونس، النفق الذي شكّل “صدمة للاحتلال، وحُفر بأيدي مجاهدي القسّام”، وفق ما كشف المتحدث باسم الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية- حماس أبو عبيدة عام 2013، وحينها كان الاحتلال يتحدّث عن نفق بطول 800 متر، يمتدّ من شرقي خان يونس ويتجاوز الأراضي المحتلّة بعمق 100 متر، وعلى عمق 20 متراً تحت الأرض وبارتفاع مترين. كما تحدّث الاحتلال عام 2018 عن نفق آخر في مدينة خان يونس.

وشهدت المنطقة الشرقية لخان يونس إحدى أهم العمليات في تاريخ المقاومة: عملية “حدّ السيف” والتي قادها الشهيد القائد في كتائب القسّام نور الدين بركة، وحينها تمكّن القائد ومجموعته من اكتشاف محاولة تسلّل قوات من وحدة “سيريت متكال” التابعة لـ جيش الاحتلال داخل القطاع عام 2018.

ألوية إسرائيلية تخسر

في معركة “طوفان الأقصى” وقعت أكثر من 4 وحدات تابعة لـ جيش الاحتلال في كمائن المقاومة الفلسطينية في خان يونس: وحدة “إيغوز” وهي متخصصة في حرب العصابات وفي القتال في التضاريس المعقدة، تحتوي الوحدة على قسم مسؤول عن إيجاد الحلول الإبداعية والابتكارات التكنولوجية للمشكلات التي تنشأ في الميدان.

وقعت إلى جانب “إيغوز” وحدة “ماجلان”، وهي وحدة “كوماندوس” مهمتها العمل في عمق أراضي “العدو” مع التركيز على مهاجمة أهداف محددة وتدميرها وجمع معلومات استخبارية دقيقة.

سلاح المدرعات لحقت به الخسائر في خان يونس، حيث شارك اللواء “السابع” في جيش الاحتلال في المعارك البرية هناك، ويعمل بشكل رئيسي على تشغيل الدبابات، وكتيبة المشاة (الكتيبة 450) تكبّدت العديد من القتلى في خان يونس مطلع شهر آذار/مارس 2024.

انحصرت سيطرة الاحتلال في خان يونس، كما في كلّ مناطق غزّة، على السيطرة الجوية فقط، بيد أنّ “التفوق الجوي” لم يسمح للاحتلال بحسم المعركة، فالبرّ لأهله على امتداد 108 كيلومترات في محافظة خان يونس، وعلى طول 365 كلم من كلّ قطاع غزّة.

المصدر: الميادين