هآرتس : الإنجاز التكتيكي في الشمال لن ينقذ إسرائيل من الوحل الإستراتيجي

بقلم: نوعا لنداو

بالنسبة لمعظم المواطنين في إسرائيل الذين استيقظوا بعد أن تم احباط الهجوم الصاروخي لحزب الله من الشمال، كان صباح أمس متوتر قليلا، في ظل تأهب حذر لقيادة الجبهة الداخلية في ارجاء البلاد، لكن المناخ العام كان مناخ انجاز عسكري. حسب المستوى الأمني والمستوى السياسي فان الجيش الإسرائيلي منع في الفجر ضرر مئات الصواريخ والمسيرات بمساعدة المعلومات الاستخبارية. الجيش أيضا قام باحباط اطلاق عدد من الصواريخ الدقيقة التي وجهت نحو مركز البلاد، بما في ذلك نحو قواعد رئيسية في غليلوت. في الجيش نشروا بأنه في هذا الهجوم الوقائي تمت إصابة آلاف منصات الاطلاق في لبنان.

جزء من التقارير حول هذه العملية كان مشوب كالعادة باحتفال وطني زائد ومبالغ فيه. “حزب الله يتراجع”، اعلن بانفعال موقع اخبار رائد باللغة العبرية. مواقع أخرى بالغت في وصف بطولة العملية الوقائية، في حين أنه في الحقيقة حزب الله ما زال يهدد بالضبط كما كان في السابق شمال الدولة الفارغ من السكان. سكان غوش دان في الحقيقة تصرفوا على الاغلب كالعادة وعادوا بسرعة الى روتين الحياة. ولكن بالنسبة لرؤساء المجالس المحلية في الشمال الذين ارسلوا رسائل غاضبة للحكومة (“عملية سلامة تل ابيب”، كما اطلقوا على العملية). هذه الحقيقة أكدت بشكل اكبر الى أي درجة الدولة لا تنجح في إزالة التهديد المتواصل لمنطقتهم وحتى أنها لم تجعل وبحق حزب الله “يتراجع”.

في الصورة الكبيرة فان منع الهجوم المحدد من الشمال هو في نهاية الامر انجاز عسكري تكتيكي، لكنه محدود جدا بالنسبة لإسرائيل التي تستمر في الغرق في الوحل الاستراتيجي. حتى الآن يبدو أنه سيكون بالإإمكان النجاة من هذا الوحل فقط بمساعدة صفقة دبلوماسية شاملة لاعادة المخطوفين ووقف الحرب في القطاع. لذلك، المحادثات في القاهرة، التي من الجيد أنه ذهبت اليها بعثات المفاوضات كما هو مخطط له رغم التصعيد، ما زالت المفتاح للهدوء الإقليمي.

لكن في كل ما يتعلق بالحدود في الشمال فان المحادثات حول صفقة لوقف اطلاق النار في قطاع غزة، هذا فقط هو مجرد بداية الحل. بعد ذلك سنكون بحاجة الى تسوية دبلوماسية، بالافعال أو بالصمت، أيضا مع حزب الله. مثلما كتب تسفي برئيل في “هآرتس” في الفترة الأخيرة، أيضا بعد التوقيع على الصفقة في القطاع فانهم في حزب الله لا ينوون نزع سلاحهم على الفور أو الانسحاب الى ما وراء نهر الليطاني. إسرائيل ما زالت تحتاج عملية، فعلية ورمزية، تمكن من إعادة المواطنين الى منطقة الشمال المهددة. على ذلك تعمل الولايات المتحدة وفرنسا في موازاة محور القاهرة بواسطة المبعوثين الخاصين.

دبلوماسيون في الاتحاد الأوروبي قالوا مؤخرا بأنه رغم أنه في خطاب إسرائيل الجهود لتحقيق حل للتصعيد في الشمال يثير اهتمام ونقاش سياسي اقل بكثير من صفقة التبادل، إلا أنها بالتأكيد تشغل المجتمع الدولي بدرجة كبيرة وراء الكواليس. الدول التي تنشغل في ذلك تحاول فهم الى أي درجة يمكن دفع حزب الله ومن سيكون الضامن لذلك وكيف. هذه النقاشات تتعلق بالطبع بمسألة الوضع السياسي والاقتصادي لحكومة لبنان والجيش اللبناني ومكانة قوة اليونفيل الضعيفة.

في المناخ السياسي الحالي في إسرائيل لا احد يتجرأ على التطرق الى التفاهمات التي سيتم التوصل اليها مع لبنان، ويسمون ذلك اذا تحققت مثل هذه التفاهمات باسم “اتفاق” أو “صفقة” وأيضا ليس “تسوية”. بالحد الأعلى سيسمون ذلك “تفاهمات”، وهذا أمر مشكوك فيه. إسرائيل برئاسة نتنياهو ستخفي بقدر الإمكان تدخلها في هذه المسألة ولن تكشف أولوياتها فيما يتعلق بالتسوية في الشمال. بدلا من ذلك هي ستقول بأن “الهدوء مقابل الهدوء” ليس اكثر من ذلك. بالضبط مثلما خلال سنوات كذبت حكومة نتنياهو حول المفاوضات مع حماس على وقف لاطلاق النار، التي كانت في القطاع بعد كل جولة قتالية.

السياسيون وكتاب الاعمدة في الوسط – يمين دائما يرغبون في القول بأن القوة العسكرية هي التي تخضع بدون مقابل الطرف الثاني. هذا في حين أنه لا توجد أي جولة قتال إقليمية لم تنته بشكل ما بتفاهمات دبلوماسية بوساطة دولية. وسواء اعترفت حكومة نتنياهو بذلك أم لا. هذا سيكون الحل الوحيد أيضا للتصعيد الحالي. والسؤال هو كم من الوقت وأي ثمن سيدفعه كل طرف حتى ذلك الحين.