شبكة المسار الاخباري : قبيل تنفيذ النبضة الثالثة، غدًا السبت، من اتفاق الصفقة ووقف النار بين إسرائيل و”حماس”، أكد المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، من تل أبيب، أن صفقة التبادل تسير بشكل جيد، وينبغي مواصلة تطبيقها، وأنه التقى نائب الرئيس الفلسطيني حسين الشيخ في الرياض، بناء على طلب السعودية.
وقال ويتكوف، في حديث لموقع “والا” الإخباري العبري، إن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو “ملتزم بمسيرة” تطبيق صفقة التبادل، وإنه شدّد أمامه على ضرورة التقدم بعد تطبيق الجولة الأولى من الصفقة، مرجحًا أن إعادة إعمار قطاع غزة ستستغرق 10-15 عامًا.
يشار إلى أن مداولات المرحلة الثانية من الصفقة ستبدأ يوم الإثنين القريب، وطبقًا لمؤشرات كثيرة فإن الإدارة الأمريكية معنية بتقدم الصفقة نحو المرحلة الثانية، والإفراج عن كل الرهائن.
ادعت إسرائيل أن تعطيل التبادل جاء لضمان عدم تكرار “المشاهد المروعة” التي تخللها إطلاق المحتجزين، والحرص على أمنهم، فهددت بوقف الصفقة بحال “تكررت المشاهد التي تزعزع البدن”
في اليوم التالي، من المنتظر أن يستقبل ترامب نتنياهو داخل البيت الأبيض، بعدما وجّه له دعوة للزيارة اهتم فيها بالإشادة به بقوله إنه يتشرف باستقباله بصفته أول قائد من خارج الولايات المتحدة في واشنطن ضمن ولايته الثانية.
في هذا المضمار قال منسق شؤون المفقودين والأسرى في ديوان رئاسة حكومة الاحتلال، غال هيرش، في بيان نشره الخميس الماضي، إن اللقاء بين نتنياهو وترامب سيكون اجتماعًا هامًا لمفاوضات حول الجولة الثانية من الصفقة. ويبدو أن مفاوضات الجولة الثانية من الصفقة ستدور حول مفاتيحها، خاصة بما يتعلق بأعداد وهوية الأسرى، والانسحاب من محوري نتساريم وفيلادلفيا، غير أن جوهر هذه المداولات سيدور حول اليوم التالي، مستقبل غزة و”حماس”.
وقد بدأت إسرائيل المعركة على “اليوم التالي”، أمس، بالإعلان عن اجتماع أمني، اليوم الجمعة، للتباحث في احتمالات انهيار الصفقة، وتجديد الحرب على غزة، ومثل هذا الإعلان يهدف لرفع سقف المطالب الإسرائيلية، خاصة بما يتعلق بمستقبل غزة و”حماس”، عشية بدء مداولات الجولة الثانية ولقاء نتنياهو بترامب، مثلما أن الإعلان عن اجتماع أمني ينبغي أن يبقى طي الكتمان موجهاً نحو الداخل الإسرائيلي بهدف إرضاء الأوساط الغاضبة من وقف الحرب دون “نصر مطلق” ومن صفقة تبادل، بكل ما فيها من مشاهد ودلالات.
تسليم قادم أكثر انضباطًا وأناقة
كما ينعكس بدء المعركة على الجولة الثانية على مستقبل غزة و”حماس”، بالاحتجاجات الدراماتيكية من قبل إسرائيل على طريقة إطلاق سراح الرهائن في خان يونس وغزة، وتعطيلها الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين لثلاث ساعات.
رسميًا ادعت إسرائيل أن التعطيل جاء لضمان عدم تكرار “المشاهد المروعة” التي تخللها إطلاق سراح المحتجزين، والحرص على أمنهم، فهددت بوقف الصفقة بحال “تكررت المشاهد التي تزعزع البدن”، كما قال نتنياهو بنفسه. رغم أن هناك حاجة لإخراج عملية إطلاق المحتجزين من غزة بشكل أكثر انضباطًا ودقة وأناقة، خاصة أن الفوضى تصبّ الماء على طاحونة الدعاية الإسرائيلية، لكن هناك غايات غير معلنة خلف هذا التعطيل والتهديد أهم من المزاعم المعلنة، وهي ترتبط بالمعركة على الرواية والوعي، وتدور حول سؤال من المنتصر ومن الخاسر، فصور المسلحين الفلسطينيين الكثر التي تعكس بقاء “حماس” كصاحبة سيادة تسحب البساط من تحت أقدام الرواية الإسرائيلية الرسمية حول “النصر المطلق” وإلحاق هزيمة بـ “حماس” وإعادة الاحتلال والاستيطان الخ. وهذه الحسابات تتجاوز تأثير هذه الصور على الوعي المتشكل في الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، فالاحتلال يدرك أن هذه المشاهد من القطاع لجانب صور الأسرى يخرجون من الزنازين الإسرائيلية يرفعون شارة النصر تساهم في إنتاج مد معنوي في الشارع الفلسطيني، من شأنه توليد فعل مقاوم للاحتلال في الضفة الغربية.
مستقبل غزة و”حماس”
علاوة على حسابات إسرائيل، فإن الاحتجاجات، والحملة على “حماس” و”الجهاد”، وتعطيل الإفراج عن الأسرى، تهدف لحماية الائتلاف الحاكم من المزيد من الاهتزازات، بعدما انسحب منه بن غفير ويهدد سموتريتش باللحاق به، وبعدما انعكست عليه صور التبادل والأسرى المفرج عنهم أضواء سلبية ساخرة، لا سيّما أنه الائتلاف الأكثر قومية وتطرفًا من جهة، ومن جهة أخرى باتت الفجوة واضحة بين الرواية الإسرائيلية عن الحرب حتى النصر المطلق، والواقع على الأرض، ما يهدد هيبة وشعبية ومستقبل هذا الائتلاف. كما أن مثل هذه المشاهد المذكورة -صور الإفراج عن المحتجزين وصور الأسرى يعانقون حريتهم- التي أغضبت إسرائيل تهدد احتمالات عودة كل سكان مستوطنات غلاف غزة لبيوتهم وهم يرون أن المقاومة الفلسطينية المسلحة ما زالت موجودة على مقربة منهم، وهذا ما تدركه حكومة الاحتلال. بيد أن الاعتبار الأهم خلف هذه الاحتجاجات والحملة التي أطلقتها إسرائيل شيطنة “حماس” ونزع شرعيتها، كجزء من مساعيها لتجنيد الولايات المتحدة لتأييد التصور الإسرائيلي لليوم التالي، فهي لا تريد أن تبقى “حماس” في الحكم، وتريد نزع سلاحها وهذا الموضوع، مستقبل غزة و”حماس”، هو جوهر المفاوضات على الجولة الثانية، يوم الإثنين القادم.
لقاء سموتريتش
ضمن مساعيه لضمان نجاح الجولة الثانية بيسر، اهتم ويتكوف بزيارة قطاع غزة، والتثبت بنفسه من تطبيق الاتفاق على الأرض. وعن ذلك قال لـ “والا” إن المساعدات تدخل للقطاع، حركة الغزيين نحو الشمال تجري بموجب الاتفاق، ومنظومة الأمن في محوري نتساريم وفيلادلفيا تعمل أفضل مما توقع.
وتابع: “لهذا السبب زرت غزة، من أجل فحص تطبيق الاتفاق، فهذا مهم جدًا. تطبيق ناجح للمرحلة الأولى يؤثر على القدرة بالتوصل للمرحلة الثانية”.
كما يقول ويتكوف إنه شاهد خلال زيارته أن الدمار في غزة عظيم، لافتًا إلى أن الغزيين يتوجهون شمالًا فيرون ما حصل لديارهم فيعودون للجنوب لعدم توفر الماء والكهرباء. وتابع: “حجم الضرر هناك مدهش”. كما اهتم ويتكوف بلقاء مجندات إسرائيليات مفرج عنهن، وعائلات محتجزين، وأبلغهم بأن ترامب ملتزم باستعادة كافة الرهائن. وتابع: “نتنياهو ملتزم بالعملية، وكبقية الإسرائيليين هو يستمتع برؤية عائلات الرهائن تستقبل أعزاءها”.
بعكس الإدارة الأمريكية السابقة، التي فرضت حظرًا على سموتريتش وبن غفير، فقد سعى ويتكوف لاحتواء المتشددين في الحكومة، ومساعدة نتنياهو ربما على إتمام الصفقة وإنهاء الحرب.
في حديث لـ “والا”، قال ويتكوف إن رسالته لنتنياهو ولوزرائه مفادها أن نتائج الصفقة حتى الآن جيدة. وتابع: “لا يوجد عنف في غزة. هناك هدوء. على الجميع التنبه للنتائج الجيدة التي تتحقق. علينا إنهاء المرحلة الأولى من الصفقة وتطبيقها بشكل سليم، وعندها الانتقال للمرحلة الثانية من المفاوضات”.
اليوم التالي
وسط العمل على إتمام المرحلة الأولى من الصفقة، تتطلع الإدارة الأمريكية إلى المراحل التالية، وتفكر بخطة اليوم التالي. ويتكوف بصفته رجل أعمال يزعم أن عملية نقل الركام ستستغرق خمس سنوات فيما تستغرق عملية المسوحات الهندسية لفحص إمكانيات البناء الجديد فوق أنفاق متهدمة هي الأخرى خمس سنوات. أما عملية الإعمار فتحتاج لعدة سنوات. وتابع: “إعمار القطاع في غضون خمس سنوات غير ممكن”.
وردًا على سؤال، قال ويتكوف إنه لم يتحدث مع الرئيس ترامب حول فكرة نقل الغزيين لمصر والأردن، لكنه قال إنه مما شاهده خلال زيارته فإن غزة لا تصلح للسكن، إذ لم يبق حجر على حجر، وهناك قنابل مبعثرة لم تنفجر، وهذا خطير جدًا: “لم أكن أعرف ذلك لولا زيارتي وفحص الواقع بنفسي”.
يشار إلى أن ويتكوف بدأ زيارته للمنطقة بزيارة الرياض، يوم الثلاثاء الماضي، حيث التقى بولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وعنها قال لـ “والا” إن الاجتماع به كان طيبًا جدًا، وإن بن سلمان راضٍ من وقف النار ومن الإفراج عن الرهائن، ويشعر أننا أنجزنا تقدمًا”.
قال ويتكوف إن المساعدات تدخل للقطاع، وإن حركة الغزيين نحو الشمال تجري بموجب الاتفاق، ومنظومة الأمن في محوري نتساريم وفيلادلفيا تعمل أفضل مما توقع
وطبقًا لـ “والا”، فقد أطلع ويتكوف بن سلمان، بصفته لاعبًا مركزيًا في المنطقة، على خطط ترامب حول غزة، مثلما قال ويتكوف إنه لامس بشكل عام مع بن سلمان قضية التطبيع، لكن دون الخوض بها بعمق. وتابع: “آمل أن يخرج التطبيع إلى حيز التنفيذ حينما يحين الوقت”.
كما قال ويتكوف إنه التقى في الرياض نائب الرئيس الفلسطيني حسين الشيخ، بناء على طلب السعودية، وقال: “كان هذا لقاءً حميميًا، فقد عرض موقفه حول الاتجاه الذي ينبغي أن تسير نحوه غزة. اتفقنا على مواصلة الحوار”.
وعلى خلفية كل ذلك، يمكن القول إن الإدارة الأمريكية مصممة على وقف الحرب، وإتمام الصفقة بين إسرائيل و”حماس”، لتكون مقدمة لصفقة سياسية أكبر تشمل ضم السعودية لدائرة التطبيع، وحسم مصير “حماس” ومستقبل غزة.
وفي المقابل، هناك أسئلة جوهرية مفتوحة؛ هل ينجح نتنياهو بالتوفيق بين الضغوط الخارجية والداخلية؟ وهل يقدم ترامب هدايا وعطايا تكفي لإبقاء المتشددين في ائتلاف نتنياهو وعدم انهياره وهم يطالبون الآن بمعاودة الحرب على غزة حتى “النصر المطلق” ورهن ترميم القطاع بنزع سلاح المقاومة؟ هل ترضى السعودية بالدخول في دائرة التطبيع دون مشروع حقيقي لتسوية القضية الفلسطينية مبنيّ على مبادرتها من 2002؟ وهل تتوصل “حماس” والسلطة الفلسطينية لصيغة تفاهمات في ظل فجوات في الموقف، خاصة رفض الثانية استمرار الأولى بالاحتفاظ بسلاحها، وهل تثمر ضغوط أمريكية وقطرية على الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني للتوصل لحل تتعايش معه كل الأطراف؟