بقلم “حمزة حماد” إسرائيل تواصل حربها على الحقيقة

حمزة حماد صحفي من شمال غزة، مسؤول التجمع الإعلامي الديمقراطي

 

في لحظة ما، ربما لم نكن ندرك حجم وتأثير بعض مقولات تلك الشخصيات التي تتحدث عن معاناة شعوبها وأوطانها، خاصة لو كانت ترزح تحت وطأة الاستعمار التاريخي الذي يهدد مصير الشعوب وحقها الوجودي، كما هو الحال في فلسطين.

هنا في غزة، تلك البقعة الجغرافية الصغيرة، وعلى مدار 300 يوم، نعيش غمار حرب ظلامية، يسود فيها القتل والإعدام، الحرق والتدمير، الاعتقال والتعذيب، التجريف والتخريب، والاجتياح اللامنقطع، أي أبشع الانتهاكات للقوانين والأعراف الدولية.

نجدها مقولات لشخصيات قدمت ثقافة عنوانها الثبات لا الرجوع، عدم اليأس أو الاستسلام، والتأكيد على عدم اسكات الصوت الحر، لكنه وجب الحذر. لذلك نبقى أمام مشهد قديم جديد من فصول حرب الإبادة في غزة وهو استمرار استهداف الصحفيين أصحاب الرسالة السامية والمُقدسة، حيث تستمر آلة الحرب الإسرائيلية في قتلهم بشكل ممنهج ومقصود، وكان آخر هذه الجرائم اغتيال الزميلين إسماعيل الغول ورامي الريفي بمدينة غزة، ليرتفع عدد شهداء الصحافة إلى (157)، وفق نقابة الصحفيين.

المراسل إسماعيل الغول، ذاك الصحفي الشجاع الذي ضل ثابتا، مُلازما لمعاناة شعبه، مُتحديا الظروف الإنسانية الصعبة، مُصاحبا لظروف الميدان، مُحبا لمهنته السامية، فأحبه شعبه. هذا الفارس، ضل ناقلا للحقيقة حتى لحظة استشهاده، رفض الاستسلام لواقع حاول فرضه الاحتلال لطمس الحقيقة واخماد الصوت، واليوم تزفه غزة أيقونة لحرية الصحافة المفقودة، فلا تُنسى عبارته الشهيرة: “لا أخجل أن أقف أمام الكاميرا وأقول أنا جائع، يسألني كثير من الأطفال عن شيءٍ ليأكلوه، وهم لا يعلمون أنني مثلهم لا أنام في الليل من الجوع”.

استوقفتني مقولة للفنان الشهيد ناجي العلي الذي اغتيل هو أيضا لأنه يرسم لأجل فلسطين، حين قال: “الي بده يكتب عن فلسطين، وبده يرسم لفلسطين بده يعرف حاله ميت.. أنا مش ممكن أتخلى عن مبادئي ولو على قطع رقبتي”.

هذا العهد والقسم المعنوي، قد جسدته جموع الصحفيين العاملين في أرض الميدان وهم ينقلون الحقيقة إلى العالم، هذا العالم الذي ما زال متفرجا ونحن نودع شهداء الصحافة أسبوعيا، وكيف ودعنا اليوم زميلين جراء استهداف سيارة مُرمزة باشارة (PRESS) و (T.V)، لكن تبقى الحقيقة فاضحة لهذا الاحتلال المُجرم، الذي ارتكب افضع الجرائم بحق المدنيين ودمر أحياء سكنية بأكملها، بل حولها إلى مناطق منكوبة، فضلا عن سياسة العقاب الجماعي في التجويع والتعطيش، والنزوح الفاقد لمبادئ الإنسانية.

لا أعلم متى ستصبح الصورة واضحة لدعاة حقوق الإنسان وحرية الصحافة في هذا العالم القبيح أمام شلال الدماء، فلم يعد مُجديا استمرار النداءات دون اللجوء إلى إتخاذ خطوات عملية لوقف هذا العدوان الغير مسبوق في استهداف الصحفيين، ومحاسبة الاحتلال على جرائمه المروعة، وضمان عدم افلات إسرائيل من العقاب باعتبارها دولة مارقة وإرهاب منظم قامت بانتهاك القانون الدولي الإنساني.

رغم أن الأمر بات واضحا لدينا كصحفيين في قطاع غزة، بأن الاحتلال الإرهابي ما زال يحظى بموافقة علنية وضوءا أخضر في استمرار قتل الصحفيين الفلسطينيين، لكن تبقى الإرادة والعزيمة، والإصرار على مواصلة التغطية الإعلامية أقوى من كل أشكال الاستهداف المُمنهجة، وهذا ما قالته أيضا الزميلة الشهيدة شيرين أبو عاقلة: “ليس سهلا ربما أن أغير الواقع، لكنني على الأقل كنت قادرة على إيصال ذلك الصوت إلى العالم”.