مراقبون إسرائيليون: التصعيد مع “حزب الله” قد يشعل حرباً كبرى لسنا مستعدين لها

بعد مشاهد النار والدخان في كلّ الجليل الأعلى، نتيجة قصف “حزب الله” المتواصل والمتصاعد في الأيام الأخيرة، دعا بعض الوزراء والمراقبين الإسرائيليين لشن حرب واسعة على “حزب الله”، وإزالة التهديد على مستوطنات الشمال، وتمكين سكانها النازحين من العودة لها، واستعادة إسرائيل هيبتها وقوة ردعها.

في المقابل؛ يقول مراقبون إسرائيليون إن حرباً في الشمال من الممكن جداً أن تتسع وتصبح إقليمية، وتهدد إسرائيل تهديداً وجودياً، مثلما يذكّرون بأن العدو الأكبر هو إيران، التي تستفيد يومياً من انصراف إسرائيل عنها نتيجة الحرب.

إسرائيل لا تبدو راغبة وقادرة على خوض حرب مع “حزب الله” الآن، وهي تكتفي بتهديدات وتصريحات

في التزامن، وبعد تهديدات قائد جيش الاحتلال، وبعض الوزراء، بحرق لبنان و”حزب الله”، اجتمع مجلس الحرب، ليلة أمس، للنظر بالأساس في هذا التصعيد مقابل “حزب الله”، ولم يعلن بعد أي قرار اتخذ فيه، ومن غير المستبعد أن يكون اجتماع مجلس الحرب هو هدف بحد ذاته من أجل إرسال رسالة للإسرائيليين بأن القيادة تفعل شيئاً ما، لكن إسرائيل لا تبدو راغبة وقادرة على خوض حرب مع “حزب الله” الآن، وهي تكتفي بتهديده من خلال هذا الاجتماع، ومن خلال تصريحات ساسة وعسكريين بارزين.

“نبي الغضب”

وضمن تحذيره، يقول الجنرال في الاحتياط يتسحاق بريك إنه إذا استمرت إسرائيل في هذا الطريق، فلن تستطيع العودة إلى الوراء، وهي بالتأكيد تسير إلى داخل الظلمة والكآبة.

ويضيف: “حالياً، قال نتنياهو لبن غفير، في لقاء معه، إن الاتفاق الذي تحدّث عنه بايدن لا يشمل وقفاً للقتال، وعملياً، هو يلمح، منذ الآن، لـ “حماس” إلى أنه عندما نصل إلى وقف القتال، نحن لن نوافق، وبهذا الكلام، يُتوقع أن ترفض “حماس” الصفقة مسبقاً.

وكي نفهم حجم المأساة التي نحن فيها سأقدم إليكم باختصار ما يمكن أن يحدث لنا في حرب شاملة إقليمية، ربما لسنا مستعدين لها بتاتاً، ولا يوجد اليوم من يوجّه المواطنين الإسرائيليين كي يستعدوا لها، وهي حرب يمكن أن تحدث بسرعة أكبر كثيراً مما نعتقد، ونحن الآن في خضم حرب تشكل تهديداً وجودياً مباشراً على إسرائيل”.

ويدلل على هذه الرؤية بالإشارة إلى ما هو متوقع في مثل هذه الحرب: يومياً، سيطلق العدو أكثر من 3000 صاروخ ومسيّرة على الجبهة الداخلية، وعلى التجمعات السكانية، وسيبذل جهده لضرب البنية التحتية القومية، أي محطات المياه والكهرباء والوقود والغاز والمواصلات، والصناعة، بالإضافة إلى معسكرات الجيش في البر والجو البحر، وسيدمر الدولة”.

بريك: هي حرب يمكن أن تحدث بسرعة أكبر كثيراً مما نعتقد، ونحن الآن في خضم حرب تشكل تهديداً وجودياً مباشراً على إسرائيل

ويقول بريك إن تدمير مستوطنات الشمال هو لا شيء مقارنة بالدمار الذي ستسبّبه حربٌ إقليمية شاملة على ستة قطاعات في آن معاً، ومن يتابع الدمار في مستوطنات الشمال، يدرك أنه ليس لدى إسرائيل دفاع حقيقي في مواجهة صواريخ وقذائف ومسيّرات “حزب الله”، وليس لديها ردّ على إطلاق الصواريخ على إسرائيل في حرب إقليمية واسعة النطاق في الشرق الأوسط، من سوريا، وإيران، ومن الميليشيات العراقية الموالية لإيران في العراق وفي اليمن”.

حرب على ست جبهات

ويحذّر أيضاً أنه في البر ستنشب الحرب في ستة قطاعات: لبنان، وسوريا، والميليشيات الموالية لإيران على حدودنا مع الأردن، والتي يقوم الإيرانيون بإنشائها هناك، وفي الضفة الغربية، وفي قطاع غزة. منبّهاً إلى أن هذا من دون الحديث عن مصر التي تحوّل اتفاق السلام معها إلى ورقة غير ذات صلة بالنسبة إليها، ولن تتردد في المشاركة في الاحتفال.

ويتساءل كيف سيتمكن الجيش من القتال على ستة قطاعات في آن معاً، على الرغم من خسارتنا في حربنا ضد “حماس”، والتي سببها التآكل الذي طرأ على سلاح البر في العقود الأخيرة.

ويتوقف بريك عند ضعف إسرائيل اليوم، فيقول إنه ليس لدى إسرائيل “النَفَس الطويل” المطلوب في حرب إقليمية شاملة، لوجود نقص شديد في الذخيرة وشتى أنواع السلاح، ونقص لوجستي، وصيانة الجيش جرت خصخصتها، وتسلّمتها شركات مدنية، وهي ليست قادرة خلال الحرب على تأمين التزود بالوقود والذخيرة والغذاء والمياه وقِطع الغيار للقوات الحربية.

تايتانيك إسرائيلية

كما يشير بريك، في تحذيراته المتكررة منذ شن هذه الحرب المتوحشة على غزة، الموشكة على دخول شهرها التاسع، إلى أن الجبهة الداخلية الإسرائيلية التي ستكون هدفاً أساسياً لصواريخ العدو ليست مستعدة لمواجهة حرب إقليمية شاملة.

ويقول إن سكان تل أبيب الكبرى الذين يعيشون كما لو أن شيئاً لا يحدث، ويواصلون حياتهم الطبيعية ويملؤون المطاعم والمقاهي يذكّرونني بركاب سفينة “التايتانيك” وهي في طريقها إلى الاصطدام بجبل الجليد، وأنصح هؤلاء بأن يتحدثوا إلى سكان كريات شمونة الذين بقوا في البلدة وذاقوا طعم القصف الشديد.

ويتابع: “على الرغم من هذا كله، لا يزال في إمكاننا تغيير المعادلة، ولدينا حلول قدمتها مع خمسة طواقم من الخبراء شكلتهم إلى كل صناع القرار في الدولة: رئيس الحكومة، والوزراء، ورئيس مجلس الأمن القومي، ورئيس لجنة الخارجية والأمن، والوزير غالانت، ورئيس الأركان هرتسي هليفي. وكلهم حصلوا على الحلول التي اقترحناها لهم، لكنهم لم يفعلوا شيئاً”.

التغيير الفوري

بريك، المعروف في إسرائيل بـ “نبي الغضب” لتوقعه السابع من أكتوبر منذ سنوات، يرى أن التغيير الفوري للمسؤولين عن تقصير السابع من تشرين الأول/أكتوبر، من المستوى السياسي والعسكري، وتأليف حكومة جديدة، هو وحده القادر على إعادة القطار إلى السكة، ويتساءل خاتماً بالقول إن الوقت قصير، ويوجد عمل كثير من أجل الاستعداد للآتي، وإذا لم نبدأ الآن، فمتى؟

عاموس جلعاد: الحل للمأزق الإسرائيلي يكمن بقبول الصفقة الكبرى، وترتيب الأوراق مع لبنان، والذهاب لتطبيع

ويتقاطع مع بريك، الجنرال في الاحتياط، رئيس القسم الأمني السياسي الأسبق في وزارة الأمن عاموس جلعاد، الذي قال للإذاعة العامة، صباح اليوم الأربعاء، إن الحل للمأزق الإسرائيلي يكمن بقبول الصفقة الكبرى، وترتيب الأوراق مع لبنان، والذهاب لتطبيع.

ويؤكد جلعاد أيضاً أن إسرائيل غير ناضجة أو جاهزة الآن لدخول الحرب كبيرة ضد لبنان و”حزب الله”. وهذا ما يقوله أيضاً مستشار الأمن القومي السابق الجنرال في الاحتياط غيورا آيلاند، معتبراً أن طريق الانتصار الآن تعني صفقة كبرى، وفي نظرة للخلف يقول إن النتائج اليوم تفيد بأنه كان من الأفضل لو أن إسرائيل لم تشن هذه الحرب بعد السابع من أكتوبر.

ويحذر هو الآخر من حرب واسعة في الشمال الآن، ويقول، كما قال عن غزة، إنه إذا كان ولا بد من ذلك فينبغي مهاجمة لبنان وبناه التحتية والفوقية، وليس “حزب الله” فحسب.

ويتبعهما محلل الشؤون الاستخباراتية الإسرائيلي يوسي ميلمان، الذي قال لـ “راديو الناس” (إذاعة عربية تبث من الناصرة داخل أراضي 48)، الذي يقول إن إسرائيل تجد نفسها اليوم داخل مصيدة لأن الحرب في غزة لم تحقق أهدافها، ولم تنته، رغم طولها غير المسبوق، ولأنها أمام تصعيد تحتاج للرد عليه دون دخول حرب واسعة، وهذه معضلة أمام الجيش ومجلس الحرب.

ويرى ميلمان أيضاً أن الحل الأمثل يتمثل في وقف الحرب في غزة، لأنه سيوقف الحرب في الشمال، ويعيد مخطوفين، منبهاً إلى أن التصعيد مع “حزب الله” سيفضي لحرب شاملة خطيرة.