انتهاكات الاحتلالدولي

الاستيلاء على غزة.. محاولة ترامبية للضغط على “حماس” وإرضاء اليمين الصهيوني

شبكة المسار الاخباري : يمضي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في إعلان نواياه بإعادة خلق المعمورة من جديد، فبعد التهديدات للمكسيك وكندا وبنما، عاد وكرّر ليلة أمس تصريحه حول تهجير الغزيين، مضيفًا استيلاء الولايات المتحدة عليها وتحويلها إلى منطقة سياحية جميلة، “ريفيرا الشرق الأوسط”.

خلال المؤتمر الصحفي مع رئيس حكومة الاحتلال عقب اجتماعهما، واصل ترامب إطلاق الأفكار الكبرى واعتماد وسيلة الترهيب بـ”الصدمة والترويع”، طمعًا في احتلال وعي المستهدفين، وهم هنا العرب والفلسطينيون.

تدلّل أجوبة ترامب على أسئلة الصحفيين أنه لا يملك خطة، بل يرفع سقف المطالب للظفر بأكبر قدر من المكاسب، للضغط على العرب والفلسطينيين

لكن، هذه المرة أيضًا، تدلّل بقية أجوبته على أسئلة الصحفيين أنه لا يملك خطة، بل يرفع سقف المطالب للظفر بأكبر قدر من المكاسب، للضغط على العرب والفلسطينيين، وعلى حماس تحديدًا. ربما لا يدرك ترامب مدى التزام الفلسطينيين بأرضهم بعد تجربة النكبة، وإن كان لا بد من نقلهم من أجل ترميم الذات والاستشفاء في مكان آمن، فلماذا لا يعودون إلى ديارهم ومواطنهم الأصلية في أراضي 48، من يافا واللد والرملة وعسقلان وبئر السبع؟

لن يقتصر رفض الفكرة العدوانية فلسطينيًا على “حماس”، بل هذا لسان حال الغزيين الذين قبّلوا الأرض وهم يعودون للشمال قبل أسبوع في رسالة رمزية، وكذلك الفلسطينيون بشكل عام، الذين يرفض جميعهم أن يكونوا “هنود حمر” الشرق الأوسط في القرن الحادي والعشرين.

وفي قرارة نفس كل واحد منهم، يدركون أن نيرون مات، ولم تمت روما. وتجلى هذا الرفض الفلسطيني القاطع على لسان السفير الفلسطيني في الأمم المتحدة، رياض منصور، الذي عكس موقف السلطة الفلسطينية بقوله: “لا بيت بديل للغزيين غير القطاع، وإن كان لا بد من نقلهم لأمكنة جميلة، فليتم ذلك إلى ديارهم الأصلية الجميلة، وسيفرحون بالعودة إليها”، في إشارة إلى أراضي 48.

وهكذا، سارعت “حماس” إلى دحض الفكرة، والتأكيد على أنها محاولة يائسة وفاشلة للإجهاز على القضية الفلسطينية، داعية العالم إلى رفضها وإنهاء الاحتلال.

كرة بلا خطة

تبدو هذه فكرة خيالية، إذ لم يوضح ترامب أي تفاصيل حول إمكانيات تطبيقها على أرض الواقع، وتحيط بها العديد من علامات الاستفهام، علاوة على التناقضات البنيوية في رسائله. ففي المؤتمر الصحفي، وردًا على سؤال “هل سترسل قوات إلى القطاع؟”، قال ترامب: “ربما”.

وعندما سئل: “هل تؤيد الاستيطان في غزة؟”، أجاب: “لا، هذا مكان خطير”.

وهكذا، عندما سئل عن فكرة الضمّ في الضفة الغربية، قال: “إن الموضوع قيد الدراسة، وسيُعلن الموقف لاحقًا”.

يتجلى فقدان الخطة أيضًا في قول ترامب إن أمريكا سترمم وتدير القطاع، وعندما سئل: “من سيموّل المشروع؟”، قال: “ذلك على نفقة الآخرين”.

ترامب، الذي سبق أن قال عدة مرات بعد انتخابه إنه قادم “لإطفاء الحروب، لا إشعالها”، صرّح، قبل أسبوع، ردًا على سؤال صحفي حول الحرب على غزة: “إنها ليست حربنا”. لكنه، ليلة أمس، هدّد باستخدام القوة بقوله: “سنكون أكثر عنفًا”.

في الوقت نفسه، ألمح بشكل واضح إلى رغبته في اتفاق جديد مع إيران يحاصر مشروعها النووي، بالسلم لا بالحرب، وللضغط عليها وقّع قبل ذلك مرسومًا بتصعيد العقوبات عليها.

متنمّر يحترم الأقوياء

في مؤتمره الصحفي المشترك مع نتنياهو، زعم ترامب أن السعودية تنوي، بما معناه، الدخول في دائرة التطبيع بدون شروط. فسارعت الرياض إلى نفي ذلك، دون الإشارة إلى الرئيس الأمريكي وتصريحه مباشرة، بقولها إن التطبيع رهن قيام دولة فلسطينية وعاصمتها الشطر الشرقي من القدس المحتلة.

يتّسق هذا البيان السعودي المطوّل والسريع مع موقف قطر، التي سارعت قبل أسبوع إلى رفض الترانسفير، وينسجم مع موقفها المشترك مع دول عربية أخرى اجتمعت في القاهرة، يوم السبت، ورفضت فكرة تهجير الغزيين. ومن المتوقع والمطلوب أن تكرّر هذه الدول العربية موقفها الرافض للتهجير، خاصة أن ذلك يمسّ مصالحها، لا سيّما الأردن ومصر.

وكلما جاء الرفض مبكّرًا وقاطعًا، حتى وإن كان بلغة دبلوماسية تتجنب الصدام مع رئيس أمريكي نزق متقلّب المزاج، كان ذلك أكثر فائدة، وأكبر احتمالًا أن يقطع الطريق ويساهم في وأد الفكرة المجنونة، التي تتعارض مع الشرعية والمواثيق الدولية، وتعيد العالم إلى عصر الظلمات ومنطق الغاب. ومن المتوقع أن يكون العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، أكثر وضوحًا في لقاء الغرف المغلقة مع ترامب بعد أسبوع، وكذلك الرئيس المصري لاحقًا.

هناك مراقبون يشددون على أهمية قول “لا” للفكرة الصادمة دون تردد، لأن الرئيس الأمريكي، المسكون بهاجس العظمة، متنمّر، ويحب ويحترم الأقوياء. وعندما يبدي هؤلاء موقفًا قويًا، فإنه يتراجع، خاصة أنه يتأثر بآخر جليس معه، وفق ما أكده محلّل أمريكي نقل عن صديق أمريكي نشأ وترعرع مع ترامب في نيويورك، ومطّلع على بواطنه وعالمه النفسي بعمق.

استنادًا إلى إشارة صديق ترامب الأمريكي المذكور، يمكن ترجمة مواقف ترامب بأن الواقع سيكون أقوى منه ومن أفكاره المدهشة، والعالم، رغم غلبة كفة المصالح، لن يتعايش معها.

بهجة نتنياهو

إن كان لا بد من نقل الفلسطينيين إلى مكان آمن، فلماذا لا يعودون إلى ديارهم ومواطنهم الأصلية في أراضي 48، يافا واللد والرملة وعسقلان وبئر السبع؟

كما كان متوقعًا، بدأ اليمين الصهيوني وأبواق نتنياهو، صباح اليوم الأربعاء، إبداء ابتهاجهم بأفكار ترامب. وبدا نتنياهو، إلى جانب ترامب، معتدًا ومبتهجًا بشكل غير مسبوق منذ السابع من أكتوبر، ومن المؤكد أنهما متفقان مسبقًا على قضايا مختلفة، منها الضغط على “حماس”، كل بطريقته، كي تتنحى عن واجهة الحكم داخل القطاع.

وهذا ما أكده نتنياهو بقوله من واشنطن: “إن اللقاء مع ترامب ركّز على المستقبل، وكيفية القضاء على حماس واستعادة السلام”. ومن جانبه، قال الرئيس الأمريكي أيضًا: “إن العلاقات الإسرائيلية الأمريكية ستكون أقوى من أي وقت مضى”.

على خلفية كل هذه التصريحات، وبسبب ما ورد فيها وما غاب عنها، من غير المستبعد أن تصريحات ترامب حول تهجير الغزيين والاستيلاء على غزة تهدف أيضًا إلى مساعدة نتنياهو في تمرير المرحلة الثانية من الصفقة، دون انهيار ائتلافه الحاكم، الذي ترفض بعض مكوناته وقف الحرب، عبر هذه الوعود بالتهجير، والإشارة إلى احتمال الضم في الضفة، وإسقاط “حماس”، ومحاصرة إيران، ومواجهة محكمة الجنايات الدولية، وغير ذلك.

بالنسبة لترامب، فإن الصفقة الأهم هي السياسية الإقليمية الشاملة للتطبيع مع السعودية، فعينه على مليارات الرياض وعلى أوسلو- جائزة نوبل للسلام. وهذه تتطلب موافقة إسرائيل على صفقة مع “حماس”، وعلى إنهاء الحرب.

من المرجح أن تكون تصريحات ترامب محاولة ذكية لتخدير اليمين الصهيوني، ودعوة أقطابه لرؤية الصورة الكبرى، والنظر إلى الخطوات المستقبلية المفيدة للجانب الإسرائيلي، وذلك بالتنسيق المسبق مع نتنياهو، على أمل أن يصطادا عدة عصافير بحجر واحد: التطبيع مع السعودية، مع الحفاظ على الائتلاف الحاكم.