
الصحافة الاسرائيلية – الملف اليومي
افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات |
هآرتس 6/2/2025
تصريح ترامب هو تربيت ذاتي على الكتف خرج عن السيطرة
بقلم: ليزا روزوفسكي
في محيط رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو توقعوا أن اللقاء مع الرئيس الامريكي دونالد ترامب أول أمس سيكون عرضا للوحدة، والمحللون تنبأوا بلقاء تاريخي ومصيري فيما يتعلق بتطبيق المرحلة الثانية في الاتفاق. ولكن قمة الزعيمين التي كانت العرض الافضل في نصف الكرة الشمالي فاقت التوقعات الهستيرية لمحيطه، ومن شأنه باحتمالية عالية أن يخيب أمل المحللين. يبدو أن عرض التملق والاستخذاء الذي اعده نتنياهو لترامب سبب للرئيس السرور الظاهر للعيان.
كان يصعب عدم ملاحظة الابتسامة المتغطرسة والنظرات المتبجحة التي كان يمررها لمحيطه عند سماع اقوال نتنياهو بأن الرئيس “يتقدم مباشرة نحو الهدف، يرى الامور التي يرفض الآخرون رؤيتها ويقول ما يرفض الآخرون قوله. وبعد كل ذلك هناك من يقومون بحك رؤوسهم ويقولون “هو محق”. ولكن نتنياهو، الذي سمع طوال حياته عدد من التصريحات المفاجئة لرؤساء امريكيين أصيب بالدهشة عند سماع اقتراح ترامب بشأن (“الملكية الامريكية”) لقطاع غزة.
مثلما اكد رئيس الحكومة بشكل جيد على أن هدف الحرب الذي وضعه، أن لا تبقى غزة تشكل أي تهديد لاسرائيل، تم تبنيه من قبل ترامب، وتم رفعه من قبله الى “مستوى اعلى”. الرئيس عمل مثل شخص مسن عديم الصبر، الذي يخطف دمية من أيدي طفلين عنيفين وحازمين، غير المستعدان لتقاسمها معه واللعب بها. لماذا فعل ذلك؟ يبدو لسببين. الاول هو أنه يستطيع. الثاني هو لأنه على ثقة بأن هذا الامر سيفيد الجميع اكثر، في المقام الاول الطفلين انفسهما. لأنه يعرف الأفضل.
تقريبا بعد مرور 77 سنة على انتهاء الانتداب البريطاني اقترح ترامب فعليا فرض انتداب امريكي على اسرائيل، أو على الاقل على قطاع غزة، الى أن تتهيأ الظروف لتحويله الى ريفييرا الشرق الاوسط، وربما اكثر من ذلك. عندما قالوا في مكتب رئيس الحكومة بأنه الآن، أخيرا، “لا توجد فجوة بين اسرائيل وامريكا”، فانهم من غير المؤكد أنهم قصدوا ذلك لفظيا، وأن اسرائيل ستكون جارة دولة عظمى لها طموحات كولونيالية، بدلا من أن تكون هي نفسها كذلك.
“أنا لم أر شيئا يشبه ذلك في حياتي”، قال أحد الموظفين في مكتب نتنياهو بعد الجزء الاول للمشهد الذي اقيم في الغرفة البيضوية. هذا كان فقط المقدمة للمشهد الكبير الذي تم عرضه في الغرفة الشرقية الواسعة، التي كانت مليئة بالمراسلين والطواقم المتفاجئة من الزعيمين. باستثناء الاعلان عن السيطرة على قطاع غزة، كانت هناك جميع عوامل المسرحية – الاحتفالية المطلوبة: لغة الجسد المتعاطفة، تصفيق الموظفين المتميزين (على رأسهم المبعوث الامريكي لشؤون الشرق الاوسط ويتكوف)، الاهانة العلنية لمراسلة افغانية على صوت ضحك الجمهور، وبالطبع – سحق منتقم للخصم المهزوم جو بايدن.
الواقع شيء مختلف
إن تأثير الاعجاب الذي نجح ترامب في خلقه بصورة مهنية نرجسية، يقف في تناقض مع وزن اقواله. اضافة الى ذلك بالتحديد التصريحات المتغطرسة التي سمعت بعد اللقاء الذي استمر ساعة تقريبا، التي تواصل الخط المستفز الذي اتبعه الرئيس منذ أن “تحمس” للمرة الاولى لفكرة الترانسفير من غزة، تثبت أنه في مشروع الريفييرا في قطاع غزة لم يستثمر تفكير عميق. يبدو أنه لا يوجد أي تناسب بين وهم السلام العالمي والواقع، ولا حتى محاولة صادقة من اجل ايجاد وسيلة لتنفيذ ذلك. تصريح ترامب هو مجرد تربيت ذاتي على الكتف خرج عن السيطرة، وليس اطلاقا مشروع تاريخي. بالتأكيد ترامب سيواصل التمسك بهذه الفكرة بسبب طابعها الاستفزازي. ولكن الخطوط العريضة لهذه الخطة، اذا خرجت ذات يوم الى حيز التنفيذ، ستتغير في حينه بشكل كبير.
بعد اسدال الستارة عن عرض ترامب فان الامر الوحيد القابل للتنفيذ هو صفقة المخطوفين ووقف اطلاق النار، الذي حتى الآن هو مستمر: أناس من لحم ودم يخرجون من الانفاق ويعودون الى عائلاتهم، الغزيون يعودون الى بيوتهم المدمرة ويسيرون في طرق محروقة ومليئة بالانقاض ويبحثون عن بقايا اعزائهم. في هذا الشأن اسمع ترامب اقوال شبه مشجعة: “نحن نعمل بشكل صعب من اجل اخراج جميع المخطوفين”، التأكيد هنا على جميعهم. “واذا لم نقم باخراجهم جميعا فنحن سنصبح عنيفين اكثر قليلا”. حسب قوله فان ويتكوف وطاقمه يعملون على ذلك طوال الوقت، وقد تم اعطاءهم وعود. “يبدو أنه اذا تم الوفاء بهذه الوعود”، اجمل ترامب وأكد. “نحن نريد جميع المخطوفين وهذا صحيح”.
من أمل أن يحصل من اللقاء بين الاثنين على تأكيد بأن ترامب سيضغط على نتنياهو من اجل تنفيذ الاتفاق حتى النهاية وأن ينهي الحرب، خاب أمله. نحن بقينا في نفس النقطة، عالقين مع صفقة صعبة ووحشية، التي بدأت تتحقق، وفي هذه الاثناء تنقذ الحياة بدون أي ضمانات بأن نتنياهو وحماس لن يخربوها. الانجاز الكبير للقاء بين نتنياهو وترامب هو أنه لن يدمر ما تم انجازه. ايضا هذا شيء مهم. من هنا يمكن الانتقال الى الغرف المغلقة، هناك يتم القيام بعمل دؤوب وهاديء حول التفاصيل الصغيرة التي يمكن أن تغير وبحق وجه الشرق الاوسط الى الافضل. في شأن واحد ترامب كان محق: الى نقطة منخفضة أكثر من النقطة التي تقف فيها غزة، ومعها اسرائيل ايضا، يصعب النزول.
——————————————-
هآرتس 6/2/2025
نتنياهو وجد النصر المطلق في تصريح ترامب العابث
بقلم: يوسي فارتر
المؤتمر الصحفي المرتجل للرئيس دونالد ترامب استمر عشرين دقيقة تقريبا. خلال هذا المؤتمر الابتسامة المتغطرسة لم تغب عن وجه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. بالذات هناك في الغرفة البيضوية وجد النصر المطلق. بين فينة واخرى اضيف الى هذه الغطرسة اظهار الحرج بسبب عدم وجود أي اساس للفكرة، اطرد وانس، لـ 2 مليون غزي، الى اثنين، ثلاثة، ستة، عشرة، اهداف في العالم كما قال المستضيف. نتنياهو يعرف أن ذلك لن يحدث، ويعرف أن التطبيع مع السعودية لن يتحقق بدون شق الطريق للدولة الفلسطينية، ويعرف أن الضم، اذا كان هناك ضم، يمكن أن يحدث فقط من خلال تسوية سياسية، وحتى الآن رئيس الحكومة، الذي سيعود الى البلاد في يوم الاحد، سيكون وضعه السياسي مختلف عن وضعه قبل سفره. فهو لم يعد اوزة عرجاء، والائتلاف يهتز، بل الرجل الذي ولد من جديد برعاية اقوال الرئيس الامريكي، الذي تسبب بفرح اليمين الاسرائيلي الى درجة الثمل.
الغطرسة التي غمرت نتنياهو كشفت الحقيقة التي يريد اخفاءها، ليس بنجاح كبير، خلال اشهر الحرب. بالنسبة اليه فان المخطوفين هم ازعاج، وتحريرهم جميعا من أسر حماس هو مجرد خيار. “نحن سنحاول (اعادتهم جميعهم)”، قال بشكل هامشي. للحظة ظهر أن الابتسامة كبرت عندما لم يتعهد ترامب باستكمال صفقة المخطوفين في رده على أحد الاسئلة. في الخطابات وفي افلام الفيديو التي ينشرها بشكل دائم يقوم نتنياهو بالالتزام بانقاذ المخطوفين من القطاع. ولكن عندما يغدق ترامب عليه الكثير من الاحترام، الحقيقي أو التكتيكي هذا لا يهم، فان من تم اغداق الاحترام عليه يخلع القناع. وجهه الباهت أشرق مجددا، ليس فقط بفضل طاقم التجميل الذي سيرافقه لاسبوع في واشنطن وثلاثة اطباء.
ترامب بالتحديد ظهر مصمم اكثر. من هذه الناحية هو لا يختلف عن سلفه جو بايدن. هذه ظاهرة تعودنا عليها، أن رئيس الحكومة في اسرائيل، المسؤول عن أن 79 مخطوف من جيل سنتين الى 87 سنة ما زالوا محتجزين في غزة بعد مرور 16 شهر، في جوع وتعذيب، يجر الى كل صفقة بعدم رغبة منه وبعد استنفاد جميع مناورات الاحتباط والتعويق التي يمكن تخيلها. صرخات فرح اليمين ذكرت بالاحتفالات في واشنطن بعد توقيعه على صفقة القرن والتفسيرات التي اعطيت لها: “ضم في اليوم الاول”. هذه المرة بسبب الوقت المتأخر والطقس البارد جدا، تم اعفاءنا من مشاهدة هذا المشهد لنشطاء المستوطنين وهم مصابون بالنشوة في الشوارع في العاصمة الامريكية. رؤساء الاحزاب اليمينية لا يصدقون انفسهم. بتسلئيل سموتريتش اعلن بأنه “حان الوقت لدفن نهائيا فكرة الدولة الفلسطينية”، وايتمار بن غفير يستعد للانضمام للحكومة كمنتصر. فقد كان أول من طالب بطرد الفلسطينيين “بشكل طوعي” من اراضيهم.
سواء بالعمل الحثيث لليمين الاستيطاني في الدوائر المحيطة بترامب أو أن هذه هي رؤيته الشخصية، البسيطة والمخيفة للرئيس الامريكي، فانه من ناحية الجناح المتطرف في الائتلاف هذا يعتبر اصابة مباشرة – حوار حول نقل السكان بالمعنى الايجابي، الامر الذي لم يكن أي زعيم في الغرب يتجرأ على قوله.
ايضا هم يعرفون أن ذلك لن يحدث، وفي نهاية هذا الوهم العقاري لترامب فانه لا ينتظرنا أي منتجع بدلا من جباليا. الطريق الى هدف ترامب الحقيقي، نظام جديد في الشرق الاوسط وفي مركزه اتفاق بين اسرائيل والسعودية، تمر في انهاء الحرب في القطاع واعادة جميع المخطوفين. ايضا الآن لا يوجد لعائلات المخطوفين من يعتمدون عليه عدا عن الرئيس الامريكي.
——————————————-
إسرائيل اليوم 6/2/2025
لا توجد دول مضيفة
بقلم: د. يهودا بلنجا
في الحرب العالمية الثانية قتل أكثر من 60 مليون انسان. أجزاء واسعة من أوروبا أصبحت جزر خرائب، وحجوم الدمار في المانيا واليابان كانت هائلة. ملايين الالمان واليابان بقوا بلا مأوى وبلا غذاء والبنى التحتية المدنية في هاتين الدولتين انهارت تماما تقريبا. لكن في الوقت الذي وضع فيه الامريكيون الخطط لاعمار المانيا (في اطار “مشروع مارشال”) واليابان – احد في واشنطن لم يفكر بنقل السكان في هاتين الدولتين الى مكان آخر. الحقيقة هي أن العملية استغرقت سنوات لكنها تمت بمشاركة المجتمعات المدنية ومواصلتها حياتها اليومية الى جانب الدمار والخراب.
ظاهرا، اعلان الرئيس ترامب بان الولايات المتحدة “ستسيطر على غزة وتقوم فيها بالعمل” دراماتيكي وثوري. ترامب يسعى لان يحول عش الإرهاب في القطاع الى “ريفييرا الشرق الأوسط”، واذا ما حاكمنا الأمور وفقا للوضع في غزة – فان منطلق ترامب صحيح: حسب معطيات الأمم المتحدة فان نحو 92 في المئة من البيوت فيها ونحو 60 في المئة من المباني بما فيها المدارس والمستشفيات، تضررت او دمرت في السيوف الحديدية. لا يبدو أنه سيكون ممكنا في السنوات القريبة القادمة إدارة حياة طبيعية في غزة، وبالتالي، في سابقة تاريخية هناك حاجة لان يخلى سكانها منها. الى اين؟ هذا يبقى سؤالا مفتوحا.
من تثور حفيظتهم لمجرد هذه الفكرة، هم بالطبع الدول العربية، واساسا تلك التي يحددها الرئيس الأمريكي كمقصد لاستيعاب اللاجئين – مصر والأردن. لا حاجة للتوسع لماذا: مسائل امنية واجتماعية توجد على المحك، ولكن أساسا اقتصادية. لا الملك عبدالله ولا الرئيس عبدالفتاح السيسي بقادرين على أن يستوعبا مئات الاف اللاجئين، ويوفرا لهم السكن، الغذاء والرزق.
يخافون من مظاهرات عنيفة
الى هذا ينبغي أن يضاف، بالطبع، العطف والتضامن من الشارع العربي مع الفلسطينيين، الرغبة في رؤية قيام دولة فلسطينية، الكراهية الهائلة لإسرائيل وللولايات المتحدة. وعليه فان كل زعيم عربي، وبالتأكيد عبدالله والسيسي – يوافق على التعاون مع خطة الاقتراح التي يطرحها ترامب من شأنه أن يلتقي معارضة عظيمة من الداخل، في شكل احتجاجات ومظاهرات عنيفة، لانه لا يمكن لاي عربي ان يوافق على أن يكنس القضية احد ما القضية الفلسطينية من تحت البساط.
أمر إضافي، يقلق العرب حتى اكثر من هذا، هو مجرد الاستعداد ا لامريكي للحكم في غزة وارسال الجنود اليها. بعد سنوات من التجربة المريرة لا يوجد في العالم العربي جنون اضطهاد اكبر من “الاستعمار الغربي” – وامس اعطى ترامب الإشارة لتجسد الكابوس الذي يلاحقهم منذ بداية القرن الماضي. وعليه، فان الأصوات التي تسمع من الرياض، من القاهرة ومن عمان هي المعارضة المطلقة والقاطعة للفكرة، في ظل إعطاء اسناد مطلق لحماس في غزة او للسلطة الفلسطينية في الضفة. من بالغ في العمل كان الأردنيون حين تقدم بعض من أعضاء البرلمان بمشروع قانون “يمنع طرد الفلسطينيين الى الأردن”.
وأخيرا – الى اين يأخذ اقتراح ترامب حماس؟ بافتراض أن الحديث يدور عن خطة جدية وواقعية لاعمار القطاع، فما هي مصلحة منظمة الإرهاب لمواصلة باقي مراحل الصفقة مع إسرائيل؟ اذا كان الغد يطوي لحماس على نزوح وابعاد – فلماذا سترغب في تحرير الـ 79 مخطوفا الذين في ايديها وتكمل الاتفاق مع إسرائيل؟
لقد جلب ترامب روحا جديدة وابداعية لولايته الثانية في البيت الأبيض لكن في الظروف الحالية في الشرق الأوسط، لا يبدو أن سياسة “الاعمال التجارية” خاصته ستصبح واقعا.
——————————————
هآرتس 6/2/2025
ترامب: نحتاج إلى محور آخر في الشرق الأوسط.. “محور الدول المذعورة”
بقلم: تسفي برئيل
بأقوال الهراء وبغطرسة، نجح ترامب في إعادة القضية الفلسطينية إلى مركز الخطاب الدولي، واستلال قطاع غزة من درج “حالات الكارثة الإنسانية”، وتحويلها إلى “رمز” للصمود الوطني، وبناء وحدة عربية حولها، التي لم تهدف فقط إلى الدفاع عن الفلسطينيين هذه المرة، بل بالأساس الدول العربية المهددة بغزو “المشكلة” لأراضيها.
إذا تم تصنيف الدول في الشرق الأوسط حتى الآن حسب محور الانتماء الجغرافي، المحور السني المعتدل والمحور المؤيد لأمريكا والمحور الشيعي أو محور الشر، فقد شكل ترامب أمس محوراً آخر وهو محور الدول المذعورة.
بعد ساعة تقريباً على طرح ترامب لخطة الترانسفير، التي “كشف” فيها بأن السعودية لا تطالب بإقامة الدولة الفلسطينية، سارعت وزارة الخارجية السعودية باسم ولي العهد محمد بن سلمان إلى بيان ذي لهجة حادة وواضحة الرد، وجاء فيه “إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، أو بالوصف المحدث “التطبيع”، لن يكون بدون إقامة الدولة الفلسطينية. هذا موقف ثابت لا يمكن تغيره وغير قابل للتفاوض أو المساومة”. وبعد فترة قصيرة، أجريت محادثات هاتفية كثيفة بين زعماء المنطقة. سافر محمود عباس للالتقاء مع الملك عبد الله، الذي يعتبر الخطة تهديداً وجودياً لدولته، من أجل تنسيق المواقف معه قبل اللقاء بين الملك وترامب الثلاثاء القادم. وأعلن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان بأن خطة ترامب، طرد حوالي 2 مليون فلسطيني، “مرفوضة”. ويبدو أنه في الفترة القريبة القادمة يتوقع عقد مؤتمر قمة عربية سيطرح فيه موقف حازم ضد ما يسمى بـ “الهجرة القسرية” (التهجير) لسكان قطاع غزة. وستعد القمة الزينة لعقد قمة عربية – أمريكية، التي حسب جهات عربية يمكن عقدها في السعودية في نهاية الشهر الحالي بمشاركة ترامب.
خطة ترامب تفترض أن الفلسطينيين، بدون سؤالهم عن رأيهم، لن يتنازلوا عن فرصة حياتهم، الحصول على فيلا وملعب غولف وبركة في رمال سيناء. ولكنها في الوقت نفسه، تحبس زعماء الدول الجارة، ليس فقط مصر والأردن، في معضلة تفصح عن كثير من التهديدات. استيعاب 2 مليون لاجئ فلسطيني بشكل دائم يعني نقل المشكلة الفلسطينية إلى أراضيها، بكل المعاني الوطنية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية التي تشكلها، سواء على مستوى الدولة بشكل خاص أو على المستوى العربي بشكل عام. حسب رؤية الأردن، الذي يعد ثلثا مواطنيه من الفلسطينيين، تبدو هجرة مئات آلاف الفلسطينيين الآخرين إليه هزة أرضية ديمغرافية قد تحدث ثورة داخلية، وتنهي حكم السلالة الهاشمية.
المملكة تتذكر جيداً أحداث أيلول 1970، “أيلول الأسود”، المعركة الدموية التي عرضت حكم الملك حسين للخطر وهددت حياته. بعد معركة شديدة، التي تم حسمها ضده، نجح الملك في طرد م.ت.ف من الأردن. والآن رغم حمل الفلسطينيين الذين أصلهم من الضفة للجنسية الأردنية والذين ولدوا وعاشوا في الأردن، يتولون أيضاً وظائف رفيعة، العامل الفلسطيني في المملكة ما زال “جسماً مشبوهاً”. الأردن يسمح في الواقع لنشاطات حركة الإخوان المسلمين، التي لها تمثيل في البرلمان. ولكنه يمنع نشاطات حماس ولا يسمح لقادتها بزيارات عائلة.
إن استيعاب مئات آلاف الغزيين الذين عمل كثير منهم في خدمة حماس، قد يحول الأردن إلى دولة مواجهة مع إسرائيل، حسب النموذج الذي كان في الستينيات والسبعينيات، أو نموذج لبنان الذي هاجرت إليه الموجة الثانية من اللاجئين الفلسطينيين في السبعينيات، وخلق تهديداً متواصلاً سمي “فتح لاند”. هذا التهديد لم ينته في حرب لبنان الأولى، وأقامت حماس في مخيمات اللاجئين في لبنان قواعد للتدريب، وفرعاً من فروع سيطرتها القوية. هل يسعى ترامب إلى ذلك عندما يقترح الأردن كدولة لجوء لسكان قطاع غزة؟
قد تقف مصر أمام تطور مشابه، يتعين عليها مواجهة نشطاء حماس الذين سيأتون بالآلاف إلى شبه جزيرة سيناء، وهي المنطقة التي تعتبر فيها السيطرة والرقابة على نقل السلاح والوسائل القتالية تحدياً غير ممكن. العبء الاقتصادي الذي سيلقى على مصر سيكون قلقاً هامشياً مقابل الربط المباشر المتوقع بين حماس وحركة الإخوان المسلمين، الذين قد يقيمون لأنفسهم ذراعاً عسكرية مع تجربة ومدرب، الذي سيهدد ليس فقط مصر، بل إسرائيل أيضاً. والذي مثلما في الأردن، ربما يجعل مصر دولة مواجهة مع إسرائيل. وعندما تتم إقامة “ريفييرا الشرق الأوسط” ومصانع الإنتاج التي يخطط ترامب لإنشائها في غزة أمام أنظار مئات آلاف الغزيين المتعبين، الذين ستقام على أنقاض بيوتهم مجمعات الاستجمام، يبدو أن هذا الحلم الوردي سيصبح كابوساً.
لكن جهود إحباط التهديد الكامن في نقل المواجهة بين إسرائيل والفلسطينيين إلى أراضيها، تضع الأردن ومصر تحت سوط ترامب الذي يلوح به، والذي يضع أمامها تهديداً اقتصادياً. مصر والأردن، الدولتان الرئيسيتان في المحور المؤيد للغرب، وبالأساس لأمريكا، تعتمدان بشكل كبير على المساعدات الاقتصادية الأمريكية، والحديث هنا لا يدور عن أموال قليلة تحصل عليها؛ فالمساعدات الاقتصادية الثابتة هذه تشكل أيضاً دعماً سياسياً يستخدم كضمانة ضرورية للحصول على قروض من مؤسسات التمويل الدولية مثل صندوق النقد الدولي، إضافة إلى الاتفاقات التجارية بشروط مخففة، والمساعدات العسكرية وغطاء الدفاع الذي تعطيه الولايات المتحدة لها. ولكن هذه الدول تحصل على مساعدات سخية من دول الخليج، لا سيما السعودية والإمارات. ففي السنة الأخيرة استثمرت هذه الدول عشرات مليارات الدولارات في مصر، والملايين في الأردن. نظرياً، إذا قررت السعودية إحباط تهديدات ترامب وإنقاذ “الأخوات” من تهديداته، فيمكنها على الأقل اقتصادياً أن تحل محل الولايات المتحدة مقابل مبلغ أقل بكثير من المبلغ الذي ستدفعه مقابل إقامة الريفييرا في غزة. إضافة إلى ذلك، أعلنت السعودية قبل أسبوعين نيتها استثمار 600 مليار دولار في الولايات المتحدة في سنوات ولاية ترامب الأربع. الرئيس الأمريكي، الذي على قناعة بأنه يستطيع أخذ تريليون دولار أيضاً من جيب بن سلمان، سيضطر هو نفسه إلى فحص من لديه سوط اقتصادي أكبر.
لكن أي دولة من هذه الدول لا تريد الوصول إلى مواجهة مباشرة مع أمريكا. وترامب لا يريد التنازل أيضاً عن صندوق النفوذ الاقتصادي الذي تعرضه السعودية عليه، أو عن التطبيع الذي يطمح إليه بين السعودية وإسرائيل. في هذه الأثناء، وأمام موقف السعودية الحازم والمعارضة الشديدة للدول “المستضيفة” ودول المنطقة بشكل عام، إلى جانب انتقاد الكونغرس ضد خطة الترانسفير، سيتعين على ترامب تبني نظام جديد للأفضليات.
ربما يضطر التطبيع إلى الانتظار إلى حين العثور على صيغة ملتوية لقضية الدولة الفلسطينية، وهي صيغة ستكون مرضية للسعودية وتحافظ على ائتلاف نتنياهو. في هذه الأثناء، من الأفضل عدم حبس الأنفاس وانتظار تصريح بشأن مستقبل الضفة وضمها لإسرائيل، الأمر الذي وعد ترامب إصداره في غضون أربعة أسابيع. إحباط عملية الضم في الولاية الأولى استخدمته الإمارات مبرراً للتوقيع على اتفاق السلام مع إسرائيل. يمكن تكرار ذلك مع السعودية، إضافة إلى تعهد أمريكي، ليس إسرائيلي، بحق الفلسطينيين في إقامة دولة. وحتى ذلك الحين، يجدر تبني المقاربة المحسوبة لرئيس حكومة قطر، الذي امتنع عن التطرق إلى خطة إخلاء غزة وطرح التركيز على استكمال صفقة المخطوفين.
——————————————-
هآرتس 6/2/2025
مراحل تطور ترامب في عقيدة اليمين الإسرائيلي: مسيحي.. خائن.. “المخلص الأكبر لليهود”
بقلم: عاموس هرئيل
ترامب – ملاك أم شيطان؟ يمكن الإصابة بالدوار من تجربة متابعة ردود اليمين الإسرائيلي على خطوات الرئيس الأمريكي. كان مسيحياً قبل الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني. بعد ذلك، عندما فرض على رئيس الحكومة نتنياهو التوقيع على صفقة المخطوفين، تم وصفه بالخائن والخطير. منذ الثلاثاء، توج ترامب مرة أخرى كملاك مخلص والصديق الأكبر لليهود على مر التاريخ.
يصعب توقع خطوات ترامب، وأحياناً يصعب تفسيرها بعد أن يقوم بها. ولكن هناك عدداً من الأفكار الرئيسية المكررة: الرئيس يحب أن يفاجئ، وأحياناً بعد أن ينثر الضباب المتعمد، هو يستمتع بطرح نفسه كمن يبلور حلولاً أصيلة من خارج الصندوق لم يفكر فيها أي أحد قبله، ويهمه الحصول على المديح، وإذا كان بالإمكان أيضاً جوائز، على أفكاره وخطواته المتميزة. نتنياهو الذي يدرك كل ذلك جيداً، اهتم بتملقه بشدة عقب اللقاء بينهما أول أمس.
في المؤتمر الصحافي المشترك لهما في البيت الأبيض، ألقى ترامب عدة قنابل. فكرة تشجيع هجرة الفلسطينيين من القطاع بعد التدمير الذي تسبب به الجيش الإسرائيلي في الحرب، تم طرحها للمرة الأولى في حاشية الرئيس قبل بضعة أسابيع، لكن ترامب أضاف لها أمس طابعاً ملموساً أكثر تطرفاً. هو يؤيد إخلاء جميع الغزيين من القطاع، ويقصد أنها ستكون تذكرة باتجاه واحد، ويتوقع من دول أخرى، من بينها الدول العربية، التجند لاستيعاب المهاجرين، ويفحص إمكانية أن يأخذ الجيش الإسرائيلي على عاتقه مهمة إعادة الإعمار (هذه ربما كانت القنبلة الأكبر)، هو يعتقد أنه يمكن إقامة ريفييرا الشرق الأوسط على أنقاض غزة. من هم الذين يعتقد الرئيس أن يعيشوا هناك؟ غير واضح تماماً إذا لم يرجع الفلسطينيون إلى القطاع. في أقواله، اهتم ترامب بأن يستبعد، في الواقع ليس بشدة، إمكانية استيطان الإسرائيليين هناك مجدداً. منذ مساء أمس، بدأ البيت الأبيض بإصدار توضيحات لأقوال الرئيس. حسب الصيغة المحدثة للإدارة الأمريكية، فإن ترامب لم يقصد إرسال جنود إلى القطاع، وإخراج الفلسطينيين من القطاع سيكون بشكل مؤقت فقط.
التوقعات من اليسار وكأن ترامب سيهين نتنياهو في اللقاء الأول لهما وسيجعله يزحف على بطنه، ثبت عدم صحتها. من أقوالهما العلنية، يبدو أنهما متفقان حول أمور كثيرة، وأن ترامب يعطي وزناً لمواقف نتنياهو. وعبر الرئيس أيضاً عن دعمه لموقف رئيس الحكومة حول الحاجة لعدم تمكين حماس من السيطرة على القطاع. ولكن اليمين الإسرائيلي لا يكتفي بذلك، ويعتبرون أقوال ترامب وعداً بتحقيق حلم الترانسفير القديم.
عندما وقع إسحق رابين على اتفاق أوسلو، هناك من قالوا بأنه كان يفضل الانفصال فصل القطاع بطريقة عجيبة عن إسرائيل ويبحر غرباً، داخل البحر المتوسط (مثل شبه جزيرة أيبيريا في “الطوافة الحجرية” للكاتب البرتغالي زوسا سراماغو). الآن جاء ترامب، ويبدو أنه يتعهد لليمين بحل لإخفاء الفلسطينيين من الصورة بعصا سحرية. الانفعال كبير، مثل انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في 2018، ومثل تعهد مكتب نتنياهو بـ “سيادة في اليوم الأول” (ضم المستوطنات في الضفة الغربية)، بعد طرح “صفقة القرن” في العام 2020.
لكن الحديث هنا يدور عن فكرة طموحة جداً وأخطر بكثير. أليست هذه مجرد فكرة غير ناضجة، سيتم حفظها ونسيانها مثل الأفكار الكثيرة التي مرت في الطريق القصيرة من عقل ترامب إلى فمه؟ من الجدير التذكر كيف هدد كوريا الشمالية بحرب حول مشروعها النووي في 2018. واستمر هذا حتى اللقاء بينه وبين الرئيس الكوري كيم جونغ أون، في حينه أعجب به وأعلن بحل المشكلة، وببساطة توقف عن التحدث عن الخطر النووي الذي تشكله بيونغ يانغ.
هناك أمثلة أخرى أكثر حداثة. قبل أسبوع، هدد بعدة خطوات ضد الجارتين كندا والمكسيك. في هذه الأثناء، اتخذت حكومات هذه الدول خطوات حسن نية بسيطة لإرضاء الرئيس، وتفعيل العقوبات تم تأجيله لشهر.
في الوقت الحالي، واضح أن إمكانية تشجيع الهجرة من القطاع تسليه، رغم معارضة دول الهدف الأولى، الأردن ومصر، ورغم بيان الرياض عن نية التصميم على الدفع قدما بإقامة الدولة الفلسطينية في إطار الاتفاقات والتطبيع المخطط لها مع إسرائيل. تظهر جراء استعداد ترامب لتحمل الولايات المتحدة مسؤولية مشروع إعادة الإعمار، نية لوضع جنود أمريكيين، ليس فقط مدنيون يشغلون الجرافات في قلب منطقة مواجهات، في الوقت الذي يعلن فيه ترامب عن نيته إنهاء الحروب وتقليص التدخل الأمريكي فيها، وقريباً إخلاء مئات الجنود الأمريكيين الذين بقوا في سوريا (عملية تثير القلق لدى ملك الأردن عبد الله).
في الساحة السياسية في إسرائيل لا شك بأن خطوة ترامب تقوي نتنياهو. جميع أعضاء الليكود في اليمين المتطرف يرحبون بذلك، وبدأ بن غفير يتلمس خطوات العودة إلى الحكومة. وفي وسائل الإعلام الإسرائيلية مرة أخرى يسمع تأثر من نتنياهو الساحر. قبل لحظة كان يقف أمام معضلة – إما استمرار صفقة المخطوفين بضغط من ترامب، أو حل الحكومة – والآن ها هو الائتلاف يستقر ويبقى مرة أخرى، وأزيلت تهديد الانتخابات. بقي حتى الآن سؤال: هل تعهد نتنياهو لترامب بتطبيق المرحلة الثانية واستكمال الصفقة؟ نظرياً، ربما يمكنه إقناع سموتريتش وبن غفير بأن استكمال الصفقة أمر حيوي، فثمة أمور أكبر (هزيمة حماس، الترانسفير) باتت على جدول الأعمال. في المقابل، إذا كان ترامب يتحدث علناً عن إنهاء حكم حماس، فأي محفز لهذه المنظمة الإرهابية للتمسك بالصفقة؟
تصريحات وقرارات ترامب حول إيران لا تقل أهمية عن ذلك. في الحقيقة، وقع على توجيه رئاسي بشأن استئناف سياسة “الحد الأقصى من الضغط” على طهران لردعها عن مواصلة المشروع النووي، لكنه أوضح بأن التقارير عن احتمالية هجوم مشترك أمريكي – إسرائيلي في إيران مبالغ فيها. أعلن الرئيس نيته البدء في “العمل على الفور” على اتفاق نووي جديد. ونتنياهو، الذي حذر خلال سنوات من هذه الاحتمالية وسعى إلى جر الأمريكيين إلى هجوم عسكري، نراه يتساوق معه الآن.
——————————————
يديعوت أحرونوت 6/2/2025
بتبنيه رؤية اليمين الإسرائيلي في ترحيل الغزيين: تمخض الجبل فولد فأراً
بقلم: ناحوم برنياع
لم يحقق نتنياهو نصره المطلق في غزة، لكنه حققه في واشنطن. فقد تلقى من ترامب ما لم يتلقه من أي رئيس قبله، ولا حتى من ترامب؛ لم يسبق لأي رئيس وزراء إسرائيلي أن حظي بمثل هذا التفضيل، ولا حتى رابين من (وداع يا رفيق) كلينتون. كل رئيس وزراء دفع بدوره ثمناً على الاستقبال في البيت الأبيض. أما نتنياهو، ظاهراً، فقد تلقى الهدية مجاناً.
أقوال رئيس الولايات المتحدة، في الغرفة البيضاوية وفي القاعة الشرقية، منحت نصراً ذا مغزى لرؤية اليمين الإسرائيلي المسيحاني. المفهوم الكوكستي يقول ببساطة، هم يخرجون، نحن ندخل. قد تبناه ترامب: ريفييرا بدلاً من مليوني عربي كادح. في واقع الأمر، لماذا التوقف في غزة؟ في الضفة أيضاً أحياء فقر مكتظة، تحرث الشر. وهناك ما يخرب المشهد أيضاً. إخلاء وبناء، هذا هو الحل للنزاع الإسرائيلي – الفلسطيني. وهكذا يسمونه في مكتب رئيس الوزراء. ترامب هو سموتريتش محفز. لم يسمع بعد عن الرجل وعمله ولا حتى عن لكنته التي لا يفهمها، لكنه بات هناك، معه. سيأتي سموتريتش بالمسيح؛ وترامب بالعقارات.
احتفال اليمين بالنصر مفهوم ومبرر، ولكن للنصر ثمن: فهو يخلق توقعات، ويغشي العيون، ويضلل. لإحساس النصر تداعيات فورية على سلسلة من المواضيع الأخرى. قبل كل شيء، صفقة المخطوفين. الإسناد المطلق الذي أعطاه ترامب لنتنياهو يغريه بطرح شروط جديدة لاستمرار الصفقة: الشروط ستسهل عودة بن غفير إلى الحكومة واستئناف القتال في غزة. كما أن وتيرة تقدم الثورة النظامية ستتأثر. بفضل ترامب، باتت السماء حدوداً.
وبالطبع، الاستطلاعات ستبش وجهها في الفترة القريبة القادمة لنتنياهو ولسموتريتش على حد سواء.
عندما أصر ترامب على ترحيل سكان غزة، ولا حاجة إلا لإقناع حكام مصر والأردن ودول أخرى، نظرت إلى نتنياهو. فقد بحث عن صيغة لا تورطه بأمر اعتقال في لاهاي بتهمة التطهير العرقي دون أن تغضب ترامب. فكر وفكر، وفي النهاية وجد صيغة تعفيه من المسؤولية. “ينبغي الاستماع للرئيس ترامب”، قال، ولم يشرح لماذا.
الحقيقة، كل خطة تعمر غزة بطريقة تنقذ سكانها من الفقر والاكتظاظ والإرهاب، جديرة بعناية جدية. الهجرة قد تساعد، شريطة أن يكون المهاجر يريدها، والدولة المستوعبة مناسبة للهجرة ومعنية بالمهاجرين. لكن الخطة كما يعرضها ترامب، تستدعي المعارضة. يصعب تصديق أن رئيساً أمريكياً في القرن الـ 21 سيرسل جنوداً لحمل مئات آلاف الغزيين تحت تهديد السلاح لركوب سفن تأخذهم إلى بلاد الفضاء. إذا كان هذا هو الجبل، فقد ولد فأراً.
——————————————
يديعوت أحرونوت 6/2/2025
4 أسباب “منطقية” لترحيل الغزيين.. نعم لاقتراح “رجل الفضاء”
بقلم: غيورا آيلند
اقتراح ترامب نقل سكان غزة إلى دول أخرى، ضرب العالم العربي بصدمة، وجر – كما كان متوقعاً– معارضة جارفة.
هذا اقتراح يبدو غريباً حتى في أوساط محافل دولية عديدة، إلا أنه اقتراح يبدو أكثر من منطقي من ناحية موضوعية.
لو وصل كائن فضائي عاقل من مجرة أخرى إلى الكرة الأرضية، وعرضت عليه “خطة الدولتين”. رجل الفضاء، الذي هو وزير الخارجية في دولته كان سيعجب ويتساءل: “ما هو المنطق في حشر نحو 15 مليون نسمة من اليهود والفلسطينيين داخل قاطع ضيق بين النهر والبحر، بل وأكثر من ذلك تقسيم هذه الأرض الصغيرة إلى دولتين؟ فإذا ما نظرنا إلى المحيط سنرى الأردن شرقاً، دولة معظمها صحراء غير مأهولة، ومن الجنوب الغربي سيناء، صحراء أكبر من مساحة إسرائيل بثلاثة أضعاف ولا يعيش فيها إلا 600 ألف نسمة، ومن جنوب “إيلات”، صحراء لا نهاية لها تسمى السعودية. لماذا أنتم – يا أهل الكرة الأرضية، مهووسون بـ “حل الدولتين” ولا تدعون فقط بأن هذا وحده هو الحل الأفضل، بل إنه الحل الوحيد؟
حل “الدولتين” يقوم على أساس أربعة افتراضات قبلت بدون فحص منذ قبل 32 سنة، لم يثبت أحد بعد بأن هذه الافتراضات الأربعة يجب أن تكون مطلقة ولا يمكن التشكيك بها. والافتراضات هي: حل النزاع يكون إقليمياً في المدى الضيق الذي بين النهر والبحر؛ والحل يستوجب إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة؛ وغزة والضفة يجب أن تكونا جزأين من الدولة إياها، والحدود بين إسرائيل وفلسطين تقوم على أساس خطوط 1967 (مع تعديلات طفيفة).
كل محاولات الوصول إلى إنهاء النزاع على أساس هذه الخطة فشلت، وحان الوقت لإجراء إعادة تقويم لا يقبل هذه الافتراضات الأربعة كأمر مسلم به. خطة ترامب منطقية إذا ما أخذنا بالحسبان ثلاثة أمور أخرى.
أولاً، يجدر بنا أن نفهم الأعداد قليلاً. شبه جزيرة سيناء أكبر من غزة بـ 167 ضعفاً. عدد الناس في هذه الأرض هو ثلث عدد سكان غزة. بكلمات أخرى، الاكتظاظ في غزة هو خمسمائة ضعف (!) اكتظاظ سيناء. إذا كان العالم كله يريد مساعدة الغزيين البائسين، فالاتجاه الذي يشير إليه ترامب هو الاتجاه الصحيح.
ثانياً، 75 في المئة من سكان غزة يحملون بطاقات لاجئي الأمم المتحدة. بكلمات أخرى، هم يدعون بأنهم يعيشون في قطاع غزة بشكل مؤقت، وهذا يتناقض مع ادعاء الفلسطينيين الآخر بأن غزة أرضهم وأنهم لن يتركوها. إذن، حان الوقت لأن يقرروا ما هم – لاجئون يريدون الانتقال إلى مكان آخر، أم أناس مغروسون في أرضهم.
ثالثاً، في زمن الحرب في أوكرانيا، ترك الدولة أكثر من مليوني مواطن وانتقلوا (مؤقتاً على الأقل) للسكن في بولندا ومولدافيا حيث استقبلوا ببشاشة. فلماذا ما يعد منطقياً في أوروبا ليس منطقياً في الشرق الأوسط.
في ختام حربين عالميتين، تنقل عشرات الملايين في أوروبا وانتقلوا للسكن الدائم في دول أخرى. هذه نتيجة طبيعية للحرب. أكثر من ذلك، ثمة نتيجة طبيعية للحرب، وهي أن أحد الأطراف يحتل أرض الدولة الأخرى، وهكذا كانت إسرائيل ملزمة بأن تفعل لشمال قطاع غزة، من ممر نتساريم شمالاً، حاصرنا هذه المنطقة منذ تشرين الثاني 2023 وخسارة أننا لم نفعل الأمر الصحيح.
وملاحظة أخيرة ترتبط بشمال القطاع اليوم: حماس شجعت مئات آلاف الناس للتحرك شمالاً نحو مدينة غزة ومحيطها. في هذا المكان، بخلاف منطقة المواصي، لا توجد خيم ولا بنية تحتية للمياه، والآن تصعد صرخة لتوفير الخيام والكرافانات لهؤلاء الناس “البائسين”، وجلب التراكتورات لإزالة الركام. على إسرائيل رفض ذلك. الحرب لم تنته بعد. وإلى أن يعاد كل المخطوفين، محظور إبداء هذا السخاء المبالغ فيه، إذ إن هذا هو رافعة الضغط الوحيدة التي تبقت لنا.
——————————————
معاريف 6/2/2025
اضطرار الواقع
بقلم: افي اشكنازي
رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب هو سياسي خاص بل خاص جدا. ليست لديه مجاملات رسمية بأقل تقدير، وهو يغلق خطوات بالشكل التبسيطي ولكن الأكثر تصميما.
قبل أسبوع بعث بستيف ويتكوف، صديقه المقرب الذي يعمل كمبعوثه الى الشرق الأوسط الى جولة في محور نتساريم في غزة. جاء ويتكوف، رأى بعينيه الواقع في غزة، الدمار والخراب وشم الروائح العفنة لهذا المكان اللعين في العالم. بعد ذلك سافر الى واشنطن ليروي للزعيم ما شهده في هذه الزيارة.
اقوال ترامب عن الهجرة الجماعية من غزة هي اضطرار الواقع. 70 في المئة من المباني في غزة مدمرة. معظم البنى التحتية، بما في ذلك أنفاق حماس، تضررت، دمرت او فجرت.
شبكات المجاري، الكهرباء والمياه غير قائمة. في الشوارع توجد مئات وربما الاف الجثث. بالتوازي توجد الكثير جدا من مخلفات الذخائر من أنواع مختلفة. فوق كل هذا، نطاق القذائف من الجو والاعمال العسكرية للجيش الإسرائيلي من البر تسببت بردود فعل ثانوية لتحرير غازات ومعادن سامة توجد في الذخائر التي استخدمت من فوق ومن تحت الأرض. فقط بعد سنوات سيكون عالم الطب مطالبا بان يقيس مديات الإصابات الفرعية.
مشكلة الغزيين هي انهم يفكرون بطريقة مميزة، محفوظة لهم فقط. قد يكون هذا هو السبب في أنهم لا يتقدمون في أي مرة، ليطوروا ويستغلوا الطاقات الكامنة حولهم.
كان يمكن لغزة أن تكون تحفة الشرق الأوسط. ان تكون اقليما مزدهرا. ارض خصبة، شاطيء ذهبي بلا نهاية، مناخ مريح على مدى 340 يوم في السنة من الشمس. قوة العمل في غزة ليست غالية. كل هذا كان يمكنه أن يؤدي بالسكان الى حياة طيبة. لكنهم اختاروا ان يسيروا في كل السنين مع خط التفكير المميز لديهم. فضلوا الفقر، الشُح، التطرف الديني، العنف والإرهاب.
مدى الدمار في غزة هو على قدر يجعل المخرج الوحيد للاعمال هو اخلاء أراض واسعة من المدنيين، الى جانب معالجة مكثفة من اخلاء الأنقاض وتطهير الأرض – مشكوك أن يكون ممكنا عمل ذلك في السنوات القريبة القادمة.
اقوال ترامب بسيطة جدا. هو يقترح على الغزيين الحل الأكثر راحة من ناحيته. على سكان غزة أن يغيروا القرص. هم في هذه اللحظة مثل سكان في حي سكني يمر بتجديد مديني. باستثناء أن في غزة هو أكثر تعقيدا بكثير. ومثلما في حي التجدد المديني، السكان يخرجون الى سكن بديل على مدى بضع سنوات.
فضلا عن هذا، فان من يبحث هنا عن اخلاق وقدسية الأرض، عليه الا ينسى بان أولئك “الغزيين المساكين” هم الذين جلبوا على أنفسهم كارثتهم. الى جانب هذا نحن أيضا لا ننسى بان الغزيين تسببوا لمئات الاف الإسرائيليين ان يهاجروا من بيوتهم في الجنوب (وبشكل غير مباشر في الشمال) على مدى اكثر من سنة.
——————————————
“عروتس شيفع” 6/2/2025
في مديح «الترانسفير»: الحل «الأكثر أخلاقية» للحفاظ على الدولة اليهودية
بقلم: تسفي سادان
وضعت أحداث السابع من تشرين الأول إسرائيل أمام خيارَين وجوديَّين، لا مفرّ من أحدهما، الإبادة، أو ترحيل ملايين العرب الذين يعيشون في “أرض إسرائيل”، ويؤمنون بأن هدف وجودهم هو تدميرها. على سبيل المثال، تحدث آفي ديختر عن “الإبادة التامة لـ(حماس)”، وكذلك فعل يوآف غالانت.
لكن كلام نتنياهو كان أكثر غموضاً بشأن “القضاء على (حماس)”. لقد برزت هذه الرغبة في القضاء على “حماس” في دعوات العديد من الجنود والمواطنين إلى محو ذكرى العماليق. وفوراً، قوبلت هذه المطالب المشروعة باتهامات بارتكاب جرائم “إبادة جماعية” في غزة، والتي يبدو أنها أخافت إسرائيل أكثر من واجب الحفاظ على وجودها.
أدى هذا الخوف إلى أن تبذل إسرائيل كل ما في وسعها من أجل عدم المساس بالمدنيين غير المتورطين، على الرغم من أنه من الواضح للجميع أن الأغلبية العظمى من سكان غزة تتعاطف مع “حماس”، قلباً وقالباً. لقد وصل هذا الحذر إلى درجة أنه، وفقاً للتقارير، منعت المدعي العام العسكري من تصفية خاطفي عائلة بيباس، بحجة أن “الاستهداف المتعمد خلال الحرب، يجب أن يكون فقط ضد أعضاء منظمات (إرهابية) يُعرّفون بأنهم قوة مقاتلة ضد إسرائيل”.
لا حاجة إلى القول، إن هذا الحرص الشديد على حياة الأعداء، الذين لا يختلفون عن “النازيين”، يأتي على حساب أرواح جنود الجيش الإسرائيلي، ويهدد وجود دولة إسرائيل.
بصرف النظر عن كل التصريحات العدوانية، أثبتت حرب “السيوف الحديدية”، بما لا يدع مجالاً للشك، أن أخلاقيات دولة إسرائيل لا تسمح لها باختيار الإبادة الكاملة. وعلى الرغم من الاتهامات الكاذبة والشريرة التي وُجهت إلى اسرائيل بارتكاب إبادة جماعية، فإن الحقيقة هي أن القيم الأخلاقية التي تطورت في إسرائيل لا تسمح لها بارتكاب أيّ فعل قريب من الإبادة الجماعية.
لذلك، ومن أجل أن تتمكن إسرائيل من الاستمرار في الوجود بأمان وسلام، لا خيار أمامها سوى تبنّي نهج بيرل كتسنلسون (1887-1944)، الذي أدرك فعلاً في سنة 1937 أن “مسألة نقل السكان أثارت لدينا جدلاً: هل هو مسموح، أم محظور؟ ضميري مرتاح تماماً إزاء هذا الأمر، فمن الأفضل أن يكون لدينا جار بعيد على أن يكون لدينا عدو قريب. لن يتضرروا من عملية النقل، ومن المؤكد أننا لن نتضرر. في المحصلة النهائية، هذا إصلاح سياسي واستيطاني يصب في مصلحة كلا الجانبين”.
استشهد زئيف غليلي (صحافي إسرائيلي) بقول رحبعام زئيفي، الذي استشهد، بدوره، ببيرل كتسنلسون، حين قال لأعضاء حركة “هشومير هتسعير”: “لم يكن في إمكاننا إقامة مستوطنتَي مرحابيا ومشمار هعيمق، من دون عمليات الترحيل (الترانسفير)… فالكيبوتسات الثمانون التابعة لحركة “هشومير هتسعير”، جميعها، أقيمت على أنقاض ثمانين قرية، أو قبيلة عربية، تم شراؤها، أو إخلاؤها، أو هرب سكانها، أو تم ترحيلهم قسراً، وفقاً لِما ورد في مقال لزئيف غليلي في 24/3/2006، بعنوان “إرث رحبعام زئيفي”.
لقد أدرك بيرل كتسنلسون، آنذاك، ما يدركه ترامب، اليوم، وهو أن الترحيل (الترانسفير) هو الحلّ الأكثر أخلاقيةً الذي يمكن أن تقدمه إسرائيل للسكان وعائلاتهم الذين يُطلق عليهم، اصطلاحاً، “الفلسطينيون”. فبدلاً من الموت والمعاناة، مثلما يموت ويعاني سكان غزة حالياً، وبحق، من الأفضل أن يتم نقلهم إلى مكان آخر يتيح لهم فرصة العيش، وفقاً لرغباتهم. هذه هي الفكرة الكامنة وراء إعادة التوطين (Relocation)، ومَن يعارضها، على الأرجح، يعارض أيضاً وجود دولة قومية يهودية.
الترحيل (الترانسفير) هو ممارسة شائعة لإنهاء النزاعات الدموية التي لا نهاية لها. لقد حاز مهندسو اتفاقيات السلام، التي تضمنت ترحيل ملايين الأشخاص، أرقى الجوائز الدولية. فعلى سبيل المثال، حصل فريتيوف نانسين، الدبلوماسي النرويجي ومهندس “اتفاقية لوزان”، التي تضمنت ترحيل مليون ونصف المليون يوناني من تركيا، ونحو نصف مليون مسلم من اليونان، على جائزة نوبل للسلام لسنة 1923. كذلك، حصل هنري كيسنجر، مهندس “اتفاقيات فيتنام”، التي أجبرت نحو أربعة ملايين شخص على مغادرة فيتنام، لاوس، وكمبوديا، على جائزة نوبل للسلام لسنة 1973.
بينما حصل ريتشارد هولبروك، مهندس “اتفاقيات دايتون” (1995)، التي أنهت الحروب بين صربيا، وكرواتيا، والبوسنة، وكوسوفو، والتي تضمنت ترحيل 2.5 مليون شخص من هذه الدول، على “وسام الحرية الرئاسي” من الرئيس الأميركي بيل كلينتون، تقديراً لدوره في تحقيق السلام.
لم يحصل تشرشل وروزفلت وستالين على جوائز، لكنهم نالوا تقديراً كبيراً لدورهم في اتفاقية بوتسدام (1945)، التي أقرّت طرد ما لا يقلّ عن 13 مليون ألماني من تشيكوسلوفاكيا وبولندا والبلقان. ومُنحت الجوائز والتكريمات لهؤلاء القادة عن جدارة، نظراً إلى نجاحهم في إنهاء الحروب وتحقيق السلام، لأنهم أدركوا أنه من دون الترحيل (الترانسفير)، لن تنتهي الحرب، ولن يتحقق السلام.
شكلت اتفاقيات السلام بين إسرائيل والعرب، والتي تضمنت ترحيل السكان، قصةً مختلفةً تماماً، إذ تتعلق بدولة وافقت فقط على ترحيل مواطنيها اليهود، في إطار المفهوم الوهمي للأرض في مقابل السلام. فعلى سبيل المثال، اتفاقية السلام مع مصر، التي أقرّت ترحيل نحو 7000 يهودي من سيناء، منحت مناحِم بيغن وأنور السادات جائزة نوبل للسلام لسنة 1978. أمّا اتفاقية أوسلو، وهي اتفاقية السلام مع الفلسطينيين التي أقرّت ترحيل نحو 1000 يهودي، فقد منحت إسحاق رابين وشمعون بيريس وياسر عرفات جائزة نوبل للسلام لسنة 1994.
أمّا خطة الانفصال التي نفّذها أريئيل شارون، والتي تضمنت ترحيل 8000 يهودي من غزة و600 من “يهودا” و”السامرة”، منحته لاحقاً “وسام الحرية الرئاسي” لسنة 2004، تقديراً لـ”تحمُّله المخاطر من أجل السلام.” وطبعاً، لا حاجة إلى التذكير بكيفية انتهاء هذا السلام، ولا كيف انتهى سلام “أوسلو”.
بعد ترحيل اليهود من قطاع غزة، حصل أرئيل شارون على ثناء واسع من مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي وحلف “الناتو”، إذ اعتُبر إجلاء اليهود عن منازلهم في غزة والضفة الغربية “خطوة جريئة نحو السلام”. ولو كان الأمر متروكاً لشارون واليسار، لتمّ ترحيل جميع اليهود المقيمين في “يهودا” و”السامرة” من دون تردد. وفي هذا السياق، قدمت خطة بيلين – أبو مازن (1995) اقتراحاً بشأن ترحيل طوعي لليهود في مقابل تعويض مالي.
لم يكن هذا كافياً، ففي سنة 2004، قدم ران كوهين (كان عضواً في الكنيست عن حركة ميرتس اليسارية) مشروع قانون “الإخلاء والتعويض”، لكنه لم يُعتمد، لحسن الحظ. وكان إيهود أولمرت مؤيداً لهذه الفكرة، وكذلك أرئيل شارون، الذي حاول، لكنه لم ينجح في تنفيذ ترحيل يهود الضفة الغربية بشكل “طوعي”.
وبعكس الحماسة لترحيل اليهود، واجه الرئيس دونالد ترامب انتقادات حادة منذ اللحظة الأولى التي بدأ فيها الحديث بجدية عن إمكان إعادة توطين (Relocation) مليون ونصف المليون غزي. ففي 26 كانون الثاني 2025، قال: “أريد أن تستقبل مصر هؤلاء الأشخاص، أريد أن يستقبلهم الأردن… نحن نتحدث عن مليون ونصف المليون شخص، ببساطة، سنقوم بـ(تطهير) كل هذا (غزة)، حتى يتمكنوا ربما من العيش (هناك) بسلام”. بعبارة أُخرى، كان ترامب يتحدث عن ترحيل طوعي، وهو أمر ضئيل، مقارنةً بعمليات الترحيل القسري التي نفّذها أشخاص، مثل فريتيوف نانسين وهنري كيسنجر وريتشارد هولبروك، الذين حصلوا على جوائز مرموقة وتكريمات رسمية، تقديراً لأدوارهم في إنهاء النزاعات.
إن حديث ترامب عن ترحيل سكان غزة كشف عن واقع غير معقول، إذ لا توجد دولة واحدة مستعدة لاستقبال مهاجرين، أو لاجئين من غزة، بدافع إنساني بحت. بالإضافة إلى ذلك، لا توجد منظمة حقوق إنسان واحدة توافق على خطة ترامب، على الرغم من أن مثل هذه الحلول تم تبنّيه في نزاعات أُخرى حول العالم.
هذا الوضع يثير الاستغراب، وبصورة خاصة في ضوء القانون الدولي، الذي يُلزم الدول قبول اللاجئين الفارّين من الحروب، بما في ذلك لاجئو غزة. اليوم، باستثناء كوريا الشمالية، لا توجد دولة واحدة في العالم تغلق حدودها أمام لاجئي الحروب القادمين من دولة ليست عدوة لها. وعلاوةً على ذلك، لا توجد دولة أُخرى في العالم، باستثناء كوريا الشمالية، تمنع مواطنيها من الهجرة منها. ومع أن غزة تُعتبر دولة، بحكم الأمر الواقع (de facto)، إلّا إنها تحظر الهجرة منها، في حين أن مئات الآلاف، إن لم يكن أكثر، يرغبون في مغادرتها.
هذا يعني أن غزة، أو ما يسمى “دولة فلسطين”، والتي تشمل أيضاً الضفة الغربية، تُعدّ حالة فريدة في التاريخ لعدة أسباب: أعلام “دولة فلسطين” ترفرف في العديد من المؤسسات الدولية، على الرغم من أن هذه الدولة غير موجودة حالياً، ولن توجد، ما دامت إسرائيل قائمة كدولة يهودية. اللاجئون العرب من “أرض إسرائيل”، الذين يُطلق عليهم، زوراً، “الفلسطينيون”، والذين فروا، أو تم ترحيلهم، في الفترة 1946-1948، هم المجموعة الوحيدة من اللاجئين في العالم التي تورّث الأجيال اللاحقة صفة “لاجئ”. اليوم، هناك 29.4 مليون لاجئ في العالم، لكن اللاجئين الفلسطينيين هم الوحيدون الذين يتمتعون بوضعية لاجئ يمكن وراثتها وتوريثها، بعكس جميع اللاجئين الآخرين.
لهذا السبب، فإن وكالة “الأونروا”، التي كانت مسؤولة في سنة 1950 عن 750.000 لاجئ عربي، أصبحت، اليوم، مسؤولة عمّا يقارب ستة ملايين “لاجئ فلسطيني”، يعيش معظمهم في سورية والأردن ولبنان. إن الإصرار على الحفاظ على وضعية “اللاجئ الفلسطيني” ليس سوى أداة لإدامة دائرة العنف، بهدف إضعاف إسرائيل حتى تنهار.
على الرغم من أن الحفاظ على وضعية “اللاجئ الفلسطيني” يتعارض مع القانون الدولي، ومع مبادئ حقوق الإنسان، فإن الجهات التي تعمل على إبقائه تشمل، في الأساس، منظمات حقوق الإنسان، بما في ذلك الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها. معظم هذه المنظمات، إن لم يكن جميعها، يروّج ما يسمى “حق العودة” لنحو ستة ملايين لاجئ فلسطيني، وإذا تحقق هذا، فسيؤدي إلى تدمير الدولة اليهودية. وبما أن معاداة السامية تشمل أيضاً “إنكار حق اليهود في تقرير مصيرهم”، فإن أيّ شخص ينكر حق الدولة اليهودية في الوجود هو معادٍ للسامية، حتى لو كان من ضمن المنظمات، أو المواطنين الإسرائيليين الذين يعملون على تحويل إسرائيل إلى “دولة لكل مواطنيها”.
المنظمات التي تروّج “حق العودة”، تشمل “تحالف النساء من أجل السلام”، و”اللجنة الإسرائيلية ضد هدم المنازل”، وحركة “ززيم”، و”زوخروت”، و”عدالة”، و”محاربون من أجل السلام”، بالإضافة إلى العديد من المنظمات الأُخرى. هذه المنظمات التي تسعى لإعادة ستة ملايين “لاجئ فلسطيني” إلى “أرض إسرائيل”، تُعتبر جزءاً مما يُعرف بـ”اعتصامات كابلان”.
لذلك، من غير المستغرب أن تكون ظاهرة رفض الخدمة العسكرية، التي سبقت السابع من تشرين الأول، تعبيراً واضحاً عن الاستعداد للتخلي عن أمن إسرائيل وتعريض وجودها للخطر. كان الهدف من هذه الظاهرة إجبار إسرائيل على أن تصبح “دولة لكل مواطنيها”، ثم إقامة دولة فلسطينية، والتي ستعمل بكل الوسائل الممكنة لتحقيق حلم ياسر عرفات ويحيى السنوار بإقامة دولة فلسطينية تمتد من البحر إلى النهر. إن المعنى الحقيقي لهذين الشرطين لا يمكن أن يكون سوى نفي حق إسرائيل في الوجود كدولة يهودية.
بالنسبة إلى محبّي إسرائيل، فإن الترحيل (الترانسفير) يُعتبر الحل الأكثر إنسانيةً، والأكثر أخلاقيةً، لضمان استمرار وجود وأمن الدولة اليهودية. فقط الترحيل هو الذي يمكنه وضع حدّ لحرب الجهاد المستمرة هنا بلا توقف، منذ أن بدأ عشرات الآلاف من اليهود بالعودة إلى أرضهم الموعودة في أواخر القرن التاسع عشر.
——————————————
يديعوت 6/2/2025
عناق ترامب لنتنياهو جزء من خطة كبرى للشرق الأوسط
بقلم: رون بن يشاي
لا تدعوا أسلوب ترامب الحرّ في الكلام يخدعكم. فالرئيس الأميركي فاجأنا، إلى جانب رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، بانفتاحه وجديته وخبرته، وأكد أن لديه خطة منظمة خاصة بالشرق الأوسط على طريق السلام المنشود. ومع كل العناق الحار، أراد أن يوضح للرجل الذي يجلس إلى جانبه أن ليس في إمكان أحد أن يؤثر فيه.
المكون الأبرز هو النية الواضحة بشأن إخلاء غزة من سكانها، وبناء القطاع من جديد. وهذا ليس مجرد كلام همسه أحدهم في أذنه. ولا يزال من غير الواضح، فعلاً، ما الذي يقصده ترامب بعدم عودة الغزيين لاحقاً، ومَن سيسكن في المناطق المُعاد بناؤها. وعندما سُئل عن المستوطنات الإسرائيلية، قال إنه لا يرى وجوداً لها هناك.
التفصيل المذهل هو أنه وفقاً لترامب، هناك دول مستعدة لاستقبال اللاجئين، إلى جانب نية مصر والأردن القيام بذلك، وأنها اتصلت به. ولمّح الرئيس إلى أن دول الخليج، السعودية وقطر والإمارات، ستموّل إعادة الإعمار، وشدد على أنه لسنا “نحن”، الأميركيين، الذين سيتحملون التكلفة الباهظة.
وبعكس ولايته السابقة، يبدو ترامب ملمّاً بالتفاصيل والفروق الدقيقة، وأظهر كفاءته في مجال الأعمال، وأن لديه خطة منتظمة: الحل في غزة هو جزء من خطة شاملة للشرق الأوسط. من وجهة نظر إسرائيلية، من المهم التأكيد أن ترامب أشار إلى أن صفقة المخطوفين ستُستكمل، وأن المخطوفين سيعودون. وسارع نتنياهو إلى إضافة سائر أهداف الحرب، وهي تفكيك قدرات “حماس” الحكومية والعسكرية، وألّا تُشكّل من جديد؟ فأجاب أنه غير واثق بأنها قادرة على ذلك. وسُئل عن مطالبة السعودية بدولة فلسطينية؟ فردّ قائلاً: إن السعوديين لا يطالبون بذلك. وفعلياً، هو شدد على هدف إبعاد “حماس” عن السيطرة على غزة، عندما قال: “يوجد هناك أشخاص معقدون جداً”. وإذا أردنا اختصار قصة غزة، فهو يؤيد صفقة تعيد كل المخطوفين، يأتي بعدها إخلاء غزة من أجل إعادة بناء المنطقة كلها من جديد.
لا يخفي ترامب أن ما يحرّكه أكثر من أيّ شيء آخر هو أنه، بعكس بايدن، الذي لم يكن لديه مزايا شخصية، يريد أن يثبت رغبته في تصوير نفسه كصانع للسلام (ليس فقط في الشرق الأوسط، بل أيضاً بين روسيا وأوكرانيا). وضمن هذا الإطار، يجب رؤية مواقفه من إيران “التي كانت ضعيفة عندما غادرت منصبي”، وازدادت قوةً بسبب بايدن.
شدد ترامب على أن الإيرانيين لن يحصلوا على سلاح نووي، لكنه لم يتطرق إلى الخيار العسكري، ولم يقل إن كل الخيارات مطروحة على الطاولة، بخلاف ما أرادته إسرائيل. لقد أراد نتنياهو أن يُظهر أمام الائتلاف في البلد أن إيران والسعودية هما الأساس، وأن غزة هامشية، لكن ترامب لم يسايره في ذلك، لكنه ساير الصحافيين الذين سألوه بصورة أساسية عن غزة. لم يتطرق بصورة خاصة إلى التطبيع، ولم يقدم ذلك كإنجاز وشيك. ويمكن الافتراض أن الموضوع لم ينضج بعد.
الكلام يوضح النيات، الولايات المتحدة ستساعد إسرائيل في التسلح، لكنها لا تريد حرباً مع إيران، بل تسعى لاتفاق. وهي لم تعطِ أيّ ضوء أخضر، أو موافقة، على هجوم إسرائيلي ضد إيران. قبيل اجتماعه بنتنياهو، وقّع ترامب تصريحاً بتشديد العقوبات على إيران، لكي يُظهر أنه صارم مع طهران، ولكي يُظهر للإيرانيين أنه من الأفضل أن يأتوا إليه.
لقد بدا نتنياهو أقل راحةً في الصالون البيضاوي هذه المرة، على الأقل بحسب لغة جسده، فقد جلس على حافة المقعد مع ابتسامة محرجة. إنه ليس نتنياهو نفسه الذي قدم درساً في التاريخ لأوباما، وحرص على القول إن الحل يأتي من خلال العمل المشترك، سواء في محاولة لإرضاء ترامب، أو غمزاً من قناة الرئيس السابق.
لكن إذا اعتقد نتنياهو أنه قادر على التلاعب بترامب وتجنيده لمصلحته فيبدو أن المضيف يفكر في الاتجاه المعاكس؛ تسخير رئيس الحكومة الإسرائيلية لمصلحة خطته الكبرى للسلام، ومن هنا، كان العناق الحار والاحترام الاستثنائي. الاجتماع التحضيري الطويل الذي جرى، أول من أمس، مع موفد الرئيس الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط ويتكوف، ومع مستشار الأمن القومي والتز، هو أيضاً جزء من الخطة، التي يبدو أنها جدية.
——————————————
يديعوت 6/2/2025
خلاص إسرائيل الآتي مــن البـيــت الأبيــض
بقلم: بن درور يميني
قال بنيامين نتنياهو، أكثر من مرة، “دولة فلسطينية”، مرة في سنة 2009 خلال خطاب بار إيلان، ومرة أُخرى في سنة 2011 خلال خطاب ألقاه في الكونغرس الأميركي. وأيضاً، خلال المفاوضات التي أدارها مع جون كيري في الفترة 2013-2014، عندما كان هناك اتفاق على دولة فلسطينية تقوم على أكثر من 90% من الأراضي. وهو ما جرى أيضاً في الاتفاق العلني على رؤية صفقة القرن لترامب التي تضمنت دولة فلسطينية على 70% من الضفة الغربية.
والمرة تلو الأُخرى، قال الباحثون والمحللون إن نتنياهو لا يقصدها. فالدليل لديهم هو أنه حتى عندما وافق على الدولة، استمرت سياسة البناء الاستيطاني وإضافة البؤر. لكن، يوجد بعض الإشكاليات في هذه الادعاءات. أولاً، حتى في أيام إيهود براك وإيهود أولمرت، استمر البناء في الضفة الغربية، ولا يشكك أحد في جدية مقترحاتهما؛ ثانياً، مع كامل الاحترام للمحللين الذين يؤدون دور الأطباء النفسيين، فإن التصريحات والاتفاقيات لها أهمية كبيرة جداً في المسارات الدبلوماسية. وإن لم تكن الأمور كذلك، فإن كل “نعم” ستُفسّر بـ”لا”، وكل “لا” ستُفسّر بـ”نعم”.
من المفترض أن يقف نتنياهو في مواجهة المعضلة نفسها. فإمّا استمرار حرب الاستنزاف في غزة، وإمّا صفقة التبادل وأفق سياسي جديد للشرق الأوسط. لدى الولايات المتحدة مصالح اقتصادية عظيمة ستجنيها من صفقة كبيرة جداً مع السعودية. وبحسب خطاب ترامب أمام المشاركين في مؤتمر دافوس، فإن السعودية تنوي استثمار 600 مليار دولار في الولايات المتحدة. هذا المبلغ كبير جداً بالنسبة إلى الاقتصاد الأميركي أيضاً. حينها، قال ترامب أيضاً إنه يطالب السعوديين برفع المبلغ إلى تريليون دولار. التطبيع مع إسرائيل ما هو إلا جزء من الرؤية الأميركية، وليس محصوراً في ترامب وحده. أمّا السعودية، فهي معنية بالصفقة الكبيرة من أجل الدفاع الإقليمي، وعلى الرغم من تجديد العلاقات مع إيران، فإن حالة العداء بين السعودية وطهران لا تزال مستمرة. إيران تحاول الهيمنة على الإقليم، والعداء بين السعوديين والإيرانيين مستمر. تحاول إيران تحقيق الهيمنة الإقليمية، ولم تتغير استراتيجيتها في أعقاب الضربات التي تلقّتها أذرعها – “حزب الله” و”حماس”، بالإضافة إلى خسارة السيطرة الواسعة التي كانت لديها في سورية. والآن، بشكل خاص، بعد أن أثبتت إسرائيل نفسها كرصيد استراتيجي، وبعد أن ضربت يدها الطولى إيران، فإن المزيج الاستراتيجي المؤلف من السعودية وإسرائيل والدول الخليجية يمكن أن يشكل ثقلاً وازناً جدياً في مقابل محور إيران.
وبالنسبة إلى إسرائيل، فإن مصلحتها لا تقلّ أهميةً، بل يمكن أن تكون أكبر، ببناء هذا الحلف الإقليمي ضد إيران التي كانت ولا تزال التهديد الأكبر لها. وقد لا تحتاج قيادات الدول العربية إعلاناً إسرائيلياً لـ”دولة فلسطينية”، أو أفقاً سياسياً للفلسطينيين، إلّا إن الرأي العام العربي يطالب بهذه الإعلانات لمنح الشرعية لتوسيع “اتفاقات أبراهام”.
وقبل أن ندخل في النقاش السياسي – وهو نقاش جدّي بالمناسبة – بشأن الدولة الفلسطينية، يجب القول إنه سيكون هناك تأثير كبير للكلمتين دبلوماسياً، لكن التأثير العملي سيكون صفراً، ولأن الفلسطينيين سمعوا عن كثير من العروض لإقامة دولة، وكانوا يرفضونها دائماً. وهذا غير محصور في عرفات، الذي رفض اقتراح كلينتون، فأبو مازن أيضاً رفض اقتراح أولمرت، ولاحقاً، في سنة2014، رفض مسودة طرحها عليه جون كيري وباراك أوباما، وطبعاً، رفض أيضاً رؤية السلام التي عرضها ترامب.
هناك حجج وازنة ضد الدولة الفلسطينية، فهذه الدولة يمكن أن تصبح دولة “حماس”. ولا يجب إلغاء كافة المزاعم اليمينية، التي بحسبها يمكن أن تكون هذه الدولة ذراعاً إيرانية. الرفض الفلسطيني يؤبد الصراع، واليوم، يمكن القول إن الرفض الفلسطيني هو ما ينقذنا من هذه الذراع الإيرانية. وحتى لو افترضنا أن الفلسطينيين، في أغلبيتهم، لا يدعمون “حماس”، بل هناك 30 أو 40% منهم يدعمونها – هذا يشكل خطراً بحد ذاته. فالأقلية العنيفة تسيطر دائماً على الأغلبية التي تفكر بشكل مختلف.
لذلك، فإن نتنياهو لا يقف أمام أيّ قرار حاسم بشأن موضوع إقامة دولة فلسطينية. إنه يواجه قراراً أسهل كثيراً: هل ستخرج من فمه كلمتا “دولة فلسطينية”، وقد خرجتا من فمه سابقاً. وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار وضع إسرائيل السيئ في الساحة الدولية، فسيكون لهاتين الكلمتين إسقاطات إيجابية كثيرة. صحيح أن موقف كارهي إسرائيل لن يتغير، لكن الموقف الإسرائيلي المعتدل سيقوّي إسرائيل في أوساط هؤلاء الذين لا ينتمون إلى معسكر الكارهين، وستربح إسرائيل من تصريح نتنياهو المعتدل لأنه من الأفضل أن نحرر المخطوفين ونعزل “حماس”، عبر حلف إقليمي، بدلاً من عزل إسرائيل والغرق في حرب استنزاف في غزة.
من المحتمل أن يكون الثمن الذي يجب على نتنياهو دفعه هو وقف إقامة البؤر الاستيطانية. هذا الالتزام جرى تقديمه سابقاً، وخرقته إسرائيل. فاستمرت حكومات إسرائيل كلها في المشروع الاستيطاني، وقامت الحكومة الحالية بذلك بامتياز أيضاً، إنها تكسر أرقاماً قياسية في هذا السياق. وإن كانت إسرائيل مطالبة بدفع هذا الثمن – وحتى لو دفعته أيضاً- فسيكون جيداً، لأن اليمين المعادي للصهيونية الذي يدعم “الدولة الواحدة” هو الذي ينفّذ فعلاً خطة اليسار المعادي للصهيونية الذي يبشر بـ”الدولة الواحدة”.
أنقذنا ترامب باتفاق التبادل من الاستمرار في الخضوع لرفض اليمين المتطرف. الآن، جاء ترامب مع رؤية سلام إقليمي. ومن الممكن أن ينجح في إنقاذنا من الاستمرار في الخضوع للكابوس المزدوج من اليمين واليسار بـ”الدولة الواحدة”، إن شاء الله.
——————————————
معاريف 6/2/2025
مسرحية ترامب لترحيل سكان غزة
بقلم: آنا برسكي
“مسرحية الصدمة” التي عرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع رئيس الوزراء نتنياهو وإن كانت مليئة بالعناوين، لكنها عمليا تنقسم الى قسمين.
اضافة اعلان
حتى لو وضعنا جانبا انعدام الجانب العملي في تنفيذ نقل 2 مليون غزة لدول توافق على استيعابهم مقابل حوافز اقتصادية فان الأهمية هي في الرسالة التي يرغب الرئيس في إطلاقها. هذا ليس شرق أوسط جديد هذا البيت الأبيض الجديد. المزاج في واشنطن تغير وهو الآن مع شعب إسرائيل.
بخلاف أحداث الولاية الأولى للرئيس ترامب، عندما كانت التفافة حذوة حصان حادة في خطة فرض السيادة على مناطق الضفة مجرد انعطافة في حبكة لأربع سنوات، توجد إسرائيل اليوم في واقع آخر بعد 7 تشرين أول (أكتوبر).
توجد لها حرب لم تنته، يوجد لها 79 مخطوفة ومخطوفا ما يزالون يحتجزون في أسر حماس، توجد لها حماس التي لم ترحل إلى أي مكان، ويوجد لها أقل من شهر لخوض مفاوضات على المرحلة التالية من الصفقة.
إذن ما الذي كان في أقوال الرئيس ترامب ليعطي وزير المالية سموتريتش الشرعية لأن يقف هذا الصباح أمام الكاميرا ويعلن بأنه سيبقى في الحكومة لأن المسار الذي ستتقدم فيه إسرائيل مع الإدارة في واشنطن يؤدي إلى إبادة حماس والى النصر المطلق؟
إذا حاولنا أن نترجم تصريحات ترامب إلى مداخل المنحى للاتفاق التالي، فهذه هي الصورة التي ترتسم أمامنا: الجيش الإسرائيلي يغادر أراضي القطاع (ربما باستثناء القاطع الفاصل)؛ المخطوفون يعودون؛ في هذه الاثناء الرقابة على المعبر في المحور الشمالي يبقى في أياد أميركية، ويحتمل أن يوسعوا التواجد ويراقبوا أيضا محور نتساريم. حتى هنا السيناريو الى هذا الحد او ذاك واقعي.
لكن السؤال المركزي يبقى مفتوحا، بلا جواب عملي: ماذا ستكون التسوية التي ستعرض على حماس؟ ما هو النصر المطلق الذي تحدث عنه هذا الصباح رئيس الصهيونية الدينية حين شرح لماذا هو باق ولم ينسحب؟
معقول الافتراض ان في إسرائيل من يؤمنون بان اقوال ترامب عن أنه لا يريد أن يرى حماس في غزة – وانه اذا لم يسوَ هذا في المفاوضات “فانه سينتهي بالعنف” – خلقت تهديدا عسكريا على مسؤولي حماس. تهديدا سيكون مقنعا بما يكفي كي توافق حماس في غرفة المفاوضات على النفي بنمط عرفات – في إسرائيل يترجمون اقوال ترامب كاقرار رسمي للمطالبة في المفاوضات بإبعاد حماس من غزة ولعدم الموافقة على اقل من هذا – وكذا للعودة الى الحرب إذا لم يقبل الشرط في المحادثات.
لا يمكن أن نعرف ماذا سيكون مصير المفاوضات – اذا ما امتدت ستتفجر أو ستجلب اتفاقا. إسرائيل تتوجه الى المفاوضات فيما يكون في يدها ائتمانا واسعا تلقته من واشنطن. الهدف الإستراتيجي لبنيامين نتنياهو – الوصول الى خط النهاية، على الأقل، بدون عجز مالي.
—————–انتهت النشرة—————–