لبنان ينجو من فتنة بعد مقتل مسؤول في حزب القوات اللبنانية

استقطب مقتل منسق القوات اللبنانية في جبيل باسكال سليمان صدارة الاهتمام في لبنان الذي نجا من الانجرار إلى فتنة مسيحية شيعية أو إلى فتنة مع النازحين السوريين، وتقدّمت على أخبار المواجهات على الجبهة الجنوبية التي شهدت تواصلاً للقصف الإسرائيلي على بلدات يارون وأطراف دبل وطيرحرفا وسهل مرجعيون، فيما استهدف حزب الله ثكنة زبدين في مزارع شبعا بالأسلحة الصاروخية وتحركاً لجنود إسرائيليين في محيط موقع جل العلام، وأعلن عن إسقاط جنود بين قتيل وجريح وتدمير ميركافا بعد تنفيذ هجوم ناري على ثكنة دوفيف، إلى جانب استهداف مواقع رويسات العلم في تلال كفرشوبا والرادار في مزارع شبعا وجهاز التشويش على المسيّرات في موقع العاصي بمسيّرة انقضاضية.

وفي ما يتصل بقضية المسؤول القواتي، فقد تسلمت قيادة الجيش جثته من السلطات السورية ونقلتها إلى المستشفى العسكري للكشف عليها استكمالًا للتحقيقات، على أن تسلَّم إلى ذويه بعد ذلك. وفور اجتياز الموكب الحدود السورية اللبنانية في سيارة للصليب الأحمر اللبناني استُقبل في بلدة القاع ذات الاغلبية المسيحية بقرع الأجراس والمفرقعات النارية ونثر الورود وتكرر الأمر في مدينة زحلة.

وفي انتظار كشف المزيد من الوقائع حول ما رافق عملية الخطف وسبب القتل، بدا بيان الجيش غير مقنع للبعض لأنه ربط الجريمة بسرقة سيارة. وأكد وزير الداخلية بسام مولوي بعد ترؤسه اجتماعاً لمجلس الأمن المركزي “أن جريمة قتل باسكال سليمان ارتكبها سوريون وأن السيارة المُستخدمة في العملية سُرقت من الرابية قبل أيام”. وشدد على أن “البلد لا يحتمل مشاكل أكثر مما هو يواجهها، ولا يحتمل الفتن”، داعيًا إلى “التعقل والاتكال على على الأجهزة الأمنية والقضاء”، موضحًا “أننا لن نقبل إلا بكشف خيوط الجريمة كاملة وإصدار القرار العادل بحق المرتكبين”. وقال “دعونا لا نقارن هذه الجريمة بغيرها وندعو إلى مضاعفة الاهتمام الأمني في المناطق الحساسة”.

بلا أبو عدس”

ومن المتوقع أن يكشف طبيبان شرعيان على جثة سليمان، وسيشارك أطباء من مصلحة الأطباء في حزب القوات اللبنانية بعملية التشريح بعد أخذ إذن من النيابة العامة. وتعبيراً عن التشكيك بالرواية الأمنية حول عملية الخطف والقتل ومن يقف وراءها، سخر النائب القواتي بيار بو عاصي من ربط القتل بعصابة سرقة، وقال: “حتى ظهور الحقيقة لا ثقة لدي بأحد، لا بالأجهزة الأمنية ولا بوزراء الوصاية. بانتظار الحقيقة كاملة. إذا أمكن هالمرة بلا أبو عدس”، في إشارة إلى رواية أبو عدس لتضليل التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري

.من جهتها، أكدت الدائرة الإعلامية في حزب القوات اللبنانية “أن التحقيق في جريمة قتل الشهيد باسكال سليمان يجب أن يكون واضحًا وشفافًا وعلنيًّا وصريحًا ودقيقًا بوقائعه وحيثيّاته، وحتى صدور نتائج هذا التحقيق نعتبر أن باسكال سليمان تعرّض لعملية اغتيال سياسية”.

رد على نصرالله

ورداً على كلام الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله الذي اتهم القوات والكتائب بإحداث الفتن والتسبب بحرب أهلية، قال النائب القواتي السابق إيلي كيروز إن “جريمة خطف وقتل باسكال سليمان هي جريمة سياسية ولا يمكن تعميتها بتهويل من هنا واختلاق سيناريوهات من هناك”. وأضاف “أن القوات اللبنانية بشخص رئيس الحزب اعتمدت منذ اللحظة الأولى للجريمة موقفاً متحفظاً وحرصت على الدعوة إلى التروي وضبط النفس والابتعاد عن منطق الإستسهال أو الاستعجال في إطلاق الأحكام المسبقة أو الأحكام السياسية”. وتابع “غير أن الرواية الأمنية المتناقضة بكل حلقاتها حول عملية الخطف وصولاً إلى اكتشاف جثة الشهيد باسكال لم تكن مقنعة لأنها ربطت الجريمة بسرقة السيارة. إن هذه الرواية بكل فروعها طرحت تساؤلات إضافية ورسّخت القناعة بأن الجريمة ليست مجرد عملية سطو بسيطة يمكن أن تمر مرور الكرام وهو ما يذكرنا بأسلوب وجرائم سابقة”. وأكد “أن كشف الحقيقة الناصعة هو وحده يسمح بتبديد كل الشكوك بعد أن علّمت التجربة اللبنانيين أن هناك قدرة عالية على كشف ملابسات كل جريمة لا يقف وراءها حزب الله”. ورأى “أن العودة إلى أحداث عين الرمانة في كلمة الأمين العام تعيد إلى أذهان اللبنانيين تلك المظاهرة المدججة بالسلاح والتي انحرفت قصداً وعمداً عن مسارها الطبيعي لتصُب في شوارع عين الرمانة مع كل الشعارات والهتافات الاستفزازية والفتنوية”. وختم “إن مخاطبة المسيحيين لا تكون بالإصبع المرفوع للأمين العام والذي بدا في لغة الجسد متوتراً وخارجاً عن هدوئه المعهود. إن المسيحيين واللبنانيين يسألون اليوم إلى أين يأخذ حزب الله لبنان واللبنانيين وحكومة لبنان؟ إن أكثرية اللبنانيين باتوا يرفضون تبعية حزب الله للجمهورية الاسلامية في ايران وكل حروبه العبثية البعيدة كل البعد عن لبنان الدولة والكيان والجمهورية والدستور والعيش المشترك والشراكة…”

.بدوره، جدّد حزب الكتائب مطالبته بكشف من حرّض وخطط ونفّذ الجريمة، وقال “مؤسف ومضلل ما سمعه اللبنانيون من أمين عام حزب الله من خطاب الاستهزاء ورفع الإصبع بوجه شريحة كبيرة من اللبنانيين المتمثلة بالمقاومة اللبنانية التي قاومت ودافعت عن لبنان بوجه جيوش ومنظمات محتلة على عكس مغامرات نصرالله الذي يجر لبنان إلى حروب لا علاقة له فيها تلبية لطموحات إيران ومصالحها في المنطقة”. ولفت إلى “أن كلامه الذي ساق فيه عمدًا سلسلة من التعميات والمغالطات في الحاضر والماضي ينم، أبعد من الحادثة المشؤومة، عن ضيق صدرٍ من مواقف الكتائب وكل من يقف في وجه مشروعه الذي لم يجر على لبنان واللبنانيين سوى الويلات والحروب والمآسي”، مؤكداً “أن هذه التصاريح، وفي هذه الأوقات بالذات تزيد من الشرخ الحاصل بين اللبنانيين وترسخ الشعور العام بأن حزب الله ينفصل أكثر من أي وقت مضى عن الدولة اللبنانية والشراكة فيها، فليتحمل نصرالله مسؤولياته”.

بكركي وضبط النفس

وفي محاولة لاحتواء التوتر وشرح ظروف الجريمة، زار قائد الجيش العماد جوزف عون البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الذي سيترأس شخصياً مراسم دفن سليمان عصر الجمعة في كنيسة مار جرجس في جبيل. وبعد الزيارة صدر عن مكتب الإعلام في الكرسي البطريركي بكركي بيان تعزية جاء فيه: “بألم كبير تلقيت ككل اللبنانيين المخلصين مأساة خطف واغتيال العزيز بسكال سليمان منسق حزب القوات اللبنانية في قضاء جبيل، في غضون أقل من 24 ساعة. وكنا نأمل جميعًا ان يكون حيًّا، وهذا ما قيل في البداية. ولكن الحقيقة المرة كانت غير ذلك. فعمدت إلى الصلاة لراحة نفسه وعزاء عائلته الجريحة بسيف الألم، ورفاقه في حزب القوات اللبنانية وعلى رأسهم الدكتور سمير جعجع رئيس الحزب. في هذا الظرف الدقيق والمتوتر سياسيًا وأمنيًا واجتماعيًا ندعو إلى التروي وضبط النفس، طالبين من القضاء والقوى الأمنية القيام بالواجب اللازم وإنزال أشد العقوبات بالمجرمين، ونطلب من وسائل الإعلام مشكورة عدم إطلاق تفسيرات مغلوطة وتأجيج نار الفتنة”، مضيفاً “ان زوجته المفجوعة أعطت اللبنانيين امثولة عظيمة بردة فعلها: “نحن أبناء القيامة، أبناء الرجاء”. ولم تتلفظ بعبارة ثأر أو قتل. حمى الله لبنان وشعبه من الأشرار”.

وكانت وسائل إعلام قريبة من حزب الله حمّلت البطريرك الراعي مسؤولية في الطلب من القوات اللبنانية لعدم دفع البلد نحو صدام أهلي والطلب من الجيش اللبناني التصرف بحزم مع قاطعي الطرقات وعدم تكرار تجارب تظاهرات 17 تشرين، علماً أن قيادة القوات كانت طلبت من مناصريها إخلاء الساحات وفتح اوتوستراد جبيل وضبط النفس.

وكان سيل من البيانات والمواقف سُجّل حول الحادثة من مختلف الأحزاب التي نددت بالجريمة واتصل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب تيمور جنبلاط برئيس حزب القوات سمير جعجع مستنكراً ومديناً، داعياً “إلى عدم التهاون في ضبط الأمن والاستقرار وعدم تعريض لبنان لمزيد من المخاطر”.

كما طالب رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل بضرورة كشف “الجريمة المروّعة”، وقال “من حق الجميع أن يشكوا إذا كانت الدوافع سياسية أم لا”، مشدداً “على ضرورة استخلاص العِبر وعدم ضرب الدولة بمخططات خارجية وداخلية لأن منطق الدولة وحده هو خشبة الخلاص”، داعياً “إلى عدم استسهال الأمن الذاتي وتطبيقه”.