عقد أمس مؤتمر علمي في جامعة النجاح الوطنية في نابلس لبحث التحديات البيئية والمائية في ظل استمرار معاناة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، حيث تبرز قضية المياه والبيئة في الضفة الغربية كأحد التحديات الكبرى التي تواجه المجتمع الفلسطيني بشكل يومي. انعقد مؤخرًا في جامعة النجاح الوطنية المؤتمر العلمي الأول تحت عنوان “التحديات البيئية والمائية في الضفة الغربية”، بمشاركة نخبة من الخبراء والأكاديميين من مختلف التخصصات، بهدف تسليط الضوء على المشكلات البيئية والمائية التي تعاني منها المنطقة، وتقديم حلول مستقبلية مبنية على البحث العلمي.
التحديات الرئيسية المطروحة في المؤتمر
ندرة المياه وتأثيراتها
تناول البروفسور سمير أبو عيشة، مشرف جمعية أصدقاء البيئة الفلسطينية، قضية ندرة المياه التي تعد من أخطر القضايا البيئية في الضفة الغربية. الاحتلال الإسرائيلي يستغل موارد المياه بشكل كبير، حيث يتم تحويل أغلب المياه إلى المستوطنات الإسرائيلية، مما يترك الفلسطينيين في مواجهة أزمة مائية خانقة. وفقًا للدكتور عبد الحليم خضر، رئيس دائرة الهندسة المدنية، فإن السيطرة الإسرائيلية على الأحواض المائية والمصادر الرئيسية للمياه يشكل العقبة الأكبر أمام تحقيق تنمية مستدامة في القطاع المائي الفلسطيني.
التلوث المائي وإدارة الموارد
من جانبها، سلطت المهندسة نور العملة، المتخصصة في تلوث المياه، الضوء على التلوث الناتج عن مخلفات المستوطنات الإسرائيلية والمناطق الصناعية الإسرائيلية التي تؤثر بشكل مباشر على جودة المياه في الضفة الغربية. وأشارت إلى أن التلوث الناتج عن الصرف الصحي غير المعالج يعد من أبرز القضايا التي تهدد الصحة العامة للسكان، حيث أن أنظمة الصرف الصحي في العديد من المناطق غير كافية لمعالجة الكميات الكبيرة من المخلفات.
الدكتور حافظ شاهين، الخبير في إدارة الموارد المائية، أكد أن الإدارة الفعالة للمياه لا تزال تمثل تحديًا في ظل الأوضاع الراهنة. المياه المتاحة للفلسطينيين قليلة، ولا يمكن استغلالها بشكل كامل بسبب القيود الإسرائيلية المفروضة على الحفر والتنقيب عن المياه الجوفية.
الآثار البيئية للحروب
تحدث الدكتور عبد الحليم خضر عن الآثار البيئية المدمرة التي خلفتها الحروب على البنية التحتية في الضفة الغربية. فقد أدت الحروب، وخاصة حرب أكتوبر وما تلاها من عمليات عسكرية إسرائيلية، إلى تدمير الكثير من البنية التحتية البيئية، بما في ذلك أنظمة الصرف الصحي والمياه. هذا التدمير ترك أثرًا كبيرًا على البيئة الفلسطينية، وأدى إلى تفاقم مشاكل الصرف الصحي في العديد من المدن والقرى.
الحلول المقترحة في المؤتمر
المهندس لؤي الأطرش، المدير الإقليمي لمشروع منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في شبكة المياه العالمية، قدم رؤية مستقبلية لكيفية تحسين إدارة الموارد البيئية والمائية في الضفة الغربية. دعا إلى ضرورة الاستثمار في تقنيات حديثة لتحلية المياه ومعالجة المخلفات البيئية. وأكد أن الحلول تحتاج إلى تضافر الجهود المحلية والدولية للضغط على الاحتلال الإسرائيلي لوقف استغلال الموارد الطبيعية الفلسطينية.
السياسة والبيئة: الاحتلال في قلب الأزمة
رغم الطابع العلمي للمؤتمر، كان البعد السياسي حاضرًا في معظم النقاشات. المتحدثون اتفقوا على أن الاحتلال الإسرائيلي هو المسؤول الأول عن تفاقم الأزمات البيئية والمائية في الضفة الغربية. القيود التي يفرضها الاحتلال على الفلسطينيين في إدارة مواردهم الطبيعية تجعل من المستحيل حل هذه الأزمات بدون حل سياسي يضمن السيادة الفلسطينية الكاملة على الموارد الطبيعية. هذا ما أكده الدكتور إياد الأقرع، عميد شؤون الطلبة في جامعة النجاح الوطنية، الذي أشار إلى أن أي حديث عن تحسين الوضع البيئي والمائي لا يمكن فصله عن السياق السياسي العام الذي يفرضه الاحتلال.
وفي نهاية المؤتمر، شدد المشاركون على أهمية تعزيز البحث العلمي في مجال المياه والبيئة باعتباره أداة رئيسية لمواجهة التحديات الحالية. الحلول المطروحة تعتمد بشكل كبير على الضغط الدولي لإلزام الاحتلال الإسرائيلي بتحمل مسؤولياته تجاه الشعب الفلسطيني وفقًا للقانون الدولي.