
شبكة المسار الاخباري….
كتب: احمد مولانا
ازداد حجم الجيش الإماراتي إلى 70 ألف ضابط وجندي، مع الاستعانة بضباط أميركيين وبريطانيين وأستراليين وجنود من جنسيات أخرى، كما وقعت الإمارات اتفاقيات تعاون ثنائي عسكري مع الولايات المتحدة عام 1994، وكذلك مع فرنسا في العام التالي، ومع بريطانيا عام 1996، وأنفقت الإمارات بين عامي 1991 و1996، نحو 66 مليار دولار على امتلاك قدرات عسكرية جديدة.
شاركت قوات إماراتية برفقة نظيرتها الأميركية في حروب الصومال وكوسوفو وأفغانستان وليبيا، كما بدأت أبو ظبي مشروعاً ضخماً لتصنيع الأسلحة محلياً لتلبية الاحتياجات الذاتية، ولتقديم الدعم العسكري من دون قيود لأطراف خارجية في البلاد ذات الأولوية.
وبحلول عام 2024 احتلت الإمارات المركز العشرين ضمن قائمة أكبر مصدري الأسلحة بنسبة 0.3% من الإنتاج العالمي، وفق التقرير السنوي لتجارة الأسلحة العالمية الصادر عن معهد “سيبيري” في عام 2025.
انتهاز الفراغ
رأت الإمارات في انخراط اثنين من مواطنيها في هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001 على برجي مركز التجارة الدولية ومقر وزارة الدفاع الأميركية، إنذاراً بخطورة التيارات الإسلامية على علاقاتها بحليفها الأميركي. ومع وفاة أول رئيس للإمارات الشيخ زايد في عام 2004 تزايد نفوذ ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، واستفادت بلاده من الطفرة في أسعار النفط قبل عام 2008 للمراكمة على ثروتها، إذ بلغ سعر البرميل آنذاك 140 دولارا.
لكن سرعان ما فوجئ بن زايد باندلاع ثورات الربيع العربي، ومشاركة عدد من الإسلاميين الإماراتيين من “جمعية الإصلاح” المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين في عريضة وقع عليها 133 شخصاً تطالب بإصلاحات سياسية، بالتزامن مع وصول الإخوان المسلمين إلى الحكم في مصر وتونس.
وبالتالي، أصبح الإسلاميون يجسدون الخطر الأبرز في منظور الإمارات على استقرارها الداخلي، وتولدت لديها مخاوف من موجة إسلامية تكتسح المنطقة، وهو ما أكده وزير الدفاع الأميركي السابق روبرت جيتس في مذكراته قائلاً: “وبخني ولي عهد الإمارات محمد بن زايد قائلا: إذا انهار نظام مبارك فليست هناك إلا نتيجة واحدة، وهي أن تصبح مصر النسخة السنية من إيران”. ولذا مع تنحي مبارك، أصدر محمد بن زايد توجيهاً في شباط/ فبراير 2011 بإنشاء الحرس الرئاسي بقيادة الجنرال الأسترالي مايكل هندمارش.
وأسهم تخلي إدارة أوباما عن مبارك عام 2011، ثم عقده الاتفاق النووي مع إيران عام 2015 بمعزل عن دول الخليج، في تضخيم مخاوف الإمارات من تنامي النفوذ الإيراني، وتشككها في الضمانات الأمنية الأميركية، وتقديرها أن سياسة المحور الآسيوي التي تبناها أوباما تعني فك الارتباط الأميركي بالمنطقة للتركيز على مواجهة الصين.
كما رأت أبو ظبي أن الاحتجاجات التي انطلقت في البحرين، بؤرة خطر يمكن أن تكبر لتهدد أنظمة الحكم في الخليج قاطبة، لذا أرسلت 500 شرطي برفقة 1000 جندي سعودي لمواجهة الاحتجاجات في البحرين، ثم انخرطتا لاحقا في عملية عسكرية ضمن تحالف عربي لمواجهة الحوثيين في اليمن في عام 2015.
لقد أدت ثورات الربيع العربي إلى تراجع الحضور المصري والسوري والليبي في المنطقة، وانشغال تلك الدول بملفاتها الداخلية، وهو ما أعقب تلاشي النفوذ العراقي بعد الغزو الأميركي في عام 2003، وبالتالي لاح فراغ في المنطقة، فسارعت الإمارات إلى توظيف مقدراتها المالية، وعلاقاتها الدولية كي تصبح قوة إقليمية رئيسة في المنطقة.
“إبراهام”.. ذروة التصالح الإماراتي الإسرائيلي
وجدت الإمارات ضالتها في “إسرائيل”، وخاصة بالمصالح المشتركة المتعددة، مثل كبح النفوذ الإيراني، وقمع التيارات الإسلامية تحت لافتة “مكافحة الإرهاب”، وتشكيل تحالف إقليمي يسد فراغ تراجع الاهتمام الأميركي.
تتوج تلاقي المصالح الإماراتية الإسرائيلية بالتوقيع على “اتفاقيات إبراهام” في عام 2020، التي فتحت الباب لعملية تطبيع ساخنة بين أبو ظبي وتل أبيب، شملت توقيع وزارة الداخلية الإماراتية مذكرة تفاهم للاعتراف بتراخيص القيادة الإسرائيلية من دون الحاجة إلى إجراء اختبارات، والتصديق على اتفاقية للشراكة الاقتصادية الشاملة، تتضمن تخفيض التعرفات الجمركية، وإنشاء صندوق ثنائي للبحث والتطوير بقيمة 100 مليون دولار. كما أدرجت الإمارات بناء على الاتفاقيات دراسة “الهولوكوست” في المناهج الدراسية الإماراتية الابتدائية والثانوية لتجذير التطبيع مجتمعياً عبر إدماجه في المناهج التعليمية.
والأخطر، نشر الإمارات نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي الصنع “باراك” بالقرب من “قاعدة الظفرة” الجوية. وعقب عملية طوفان الأقصى يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، أعلنت الإمارات تضامنها مع “إسرائيل”، وهاجمت وزيرة الدولة لشؤون التعاون الدولي ريم الهاشمي في كلمتها بمجلس الأمن الدولي حركة حماس، ووصفت الهجوم بـ “البربري”.
لتحقيق الأهداف السابق ذكرها، انخرطت الإمارات في سياسات تقوم على دعم شخصيات محلية طامحة بالمنطقة من أجل إزاحة الإسلاميين عن مقاعد السلطة، وقدمت دعماً عسكرياً ومالياً لعسكريين بالخدمة أو متقاعدين لتنفيذ انقلابات ومغامرات لبناء أنظمة حكم جديدة وطيدة الصلة بأبو ظبي، مثلما حدث في مصر وليبيا والسودان. كذلك أصبح الحضور الإماراتي في القرن الإفريقي قوياً سواء لتأمين عمق استراتيجي لنفوذه باليمن في الضفة المقابلة، أو لتعزيز الاستثمارات والتحكم في حركة الملاحة بمضيق باب المندب، الذي يمثل شريان نقل النفط بين الخليج وأوروبا والتجارة الدولية بين آسيا وأوروبا، وأخيراً انخرطت في ملف فلسطين برؤية تقوم على نزع سلاح المقاومة.
لقد رحبت الإمارات بسياسات التفتيت والتجزئة لأنها تتيح لها تأثيراً أكبر، وتمنحها القدرة على توظيف الفرقاء المحليين بعضهم ضد بعض، كما تبنت أجندات خاصة بمعزل عن حلفائها من الدول، مثلما دعمت المجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن مقابل دعم الرياض لحكومة عبد ربه هادي منصور، وبنت علاقات مباشرة مع إقليم أرض الصومال وحكام ولايات صومالية بمعزل عن الحكومة الفيدرالية في مقديشو، لكنها استمرت في تقديم الدعم المالي والتدريب العسكري لبعض القوات التابعة لحكومة مقديشو. وما زالت تراهن على دور مستقبلي لدحلان في فلسطين مقابل أبو مازن.
مستقبل مهدد..
رغم تحول الإمارات إلى لاعب فاعل في المنطقة، فإن سياساتها أدت إلى زعزعة الاستقرار، فالدول الأخرى التي تضررت مصالحها اتخذت إجراءات مضادة، كما يتضح في التدخل التركي بليبيا لدعم حكومة طرابلس في مواجهة هجوم حفتر على العاصمة في عام 2019، وهو ما انتهى بتكريس انقسام ليبيا إلى حكومتين. كذلك أدى دعم أبو ظبي لحميدتي إلى اندلاع حرب طاحنة في السودان، أسفرت عن مقتل مئات الآلاف ونزوح نحو 12 مليون سوداني داخل البلاد وخارجها، في حين ما زال اليمن يعاني من دعوات انفصال الجنوب.
وفي المقابل، لا توجد ضمانة لاستمرار نجاح سياسة قمع الإسلاميين ومنع وصولهم إلى مقاعد السلطة، ففي حين نجحت الإمارات في دعم إزاحة الأحزاب السياسية التي وصلت إلى الحكم بالانتخابات في مصر وتونس، عبر انقلابات عسكرية وأدوات الدولة العميقة، عاد الإسلاميون إلى مقاعد الحكم في أفغانستان وسوريا لكن بواسطة القوة، كما استعادوا الخرطوم برفقة الجيش السوداني، وأثبتوا أنهم يمثلون قوى اجتماعية راسخة قد تتراجع للخلف مؤقتاً ولكنها عصية على الاستئصال.
كذلك، تواجه الإمارات مخاطر زيادة التوتر بينها وبين السعودية، بسبب اختلاف مصالح كل منهما في العديد من الملفات مثل اليمن والسودان وسوريا، فضلاً عن زيادة التنافس الاقتصادي البيني على اجتذاب الشركات الأجنبية والاستثمارات الخارجية. كما أن تراجع أسعار النفط أو اشتعال صراع مع إيران في الخليج، يمس اقتصاد الإمارات وأمنها مباشرة، ويقلل من قدرتها على إدارة الصراعات في المنطقة.
إن أحد التحديات أمام الإمارات هو مدى قدرتها على التكيف مع المستجدات، والمرونة في مراجعة سياستها لتجنب الاستنزاف في صراعات مهلكة، مثلما فعلت في اليمن عقب مقتل 52 من ضباطها وجنودها، حيث سارعت لسحب قواتها وإدارة الصراع بواسطة وكلائها.
وأخيراً، إن تعافي القوى الإقليمية من أزماتها السابقة سيحمل تقليصاً لنفوذ الإمارات، وأي تغيير في سوريا ومصر والعراق نحو الأفضل، يعني تراجعاً في دور أبو ظبي وقدرتها على إدارة الصراعات بالمنطقة.
المصدر: متراس
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر شبكة المسار الاخباري .