أهم الاخبارفي المواجهة

عن أوراق إيران البحرية: هذا ما ينتظر أميركا في “هرمز”

المسار …

مع استمرار العدوان الإسرائيلي على إيران، وتمكّن الأخيرة من إخراج ما يمكن وصفه بـ «صندوق عجائب» الترسانة الصاروخية الخاصة بها، تشخص الأنظار نحو الفصل القادم من التصعيد، والذي يمكن أن يشهد انخراطاً مباشراً من الولايات المتحدة، وما قد يترتّب عليه من ردود لم تخرج حتى الآن من جعبة الجمهورية الإسلامية، رغم تلويحها بها أكثر من مرة، وفي طليعتها «ورقة» إغلاق مضيق هرمز.

استراتيجية إيران البحرية

يكاد مضيق هرمز يعدّ العنصر الأهم في الإستراتيجية البحرية لإيران؛ إذ يعدّ، بحسب موقع «ستراتفور»، ممرّاً مائياً حيوياً يربط منطقة الخليج ببحر العرب، ويمر عبره يومياً ما لا يقل عن 30% من إمدادات النفط الخام العالمية، ونسبة مماثلة من إمدادات الغاز المسال عالمياً.

كما أنّ الجمهورية الإسلامية «لطالما استخدمت وجودها البحري الكبير في مياهه، كأداة ضغط وتهديد خلال فترات التوتّر مع الولايات المتحدة وإسرائيل، سواء عبر إغلاقه أو عبر مهاجمة السفن التجارية والعسكرية الأجنبية، واعتراضها بوسائل أخرى».

وفي تقرير بعنوان: «جيوبوليتيك التجارة: التهديدات الأمنيّة في مضيق هرمز وإستراتيجيات الحرب الأكثر ترجيحاً»، عرّج الموقع على مبادرة إيران خلال السنوات الماضية إلى تعزيز حضورها العسكري في الممر البحري، وعلى القدرات التي طوّرها الحرس الثوري الإيراني في المنطقة، ولا سيّما على صعيد تكتيكات الحرب اللّامتماثلة، وأدواتها من أسراب الزوارق الهجومية السريعة، والطائرات المسيّرة، فضلاً عن تقنيات زرع الألغام، والحرب الإلكترونية، والقدرات الصاروخية المضادة للسفن، إضافة إلى أساليب الهجمات الإلكترونية على البنية التحتية للموانئ، والتشويش على نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) لحرف مسار السفن، والاستيلاء على ناقلات النفط الإستراتيجية، وفق تكتيكات ما عُرف بـ«حرب الناقلات» إبّان المواجهة مع العراق في ثمانينيّات القرن الماضي، وذلك بهدف «خلق حالة من عدم الاستقرار من دون التسبّب بحرب شاملة». وفي الموازاة، تنشر القوات البحرية التابعة للجيش الإيراني سفناً حربية وغواصات هناك، مدعومةً بقواعد الصواريخ المنتشرة في المناطق المطلّة على الخليج، وقواعد بحرية أخرى في بندر عباس، وقشم، وأبو موسى، وجاسك، وتشابهار، وفق الموقع.

وبالحديث عن أثر تطورات العدوان الإسرائيلي واحتمالات تدخّل واشنطن فيه، على الموقف الإيراني، يبدو أكيداً أنّ «التصعيد الأميركي ضد إيران من شأنه أن يؤدّي إلى رد فعل انتقامي من جانبها ضد إسرائيل، وفي منطقة مضيق هرمز، وإن لم يكن بالضرورة ضد دول الخليج، إلا في حالات سماح الأخيرة للولايات المتحدة بشنّ ضربات عسكرية ضد إيران انطلاقاً من أراضيها، أو منحها الإذن لإسرائيل باستخدام مجالها الجوي للقيام بذلك»، بحسب «ستراتفور»، الذي يوضح أنّ هذا الرد قد يشمل «تعطيل طرق الملاحة والتجارة الدولية عبر المضيق، عبر مهاجمة ناقلات النفط والأصول العسكرية الأجنبية المتمركزة فيه».

على أنّ «المرجّح أن تعتمد إيران تكتيكات مختلفة غير متماثلة، من بينها ما سبق أن اختبرتْه في حالات تصعيد مماثلة، وإن بوتيرة مكثّفة وأقسى، مثل التحرّش بالسفن التجارية أو الاستيلاء عليها، وكذلك زرع الألغام البحرية، إضافة إلى استهداف ناقلات النفط، بطائرات مسيّرة أو صواريخ». كما يلمّح الموقع إلى أنّ رهانات طهران في هذا المجال، تنصبّ على أن يسهم ارتفاع أسعار النفط في هذه الحالة، في «إجبار واشنطن على التأثير في صانع القرار الإسرائيلي، وإجباره على التهدئة» مع الجانب الإيراني.

البحرية الأميركية: معضلة مخاطر الرد الإيراني

إزاء ذلك، شرع «مسؤولو البنتاغون في دراسة جميع الطرق التي يمكن أن تردّ بها الولايات المتحدة على إيران»، في حال انخراط الأولى في الحرب، بحسب ما كشفته صحيفة «نيويورك تايمز»، متحدّثة عن وجود خشية حقيقيّة لدى «البنتاغون» من «الأصول البحرية الإيرانية، المتمركزة في هرمز، والقادرة على الحدّ من حرية حركة السفن التابعة للبحرية الأميركية» هناك.

وأرجعت الصحيفة، نقلاً عن مصادر عسكرية أميركية، تلك الخشية إلى سبب جوهري، يتمثّل بترسانة إيران من الألغام البحرية، التي «يمكن أن تحاصر قطع الأسطول البحري» التابع للولايات المتحدة في الخليج، علماً أنّ هذه الألغام من أنواع وأحجام مختلفة، ومنها ما يعدّ ذا قوة تدميرية عالية، وتصل زنته إلى مئات الأرطال؛ وأخرى أكثر تطوراً، تستخدم أجهزة استشعار مغناطيسية وصوتية وزلزالية. والجدير ذكره، هنا، أنّ إيران تمكّنت، عام 1988، خلال حربها مع العراق، من زرع قرابة 150 لغماً في المضيق، ما أسفر في إحدى المرّات عن إلحاق أضرار بالغة بفرقاطة الصواريخ الموجهة الأميركية «يو إس إس صمويل ب. روبرتس».

وعن شكل الهجوم الذي يمكن أن تشنّه إيران في حال اتجاه الأمور نحو التصعيد، يرجّح الباحث في «معهد الشرق الأوسط»، برايان كاتوليس، أن يكون شبيهاً بنمط الهجوم الإيراني ضد القوات الأميركية عقب اغتيال قائد «فيلق القدس» اللواء قاسم سليماني، وإن «مضروباً بمئة ضعف»، مؤكداً أنّ «إيران لا تزال تتمتّع بقدرات فتّاكة (ضد أعدائها) من الناحية العملياتية، ولا سيّما في ظل انتشار قوات أميركية في كافة أرجاء المنطقة».

وفي هذا السياق، يلفت الخبير في الشؤون الإيرانية، فالي نصر، إلى وجود اعتبارات سياسية تتوخّاها القيادة الإيرانية من الردّ المحتمل على الولايات المتحدة، مبيناً أنّ «المسؤولين الإيرانيين يريدون تذكير ترامب بأنهم، وبصرف النظر عن مدى ضعفهم أو قوتهم (بفعل الهجمات الإسرائيلية)، لا يزالون قادرين على إيجاد طرق لإلحاق الأذى بالقوات والمصالح الأميركية» لبلاده.

ويرى الباحث في «معهد كارنيغي»، كريم سجادبور، من جهته، أنّه «بإمكان الإيرانيين إلحاق أضرار بالغة بالأطراف الأخرى، سواء من خلال الألغام في مضيق هرمز، أو تدمير منشآت نفطية في دول إقليمية، وإطلاق وابل من الصواريخ في اتجاه إسرائيل»، محذّراً من «ردّ فعل عنيف» من جانب تلك الأطراف في هذه الحالة. وفي الاتّجاه نفسه، تنقل «نيويورك تايمز» عن ضابط سابق في البحرية الأميركية، سبق له أن خدم على متن كاسحة ألغام تابعة لها في الخليج، قوله إنّ «إيران تملك القدرة على جعل عملية إزالة الألغام في مضيق هرمز، والتي غالباً ما تستغرق أسابيع، باهظة الكلفة وخطرة على البحرية الأميركية».

أما بخصوص شكل الردّ الأميركي المتوقّع على إيران، تتفاوت التقديرات في هذا الخصوص؛ إذ يرى جوزيف فوتيل، وهو القائد السابق للقيادة المركزية الأميركية، في حديث إلى الصحيفة، أنّ الأمر قد يفضي إلى «تبلور مناخ دولي ضاغط على إسرائيل، لحثّها على إنهاء حملة القصف» داخل الأراضي الإيرانية، في حين يبدو القائد السابق للبحرية الأميركية في الشرق الأوسط، كيفن دونيغان، أكثر ميلاً إلى توقّع ما سمّاه «ردّاً أميركياً عسكرياً واسع النطاق» ضد المصالح الاقتصادية الإيرانية، معتبراً أنّ «الهجمات عبر ترسانة الصواريخ والطائرات المسيرة، بخاصة القصيرة المدى، لا تزال تُشكل أكبر تهديد انتقامي للقواعد والمنشآت الأميركية» من جانب الإيرانيين، وخصوصاً أنّ تلك الترسانة «لم تتعرّض للاستنزاف، عبر الضربات على إسرائيل»، على حدّ قوله.

المصدر: صحيفة الأخبار