مقالات

قصتي من الفقر والحرمان .. الى حب العلم والوطن

كتب أحمد الصفدي

بدأت قصتي من ايام الطفولة المبكرة.. حينما ترعرعت في اسرة فقيرة جدا في حي السعدية في البلدة القديمة ، القدس .. لاب مريض بالشلل وام بسيطة وامية من ناحية التعليم. تعثرت كثيرا في حياتي وكنت اكره التعليم والمدرسة.. فالعقاب المستمر من المعلمين نتيجة عدم حل واجباتي قلا احد يساندني في التعليم ودوما كان المعلمين ينعتوني ( كسلان ، ما بتفهم ) حتى أصبحت عندي قناعة عن نفسي بذلك .. فلم انتبه لاي حصة، حتى رسبت في الصف الثالث في مدرسة العمرية … لكن هذا الرسوب جعلني افهم الدروس نوعا ما حتى الصف الرابع بالقوة ” ومن الخوف من العقاب تعلمت جدول الضرب” .. وكنت ضعيف بالقراءة والاملاء واللغة العربية .. حتى الصف السادس كنت متوسط التحصيل

في يوم من الايام كنت اطل من نافذة صفي السادس واخي الحبيب امجد رحمة الله عليه كان يصغرني ثلاث سنوات جاء يركض وهو حافي القدمين ويبكي ويقول ابي توفى .. بعدها شعرت بالإحباط والضعف والانكسار ، وكان اعمامي صبري ومحمد يتعلمون خارج الوطن . .. وتحديدا محمد الذي كان يدرس علم النفس بروسياو حينما يعود للزيارة بين السنوات الدراسية يقضي معظم اوقاته عنا في البيت ، ويساهم بمتابعتنا وتدريسنا وتشجيعنا وتقويتنا على الحياة وحب الوطن رغم ظروف القهر والحرمان ، فكان نموذجا للشاب المكافح الذي ولد من رحم المعاناة .. ليكمل دراسته .عمي بعيد في روسيا … قررت ان اترك الدراسة واتسرب من المدرسة .. حتى حضر لزيارتنا ابن خالتي وحيد المالكي. كان يدرس المحاسبة في جامعة بيرزيت .. شجعني للذهاب للمدرسة. بعد ان بدد مخاوفي من العقاب الجسدي بسبب عدم فهم الرياضيات .. اذكر جيدا ذاك اليوم وتحديدا درس الكسور المكافئة كانت بمثابة الالغاز بنسبة لي .. جلس بجواري وبهدوء فهمني الواجب وطريقة الحل. ذهبت فعلا في اليوم الثاني للمدرسة .. رفعت يدي وحلت المسالة على اللوح ، .كانت المرة الاولى التي اقوى فيها على فك لغز الرياضيات . صفق لي زملائي ومعلمي اطال عمره موسى عبد الباسط .. نقطة التحول تلك جعلتني ادرك انني يمكن ان افهم الرياضيات .. انتبهت لها . فاصبحت افهم مباشرة من المعلم ، استمر العب بالشوارع .. كما كنت لكن بالليل افتح الكتاب واحل المسال حتى اشارك في اليوم التالي اصبحت علاماتي كاملة ومتعتي في تعلم الرياضيات لا توصف ( لا تقل عن متعتي في لعبة كرة القدم ) .

.وفكرت طالما انني افهم الرياضيات التي هي الاصعب بالنسبة للطلاب ، فاستطيع ان افهم كل المواد .. وفكرت كيف أعوض دور الاب .. الذي فقدته مبكرا بحب التعليم وتغيير وضع اسرتي .. وان انقل ذلك لأخي الاصغر من امجد .. وفعلا اصبحت ان ادرس نفسي .. واضع الامتحانات لذاتي ، كنت اتحدى ذاتي ، فلا احد يسمع دروسي ..شدت وشدت حتى اصبحت مصدر منافسة على المرتبة الاولى والثانية في الصف.

. انافس زملائي وائل ابورميلة … واحمد ابو سالم … اذكر جيد كل عبارات التحفيز التي اطلقها المعلم الفاضل علي الخطيب حينما قال عندما قرر احمد ان يشد ( شد الحبل بكل قوة) . حينها تغيرت حباتي وانتقلت من مدرسة العمرية الى الايتام الثانوية .. والارتباط بالدراسة واللعب مع زملائي في المسجد الاقصى المبارك وحب الوطن من المعلمين والدفاع عن الأقصى .. والتفوق الدائم خاصة في الرياضيات .. واجهتني مشاكل كثيرة في حياتي وانا في الصف السابع كنت ادخن مع زملائي الا ان عمي محمد دوما ما يرشدني بالاقناع .. فقررت ان اقلع عن التدخين ووضعت وعد لنفسي ان لا المس اي سيجارة .

.. حينها كان عمي يحكي لي عن حب الوطن .. ويشجعني على سماع الاغاني الوطنية . وكان كذلك ابن خالني وحيد المتأثر بأجواء جامعة بيرزيت .. حتى وانا صغير ( تحفر الكلمات برأسي) الاحتلال . وصفد والقدس وفلسطين .. ان ادمج مابين حب الوطن وحب التعليم .. كان عمي كل ما ياتي الى الوطن يطلب للتحقيق في المسكوبية كنت اذهب معه واساله لماذا ذلك .. حتى فهمت التحقيق منذ صغري ودوافعهم لعرقلة مسيرة التعليم لطلبة فلسطين . هذا اكد لي على أهمية العلم .

اخيرا عمي تخرج من روسيا وعاد الى القدس ..ليعوضنا انا واخوتي عن فقدان الاب .. هذا العم فعلا اب بكل ما تعنيه الكلمة رفيق وقائد حقيقي فعلا وليس كلاما .. مثقف واعي وصلب .. قهر الفقر وتقدم وتطور .

.. كيف لي ان اسير على طريقه .

وانا في الصف التاسع . انطلقت الانتفاضة الاولى .. وكانت حارة السعدية بكل شبابها وفتياتها شعلة من النضال الوطني لأشارك انا واصدقائي في الطفولة وتحديدا عرابي الرشق واخوته فارس وماجد .. واخي الحبيب امجد ..كنا صغار .. لكن حب الوطن اصيل فينا تطورت النشاطات . وانتقلت للعمل الاكثر تنظيما وسرية . اذكر مواقف حقيقية جعلنا اكثر صلابة ومواجهة وتحدي .. اذكر حينما كنت مطلوب للتحقيق حينما كنت انام عند ام المناضلين عمتي الحبيبة ام نمر الصفدي في جبل الزيتون ، كان ابنائها سمير ومنير في السجن ونمر في التحقيق وعمي محمود مطارد…

جاءت مخابرات الاحتلال الى منزلهم. لتعتقل عمي محمود .. اعتقلوني.. لكن عمتي المثقفة الجدعة – بنت البلد بثت في روح الشجاعة وكسر حاجز الخوف والبستني من كل شي اثنين .. لتقوني على برد الشتاء القارص .

رغم رهبة الاعتقال والضرب في جيب الجيش الا انني كنت قويا بكلماتها وبممارستي الكراتية تدريبا بأشراف معلمي الاستاذ ضرغام عبد العزيز .. فعلا استطعت الصمود واطلق سراحي … واستمرت ٣ سنوات .. الى ان اعتقلت بتاريخ 11\12\1989 الى زنازين الاحتلال استخدم كافة اشكال التحقيق ..حتى التهديد بالقتل .. والعصافير .. والعملاء .. لا انكر كان التحقيق صعب جدا ، والفجوة مابين ما درست والواقع ، وقلقي على الدراسة .. وعلى الاهل الا ان ما قرات من المواد الثقافية والقصص المروية من من المناضلين جعلت الانتصار حليفي ليطلق سراحي من المحكمة واواصل طريقي الى ان يعتقل عمي محمد ابو لانا . ويتعرض لا بشع اساليب التحقيق .. الا انه كان سياجا منيعا وعصيا عن الكسر .. ثلاثة اشهر.. في التحقيق ..لم تكسر ارادة هذا النموذج الصلب ..تعرض رفيقي عرابي للاعتقال .. وفي اليوم الثاني ورغم كل دهائهم وقدرتهم لم تستطيع الامساك بي .. هربت من البيت .. الى كفر مالك بلد امي وخوالي … 18 يوم من المطاردة والبعد عن الدراسة في صف 11 علمي .. عدت الى القدس واعتقلوني من الببت كل اساليب التحقيق القاسي ..والشبح والعصافير لم تفلح معهم بنزع الاعتراف من اصغر شبل كن مجموعة 90 شخص من سياج الانتفاضة .

.. حتى خبرة رئيسهم ابو نهاد الذي ركز على التحقيق معي .. كل الوقت يريدون اعترف على عمي حتى يتحول من الاداري الى قضية .. لكن هذا ما دفعنا ان اازداد صلبة وقوة ( واعمل بمبدأ الاعتراف خيانه ..وان اقسم ان لا امسك اي قلم باي تحقيق …حكم علي ان وصديق الطفولة عرابي 3 سنوات في المحكمة العسكرية باللد .. لا مضي الثلاث سنوات عند الاشبال في المساهمة بتأسيس الحباة الاعتقالية والثقافية مع رفاقي واخوتي الذين اعتز بهم خاصة حمدي اسكافي ورفيقي الله يرحمه بلال هادية الشيخ من الثوري ( موطن عائلة دار سيدي) .. كنت اهتم بتثقيف الشباب وبالجلسات ولعب الرياضة تحديدا الكراتية وتنس الطاولة .. ولعبة الشطرنج .. التقيت بزملاء اعتز بهم مثل رياض عكة و كاظم ابو خلف والمحامين القضماني وطارق برغوث فك الله اسره … ورفاق واخوة لن انسى اي احد منهم … كنت اهتم بدراسة مواد التوجيهي الى ان تقدمت ونجحت بالحصول على توجيهي ادبي .. الا ان طموحي بدراسة الهندسة وتحديدا بجامعة بيرزيت -جامعة الشهداء .. اطلق سراحي بتاريخ 5/4/1993 .. كانت حارة السعدية متغيرة علي .. لكن اجمل شي ان التقي اهلي امي اخواتي وصديقي عرابي الذي حرمت من ان التقي به في سجن واحد … وكانت اجمل رحلة معه الى المسجد الاقصى المبارك .

. وكانت اصعب ليلة علي ولكنها محفورة في الذاكرة . حينما نام اخي امجد لجانبي ليستمر بالبكاء طوال الليل .. واقول له بدي اياك تكمل الدراسة .. وتدرس محامي لتدافع عن ابناء الوطن … وفعلا ايام قليلة توجهت لجميع مدارس القدس .. خافوا ان التحق عندهم من الناحية الأمنية ومن انخفاض التحصيل …الا مدرسة الايتام الثانوية .. كان المدير متخوف ان التحق انا وزميلي كاظم ابو خلف .وان اؤثر على تحصيل المدرسة هبوطا ( نسبة النجاح ) . كيف لي ان ادرس توجيهي علمي وانا لم اكمل بعد دراسة صف 11 ، قررت ان اخذ دورة للمواد في الزاوية الهندية باشراف اتحاد المعلمين ..وكان يعلمني الاستاذ امجد ابو الخيران .. عبد الجبار سمارة والاستاذ احمد بدر وسامي عبد الكامل .. كانت لي فرصة للتغلب على فجوة المادة الدراسية .. عزلت نفسي تماما عن السياسة .. والعمل الاجتماعي .. استطعت ان اثبت جدارتي وان اثبت نفسي ضمن طلاب الايتام الثانوية .. وان اتفوق على القسم العلمي وكاظم على الادبي … كنت اكرس ساعات طويلة .. حصلت في الفصل الاول على معدل 82 راجعت طرقي وقللت ساعات الدراسة .وركزة على نوعية الدراسة والفهم والتحليل . وفعلا كانت المنافسة شديدة مع شباب وفتيات القدس … ففي الدورات كانت اشد منافسة لي من الاخت والزميلة هنادي المؤقت ..وفي المدرسة ايضا الا انني استطعت ان احصل على معدل 94 ليصبح معدل 88 كافي لدخول الهندسة في جامعة بيرزيت التي اعشقها .. كيف ادمج بين الدراسة ومجلس الطلبة والعمل لانفق على دراستي ..رغم كل الصعوبات والمحطات وخاصة استشهاد الأخ الشهيد ياسر عبد الغني رحمة الله عليه .. فكرت للحظة ان اترك الدراسة الا انني اقسمت ان اكمل تعليمي ، وان اتخرج من الهندسة تحديدا ..هي تجربة رائعة بالعمل الطلابي في كتلة الوحدة الطلابية والمساهمة في توحيد جهود كتل اليسار بالقطب الديمقراطي .. والتصدي للقضايا المطلبية والنشاطات الطلابية ..ودورنا في هبة النفق وانتفاضة الاقصى ..والتصدي لمشكلة جوسبان .. ايام صقل الشخصية والاضافة الفعلية والتفاعل مع الاخوة والرفاق في العمل الطلابي .. ايام محمود النجار ويوسف حبش والمناضلين فك اسرهم سامر العربيد واعتراف الريماوي وشادي ابو جراد ومليحة المسلماني وفداء توما وشادي ابو الهوى ورائد رضوان .. وجمال الجواريش .. ناصر القطامي ووليد وهدان .. ولؤي الحواش وزياد خليف وابراهيم عياد وثائر وموسى شقير ومازن العجوري .وحلمي وبدر الاعرج واسيد الشنطي وعبد الله الخطيب والقائمة تطول .. شباب وفتيات يربطنا بهم حب العمل من القلب -حب الجامعة -حب الوطن ..

هؤلاء لا يمكن ان ننساهم ابدا .. ، كان قلبي في القدس وبيرزيت .

. اغلقت الضفة الغربية ولم يستطيع المعلمين مثل استاذ الرياضيات سليمان غنام ان يصل للمدرسة .. فقررت ان ادرس عنه الرياضيات تطوعا رغم انني ما زلت طالبا ، والاهم من الدراسة ان أكون نموذجا لابناء البلد – اننا نستطيع .. وفعلا اصبح منهم مهندسين مبدعين مثل محمد هديب ومصطفى فراح … حينها اكمل اخي امجد التوجيهي و المحاماة . وتخرجت من الجامعة ودرست سنة واحدة ب عد تخرجي في مدرستي الاصل الايتام الثانوية .. لاتعرض للاعتقال بعد في الانتفاضة الثانية . ويحكم علي ٣٠ شهرا امضيتهم في تدريس الشباب اللغة الانجليزية والرياضيات والاشراف على امتحان التوجيهي .. عاقبني الاحتلال بالتنقل لاكثر من عشرة سجون خلال الفترة القصيرة نسبيا ، لكن قدرتي على التأقلم والالتقاء بمناضلين .. اعتز بهم وكان منهم الشيخ صالح العاروري .. وسامر العيساوي ومراد عبيد وحسن وحمزة درباس ولؤي عودة وشادي الشرفاء وخالد الحلبي ..واخيرا عمي محمود ونمر .المحكومين متذ الانتفاضة الاولى .واحمد عميرة وعلاء العلي وجهاد عبيدي وياسين ابو خصير ورافت العروقي …وصديقي الغالي راسم عبيدات ..والعديد العديد .. اطلق سراحي عام 2005 لاواصل عملي في التعليم كمدرس رياضيات توجيهي في مدرسة عمر بن الخطاب .في صورباهر ..وافتخر بنجاح جميع الطلاب وتفوق العديدين الرياضيات ليصبح منهم محامين واطباء ومهندسين … وفي ذات الوقت قررت ان انفض الغبار عن مؤسسة ايليا واحولها لمركز اعلامي يخدم مدينة القدس بدعم بداية من صديقي الغالي مازن الجعبري الذي عملت معه من خلال دائرة تنمية الشباب وان ابني ذاتي واتزوج رفيقة دربي تهاني ام حسين .. الفتاة البسيطة المتعلمة من يافا الأصل ومن حي الواد تحديدا فعلا استطعنا ان ننجز مؤسسة ايليا للاعلام الشبابي وان نقدم خدمات للشباب والمؤسسات ولاقتصاد القدس ليستشهد اخي المحامي امجد صفدي بعد تعرضه للتعذيب على خلفية زيارته للاسرى هذا الامر كان الاصعب علي .. فهو ليس رفيقي بل اخي وصديقي .ورفيق طفولتي ..خبر مزلزل ان نفقد المحامي المدافع عني وعن ابناء البلد باخلاص .. كيف لا وهو معتقل سابقا ويشعر بنا . الشاعر مرهف الاحساس..رحمة الله عليه .

وركزنا في ايليا بعدها على هموم البلد .. الشهداء والاسرى وتوثيق احداث البوابات الالكترونية لم يروق ذلك للاحتلال ..فاقدم على اغلاقها بقرار سياسي وامني من لبيرمان سيء السمعة ، لكن واصلنا خدماتنا ولم نستسلم من خلال العمل بالأعلام الحر ، ومواكبة اعلان ترامب المشؤوم للقدس عاصمة للكيان ونقل السفارة الامريكية واعتقالنا انا ورفيقي راسم لعشرات المرات . من عشاء الصحفين والنشاط الروسي .. والاقصى وباب العامود و صلاح الدين .. .

واصلت مسيرتي التعليمية واستطعت ان اتفوق واحصل على ماجستير الاقتصاد من جامعة القدس – تحديدا في التنمية بالعناقيد الاقتصادية ..والتحقت بجامعة تونس المنار لبرنامج الدكتوراة . وان اعمل بتخصصي الذي احب الهندسة لخدمة بيوت ومدارس البلد والمدينة .

هذا ملخص قصتي اهديها لعمي محمد ولاسرة الصفدي جميعا ولمعلميني في العمرية والايتام وجامعة بيرزيت والمنار ولكل من يضيء الطريق لطفل مهمل يعاني الفقر .. والحرمان .، لطلبة التوجيهي . لكل من يحب القدس وفلسطين .

.. ان يواصل الكد والكفاح ليكمل تعليمه وخدمة مجتمعه .