فلسطيني 48

هبة الكرامة: معتقلون من عكا تعرّضوا لتعذيب جسدي وضغوط نفسية لانتزاع اعترافات

شهادات صادمة لمعتقلين من عكا تكشف عن أساليب التحقيق والضغط النفسي بحق معتقلي هبة الكرامة، وتكشف عن التعذيب الجسدي والإهانات والابتزاز العاطفي التي تستخدمها الشرطة لانتزاع اعترافات. فيما يطالب ذوو المعتقلين بالإفراج العادل وإنهاء المعاناة المستمرة من أعوام.

المسار الاخباري: عقدت المحكمة المركزية في حيفا، اليوم الثلاثاء، جلسة مداولات بشأن ملف اعتقال ثلاثة شبان من مدينة عكا، على خلفية أحداث هبة الكرامة التي اندلعت في أيار/ مايو 2021، وشهدت احتجاجات واسعة في المجتمع العربي؛ وزعمت النيابة العامة الإسرائيلية أن الشبان الثلاثة شاركوا في محاولة اعتداء وتنكيل ضد يهودي في مدينة عكا، خلال أحداث الهبة.

ويواجه التهم في هذا الملف كل من: أيمن زلفي (31 عامًا)، المعتقل في سجن الجلبوع منذ آب/ أغسطس 2022، وهيثم عوض (33 عامًا)، الذي اعتُقل في 18 تموز/ يوليو 2022، وتم تحويله إلى الحبس المنزلي في 7 كانون الثاني/ يناير 2024.

أما راني فيران (33 عامًا)، فقد اعتُقل في 22 حزيران/ يونيو 2022، وقدّمت النيابة العامة ضده لائحة اتهام في 28 تموز/ يوليو من العام ذاته. ونُقل إلى الحبس المنزلي في 30 تشرين الأول/ أكتوبر 2022 حتى أيار/ مايو 2023، ثم أُعيد اعتقاله حتى أيار/ مايو 2024، قبل أن يُحوَّل مرة أخرى إلى الحبس المنزلي والإبعاد إلى قرية جديدة المكر حتى اليوم.

وأدلى راني فيران بشهادته اليوم أمام قاضي المحكمة عن ظروف اعتقاله والتحقيق معه، وأفاد بأن “العشرات من عناصر الشرطة والشاباك وصلوا إلى منزلي في ساعات الفجر الباكر، حيث أجروا تفتيشًا في المنزل، وبدأوا بقراءة اتهامات قاسية ضدي من بينها: أنت متهم بالقتل، ثم تم اقتيادي إلى مركز الشرطة في زفولون في الساعات الأولى من الاعتقال”.

وتابع “تعرضت للتحقيق على فترات مختلفة، وبأساليب مختلفة. فخلال المرحلة الأولى من الاعتقال، كان عناصر الشرطة يبلّغونني بأنهم هنا لمصلحتي، حيث تم وضعي في سجن انفرادي، وأُدخل شخصان بادعاء أنهما ناطقان باسم الأسرى، وراحا يخبراني بقصة اعتقالهما. أخرج أحدهما دفترًا وبدأ بتوجيه أسئلة لي عن انتمائي لأي منظمة، وعندما أبلغته أن لا شأن لي بما يتحدث عنه، أخرج هاتفًا وقال لي إن بإمكاني الاتصال بعائلتي، إلا أنني رفضت ذلك”.

“مرحلة الدفاع بدأت”

وعن التنكيل النفسي الذي تعرض له فيران، قال المحامي بدر اغبارية، الموكل بالدفاع عنه، في حديث لـ”عرب 48″، إن “المحكمة دخلت في مرحلة الدفاع، حيث بدأ موكلي راني فيران بالإدلاء بشهادته حول ظروف اعتقاله والتحقيق معه، مشيرًا إلى أنه تعرض لأساليب ضغط نفسي خطيرة، من بينها إبلاغه بوفاة طفله أثناء التحقيق”.

وأضاف “خلال استجواب موكلي، تم إبلاغه بشكل مباشر وبطريقة التفافية، بأن طفله البالغ من العمر سنتين قد مات. كان المحققون يتحدثون فيما بينهم قائلين: ‘راني يجلس هنا مثل الحمار، بينما ابنه ميت، لكنه لا يريد الاعتراف حتى يتمكن من المشاركة في جنازته’”.

تعذيب جسدي وابتزاز عاطفي

وتابع “لم يقتصر الضغط على هذه الخدعة، حيث لجأ المحققون إلى وسائل نفسية أكثر قسوة”، وأوضح “في مرحلة أخرى، أحضروا له صورة أطفاله وقالوا له: إما أن تعترف، أو أنك لن تراهم مجددًا. وعندما رأى الصورة، كان الأمر مؤثرًا جدًا عليه، خاصة عندما أدخلوا شخصًا إلى زنزانته يحمل صورة يدّعي أنها لطفله”.

ولفت المحامي إلى أن فيران كشف في شهادته عن تعرضه للتعذيب الجسدي والنفسي، من خلال احتجازه في زنزانة ضيقة جدًا (2×2 متر) بظروف سيئة، وتعرضه للإهانة والتهديد بعائلته، بما في ذلك والدته وزوجته وأطفاله.

كما تم ربط يديه للخلف وإجلاسه على كرسي صغير جدًا يشبه مقاعد طلاب الصفوف الأولى من المرحلة الابتدائية، لمدة 20 ساعة متواصلة، ومنعه من استخدام المرحاض طوال هذه المدة، وعند السماح له، كان المرحاض بحالة سيئة للغاية، مما دفعه إلى الامتناع عن قضاء حاجته في البداية.

“اعترف بسبب الإهانات والسباب المستمر”

وأشار إلى أنه حُرم من الطعام، إذ كانوا يمنعونه من إكمال وجبته بحجة انتهاء الوقت، وكانوا ينادونه أثناء الأكل قائلين: “لم تُدعَ إلى هذه العزومة، عد إلى غرفة التحقيق!”. وأكد اغبارية أن “موكلي لم يعد يحتمل الإهانات المتكررة، وخاصة السباب الذي طاول الذات الإلهية، ما دفعه إلى الاعتراف تحت الضغط بجرائم لم يرتكبها”.

وأضاف المحامي “في بداية المحاكمة، طلبنا من القاضي عدم اعتماد اعترافات راني التي أدلى بها خلال التحقيق لدى الشرطة والمخابرات، لأنها انتُزعت تحت التعذيب النفسي والجسدي”. وأوضح أن رجال المخابرات الذين حققوا مع راني كانوا حاضرين في جلسات المحكمة، وقال “نحن نأمل أن يقتنع القاضي بعدم قانونية هذه الاعترافات، وأن يرفض الاعتماد عليها”.

اتهام مباشر عند الاعتقال… هل هو قانوني؟

وأشار اغبارية إلى أن موكله تعرض لاتهام مباشر عند لحظة اعتقاله، إذ قال له رجل المخابرات الذي كان مع الشرطة: “راني، أنت متهم بالمشاركة في قتل الشخص الذي مات في الفندق خلال أحداث عكا”.

وأضاف “في أحداث عكا خلال هبة الكرامة، قُتل شخص داخل فندق كان قد اشتعلت فيه النيران، ولم يكن معروفًا حينها من المسؤول عن الحادث. لكن، كما ذكر راني اليوم في شهادته، فإنه عندما تم اعتقاله وهو لا يزال في منزله، أُبلغ مباشرةً بأنه متهم بارتكاب الجريمة، قبل حتى بدء أي تحقيق رسمي معه”.

وأوضح المحامي أن ما تعرض له فيران من تعذيب وضغوط نفسية ليس حالة فردية، بل جزء من نمط واسع من التنكيل بالمعتقلين، خاصة معتقلي هبة الكرامة، مشيرًا إلى أن شهادات التعذيب هذه قد تلعب دورًا مهمًا في “تحقيق العدالة”، وكشف أساليب التحقيق غير القانونية التي أدت إلى انتزاع اعترافات بالإكراه.

والدة المعتقل أيمن زلفي: “ابني مظلوم… نعيش حالة من التوتر المتواصل”

بدورها، قالت شهرزاد زلفي، والدة المعتقل أيمن زلفي، في حديث له ، إن العائلة تعيش حالة من القلق والتوتر الدائم بسبب استمرار اعتقال ابنها منذ ما يقارب عامين وثمانية أشهر، مؤكدة أن القرار الأخير بإطلاق سراحه مشروطًا بالكفالة، تم رفضه رغم تقديم ثمانية كفلاء.

ووصفت زلفي حالة العائلة، وقالت “الوضع صعب جدًا، لا يمكن وصفه، نعيش بأعصاب ولا نعرف ماذا نفعل. في كل جلسة محكمة ننتظر بصيص أمل، لكن الأمر يزداد صعوبة. أيمن يقول إنه بخير، لكن لا أحد يعلم ماذا يحدث في الداخل”.

وأضافت “ابني معتقل منذ أكثر من عامين ونصف، وكان هناك قرار بإطلاق سراحه، لكن بشرط وجود كفلاء. عرضنا ثمانية كفلاء، وكلهم كانوا مناسبين من وجهة نظرنا، لكن القاضي رفضهم جميعًا. لا نعلم لماذا. لم يبقَ لدينا أمل، لأنهم ببساطة لا يريدون الإفراج عنه”.

وعن حياة ابنها قبل الاعتقال، قالت “أيمن كان شابًا خلوقًا، يعمل ويحترم الجميع. كانت لديه خطط كبيرة لمستقبله، أراد الزواج، وتأسيس عائلة، والاستمرار في حياته بشكل طبيعي، لكن هذا الاعتقال دمّر كل شيء”

وتابعت “ابني ليس الوحيد، فكل الشبان المعتقلين مظلومون، وهذا ظلم واضح. لا نعرف كيف يمكن لهذا الوضع أن يستمر، ولا كيف يُترك شبابنا هكذا دون أي إنصاف”؛ وختمت بالقول: “لدي أمل، وأدعو الله أن يُفرَج عن أيمن وعن جميع المعتقلين. نريد العدالة، نريد أن يعودوا إلى عائلاتهم، فقد طالت هذه المعاناة بما فيه الكفاية”.