الصحافة العبرية … الملف اليومي الصادر عن المكتب الصحافي التابع للجبهة الديمقراطية

 الصحافة الاسرائيلية – الملف اليومي

افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

يديعوت احرونوت 20/10/2024

الان بالذات، وقف نار

بقلم: بن درور يميني

نبدأ من النهاية. منذ بضعة أسابيع تجري هنا حملة صاخبة ضد كل من دعا لوقف النار او عارض الدخول الى رفح. الضربات الشديدة التي تلقاها حزب الله قبل بضعة أسابيع، تصفية نصرالله وفي الأسبوع الماضي تصفية السنوار أيضا أصبحت “دليلا” على السياسة العاقلة والحكيمة جدا لرئيس الوزراء. فعل بالفعل اخطأ الجميع وهو اذكى من الجميع؟ 

معظم الجنرالات في الاحتياط، بالفعل، عارضوا ويعارضون سياسة نتنياهو، حتى دون صلة بالنقاش الذي لا ينتهي عما أدى الى 7 أكتوبر. كيف تجرأوا على أن يطالبوا بوقف النار. وبالفعل، تجرأوا، لانهم يعرفون بان سنة كاملة من الصراع ضد حماس، والاطلاقات من القطاع مستمرة. يعرفون ان كل ارض خرجنا منها عادت حماس اليها. يعرفون بان الجيش الإسرائيلي يراوح في المكان في القطاع منذ اشهر عديدة، دون هدف واضح. يعرفون بان نتنياهو، بنفسه، الذي لاسباب ليست واضحة لاحد عرقل العملية في رفح. يعرفون بان العرقلة شددت فقط الضغط الدولي ضد الدخول الى رفح، بما في ذلك بتهديدات بحظر السلاح من جانب الأمريكيين أيضا لاجل جمع كل الاضرار الممكنة وعندها فقط الدخول. بيني غانتس وغادي آيزنكوت بخلاف لدعاية البيبيين، ضغطا بالذات للدخول في وقت مبكر اكثر بكثير. وهما يعرفان بان إعادة المخطوفين اهم من تصفية السنوار. لكن الى الجحيم بالحقائق. الأهم هي الاضاليل. 

وعندها جاءت المرحلة التي كان يخيل فيها انه تجري انعطافة استراتيجية. فقط تعرض حزبه الله لسلسلة من الضربات الشديدة، بما فيها تصفية نصرالله. لكن مشكوك أنه كانت حاجة لانتظار يوم الاطلاقات امس كي نعرف بان هذا كان وهم قصير الميعاد. فمخربو الرضوان يهربون، هكذا هي التقارير، في اعقاب تصفية نصرالله. وعندها وقعت علينا ضربة خمسة القتلى من رجال وحدة غولاني، في داخل لبنان. قدرة الاطلاق تعرضت لضربة قاسية، قالوا لنا. ومنذئذ ارتفعت فقط وتيرة الاطلاقات وكذا اتسعت المديات. مُسيرة واحدة قتلة خمسة جنود في قاعة غولاني ومُسيرة واحدة وصلت الى الى منزل رئيس الوزراء. لا شك أن عشرة أيام متواصلة من النجاحات العملياتية حيال حزب الله ادخلتنا الى حالة من عدم الاكتراث. الحذر. تصفية السنوار أيضا من شأنها أن تدخلنا الى حالة عدم اكتراث أخرى. وبينما تكتب هذه الاقوال، يعلن ناطق الجيش عن جنديين قتلا في شمال قطاع غزة. والالم يحرق. 

هكذا بحيث أنه يجب عرض صورة الحقيقة. الان أيضا، في هذه اللحظة، مثلما في كثير جدا من اللحظات منذ 7 أكتوبر إسرائيل تحتاج، ملزمة بان تعلن عن استعداد لوقف نار والاعلان أيضا من طرف واحد عن وقف نار. بشروط بالطبع. مقابل تحرير المخطوفين وتجريد القطاع، حيال حماس. ومقابل تنفيذ قرار 1701 و 1559حيال حزب الله. معقول جدا الافتراض بان منظمات الإرهاب، حماس وحزب الله، كانت ستقول لا. ماذا في ذلك؟ فهل كان سيقع أي ضرر لإسرائيل؟ لا. العكس هو الصحيح. ربح فقط. 

المعركة ضد حماس، ضد حزب الله وضد ايران، رأس الاخطبوط تتشكل من ذراع عسكري وذراع سياسي. نحن مع إنجازات ذات مغزى في الذراع العسكري. لكننا في مشكلة صعبة في الذراع السياسي. اقتراحات متكررة لوقف نار، بما في ذلك وقف نار من جانب إسرائيل، في ظل طرح انذار نهائي كانت ستحسن الوضع السياسي لإسرائيل. بدأنا الحرب مع تأييد دولي هائل. نحن الان نوجد في وضع أوقفت فيه بريطانيا، فرنسا، المانيا وإيطاليا التصدير الأمني لإسرائيل، والولايات المتحدة، الأهم منها جميعها، تحمل سوطا دائما فوق إسرائيل. لا تدخلوا الى رفح، لا تقصفوا الضاحية، لا تؤذوا ايران، وغيرها وغيرها. هذا ليس لان للولايات المتحدة توجد سياسة ذكية في الشرق الأوسط. تماما لا. لكن كان يمكننا ويجب علينا أن نستبق الضربة بالعلاج من خلال اقتراحات بوقف نار ومن خلال استعداد للتقدم في مسار الصفقة الكبرى. لكن نتنياهو اتخذ سياسة الرأس في الحائط. قاد إسرائيل الى مشكلة، اياديها مقيدة بسبب هذا السلوك. هي في الوضع السياسي الأسوأ في تاريخها. إذن نعم، توجد إنجازات عسكرية، لكن حماس، واساسا حزب الله يواصلان دربنا. نحن لا يمكننا ان نوقع ضربة قاضية على ايران. ولا على حزب الله. ومن شأننا أيضا أن نصل الى نقص حقيقي في الذخيرة. 

أمس، ربما في محاولة لاصلاح شيء ما، القى عمانويل ماكرون، الرئيس الفرنسي خطابا منطقيا اكثر بقليل، مع الكثير من الالتزامات في الوقوف الى جانب إسرائيل. قال هناك، ضمن أمور أخرى ان “حزب الله ملزم بان يتحمل النتائج. توجد له التزامات. الأول، التخلي عن كل الأسلحة، الإرهاب والعنف. اليوم، وهو اضعف، واحد لا يأسف على ذلك، هو ملزم بان يسمح للبنان بالتغلب على مشاكله”. وأضاف ماكرون “وعليه فان فرنسا تعقد مؤتمرا في 24 أكتوبر عن لبنان وسيادته”. يمكن لإسرائيل أن تقول لماكرون: اهرب عن عيوننا. وهي يمكنها أن تقول: ممتاز. نحن ندعم المطلب الدولي بنزع سلاح حزب الله. ونحن مستعدون حتى لان نعلن عن وقف نار، يستمر فقط اذا ما التزم حزب الله بنزع سلاحه. هذا لن يضعف إسرائيل. بالعكس، 8ذا سيعزز قوة الذراع السياسي. ونحن بحاجة له وذلك كي يكون الذراع العسكرى اقوى أيضا. 

——————————————–

هآرتس 20/10/2024

تطلعات المعارضة في إسرائيل أشبه بنشرة مساء إخبارية

بقلم: أوري بار يوسيف

بعد مرور 51 سنة على حرب الغفران، نشر أرشيف الدولة كالعادة توثيقاً يتعلق بالحرب. في هذه المرة، تم اختيار محاضر نقاشات الكابنت برئاسة غولدا مئير بتاريخ 19 تشرين الثاني 1973. العنوان الذي اختاره عوفر أدير لهذا النشر يؤكد رسالته الرئيسية: إيمان المشاركين بعدم وجود احتمالية لسلام حقيقي مع العرب (“هآرتس”، 10/10).

 لقد أخطأوا. فبعد أربع سنوات، في 19 تشرين الثاني 1977، هبطت طائرة أنور السادات في مطار بن غوريون. وبعد خمس سنوات من ذلك، تم التوقيع على اتفاق السلام بين إسرائيل ومصر في واشنطن. الهدف الأساسي للاتفاق هو منع الحرب، وتحقق ذلك. ورغم كل المشككين، فإن السلام ثبت وصمد منذ 45 سنة. إسهامه في أمن دولة إسرائيل كبير، وهو الثاني بعد الحلف مع الولايات المتحدة.

من خطأ ذلك الحين إلى خطأ اليوم. إن فشل الإنذار في يوم الغفران في 1973 حل محله فشل أفظع. وحل محل صدمة ذلك الحين شدة صدمة 7 أكتوبر وبدرجة أكثر. وحل محل غضب غولدا مئير وموشيه ديان غضب الجمهور المبرر من رئيس الحكومة والوزراء. ولكن من يتطلع إلى المستقبل، بالتحديد الوثيقة التي كشف عنها الآن أرشيف الدولة مهمة لأنها تعلمنا، مرة أخرى، إلى أي درجة لم يكن للقيادة أي فكرة حول ما قد يحدث وإلى أي درجة هي مقتنعة بصدق تنبؤاتها.

سنبدأ بغولدا مئير. عندما أوضحت موقفها السلبي بخصوص السلام، في تشرين الثاني 1973، كانت تعرف عن مبادرة السادات في شباط 1973. في تلك المبادرة السرية، اقترح السادات إنهاء النزاع والاستجابة لكل طلبات إسرائيل الأمنية مقابل إخلاء شبه جزيرة سيناء. كان رد غولدا مئير الرفض التلقائي، ولم تجر نقاشاً حول إمكانية الرد عليها بالإيجاب. المنطق الذي وجهها قبل الحرب هو نفس المنطق الحازم والمبرر الذي وجهها أيضاً بعدها: لو جُررنا وراء من وعدونا بوجود سلام خلف الحدود الدولية.. السلام كما نريد نحن أن نفهمه، فالويل لنا عندها”. ولكن غولدا مئير ظهرت فجأة كصدّيقة مقارنة مع جيل قادة اليوم. لأنها على الأقل قالت كلمة “سلام” وتاقت إليه حتى لو لم تؤمن باحتماليته. وماذا بالنسبة لهم؟ يأس كامل.

لا فائدة من التطرق إلى مصلحة وزراء الحكومة الحالية في التوصل إلى السلام، سواء كانوا مسيحانيين أو انتهازيين أو عديمي الرأي والتفكير المستقل، الحلم الذي يربط أمن إسرائيل بإنهاء حالة الحرب مع جيرانها غريب عنهم. المشكلة ليست معهم، بل مع الذين يتفاخرون باستبدالهم، وقيادة إسرائيل نحو مستقبل أفضل.

خذوا بني غانتس مثالاً. متى سمعتم منه كلمة واحدة عن حلم استراتيجي للسلام والأمن؟ إنما يُسمع على أنه ليس سوى قائد فرقة. حلمه الرئيسي والوحيد هو احتلال رفح في شباط وليس فيما بعد. رد أفيغدور ليبرمان على التهديدات، الذي اعتبره كثير في اليسار والوسط بشرى كبيرة، هو المزيد من القوة، بدءاً من احتلال جبل الشيخ السوري ومروراً بقطاع أمني واسع جداً في لبنان، وانتهاء بتجويع غزة.

إن تعلم دروس التاريخ ليس الجانب القوي لديه. يئير لبيد يطرح بين الحين والآخر حلماً صغيراً، لكنه يحذر من أي كلمة حول الحاجة إلى عملية سياسية.

خيبة الأمل الكبيرة (في هذه المرحلة) جاءت ممن كان يبدو أنه سيقود خطاً واضحاً في شؤون السلام والأمن: يئير غولان تغير منذ أن شكل حزب الديمقراطيين. في الحقيقة، هو يتحدث عن “الانفصال”، لكن حلم “الدولتين” بالضبط مثل حلم السلام لدى غولدا مئير، فهو ليس على الأجندة من ناحيته، ولن يوجد في السنوات القادمة أيضاً. تهنئته بالسنة الجديدة مليئة بالنوايا الحسنة، لكن عملية سياسية مع الفلسطينيين لم تذكر فيها. البرنامج الاستراتيجي الذي نشره مع تشيك فرايلخ (“هآرتس”، 14/10) يبدو كوثيقة عمل ليس فيها إلهام، وهي من إنتاج هيئة الأمن القومي، ومبنية على افتراض غير واضح يقول إن الحرب أبعدت احتمالية الحل السياسي “لسنوات كثيرة”.

عندما طرحت غولدا مئير حلمها المتشائم، كانت معظم الدول العربية لا تزال ملتزمة بتدمير إسرائيل. ولكن منذ 22 سنة ومبادرة الجامعة العربية تقف أمام إسرائيل، وتطالب بإنهاء النزاع والتوقيع على اتفاق سلام والتطبيع معها مقابل انسحاب إسرائيل إلى حدود 1967. هذا موقف أفضل صديقاتنا التي تدعو إلى خلق أفق سياسي لتحريك خطوات إقليمية تعزز المشروع الصهيوني.

لكن متى سمعتم زعيماً مركزياً في إسرائيل يتحدث عن اقتراح السلام هذا؟ مشكوك فيه أنهم قد أجروا حوله نقاشاً واحداً، رغم أنه التغيير الأكثر أهمية ووعداً في تاريخ النزاع. الانطباع الواضح الذي يبثونه أن أفقهم نسخة عن أخبار المساء، والتهديد الرئيسي هو فقدان مقعدين في الاستطلاعات. وما لم يخلعوا قفازاتهم السياسية ويطرحون بديلاً للإجماع العنيف، فقد حكم علينا الاستمرار في العيش هنا مع انعدام الأمن.

——————————————–

إسرائيل اليوم 20/10/2024

كيف سيؤثر “مقتل” السنوار على توجهات إيران النووية وسياستها في الإقليم؟

بقلم: د. يوسي منشروف

في غضون شهر، سجلت إسرائيل إنجازات غير مسبوقة تجاه “طوق النار” الإيراني: تصفية السنوار وقيادة حزب الله. ردت إيران بهجمة صواريخ ذات إنجازات محدودة، لكنها عكست مسيرة التعلم لدى طهران. ومن المتوقع لتصفية السنوار أن تؤثر على إيران في ثلاثة سياقات:

الأول – الضربة القاسية لحماس قد تعزز الأصوات التي تدعو في طهران إلى إنتاج سلاح نووي. فمنذ بضعة أشهر يجري حوار واسع في أروقة النظام وفي وسائل الإعلام في هذا الموضوع. فطهران تلاحظ أن قدرة ردعها ضد إسرائيل تآكلت، عقب ضربة لمنظومة الوكلاء الإيرانية. ودخلت طهران نفسها مباشرة إلى ساحة القتال ضد إسرائيل في نيسان. وعقب هذه التطورات، شعرت إيران بأنها مكشوفة وهناك في النظام من يسعون لتحسين قدرة الردع من خلال إقامة ميزان رعب نووي. جاء التعبير الأولي عن ذلك في أيار، مع تهديدات كمال حرازي، أحد مستشاري خامنئي الكبار وبموجبه ستطور إيران قنبلة إذا ما هاجمت إسرائيل منشآتها النووية.

النقاش في طهران حول إنتاج السلاح النووي تعاظم منذ بداية أكتوبر. فأصوات في دوائر الحرس الثوري، البرلمان والمعسكر المحافظ، دعت النظام إلى الانسحاب من ميثاق منع نشر السلاح النووي (NPT) وإنتاج قنبلة نووية. بالمقابل، أعلن نائب الرئيس للشؤون الاستراتيجية محمد جواد ظريف بأن تطوير قنبلة نووية لن يجلب لإيران الأمن أو الردع، وأن خامنئي نفسه يؤيد الإبقاء على العقيدة الحالية لأسباب استراتيجية. عزت الله يوسفيان مولا المحلل المتماثل مع المعسكر المعتدل، حذر من أن الخطاب العلني حول الحاجة لإنتاج قنبلة نووية يخدم إسرائيل وقد يؤدي إلى عقوبات شديدة.

الثاني – ضربة حماس تثقل على البرنامج النووي تصفية إسرائيل والذي لحماس فيه مكان مركزي إلى جانب حزب الله.

الثالث – تصفية السنوار تؤثر على علاقات إيران – حماس. فقد كان السنوار مهندس ترميم العلاقات بين الطرفين، بين الشرخ الذي نشأ عقب تأييد جزء من حماس للثوار في سوريا. إذا ما تثبت تيار مشعل في قيادة المنظمة فقد يمس بالعلاقات مع إيران.

على إسرائيل استيعاب الفجوة الثقافية بينها وبين أعدائها في محور المقاومة. رغم الضربة، فهم لا يعتزمون الاستسلام، وعلى إسرائيل أن تستعد لحرب طويلة وعنيدة. إلى جانب استمرار الضغط العسكري، عليها أن تدفع قدماً بحملة ضد منظومة حزب الله وحماس المالية في أرجاء العالم، ودمج حرب وعي شاملة للتطلع لتفكيك أساساتهم الاجتماعية. على إسرائيل أن تفكر بعرض مردودات لمن يقدم مساعدات استخبارية، وإدارة حملة وعي ضد الاستغلال التهكمي للبنية التحتية المدنية وتعزيز دوائر محلية تعارض منظمات الإرهاب.

في ضوء ترقب لتصاعد تبادل الضربات مع إيران، على إسرائيل التفكير في تطوير سلاح صواريخ يشكل ذراعاً طويلة لضرب أهداف استراتيجية في طهران. كل هذا في ظل جس النبض للاكتشاف إذا كانت قيادة حماس المتبلورة ناضجة للصفقة بشروط إسرائيل.

——————————————–

معاريف 20/10/2024

الملك الأردني بين “التنفيس” الداخلي وحفظ العلاقات مع إسرائيل: ماذا عن الحرب الدينية؟

بقلم: د. شاي هار تسفي

عملية إطلاق النار التي نفذها مخربان اجتازا الحدود الأردنية إلى إسرائيل بزي عسكري للجيش الأردني أول أمس قرب البحر الميت، تعكس تعاظماً في التهديدات طرأ من الوسيط الأردني في السنة الأخيرة.

ينبغي أن تضاف إلى هذا العملية التي نفذها مواطن أردني في معبر اللنبي قبل نحو خمسة أسابيع قتل فيها ثلاثة إسرائيليين، ومحاولات من جانب إيران ومحافل الإرهاب استغلال الحدود الطويلة 308 كيلومترات والفالتة في قسم منها بين إسرائيل والأردن؛ لتهريب السلاح والوسائل القتالية إلى الضفة. منذ نشوب الحرب، بدا واضحاً أن إيران تبذل جهوداً عديدة في محاولات لضعضعة الاستقرار الداخلي في المملكة، بسبب الأهمية الجغرافية – الاستراتيجية واعتبارها الخاصرة الرخوة للمعسكر المؤيد لأمريكا في المنطقة. الفكرة الإيرانية التي تقول إن الأردن أدى دوراً فاعلاً في صد هجمة الصواريخ والمُسيرات في 13 نيسان، فاقمت التوتر بين الدولتين.

عملياً، منذ بداية عهد عبد الله كملك للأردن قبل نحو ربع قرن، برزت العلاقات المعادية بين الدولتين. وكما أسلفنا، حذر عبد الله قبل نحو عقدين، من الخطر الكامن في الجهود الإيرانية لتثبيت “الهلال الشيعي” في أرجاء الشرق الأوسط وتوزيع نفوذه بين دول المنطقة.

يبدو أن إيران تحاول استغلال الانقسام العرقي لسكان الأردن، وبخاصة أن نصف سكان المملكة الذين يعدون نحو 11 مليون نسمة هم من أصل فلسطيني ولاجئون هاجروا من العراق وسوريا في العقدين الأخيرين.

تعبير ذلك نراه في المظاهرات التي جرت في الأردن بعد تصفية يحيى السنوار، التي أطلقت فيها هتافات مؤيدة لحماس والثأر من إسرائيل. في الانتخابات الأخيرة للبرلمان الأردني التي انعقدت قبل نحو شهر، فاز حزب جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسي للإخوان المسلمين بـ 31 مندوباً، يشكلون نحو خُمس المقاعد في المجلس النيابي.

حتى لو كانت قوة البرلمان محدودة للغاية وعملياته متعلقة بالملك، لكن الحديث يدور عن أحد الإنجازات الأهم للحزب منذ الأزل – إنجاز يمكن أن نعزيه في قسم منه على الأقل لتضامن أجزاء من السكان مع حماس.

يحاول الملك عبد الله منذ بداية الحرب المناورة بين الاضطرارات والضغوط الداخلية، ومصالح المملكة الاستراتيجية والأمنية. لهذا الغرض، يتخذ سياسة ثنائية؛ فمن جهة، يسمح لدوائر المعارضة بـ”التنفيس”، من خلال إعطاء إمكانية لعقد المظاهرات، وإبراز المساعدات الإنسانية التي ينقلها الأردن إلى سكان القطاع، وإعادة السفير الأردني في إسرائيل وإطلاق نقد لاذع تجاه إسرائيل من جانب كبار مسؤولي النظام، وعلى رأسهم الملكة رانيا ووزير الخارجية الصفدي. ومن جهة أخرى، يمتنع الملك عن خطوات حقيقية تمس بالعلاقات مع إسرائيل بشكل مباشر وجوهري.

يشكل الأردن في العقود الأخيرة وأساساً منذ التوقيع على اتفاق السلام، لبنة مركزية للمعمار الأمني الإقليمي لإسرائيل. في ضوء ذلك، يجب أن تركز السياسة الإسرائيلية تجاه المملكة على ثلاثة مداميك مركزية: حفظ اتفاق السلام، وتعميق التعاون الاستراتيجي متعدد الأبعاد، والمساعدة في ضمان استقرار المملكة الهاشمية.

لهذا الغرض، على إسرائيل العمل في عدة أبعاد بالتوازي:

البعد السياسي، بترميم منظومة العلاقات مع القيادة الأردنية، بخاصة في ضوء العلاقات العكرة بين رئيس الوزراء نتنياهو والملك عبد الله. وبالتوازي إبداء حساسية في التعاطي مع الملكة رانيا رغم أقوالها القاسية.

البعد الأمني، ينبغي تعزيز القوات وتحسين الحراسة متعددة الأبعاد في الحدود الشرقية، في ظل استثمار المقدرات المالية اللازمة.

البعد الاقتصادي – المدني، ينبغي أن تقدم إلى الأردن أقصى المساعدات الممكنة، خصوصاً في ضوء الضائقة الاقتصادية ونقص المياه؛ الذي قد يفاقم النقد تجاه النظام. عملياً، على إسرائيل الموافقة على الطلبات الأردنية بتمديد اتفاقات المياه لفترات طويلة.

وأخيراً البعد الديني، ينبغي الامتناع عن التصريحات التي تمس بمكانة الملك عبد الله الخاصة كحارس الأماكن المقدسة في القدس بشكل قد يضعضع شرعية الملك؛ وفي سيناريو أخطر قد يشعل حرباً دينية.

——————————————–

هآرتس 20/10/2024

لحكومة نتنياهو: ما حجتكم لمنع الصفقة بعد “مقتل” السنوار؟

بقلم: أسرة التحرير

تعقيب الرئيس الأمريكي بايدن على مقتل زعيم حماس يحيى السنوار، دعوة توجيه مهمة لإسرائيل. استهل بايدن حديثه معترفاً أنه “يوم جيد لإسرائيل والولايات المتحدة وللعالم”، وأكد بأن لإسرائيل الحق في إبادة القيادة وبنية حماس العسكرية، وأشار إلى أن “حماس لم تعد قادرة على تكرار هجمة مثل تلك التي في 7 أكتوبر”.

وفي الوقت نفسه، قال الرئيس بايدن إنه ينبغي الآن “البحث في السبل لإعادة المخطوفين لعائلاتهم، وإنهاء الحرب هذه مرة واحدة وإلى الأبد، بعد أن تسببت بهذا القدر الكبير من المعاناة للأبرياء”، وإن الوقت حان للبحث في “اليوم التالي” في غزة بدون حماس. واعترف بأن السنوار كان عائقاً لا يمكن التغلب عليه لحل سياسي أمام الشعبين. أما الآن، فعلى إسرائيل أن تتغلب أيضاً على العوائق التي لديها.

بايدن محق. لقد قتلت قوات الجيش الإسرائيلي معظم الأشخاص الذين كانوا مسؤولين عن خطة الهجوم على إسرائيل في 7 أكتوبر. كما أن قيادة حزب الله، وعلى رأسها حسن نصر الله، قتلت في معظمها. هذه هي لحظة إسرائيل لاستغلال الأعمال العسكرية كرافعة لخطوات سياسية. عليها أن تتجند بشكل كامل للمفاوضات لإعادة الـ 101 مخطوف المحتجزين في قطاع غزة.

في أثناء السنة الأخيرة، صد نتنياهو وحكومته محاولات تعزى لهم لعرقلة مقصودة لأي صفقة لتحرير المخطوفين بسبب رغبة في مواصلة الحرب، عقب تخوف نتنياهو من تفكك الائتلاف. ورفضوا هذه التفسيرات رفضاً باتاً وشددوا على أن الحاجز للصفقة هو السنوار. أما الآن، حين بات السنوار خارج الصورة، فأمام نتنياهو وحكومته فرصة لإثبات التزامهم بتحرير المخطوفين.

يقدر الجيش الإسرائيلي بأن موت السنوار خلق ظروفاً أفضل للصفقة منذ بداية الحرب، ويرون في مقتله حدثاً سيوقظ المفاوضات المتجمدة، ويعتقدون أن على إسرائيل عدم تفويت الفرصة.

إن الحرب الدائرة في الجنوب والشمال منذ أكثر من سنة، تنطوي على ثمن لا يطاق. لا يجب السماح لقصور الحرب الذاتي بجر إسرائيل أكثر في داخلها: تحويل لبنان إلى غزة، وإعلان الحرب على إيران، ومواصلة تسوية غزة بالأرض. على إسرائيل أن تسعى لإعادة المخطوفين وإنهاء الحرب، في الجنوب والشمال. وعليها العمل كتفاً بكتف مع حلفائها وعلى رأسهم الولايات المتحدة، للدفع قدماً بتغيير استراتيجي في الشرق الأوسط يتضمن تطبيعاً مع السعودية، المشروط بحل سياسي مع الفلسطينيين.

——————————————–

هآرتس 20/10/2024

وثائق سرية: المخابرات الأمريكية في اطلاع مباشر على استعدادات إسرائيل لضرب إيران

بقلم: عاموس هرئيل

ربما سيكون هذا أسبوعاً أصخب من المعتاد في الشرق الأوسط، حتى بمفاهيم الآونة الأخيرة. ربما أطلق حزب الله، بمساعدة إيرانية، مسيرة من لبنان تفجرت وتسببت بأضراب قرب بيت رئيس الحكومة نتنياهو في قيسارية. هذا المر قد يجر رداً من جانب إسرائيل، التي هي أصلاً تستعد لمهاجمة إيران رداً على هجوم الصواريخ البالستية عليها في 1 تشرين الأول الحالي. تتسرب من الولايات المتحدة وثائق حول عمق استعدادات إسرائيل للهجوم.

موت زعيم حماس يحيى السنوار، أول أمس، في رفح غاب عن العناوين، وهناك شك كبير اليوم إذا كان سيتم استغلال نهاية السنوار في محاولة لإحياء المفاوضات حول صفقة المخطوفين، رغم أن وضع الـ 101 مواطن وجندي، المحتجزين في قطاع غزة، أصبح أكثر يأساً. أمس، قتل في مخيم جباليا للاجئين جنديان من لواء المدرعات 401 وأصيب ضابط بإصابة بليغة.

أطلق صباح أمس ثلاث مسيرات متفجرة نحو قيسارية و”غليلوت”، اثنتان منها اعترضهما سلاح الجو، وتفجرت الثالثة، كما قلنا، قرب منزل نتنياهو. رئيس الحكومة وأبناء عائلته لم يكونوا في المنزل وقت الانفجار. الرقابة أخرت النشر حول الإصابة ساعة تقريباً إلى أن سمح بالنشر في وسائل إعلام سعودية وقطرية. أصبح اعتبار الرأي العام غريباً أكثر.

من الجدير عدم تجاهل الأهمية التي ترافق الحدث إلى جانب النكات التي خرجت عن حب أبناء عائلة نتنياهو للحصول على تعويضات مبالغ فيها على حساب الدولة. لدى حزب الله، وربما لدى محور إيران بشكل عام، سلاح دقيق ومستعد للمخاطرة بمحاولة المس بشخصيات إسرائيلية رفيعة. تدل العملية في قيسارية على القدرة على جمع المعلومات الاستخبارية المخططة والدقيقة. بعد سلسلة عمليات الاغتيال المنسوبة لإسرائيل في طهران وبيروت وغزة، يبدو إغلاق الحساب أفضلية عليا من ناحيتهم. منظومة حماية الشخصيات الإسرائيلية الرفيعة في البلاد والخارج ستحتاج إلى تكيف مع ذلك، إضافة إلى تقليل الظهور العلني فترة الحرب.

الضربة في قيسارية، بما يشبه الضربة التي قتل فيها أربعة جنود من “غولاني” الأسبوع الماضي، كشفت الصعوبة التي تواجه منظومة الدفاع الإسرائيلية في التعامل مع المسيرات. بعد ذلك، استمر إطلاق نار كثيف من الصواريخ نحو شمال البلاد خلال الصباح والظهر. قتل مواطن بشظايا الاعتراض قرب “كريات بيالك” وأصيب 14شخصاً بسبب سقوط صواريخ في “شلومي” و”كريات آتا”. في الواقع، تراجع حزب الله وتكبد ضربات في جنوب لبنان وقتل جزء كبير من قيادته. ولكنه يحتفظ بقدرة معينة على مهاجمة الجبهة الداخلية الإسرائيلية وتشويش روتين الحياة فيها. إضافة إلى ذلك، يبدو أن هناك منحى من التعافي في كل ما يتعلق بمنظومة نيران حزب الله.

محاولة اغتيال نتنياهو قد تؤثر على اعتباراته في اتخاذ القرارات حول طريقة رد إسرائيل في إيران ولبنان، حيث هاجم سلاح الجو الضاحية الجنوبية ظهراً بشكل استثنائي مقارنة مع الأسبوع الماضي. واتهم وزراء الحكومة إيران بالمسؤولية عن إطلاق المسيرة، ما ساهم في زيادة التوقعات بشأن الرد المتوقع. في الفترة الأخيرة، هدد نتنياهو ووزير الدفاع برد قريب على هجوم إيران الباليستي. وكان نتنياهو اتهم طهران بالهجوم، وقال إن “وكلاء إيران الذين حاولوا اليوم اغتيالي أنا وزوجتي، ارتكبوا خطأ كبيراً”.

قال الرئيس الأمريكي بايدن، أمس أثناء زيارته لبرلين، بأنه يعرف كيف ومتى سترد إسرائيل على هجوم إيران. تريد الإدارة الأمريكية تعميق التنسيق مع إسرائيل، بواسطة نشر منظومة صواريخ الاعتراض “ثاد”، لكنها تريد أيضاً كبح طبيعة الرد. في هذه الأثناء، تسربت وثائق سرية توثق متابعة مفصلة لوكالات المخابرات الأمريكية لاستعدادات إسرائيل للهجوم. وقد تم الحديث فيها عن مناورة أجراها سلاح الجو الأسبوع الماضي، حاكت هجوماً ضد إيران. جاء التسريب بعد يومين على إعلان الولايات المتحدة عن هجوم أمريكي باستخدام قاذفات ثقيلة من نوع “بي 2” على أهداف عسكرية للحوثيين في اليمن في أعماق الأرض. ويبدو أن حملة أمريكية تجري هنا بهدف ردع نظام طهران وإجباره على كبح تصرفاته، لمنع اشتعال إقليمي آخر حتى الانتخابات الرئاسية في 5 تشرين الثاني القادم.

ما بعد السنوار

إن موت السنوار، في تصادم بالصدفة مع قوات من مدرسة قادة الفصائل ووحدة مدرعات، أثار الآمال بتقدم جديد في المفاوضات حول المخطوفين. نهاية السنوار تعكس هزيمة حماس عسكرياً، التي قتل منها في الحرب حوالي 80 في المئة من قيادتها العليا ومعظم المشاركين في 7 أكتوبر، لكن يصعب في هذه المرحلة رؤية كيف سيؤدي هذا الأمر إلى انعطافة قريبة نحو عقد الصفقة.

تنقسم أسباب ذلك بين جانبي المتراس. إسرائيل وضعت وبحق قتل السنوار هدفاً رئيسياً، لأن موت كبار قادة حماس يبث تصميمها على إغلاق الحساب عن كل المسؤولين عن تخطيط المذبحة. في الوقت نفسه، كان واضحاً أن ذلك سيضعف منظومة اتخاذ القرارات في حماس. وفي السنة التي كان فيها هارباً، قاد السنوار سياسة حماس ونجح في السيطرة عليها وإن كان الاتصال بينه وبين العالم الخارجي متقطعاً. الآن ليس لحماس زعيم مفهوم ضمناً، وأي وريث سيجد صعوبة في السيطرة على المخربين الذين ينتشرون في القطاع، وتوجيه خطوات حماس في القتال وفي المفاوضات.

تصبح المشكلة أشد عندما يدور الحديث عن المخطوفين. في الحقيقة، حماس تحتجز معظمهم، ولكن هناك مخطوفين وجثثاً لدى “الجهاد الإسلامي” ولدى عائلات محلية وعائلات جريمة. حسب بعض التقديرات، سيكون وريث السنوار هو شقيقه الأصغر محمد، الذي سيجد صعوبة في فرض سلطته على الفصائل والعائلات وإملاء سياسة مشتركة في المحادثات غير المباشرة مع إسرائيل. الطلبات المتشددة التي طرحها السنوار حتى موته ربما تقيد الجيل التالي في القيادة.

حتى إطلاق المسيرة نحو قيسارية، ظهر نتنياهو أقل انفعالاً من الإنجاز الذي يتمثل بقتل السنوار. يحاول مؤيدوه عرض ذلك كدليل على أنه أدار استراتيجية محسوبة طوال الطريق. رفضه وقف إطلاق النار وتصميمه على القتال في كل الجبهات أديا -حسب رأيهم- إلى قتل معظم قادة المحور الراديكالي في الشرق الأوسط: السنوار وشريكيه إسماعيل هنية ومحمد ضيف؛ وكبار قادة حزب الله من حسن نصر الله ووريثه لفترة قصيرة هاشم صفي الدين، ورئيس أركان الحزب فؤاد شكر.

عملياً، بدا أن نتنياهو مقيداً خلال فترة طويلة بمساحة مناورته بسبب الحلف غير المقدس الذي عقده مع شركائه في اليمين المتطرف في الائتلاف. إن رفضه التنازل ساهم في الأشهر الأخيرة في موت عشرات المخطوفين، الذين قتل بعضهم على يد حماس، ومات آخرون بسبب ظروف الأسر القاسية. مقتل السنوار لا يتوقع أن يلين مواقف الجناح المتطرف في الحكومة، بل العكس؛ الوزيران سموتريتش وبن غفير سارعا إلى نشر نداءات لمواصلة محاربة حماس، إلى جانب المطالبة بعدم التنازل في المفاوضات.

الأمريكيون يواصلون نشر مناورات متفائلة. عملياً، بعد المس بالسنوار لا توجد أي إشارة على مرونة إسرائيلية أو تفكير بالندم بين الباقين في قيادة حماس. تستمر عملية الجيش الإسرائيلي في شمال القطاع الآن، مع تشديد الضغط على سكان مخيم جباليا. قتل أمس في حادثة في المخيم جنديان من سلاح المدرعات – الرقيب أول أوفير باركوفيتش (20 سنة) من “موديعين”، والشاويش اليشاي يونغ (19 سنة) من “ديمونة”، بإصابة صاروخ مضاد للدروع.

رغم عمليات إسرائيل، لا يظهر الآن هرب للسكان نحو الجنوب. بعد طلب أمريكي صريح، سمح الجيش الإسرائيلي بدخول المساعدات الإنسانية إلى المنطقة، لكن ظروف الحياة هناك تزيد صعوبة، وقد تعرض حياة الكثير من المدنيين للخطر، بينهم كما يبدو المخطوفون الإسرائيليون.

——————————————–

إسرائيل اليوم 20/10/2024 

معضلة إسرائيل: الانتظار أم الرد

بقلم: العميد احتياط تسفيكا حايموفتش

تصفية زعيم حماس يحيى السنوار هي حدث يصمم واقعا جديدا لكن من السابق لاوانه تقدير نتائجها.

منذ نحو سنة تخوض إسرائيل حربا متعددة الساحات في سبع ساحات، قريبة وبعيدة. بدأت الحرب في 7 أكتوبر 2023 كحرب ضد حماس في غزة كهدف أساس، في ظل الإصرار على مدى كل السنة للإبقاء على الساحة الشمالية مع حزب الله كساحة ثانوية. انضمام الميليشيات الإيرانية في العراق والحوثيين من اليمن لم يغير التركز ولم يحرف إسرائيل عن أهدافها، وعن حق. 

كان معروفا لكل ذي عقل قبل بداية الحرب – وبقوة اكبر بعد نشوبها – ان ايران هي المطلقة الأساس للجبهات ولطوق النار الذي بنته ليوم الامر على مدى اكثر من عقد. لكن فقط في ليل الهجوم الاول في 14 نيسان واساسا في ليل الهجوم الثاني في 1 أكتوبر، نشأت معضلة فتح جبهة مباشرة واضافية – معركة ضد ايران. 

ان القرار في معركة مباشرة ضد ايران هو قرار ثقيل الوزن ولا يشبه قرار المعركة ضد حماس في قطاع غزة أو حتى ضد حزب الله في لبنان. ثلاثة أسابيع منذ ليل الهجوم الثاني وإسرائيل الرسمية تعلن أنها سترد بحزم على الهجوم غير المسبوق. 

لقد خلقت تصفية السنوار فرصة لبلورة استراتيجية. ينبغي التقدير بان تحقيق الهدف ضد ايران يمر عبر تصفية نصرالله في بيروت والسنوار في رفح. تصفية اللاعبين الهامين، اللذين بنتهما ايران كسترة واقية متقدمة لحفظ مخططاتها الهدامة، تشكل فرصة لضربة ذات مغزى لنواياها وقدراتها. وعليه فاذا كان الجواب على ذلك سيكون تأجيلا للرد الإسرائيلي – فيمكن ومن الصواب تأجيله. 

بتقديري، كل تأجيل إسرائيلي للرد، بالتوازي مع نشر بطارية ثاد الامريكية في إسرائيل ومواصلة اعمال الهجوم الامريكية كتلك التي في الأسبوع الماضي ضد الحوثيين في اليمن، سينقل رسالة. لقد هاجمت الولايات المتحدة في اليمن بقاذات B1 التي قطعت كل الطريق من الولايات المتحدة وعائدة وهي تقصف بنى تحتية تحت أرضية. فالانفجارات في صنعاء سمعت حتى في ايران. هذه اعمال تنقل أيضا رسالة مباشرة لإسرائيل بالنسبة لفتح معركة وتصعيد مع ايران، قبل أسابيع من الانتخابات في الولايات المتحدة. تأجيل وتأخير اضافيان يقرباننا من موعد الانتخابات في الولايات المتحدة، التي توجد لها يد على زر القرارات.

لا شك أن الولايات المتحدة كانت تريد أن ترى تأجيلا في الرد الإسرائيلي على الأقل حتى ما بعد الانتخابات في تشرين الثاني او على الأقل ان ترى ردا طفيفا لا يدهور الشرق الأوسط الى حرب إقليمية. لكن هل هذا يتلاقى والمصالح الإسرائيلية في هذه النقطة الزمنية؟

حتى الان حققت إسرائيل إنجازات غير مسبوقة بوسعها أن ترمم الردع الإسرائيلي وتشكل بنية جيدة لظروف امن واحساس امن لمواطنيها. عمليا، هي وحدها كانت تكفي للوصول الى آلية انهاء للحرب وتسوية بشروط تمليها إسرائيل. لكن في الواقع الناشيء لا يمكن قطع آلية الانهاء دون تناول الواقع الناشيء تجاه ايران واجتياز حاجز النار المباشرة نحو إسرائيل؛ واقع سيبقى يرافقنا لزمن طويل آخر وسيؤثر على الامن القومي وعلى مفهوم حماية حدود إسرائيل. 

* العميد احتياط تسفيكا حايموفتش قائد منظومة الدفاع الجوي سابقا ومستشار استراتيجي حاليا

——————————————–

هآرتس ذي ماركر 20/10/2024

نتنياهو يجب أن يقرر: إما السعي الى انهاء الحرب أو تدمير اقتصاد اسرائيل

بقلم: ناتي توكر

لقد كان لمقتل زعيم حماس في غزة، يحيى السنوار، في يوم الخميس الماضي اثناء مواجهة مع جنود في رفح، تأثير غريب على سعر الشيكل. رغم أن الحادثة خلقت فوضى قيادية في غزة واستدعت تهديدات من قبل حزب الله وغيره بتشديد الهجمات ضد اسرائيل، فان الشيكل بالذات تعززت قيمته.

الشيكل تعزز بعد نشر نبأ مقتل السنوار، من 3.75 شيكل للدولار الى 3.70. المرة السابقة التي كان فيها الشيكل حول هذه النسبة كانت في 25 ايلول عندما انتشرت الانباء عن مبادرة امريكية لوقف الحرب في لبنان، التي لم تتحقق في نهاية المطاف. الاسواق تحب وقف النار، والاموال في حينه تدفقت الى العملة المحلية.

ايضا الآن في الاسواق يظهرون التفاؤل ويأملون بأن احداث يوم الخميس تبشر بنهاية الحرب، أو على الاقل نهاية المرحلة الحالية فيها.

مقتل السنوار يبرز فقط الفهم الذي يقول بأن اسرائيل استنفدت القدرة على استخدام القوة العسكرية الكثيفة من اجل تحقيق أي اهداف في المعركة الحالية. وقد اصبح من الواضح للجميع أن اعادة الـ 101 مخطوف، الهدف الذي اهملته الحكومة الحالية حتى الآن، لن تتحقق بالوسائل العسكرية.

بعد الهزيمة المريرة والاهمال السياسي والامني الذي تكشف في 7 اكتوبر 2023. فقد قضت تقريبا على كل القيادة العليا في التنظيمات الارهابية المحيطة بها والتي هاجمتها في السنة الماضية. صورة النصر يبدو أنه تم تحقيقها: من نفذ مذبحة 7 اكتوبر، مستلقي وهو مهان وميت تحت انقاض بيوت غزة وتحت ارجل جنود الجيش الاسرائيلي. 

اسرائيل ليس من شأنها أن تعود الى الوضع الذي كان قبل 7 اكتوبر. نظريتها الامنية ستتغير بشكل جوهري، بالطبع، وستحتاج الى المزيد من القوة البشرية والتكنولوجية. ايضا العملية العسكرية في لبنان يبدو أنها ستستمر لفترة من اجل ازالة التهديد المستقبلي على حدود اسرائيل. مع ذلك، افق انهاء الحرب لا يمكن رؤيته بوضوح في المرحلة الحالية.

موت السنوار هو انعطافة في هذه المنظومة العسكرية. لن يكون لاسرائيل صور نصر اخرى، ولم يبق لها أي اهداف عسكرية اخرى ذات اهمية معنوية. الاهداف السامية الآن هي اعادة المخطوفين واعادة سكان الشمال الى بيوتهم بأمان. ومن الواضح للجميع أن هذا سيتم تحقيقه فقط بالاتفاق.

 حرب مزمنة

الى جانب المعركة العسكرية يجب علينا عدم نسيان الساحة الاقتصادية. الاسواق تتوقع أن تسعى الحكومة الآن لانهاء الحرب.

هذا الانهاء، أو على الاقل طرح خطوط عامة له، كان يمكن أن يشجع الحكومة على الخروج بمبادرة سياسية في محاولة لاعطاء استقرار اقليمي معين، ولكن الحكومة الحالية، لاسباب سياسية فقط ولارضاء قوائم الائتلاف، لا تنشغل بالقضايا الاستراتيجية، وهي معنية بالابقاء على وضع القتال بدون أي نهاية تظهر في الأفق. 

الخوف الاساسي للاسواق هو من تمترس اسرائيل في معركة سياسية دون موعد نهائي لها، مع تكلفة عالية ومواصلة المس بسوق العمل والاقتصاد – استمرار الارتفاع في علاوة المخاطر في اسرائيل.

فقط في الاسبوع الماضي نشر المكتب المركزي للاحصاء بيانات الانتاج القومي الخام المحدثة (التقدير الثالث للحسابات القومية في الربع الثاني للعام 2024)، الآن هو يقدر بأن النمو في الربع الثاني من هذا العام كان تقريبا صفر – 0.3 في المئة، مقابل الربع السابق بحساب سنوي.

التغيير الاساسي بين التقدير الثاني والثالث (الذي هو ايضا شمل تحديثا مهما نحو الاسفل لرقم النمو مقابل التقدير الاول)، نبع من تأثير الرقم على الارتفاع في النفقات للاحتياجات العامة، الذي انخفض من زيادة تبلغ 8.2 في المئة في التقدير الثاني الى 5.3 في المئة. بكلمات اخرى، ايضا سياسة الحكومة التوسعية، التي هي تشويه بحد ذاتها، لم تنجح كما هو متوقع في تسريع عجلة الاقتصاد.

الخوف من خلق “تطبيع جديد” لاقتصاد اسرائيل لحالة القتال المستمر، تم ذكره في تقرير شركة التصنيف الائتماني موديس، التي خفضت بدرجتين التصنيف الائتماني للحكومة قبل شهر تقريبا. في الشركة أوضحوا بأنه بسبب عدم وجود لاسرائيل استراتيجية خروج من الحرب فانها غارقة في سياسة ادارة الحرب، التي تشمل اعتبارات سياسية، واحتمالية التعافي بسرعة لم تعد قائمة. هذا هو سبب أنهم في الشركة ما زالوا حتى الآن يبقون ايضا افق تصنيف سلبي لاسرائيل. 

اثناء الحرب تدهور وضع اسرائيل بشكل حاد تقريبا بكل المقاييس. ليس فقط أن الانتاج يتخلف 5 في المئة مقابل الامكانية الكامنة، بل ايضا العجز اعلى من المتوقع (قفز الى 8.5 في المئة في ايلول)، والدين قفز، وعلاوة المخاطرة قفزت، كما ينعكس ذلك في تفاوت العائدات على السندات الاسرائيلية مقارنة مع السندات الامريكية، وفي اسعار الـ سي.دي.اس (بوليصة التأمين ضد افلاس حكومة اسرائيل).

وزير المالية بتسلئيل سموتريتش اعتاد على التلويح بأداء مؤشر تل ابيب 35 في البورصة، الذي ارتفع 12.8 بالمئة منذ بداية السنة. ولكن ايضا هذا المؤشر يعرض عائد مفقود، مؤشر الاسهم الامريكي اس آند بي 500 مثلا ارتفع في نفس الفترة 23 في المئة. 

صورة نصر

الحكومة حصلت الآن على حبل النجاة الاخير. التصفية غير المخطط لها للسنوار تعطيها صورة النصر. في هذه الانعطافة كان يمكن أن تخرج الحكومة الى الانتخابات وأن تطالب مرة اخرى بتأييد الشعب. هذا كما يبدو لن يحصل، لكن على الاقل يجب على الحكومة التصرف بمسؤولية وتعمل على اعادة المخطوفين وانهاء الحرب. من اجل ذلك توجد حاجة الى عرض خطة تعافي شاملة تتضمن ميزانية للعام 2025 مع تعديلات مهمة ومؤلمة، لكن ايضا مع خطوات حقيقية لتسريع النمو واعادة ترميم المناطق التي تضررت.

لكن الحكومة التي لا تعمل من خلال خطة استراتيجية واضحة، والتي الرؤساء فيها يضربون بعضهم البعض طوال الوقت، والتي فشلت في كل عملية سياسية – يمكن أن تتخذ ايضا قرارات مختلفة في هذه الانعطافة. الخوف هو من أن التيارات المتطرفة في الحكومة، التي تقرر مصير الحكومة، ستختار مواصلة الحرب بدون فائدة وبدون موعد نهائي. ثمن استمرار القتال الشديد سيكون باهظا: ارتفاع آخر في النفقات الامنية، عجز اكثر عمقا، ارتفاع النسبة بين الدين والانتاج، مواصلة هروب المستثمرين، انخفاض في النمو وفي الارباح الشخصية لمواطني اسرائيل.

نقطة الانعطاف يمكن أن تظهر ايضا كنقطة اللاعودة. اذا لم تعمل الحكومة في الوقت الحالي على انهاء الحرب بواسطة حبل النجاة الصدفي الذي اعطي لها فانها ستثبت للاسواق بأنه لا يوجد لها قيامة حقيقية. الرؤية بخصوص الاخطار الجيوسياسية ستترسخ جذورها اكثر، وسيكون من الصعب اكثر بعد ذلك تسويق اسرائيل بواسطة “قصة” عن دولة هايتيك مزدهرة وحديثة.

هذا مفترق طرق آخر لاتخاذ القرارات الحاسمة بالنسبة لرئيس الحكومة نتنياهو. ولكن من ناحيته يبدو أن الهدف الاكثر اهمية هو البدء في ادلاء شهادته في محاكمته الجنائية التي يمكن أن تستأنف في بداية كانون الاول القادم.

——————————————–

كاتب إسرائيلي: ما بدأه السنوار سيغير تاريخ العالم إلى الأبد

 السبت 19/أكتوبر/2024 

ألون مزراحي، 

إن رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، يحيى السنوار، “مات موتاً مشرفاً، موت محارب مع رجاله، واحداً مع شعبه، في دفاعه عن أرضه ضد محتل يسعى للإبادة ولم يسقط في عمل غير لائق.. لقد رحل وهو يقاوم”. 

وأضاف في المقال :

 ” لم يكن من الممكن أن يكتب آخر حلقة من حياة السنوار أفضل مما كتبه كاتب مسرحي موهوب؛ ليس في نفق، أو مخبأ سري، أو قصر بعيد، وليس أثناء الانخراط في عمل غير جدير، لقد مات وهو يقاوم”. 

وتابع:

 “إذا كان هناك كلمة واحدة يمكنني التفكير فيها لوصف هذه النهاية، فهي همنغواي. كان هذا أشبه بمشهد من رواية همنغواي عن فلسطين (ليس لدي أي شك في من سيدعم همنغواي في هذا الصراع)، فعندما رأيت المشهد تذكرت نهاية فيلم “لمن تقرع الأجراس”، حيث كان المتمردون يحتلون مواقع على تلة بينما كان الفاشيون يقتربون منهم بالطائرات والرشاشات، وهم يعلمون أنهم لا يملكون أي فرصة للبقاء على قيد الحياة”.

وأشار: 

“في لحظاته الأخيرة أدرك السنوار أن هذه هي النهاية بالنسبة له لكنه لم ينهار: فلسطيني فخور، من سكان غزة، ومسلم حتى آخر نفس، ولد في 1962 في خان يونس لعائلة من لاجئي عام 1948 من المجدل؛ كان عمره 5 سنوات عندما احتلت “إسرائيل” غزة، ولم تتخلى عنها حتى يومنا هذا (ولكنها ستفعل ذلك في النهاية)”. 

وحول الفيديو الأخير للسنوار عندما هاجم طائرة مسيرة وهو مصاب، قال الكاتب: “في آخر عمل من أعمال التحدي، ألقى بعض الحطام على طائرة بدون طيار تابعة للجيش الإسرائيلي، 

وبدأت أفكر: هل كان، وهو صبي صغير، يرمي الحجارة أيضًا على الجنود في غزة؟”

واختتم كلامه بالقول:

 “ما بدأه اللاجئ الذي قضى 22 عامًا في سجن إسرائيلي في السابع من أكتوبر سيغير تاريخ العالم إلى الأبد. العملية لا تزال في مراحلها الأولية”.

——————————————–

تصفية السنوار: تخبطات الرواية الاسرائيلية وانحسار اي افق سياسي

تقدير موقف، مركز تقدم للسياسات 

في كلمته بعد استهداف السنوار شدد نتنياهو على مسألتين تعكسان السياسة الاسرائيلية الرسمية للمرحلة التالية في غزة؛ فقد أعلن ان الحرب على غزة متواصلة ولا تنتهي بالاستهداف، ثم اشار الى نوعية الحرب في المرحلة القادمة حين قام بتهديد مباشر لكل “من يحتجزون المختطفين الاسرائيليين” بأن يقوموا بتسليمهم للجيش كي يبقوا هم على قيد الحياة.

في مؤتمره الصحفي يوم 19/10 شدد الناطق العسكري الاسرائيلي على حيثيات استهداف يحيى السنوار، وتكثيف شديد وموجه لرواية تسعى:

الى تفريغ الرواية الفلسطينية من عناصر البطولة. كان الناطق واضحا ومباشرا في توجهه الى الراي العام الاسرائيلي والفلسطيني والعربي على السواء. 

استهل الناطق كلامه بأن الجيش كان في تتبع دائم لتحركات السنوار والى انه كان في حالة هروب دائم وبأنه كان طريدا تحت اعين الجيش واجهزة الرقابة، وحرص على توفير أشرطة فيديو غير معروف مدى صدقيتها للإعلام ، يظهر فيها السنوار واسرته في الانفاق على انها من يوم 6/10/2023 وهو يعدّ مكان اقامته فيها استعدادا لهجوم اليوم التالي على اسرائيل. 

السعي لإظهار السنوار على انه ضمن لنفسه ولاسرته “كل ما لذّ وطاب” من ظروف “مريحة” في الانفاق. كما حاول ازالة صفة البطولة والمقاومة عنه حتى الرمق الاخير وهو يلفظ انفاسه الاخيرة وهو يلقي بعصاً نحو المسيّرة التي قامت بتصويره، باعتبارها الصورة التي انطبعت في اذهان الفلسطينيين والعرب وحتى عالميا. 

التركيز على نظريات ثابتة في المؤسسة تستهدف زرع الاحباط والهزيمة والمذلة في نفوس الفلسطينيين، والتي شكلت عنصرا مركزيا في تاريخ المشروع الصهيوني والصراع معه في فلسطين، اذ اعتبرت العقيدة الصهيونية والاسرائيلية العميقة بأن تاريخ النضال الفلسطيني هو اعمال عصابات ارهابية مصيرها الهزيمة والتهلكة.

ما كان لافتا في رواية الناطق العسكري في مؤتمره الصحفي الاسبق الاول بعد استهداف السنوار، هو:

التشديد على ان الاشتباك قد حصل عن طريق الصدفة. يبدو ان مفهوم “الصُدفة” موجّه الى المستوى السياسي الاسرائيلي وحصريا الى رئيس الوزراء نتنياهو، الذي تعرض لانتقادات وحملة ضغوطات مكثفة من قبل عائلات الاسرى والمحتجزين الاسرائيليين، الذين عبروا عن قلقهم من ان اسرائيل قد قتلت عنوان التفاوض حول ذويهم. 

استخدم نتنياهو بقاء السنوار حيا، شمّاعةً يلقي عليها امام الرأي العام مسؤولية تعويق صفقة التبادل، وذلك في مواجهة موقف عائلات الاسرى والمحتجزين الذي يحمّل شخصيا كامل المسؤولية عن تعويق ابرام الصفقة. كما عاد حراك التبادل والصفقة الى تجديد مظاهراته الاحتجاجية بدءا من 19/10 بعد انقطاع لأسبوعين بحجة الوضع الامني.

في اعقاب الانتقادات على التعتيم على حيثيات عملية استهداف السنوار، تراجع الجيش عن رواية “الصدفة” وعاد الى رواية مفادها التمييز بين “المفاجأة الوضعية” و”المفاجأة الجوهرية”، وانه تم استهدافه في المنطقة التي توقعت الاستخبارات العسكرية تواجده فيها وليس خارجها.

ما بعد السنوار، نتنياهو يواصل الحرب

يبقى خطاب نتنياهو هو الاهم كونه يشكل القول الفصل في التوجه الاسرائيلي القائم على مواصلة الحرب “حتى تحقيق اهدافها” والتهديد بتصفية كل محتجزي الاسرى والمحتجزين في غزة والذين قد يكونوا وفقا لنتنياهو كل عائلة فلسطينية وعليه يتم استهداف مكثف لمجمل الوجود الفلسطيني كما يحدث في شمال قطاع غزة من عمليات ابادة جماعية، .

ثمة تقديرات في إسرائيل تقول، بأن تفكك حماس وتحول السنوار الى رمز، قد يدفع “حماس غزة” نحو غلبة تيار اكثر جهادية في صفوفها المتفككة ويتيح انتظام عناصر تتحول الى تيار اقرب الى داعش المناوئة لحماس، وهو ما لا تخشاه المؤسسة السياسية، التي تراهن على انه قد يدفع لاقتتال فلسطيني داخلي وله ابعاد اقليمية تخشاها مصر، كما حصل في سيناء قبل عقد من الزمن، لتشكل وفقا لإسرائيل اداة لابتزاز مصر في مسألة محور صلاح الدين (فيلادلفي) ومعبر رفح.

تقول القراءة الرسمية الإسرائيلية، ان حماس في غزة تسير نحو الانهيار وتفقد سلطتيها العسكرية والمدنية، بالإضافة الى ذلك، فهي منقسمة كحركة بين “تيار ايران” و”تيار الدول العربية السنية المعتدلة” والذين يشكلون “حماس الخارج”، والتصور هو ان هؤلاء “عقائديا ” يقبلون باستراتيجية الهدنة.

وفقا لذات القراءة، يمكن تشكيل روافع ضغط عربية واقليمية تدفع حماس الى التفاوض نحو صفقة تبادل بشروط مقبولة اسرائيليا، تبقي اسرائيل في قطاع غزة معتمدة في المفاوضات على ذات مبدأ الهدنة التي استمرت حتى السابع من اكتوبر 2023. تبني اسرائيل هذه الفرضية باعتبارها قادرة وحدها بدعم امريكي على تحويل الوسطاء العرب الى قوة ضغط على حماس، وذلك من باب “إنقاذ ما يمكن انقاذه”، في سياق ما ترى به اسرائيل اعادة هندسة حماس بما يخدم توجهاتها اقليميا وليس فقط في غزة.

تفيد غالبية التقديرات الاسرائيلية الى ان افق الصفقة بات بعيدا للغاية ان لم يكن منعدما، ولا أمل في ان تحدث زيارة بلينكن وادارة بايدن اي اختراق في هذا الصدد. كما تعتمد هذه التقديرات الى غياب قيادة اسرائيلية معنية بتحويل “فرصة تصفية السنوار” الى رافعة لمخرج سياسي ولا توجد معارضة تدفع باتجاه بديل لنتنياهو. 

التقدير بان الاتجاه الاسرائيلي الرسمي سيبقى هو التصعيد متعدد الجبهات، بهدف تفكيك وحدة الساحات ومحور المقاومة واضعافها ليتم بعدها “التفرغ لإيران” و”تقويض نظامها”. 

ما يجري في غزة وحصريا في شمال القطاع هو استكمال لحرب الابادة بهدف الاجهاز على الوجود الفلسطيني المتبقي في شمال القطاع ووفقا لروح خطة الجنرالات التي لم تصنع السياسات، بل وردت في سياقها التطبيقي. 

للخلاصة:

  • تسعى اسرائيل وبشكل منهجي الى استغلال استهداف السنوار من اجل تقويض معنوي للبيئة السكانية في غزة ودفعها للاستسلام للاحتلال الاسرائيلي الذي تتكامل اركانه وللشروط الاسرائيلية فيما يخص النزوح القسري نحو الجنوب.
  • تسعى اسرائيل وبمساعدة امريكية الى تشكيل ضغوطات مكثفة على “حماس الخارج” لإبرام صفقة وعلى اساس مبدأ الهدنة وليس انهاء الصراع ولا انهاء الحرب، وفي ظل بقاء الاحتلال وترسيخه في غزة، وفي مسعى لتفكيك وحدة الساحات.
  • ترى الحكومة الاسرائيلية بأن تصفية السنوار تشكل فرصة تتيح التقدم خطوات نحو “الانتصار” الذي يعد به نتنياهو، الا انها لا تؤدي الى وقف الحرب على غزة بل تكثيفها ضد الوجود السكاني الفلسطيني في القطاع ونحو تقسيمه.
  • لم تؤد عملية استهداف السنوار خلال الاشتباك معه الى تغيير طبيعة الصراعات السياسية في اسرائيل بل فاقمتها وحصريا في مسألة صفقة التبادل، كما انها اعادت غزة الى الصدارة بعد ان سعى نتنياهو الى تغييبها عن الانظار في ظل الحرب على لبنان واقليميا.
  • عمق استهداف السنوار الورطة الاسرائيلية في غزة واقليميا، واغلقت الافق امام نهاية حرب الابادة على غزة وامام مخرج سياسي مع الشعب الفلسطيني واقليميا.
  • يتسع نطاق التشكيك اسرائيليا في قدرة الدولة على ترويض الغزيين واخضاعهم لدرجة القبول بالاحتلال او القبول بالرواية الاسرائيلية وبأية سيطرة اسرائيلية على غزة.

——————انتهت النشرة——————