سر الإبادة والإرهاب الصهيوني في وصايا الرب المكذوبة

كتب خالد الفقيه

في تطور طبيعي من عمر الكيان الصهيوني الذي بدأ كفكرة قائمة على الشفقة والدسيسة والتآمر خدمتها أسطورة المحرقة النازية بما حملته من وهن وتضخيم استثماري، وصل هذا الكيان للحظة التي يكشف فيها ما كان يضمره عن العالم من مفاهيم وعقائد دافعها الإبادة والجرائم ضد الإنسانية، وهي جرائم لا تشبه ما عرفه التاريخ البشري لأنها تمتاز بأنها تنفيذ لوصايا الرب المكذوبة والتي جعلته شريكاً في الدم والإرهاب، وقد يكون من نافل القول في التأسيس لهذه المقالة أن قادة الكيان الحاليين من بتسلئيل سموتريش وإيتمار بن جفير وغيرهما، حتى ببنيامين نتنياهو إندفعوا قاصدين للكشف عن تعاليم منسوبة لرب “إسرائيل” دون خجل في تخطيط وتيسير الذبح والحرق والدمار وبإشراف منه.

فحروب الصهاينة في فلسطين منذ ما قبل عام 1948 والتي لم تنطفىء نارها حتى اليوم وتبدت بابشع صورها في العدوان على غزة علانية وفي الضفة بصورتها الصامته تكشف عن تنفيذ تعاليم الإبادة التي وردت في الوصايا الربانية المكذوبة والتي أصلت لأن تكون الدعوة الإبادية الأولى في التاريخ لشعب فلسطين وعلى لسان الرب في توجيهه لموسى ويوشع بن نون ومن تلاهما.

فالآيات من 13-19 من سفر الخروج تقول ما نصه على لسان موسى مخاطباً ربه، “ترشد الشعب الذي فديته، تهديه بقوتك إلى مسكن قدسك. يسمع الشعوب فيرتعدون، تأخذ الرعدة سكان فلسطين، حينئذ يندهش أمراء أدوم. أقوياء مؤاب تأخذهم الرعدة، يذوب جميع سكان كنعان. تقع عليهم الهيبة والرعب. بعظمة ذراعك يصمتون كالحجر…” وجاء الاصحاح الثالث والعشرين ليفسر فيه الرب معنى الذوبان المقصود في توجه مقصود لجعل الرب شريكاً، “فإن ملاكي يسير أمامك ويجيء بك إلى الأموريين والحثيين والفرزيين والكنعانيين والحويين واليبوسيين فأبيدهم. لا تسجد لآلهتهم ولا تعبدها ولا تعمل كأعمالهم بل تبيدهم وتكسر أنصالهم” وهذا يفسر ما نراه من مشاهد وآثار يخلفها الجنود الصهاينة بعد كل مجزرة في غزة من تدمير للمساجد والمساكن وتبشيع في الجثث وتمثيل بها عدا عن الكتابات الجدارية التي يخلفونها خلفهم ومقاطع الفيديو التي يصورونها ويوزعونها.

وفي دعوته لتهجير السكان وابادتهم والذي نرى تراجمه على الأرض في غزة وبحق القرى والتجمعات البدوية يقول الرب في توراة الإرهاب المزعومة: ” لا تقطع معهم ولا مع آلهتهم عهداً. لا يسكنوا في أرضك لئلا يجعلوك تخطىء إلي” ويوضح ذلك في الآيات 11-13 من الإصحاح 34، ” واحفظ ما أنا موصيك اليوم. ها أنا طارد من قدامك الأموريين والكنعانيين والحثيين والفرزيين وواليبوسيين. احترز من أن تقطع عهداً مع سكان الأرض التي أنت آت إليها لئلا يصيرون فخاً في وسطك بل تهدمون مذابحهم وتكسرون أنصابهم وتقطعون سواريهم” ولعل ما جاء هنا يفسر رفض غلاة اليمين الصهيوني وقف حرب الإبادة على غزة وربما لو إجبروا فإن الوقف سيكون مؤقتاً. ففي موضع أخر جاء ما نصه “وإن لم تطردوا سكان الأرض من أمامكم يكون الذين تستبقون منهم أشواكاً في أعينكم ومناخس في جوانبكم ويضايقونكم على الأرض التي أنتم ساكنون فيها”. ولعل هذا يكفي كرسالة لكل أؤلئك الذين ينظرون للتعايش والسلام مع حملة عقيدة الإرهاب هذه.

وقد تكون الآيات 1-3 من سفر التثنية في إصحاحه السابع هي خارطة الطريق المتبعه اليوم في غزة للإبادة الجماعية، “متى أتى بك الرب آلهك إلى الأرض التي أنت داخل إليها لتمتلكها وطرد شعوباً كثيرة من أمامك الحثيين والجرجاشيين والأموريين والكنعانيين والفرزيين والحويين واليبوسيين سبع شعوب أكثر وأعظم منك. ودفعهم الرب آلهك أمامك وضربتهم فإنك تحرمهم (تبيدهم). لا تقطع لهم عهداً ولا تشفق عليهم ولا تصاهرهم. بنتك لا تعط لأبنه وبنته لا تأخذ لإبنك” ويكمل في الآية 16، ” وتأكل كل الشعوب الذين الرب إلهك يدفع إليك لا تشفق عيناك عليهم”. ولعل هذا يكفي لكل أولئك الذين إنبطحوا تطبيعاً مع الصهاينة لكي ينظروا ويتفكروا بما ينتظرهم فالخارطة السرية للإبادة موضوعة منذ زمن غابر ولكنها حية في عقول من يؤمنون بأساطيرها المؤسسة التي تؤصل للفكرة بالتدريج ومن ذلك ما جاء على لسان الرب: ” ولكن الرب آلهك يطرد هؤلاء الشعوب من أمامك قليلاً قليلاً لا تستطيع أن تفنيهم سريعاً لئلا تكثر عليك وحوش البرية، ويدفعهم الرب إلهك أمامك ويوقع بهم اضطراباً عميقاً حتى يفنوا. ويدفع ملوكهم إلى يدك فتمحوا اسمهم من تحت السماء. لا يقف إنسان في وجهك حتى تفنيهم”. وفي هذا تفسير لإصرار الصهاينة على محو غزة ومقاومتها ولكأنهم باتوا على قناعة بأن لا أحد في العالم سيوقفهم في حرب الإفناء هذه، ولكن المفاجأة كانت عند من أدركوا العقلية الدافعة والمسيرة للصهاينة فوقفوا بقواهم في مواجهة إفشال الخطة والتعاليم المكذوبة على لسان الرب.

 

 

وحتى في ميدان السلام والتطبيع فإن الحيلة في إقناع الجمهور الصهيوني بذلك أيضاً مخطط لها من الرب في سير الإكذوبة كما جاء في الاصحاح العشرين من سفر التثنية الآيات من 10-15، “حين تقترب من مدينة كي تحاربها استدعها إلى الصلح. فإن اجابتك إلى الصلح وفتحت لك فكل الشعب الوجود فيها يكون للتسخير ويستعبد لك، وإن لم تسالمك بل عملت معك حرباً فحاصرها. وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف. وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة كل غنيمتها فتغتنمها لنفسك وتأكل غنيمة اعدائك التي أعطاك الرب إلهك هكذا تفعل بجميع المدن البعيدة منك جداً التي ليست من مدن هؤلاء الأمم هنا”. وبتأمل هذه الأيات المغرقة في الوحشية والسادية والتي بتفحصها تدفع للاستنتاج بأن النازية تتسم بالإنسانية بالمقارنة معها، فنراها تحض على الاستعباد والاضطهاد حتى لمن يسالموا اصحاب هذه العقيدة، أما من يقاومها فالرب يأمر ولا يقبل بغير الذبح والنهب والسلب والاسترقاق لهم وكم من قرية ومدينة ومنزل وأرض ذهبت بالسلب لهم واغتنموها وتوارثوها منذ النكبة، ولكن الآيات والوصايا تحمل ما هو أخطر من ذلك فالمشروع لا حدود له في الجغرافيا والمكان وهو توسعي إحلالي بامتياز بقوله هكذا تفعل بجميع المدن البعيدة منك جداً التي ليست من مدن هؤلاء الأمم هنا، مما يعني أن شعوباً أخرى في أقاصي الدنيا سينزل بها ما نزل بشعب فلسطين حتى أولئك الداعمين للكيان والمؤمنين بالعهد القديم بكل وصاياه وتعاليمه.

 

 

ومن صور المشهد المرئي في غزة ببشاعته هناك وصايا مسطرة تحث عليه في تعاليم التوراة ومنها الدعوة لمحو ذكر العماليق من تحت السماء بحيث يتحول الرب هنا إلى قائد ومشارك في التقتيل والتحريق والنهب والسلب كما جاء في سفر صموئيل الأول في الآيات الثانية والثالثة: “هكذا يقول رب الجنود فالآن إذهب وإضرب عماليق وحرموا (أبيدوا) كل ماله ولا تعف عنهم بل أقتل رجلاً وإمرأة، طفلاً ورضيعاً بقراً وغنماً، جملاً وحماراً”. وهم بذلك يخرجوا صورة للرب الذي من صفاته الرحمة بأنه حاقد ملء قلبه يحض على قتل الرضيع قبل الكبير والمرأة قبل الرجل ليعيد هذه المطالب من يوشع عند دخوله مدينة عاي، “فقال الرب ليشوع لا تخف لا ترتعب خذ معك جميع رجال الحرب وقم وأصعد إلى عاي. انظر لقد دفعت بيدك ملك عاي وشعبه ومدينته وأرضه، فتفعل بعاي وملكها كما فعلت باريحا وملكها، … ويكون عند أخذكم المدينة أنكم تضرمون المدينة بالنار كقول الرب تفعلون، أنظروا قد أوصيتكم”. وقد يكون هذا كاف للتدليل على أن الأمر مستمر لم يقف عند موسى بل نفذه يوشع بن نون ومن بعده لا زال السر والفعل متوارث لان الرب نبه في نهاية وصيته بأنه أوصى بها وأنها ملزمة لأجيال قادمة.