كتب محمد الصفدي // لغز نتنياهو …حرب من أجل الحرب

يتساءل كثيرون عن سلوك نتنياهو الغريب في هذه الحرب . اغلبية الطيف الاسرائيلي والحلفاء والخصوم يجمعون بان نتنياهو يمارس دورا انتحاريا تخريبيا ويسير عكس التيار مستغلا حالة روحية الحرب والتحشيد الوطني الشوفيني الداخلي والرغبات الساديه الانتقاميه العنصريه الاستعماريه الكامنه في عمق النفسيه الاسرائيليه على اختلاف اطيافها باستثناء قلة قليله جدا .

نتنياهو اضحى لغزا في سلوكه المراوغ وكذبه المركب والاعيبه المسرحيه الدراميه . تصرفاته تصعب على المحللين فهمه وقراءته بوضوح .

ما حدث هو ان نتنياهو كان قبل تسونامي اكتوبر واقعا في ورطة جنائيه وشيكه لذلك تحالف مع اليمين المتطرف وتلاعب بالقوانين الاساسيه الدستوريه للدوله مزعزعا توازناتها الداخليه العميقه وكل ذلك حتى يشعل حربا يمينية يساريه حول خطوط حمراء وموضوع مركزي بينما يبقى هو كلاعب وسط مركزي يضرب اولئك بهؤلاء ويمسك بالعصا من الوسط .

وفي خضم هذه الحرب الداخليه الدستوريه التي اشعلها لينقذ راسه وفقط راسه عمل بجهد كبير جدا من اجل نسج معادلة التطبيع مع السعوديه والعرب العاربه وتكريس مشروع القناه البديله للسويس والوصول لابار الغاز الشرق اوسطيه وطريق الغاز لاوروبا …. صفقة عظيمه من شانها حسب اعتقاده ان تمسح كل اثامه “الصغيره” وتعيد له صورته كملك لاسرائيل واخر فرسان جيل الرموز الكاريزماتيين ..

لكن حسابات الحقل شئ وحسابات البيدر امر اخر .

المقاومه وعلى راسها حماس كانت تعددالعده منذ زمن طويل لقلب الطاوله على راسه واختارت مطلع تشرين لاطلاق طوفان الاقصى بهدف تغيير مسار الاحداث في المنطقه وسد الطريق على المطبعين ومن ضمنهم السلطه الفلسطينيه المتقاطعه مع السياسه الرجعيه الامريكيه في المنطقه .

في البدايه صدم نتنياهو من هول الطوفان الصادم ولكنه كعادته فكر كيف يوظف الحدث لانقاذ جمجمته من المقصله .

حرب غزه المدمره الفتاكه التي تتناغم مع روح الانتقام الاسرائيليه حلت محل مخطط التطبيع الاقتصادي الامني الشامل مع العرب . نتنياهو استبدل الحرب بالتطبيع كوسيلة لحماية راسه . هذا ما يفسر سلوكه اللامنطقي العنيد عكس التيار . هو يرغب بالمضي بالقتال في غزه وان استطاع سيظل يحاول خلط الاوراق بالمنطقه وزج اوروبا وامريكا كما فعل مع القنصليه الايرانيه في دمشق وكما يفعل في اغتيالات بيروت .

يشن الحرب الوحشيه الاجراميه من اجل الحرب فقط ، موظفا الروح الفاشيه المتفشيه حتى النخاع في اسرائيل وروح الانتقام وانكسار المعنويات النرجسيه حتى يبطش ويقتل ويذبح . اوروبا وامريكا بابدن مضطرة لدعمه رغم الاختلاف التكتيكي خصوصا انه يقوم بعمل “مقدس ” عظيم للمعسكر الغربي : التصدي لمحور المقاومه وتدمير ذراعه في غزه وفتح الطريق امام التطبيع وطريق الغاز والتجاره البديل .

نتنياهو يعرف ان الغرب والعرب العاربه يدعمونه بقلوبهم وفي سرهم حتى وان انتقدوه علانية ! ولذلك يواصل عرقلة الصفقه ويحاول تعقيد الوضع للتشويش حتى تستمر الحرب فقد يتمكن ان صمد حتى اكتوبر من جر امريكا خصوصا ان جاء المسيحاني الصهيوني ترامب وربما ايضا يتمكن من وضع يده على السنوار وبعض الاسرى او مقر القياده والتحكم الحمساوي .

كل هذه الاحتمالات التي تداعب خياله المريض تدفعه للاستمرار متجاهلا معطيات الميدان وازمة بلاده وخسارتها الاستراتيجيه .

منطق اللامنطق النتنياهوي هو السائد حتى الان بسبب وهن وتشرذم المعارضه الاسرائيليه وعدم وجود زعامات بديله كاريزماتيه وبسبب انزياح المجتمع الاسرائيلي نحو اليمين المتطرف . لو تكتلت المعارضه وقادت الشعب ضده لسقط يسهوله لان الاذى الذي يلحقه ببلاده في كل ثانية يقضيها على راس الحكم ، عظيم واستراتيجي وبعيد المدى ،

نتنياهو يقامر في مصير بلاده لانقاذ راسه على طاولة القمار والغرب والعرب ومعهم السلطه يصفقون له ويصلون لانتصاره. رحيله الوشيك بعد هزيمته المدويه حسب راي اغلبيه المحللين سيكشف ملف جبل المؤمرات والأكاذيب والخداع النتنياهوي ولغزه المبهم الاجوف ووراء الاكمة ما وراءها.