إسرائيليات

قلق في إسرائيل على مصير العلاقات مع إدارة ترامب

المسار الاخباري : تُعرب أوساط متزايدة في إسرائيل عن القلق بشأن مصير علاقات التحالف بين الولايات المتحدة وبين إسرائيل، وذهب بعضهم للتساؤل عن انتهاء «شهر العسل» بينهما في ظل السياسات الانعزالية والمباغتة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ولايته الثانية، وفي ضوء تسريبات عن توترات وأزمة ثقة بينه وبين رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو.

وكانت وكالة «رويترز» قد نقلت عن مصدرَين أمريكيَّين مطّلعَين أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تخلّت عن مطلب تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل كشرط للموافقة على دعم مشروع نووي مدني في المملكة. وفي التزامن، أُعلن مساء الجمعة عن إلغاء زيارة لوزير الدفاع الأمريكي للبلاد بعدما كانت مقررة ومتفقًا عليها.

وتحت عنوان «إسرائيل أوت والسعودية إن»، وجّهت المعلقة السياسية البارزة في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، سيما كادمون، إصبع الاتهام إلى رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، وقالت إنه يعبث بكل مقدرات إسرائيل، بما فيها العلاقات الثنائية المتينة مع الولايات المتحدة، وذلك من أجل أطماع فئوية وغريبة.

من جهته، يتساءل الخبير الإسرائيلي الأبرز في الشؤون الأمريكية، بروفيسور أفرهام بن تسفي، هل بدأت العلاقات الخاصة بين الولايات المتحدة وإسرائيل تفقد بريقها وخصوصيتها؟

ويوضح بن تسفي في مقال نشرته صحيفة «يسرائيل هيوم» أنه مع مرور الأعوام، تمأسست وترسخت العلاقات الخاصة بين واشنطن وتل أبيب، ومن ضمن هذه العلاقات كانت أنماط العمل الإعلامي بين الدولتين.

ويضيف في هذا السياق: «من جهة، هناك الحوار الإعلامي البسيط الذي يمكن ملاحظته بسهولة: الرسائل الواضحة العلنية والمفصّلة، التي تضمنت التضامن والتزام تقديم المساعدة لإسرائيل وشبكة الأمان العسكرية والدبلوماسية. ويوجد أيضًا، ضمن هذه العلاقات، الامتعاض والأزمات. كان هذا ينعكس عادة في رسائل التوبيخ، مثل تلك التي أرسلها الرئيس الأمريكي جيرالد فورد، على سبيل المثال، لرئيس الحكومة الإسرائيلي الأسبق يتسحاق رابين في بداية أزمة التقديرات الجديدة سنة 1975، أو بالتصريحات العلنية النقدية الفجّة والعدائية. ومن جهة أخرى، هناك بُعد آخر، وهو الجزء الذي تصعب ملاحظته، وهو بُعد غير واضح وقابل للتأويل من أكثر من جهة».

تراجع المكانة الخاصة

ويوضح بن تسفي أنه في هذا السياق، «من الغريب أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي اعتاد تمرير الرسائل بشكل مباشر وحاد ومن دون أي كوابح، اختار استعمال الطريقة الأكثر ذكاءً لتمرير الرسائل غير المباشرة للحليف الإسرائيلي، ومن ضمن ذلك أدوات غير مكتوبة، وفضّل اتخاذ الخطوات (أو الامتناع عن اتخاذها)، بدلاً من التصريحات الواضحة والمباشرة».

ويقدم بن تسفي مثالًا على ذلك بالإشارة إلى ما حدث عندما تفاجأ نتنياهو بسماع خبر إطلاق الحوار الدبلوماسي بين واشنطن وطهران كحقيقة، ومن دون أن يعرف شيئًا عن هذا المسار الذي جرى من خلف ظهره، والذي يشكل أولوية قصوى بالنسبة إلى إسرائيل، لافتًا الانتباه إلى أن هذا لم يكن سوى بداية مسار من الخطوات التي لم تتضمن أي انتقادات علنية مباشرة من طرف البيت الأبيض تجاه الحليف الإسرائيلي، لكنها كانت إشارة جدية إلى تراجع مكانة العلاقات الخاصة.

ويمضي الباحث الإسرائيلي في تبيان تراجع الخصوصية: «على النهج نفسه، أغلق البيت الأبيض أيضًا قناة التواصل المباشرة ما بين المسؤولين الإسرائيليين الكبار وبين ستيف ويتكوف، مدير الأزمات الأساسي في الإدارة الأمريكية، بشأن القضايا التي تخص الشروط المسبقة بالاتفاق الأمريكي-الإيراني في الموضوع النووي. وبذلك، استمرت الحالة الضبابية تلفّ جولات المفاوضات التي لا تزال جارية بين ممثلين للإدارة والمسؤولين الكبار في نظام آيات الله في إيران».

إسرائيل مكشوفة

ويقول بن تسفي إن نمط التعامل هذا انعكس أيضًا في الخطوة الأحادية الجانب وغير المنسّقة التي تمثّلت في تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن الوضع الإنساني الصعب في قطاع غزة، وأيضًا في إعلانه نهاية العمليات العدائية بين الولايات المتحدة والحوثيين، من دون أن يكون لدى إسرائيل أي علم به قبل توقيعه.

ويمضي في ترجيحاته: «يبدو كأنه في هذه الساحة على الأقل، بقيت إسرائيل وحدها، وخصوصًا أن الاتفاق لا يُلزم هذه الذراع الإيرانية التوقف عن إطلاق الصواريخ الباليستية عليها (29 صاروخًا من اليمن منذ انهيار اتفاق وقف النار).

ويقول إن هذا كله، «فضلًا عن حقيقة أن ترامب قرّر عدم المرور بإسرائيل خلال جولته في الدول الخليجية، وهو ما يتضمن مقولة واضحة وقوية، مفادها أن العلاقات الخاصة فقدت بريقها وخصوصيتها».

وينوّه أن موضوع عدم زيارة إسرائيل يطرح تساؤلًا: «هل باتت مكانتها فجأة أقلّ من مكانة الإمارات العربية المتحدة وقطر، اللتين ينوي الرئيس زيارتَهما، وكذلك السعودية التي من المتوقّع أن تكون في مركز الجولة؟».

ويؤكد الباحث الإسرائيلي بن تسفي أن «العامل المشترك الذي يربط بين هذه الخطوات كلها هو الشعور بخيبة الأمل العميقة جراء سلوك إسرائيل في سياق الحرب في غزة».

ويعلل بن تسفي ذلك بالقول: «من المعروف أن الرئيس ترامب كان ولا يزال يدعم فكرة الحرب القصيرة التي تهدف إلى الحسم السريع أمام العدو. وفي نظره، يجب أن تكون ساحة الحرب منصة لإطلاق مسار دبلوماسي، وليست هدفًا بحد ذاتها. ومن هذا المنطلق، فإن استمرار القتال في غزة من دون حسم سريع وواضح، إلى جانب امتناع إسرائيل عن صوغ مسار سياسي لليوم التالي، يُحبط ترامب الذي كان يأمل بالوصول إلى حسم سريع وقاتل أمام حركة حماس، وإلى اتفاق وقف إطلاق نار».

الصفقة مع دول الخليج في خطر

وطبقًا لبن تسفي أيضًا، فإن واشنطن تتعامل فعلًا مع حالة التردّد والغرق الإسرائيلي في الوحل الغزّي من دون معنى، «على أنها عائق مركزي أمام مسار إعادة تشكيل الشرق الأوسط على أساس خطوط جديدة تشمل تعاونًا تجاريًا واستراتيجيًا صلبًا بين القوة الأمريكية العظمى وبين الجزء الأكبر من دول المنطقة».

ويرى أن هذا التعاون، «الذي يهدف إلى إعادة صوغ الشرق الأوسط برعاية العم سام، سيمنح دول المنطقة الأمن أمام كل تهديد، ويمنح ترامب المقابل اللائق من خلال المساعدات العسكرية الكريمة التي بدأ بمنحها للسعودية على شكل صفقات كبيرة جدًا، تكون عبارة عن استثمارات سعودية وخليجية في مشاريع أمريكية».

ويتابع في ترسيم منابع الأزمة بالعلاقات الثنائية: «لأن هذا المسار والحلم مغلق الآن بجميع مركّباته (ومن ضمنها التطبيع الإسرائيلي-السعودي) بسبب ما تقوم به إسرائيل في غزة، فلا يجب أن نتفاجأ من الامتعاض في العاصمة الأمريكية الآن». ويخلص بن تسفي للقول إن «التعبير الأفضل عن هذا الامتعاض هو دفع إسرائيل نحو الهامش، والجهود الأمريكية إلى التقدّم في مسارات التفافية عليها، والطموح إلى تحسين مكانة الولايات المتحدة في الإقليم، وفي الوقت نفسه، الحفاظ على مسافة معينة منها، حتى لو كان الثمن تأجيل توسيع اتفاقيات أبراهام في نموذجها الأصلي». ويقول إن زيارة ترامب القريبة للمنطقة والقمة التي سيعقدها مع قيادات الدول الخليجية ستساعدان على فهم الصورة، وما إذا كان هناك شرق أوسط جديد قيد البلورة أمامنا، ولن تكون إسرائيل شريكًا رسميًا فيه.

كتب …وديع عواودة

المصدر القدس العربي