روتين القهر اليومي بحاجز بيت فوريك في نابلس

عاطف دغلس

21/8/2024

نابلس- عبر الهاتف تلقى الفلسطيني ثائر حنيني التهاني بالإفراج عنه من سجون الاحتلال. وكثير من تلك الاتصالات جاء من أقارب وأصدقاء حالت إجراءات الاحتلال الإسرائيلي العسكرية وخاصة على “حاجز بيت فوريك” دون وصولهم إليه وتهنئته في قريته بيت دجن، فالحاجز العسكري تعدى دوره الأمني وتحوَّل لوسيلة عقاب وتنكيل بآلاف الفلسطينيين وعزلهم عن محيطهم.

ويختلف حاجز “بيت فوريك-بيت دجن” (شرق مدينة نابلس شمال الضفة) عن مئات الحواجز العسكرية التي يقيمها الاحتلال بمختلف مناطق الضفة، فقد تجاوز دوره في إعاقة مرور المواطنين إلى أداة عزل وسجن كبير لحوالي 23 ألف نسمة يعيشون في بلدتي بيت فوريك وبيت دجن، وقد قلب حياتهم إلى جحيم بعد أن أغلق منفذهم الوحيد إلى العالم.

وحال الأسير ثائر حنيني لم يكن أحسن من أهالي قريته، بل فاقهم بمأساة الحبس التي استمرت 20 عاما، ولا تزال تتجلى بما يلاقيه عبر الحاجز من قهر وإذلال لكونه أسيرا سابقا، وقد حُرم منذ تحرره قبل نحو شهرين من مغادرة القرية إلا لـ3 مرات فقط، وللضرورة القصوى.

عاطف دغلس الحاجز عزل قرية بيت فوريك وبجانبها قرية بيت دجن مدخل قرية بيت فوريك الضفة الغربية نابلس شرق المدينة الجزيرة

مسجون رغم تحرره

عبر هاتف عمه تحدثت الجزيرة مع الأسير حنيني، فهو لم يتمكن حتى اللحظة من شراء شريحة خاصة به، تماما كما أشياء أخرى لم يشترها بعد بفعل إغلاقات الحاجز المتكررة ومعاناة المرور عبره. ويقول “عشت قهر الحاجز عند اللحظة الأولى التي مررت بها عبره”.

ويضيف “احتجزنا لساعتين وأخذوا يفتشون كل مركبة بيضاء اللون كتلك التي كانت تُقلني، فأيقنت أنهم يريدون تنغيص فرحة الإفراج عني، فصعدت بمركبة أخرى ونجحت بتجاوزهم”.

لكن المعاناة لم تتوقف، فالحاجز حال دون رؤية حنيني بعض أقاربه وأصدقائه الذين اتصلوا به عبر الهاتف لتهنئته واعتذروا عن المجيء للمنزل بسبب صعوبة الوصول، وهناك آخرون يقطنون في الأردن منعهم عن القدوم الحاجز “سيئ الصيت” وليس بُعد الطريق.

وبفعل مزاجية جنود الاحتلال وصلف إجراءاتهم وخشية احتجازهم له واخضاعه للتحقيق كأسير سابق، بات حنيني يتجنب التنقل، ويعتمد على أشقائه والأصدقاء في قضاء حوائجه، حتى شراء ملابسه الشخصية.

ويعرف حنيني حاجز بيت فوريك جيدا منذ إقامته عام 2000 إبان الانتفاضة الفلسطينية الثانية، إلا أن الإجراءات التي يفرضها الاحتلال عليه اليوم أشد من أي وقت سابق “فالمنطقة أصبحت مطوقة عسكريا بالحواجز وبالاستيطان، ولا يوجد أي متنفس سواء عبر الطرق الالتفافية البديلة أو حتى الحواجز الأخرى التي لا تقل سوءا، وكأني لا زلت داخل الأسر”.

جانب من وقوف المركبات الخارجة من بلدة بيت فوريك- بيت دجن عبر حاجز بيت فوريك بانتظار فتح الحاجز- الضفة الغربية- نابلس- الجزيرة

تداعيات الإغلاق

ويقول الأهالي إن “الاغلاق صفة الحاجز الدائمة” ولذا تضج مواقع التواصل وصفحات المواطنين بنقلهم معاناتهم اليومية عند الحاجز، ويصبح كما لو أنه جزء من “رويتن القهر اليومي” المجبرين على التعايش معه.

وبالمعاناة ذاتها مر مراسل الجزيرة نت وهو في طريقه لبلدتي بيت فوريك وبيت دجن، وعبر مشاهداته عايش مآسي السكان وخاصة سائقي المركبات العمومية الذين تنشغل اتصالاتهم بأخبار فتح الحاجز أو إغلاقه، ولا يتحرك أحدهم إلا بإشارة من الآخر.

محمد أبو ثابت، الناشط ضد الاستيطان في قرية بيت دجن، وثَّق عبر هاتفه “جحيم” حاجز بيت فوريك أكثر من مرة بحكم تنقله اليومي عليه. ويقول للجزيرة نت إن معاناة المواطنين مركّبة: اجتماعية وصحية واقتصادية وتعليمية، فالحاجز شلَّ وحد إلى حد كبير حركة السكان وتنقلهم.

ويضيف “ارتفعت أسعار المواد الغذائية والبضائع، والمرضى يواجهون صعوبة بالوصول للمراكز الطبية، وقلّت مشاركة الأهالي بالأفراح والأتراح خارج البلدة والعكس كذلك، ولا يتنقلون إلا للضرورة القصوى، وكثيرون سكنوا خارج قراهم لا سيما الموظفون والطلاب، وحدث أن ألغت عروس حفل زفافها بسبب إغلاق الحاجز”.

مزارع من بيت دجن داخل مزرعته حيث عانى المزراعون من تكسد منتجاتهم بفعل الاغلاقات المستمرة- الضفة الغربية- نابلس- شرق المدينة الجزيرة

منظور أمني وعسكري

ورغم ادعاء الاحتلال أنه يقيم الحاجز لاعتبارات أمنية وحماية المستوطنين في مستوطنتي “ايتمار” و”ألون موريه” الجاثمتين على أراضي المنطقة، فإنه استخدمه كأداة عقاب وتنكيل بالمواطنين، وأطلق النار عليهم.

ويقول حسين حج محمد (رئيس بلدية بيت فوريك) إن أخطر ما في “حاجز بيت فوريك-بيت دجن” أنه الممر والمنفذ الوحيد لسكان البلدتين، وإن إغلاقه الذي يصل 10 ساعات أحيانا خلال اليوم يعني عزلهم وحبسهم داخل قراهم، والأسوأ تكرار ذلك يوميا.

ومن منظور أمني فقط ولحماية المستوطنين وتأمين طرقهم، يتعامل الاحتلال مع الفلسطينيين وينكل بهم ويفرض عليهم “عقابا جماعيا” بشكل يومي، وتحت أي ذريعة وحدث أمني بأي مكان بالضفة يغلق الحاجز ويتحول لأداة قمع وتعنيف للمواطنين وخاصة خلال الليل، ومنه أيضا تنطلق عمليات جيش الاحتلال نحو مدينة نابلس ومخيماتها.

وبالمقابل، يسمح جنود الاحتلال للمستوطنين بالصلاة عند الحاجز وأداء الشعائر التلمودية والتسبب بإغلاقه عدة ساعات، ولا يمنعون هجومهم على المركبات الفلسطينية ورشقها بالحجارة. وقد وثقت الجزيرة نت “إيعاز أحد المستوطنين للجنود للقيام باحتجاز فتاة فلسطينية ومركبتها”.

وثمة معاناة تولدت بفعل إغلاق الحاجز -يضيف حج محمد- أهمها صعوبة دخول التجار وموردي البضائع إلى القرية وبالتالي شحها وارتفاع أسعارها، إضافة لعدم توفر البديل من مراكز صحية واجتماعية وغيرها تفي بحاجة المواطنين.

وقد فقدت القريتان استثمارات كانت تلوح بالأفق، كما انخفضت بشكل كبير أسعار الأراضي، وتوقفت المنطقة الصناعية في بيت فوريك عن العمل بينما تراجع الإنتاج الزراعي وأصبح يكسد في بيت دجن مع كل إغلاق.

وقبل أكثر من عقدين، أنشأ الاحتلال حاجز بيت فوريك- بيت دجن ليضاف إلى أكثر من 10 حواجز نصبها حول مدينة نابلس، وضرب طوقا عسكريا على المدينة وامتدادها الريفي ليحمي المستوطنين، لكنه سرعان ما حوَّله لثكنة عسكرية يمارس عبرها كل أشكال الاضطهاد على كل الفلسطينيين المارين عبره.

المصدر : الجزيرة