
المسار …
شهدت محافظة القنيطرة، أمس الجمعة، سلسلة توغلات عسكرية إسرائيلية غير مسبوقة، في ظل تصاعد التوتر الأمني والاشتباك الجوي المستمر بين القوات الإيرانية والإسرائيلية في أجواء سوريا.
وقالت مصادر أهلية لـ «القدس العربي» إن ثلاث مركبات عسكرية إسرائيلية، توغلت أمس الجمعة في بلدة الصمدانية الشرقية في ريف القنيطرة، حيث نفذت قوة تابعة لجيش الاحتلال عمليات دهم وتفتيش طالت عددا من منازل المدنيين، قبل أن تنسحب متجهة نحو بلدة الصمدانية الغربية.
وتبعت القوة المتوغلة دبابتان خرجتا من نقطة البرج في القنيطرة المهدمة، لتعزيز التحرك في اتجاه الصمدانية الغربية، في مشهد عزز المخاوف من تصعيد ميداني جديد في الجنوب السوري.
وفي تحرك متزامن، أفادت مصادر مسؤولة لـ «القدس العربي» أن قوة إسرائيلية خرجت من بوابة تل الجلع المحاذية للشريط الحدودي مع الجولان المحتل، وتوجهت نحو قرية المعلقة في ريف القنيطرة، حيث تمركزت مؤقتا في منطقة الدرعيات.
وحسب المصادر، ضم الرتل العسكري دبابتين، وجرافة عسكرية، وست سيارات دفع رباعي، وبقي في المنطقة لمدة تقارب الساعة قبل أن ينسحب دون أن تعرف أسباب هذا التوغل المفاجئ.
وفي شمال القنيطرة، توغلت دورية إسرائيلية أخرى، الجمعة، تتألف من ثلاث دبابات وست مركبات عسكرية إلى قرية الحرية، حيث أقدمت على إغلاق الطرقات داخل القرية، مما أثار حالة من الهلع بين السكان.
هذه التطورات الميدانية جاءت في وقت تشهد فيه أجواء القنيطرة ودرعا اشتباكات جوية متواصلة، في سياق التصعيد بين القوات الإيرانية والإسرائيلية، والتي شملت اعتراضات متكررة للطائرات المسيّرة والصواريخ.
وقد أدى هذا الاشتباك الجوي، حسب مصادر مسؤولة في درعا، إلى سقوط عدد من المسيرات داخل المناطق المدنية، أبرزها في قرية عين التينة، حيث أُصيب عنصر من وحدة الهندسة أثناء محاولته تفكيك طائرة مسيرة مفخخة.
كما سجلت إصابة مدني نتيجة انفجار مخلفات طائرة مسيرة أخرى، إضافة إلى سقوط طائرة مسيرة أخرى بين منطقتي الرفيد والمعلقة، عقب استهدافها من قبل الدفاعات الجوية الإسرائيلية فوق تل الجلع. وأفادت وكالة الأنباء السورية «سانا»، بسقوط مسيرتين في ريف درعا الغربي جنوب البلاد.
وقالت الوكالة الرسمية: «سقوط مسيرتين (لم تحدد مصدرهما) في محيط تل الجابية شمال غرب مدينة نوى، وشمال مدينة جاسم (في ريف درعا الغربي) جراء القصف الإسرائيلي الإيراني المتبادل، دون وقوع أي إصابات مادية أو بشرية».
في السياق، قال الجيش الإسرائيلي في بيان عبر منصة إكس: «عقب الإنذارات التي تم تفعيلها ظهر أمس في هضبة الجولان (السوري المحتل) اعترض سلاح الجو طائرة مسيرة انطلقت في اتجاه الأراضي الإسرائيلية».
في ظل هذه التطورات، يعيش أهالي القنيطرة حسب ما ذكرته الناشطة الميدانية سلام هاروني لـ «القدس العربي» حالة من القلق الدائم، يتوزع فيها الخوف بين السماء والأرض. فمن جهة، يتهددهم سقوط المسيّرات والصواريخ، ومن جهة أخرى باتت التوغلات الإسرائيلية المتكررة تنذر بتوسع رقعة التوتر لتطال حياة المدنيين بشكل مباشر.
ورغم تصاعد المخاطر، لم يتوقف السكان في المحافظات الجنوبية في كل من درعا والقنيطرة والسويداء عن توثيق مشاهد المواجهة بين إسرائيل وإيران، بالصوت والصورة في القرى الحدودية التي تحولت إلى نقاط مراقبة شعبية، حيث يعكف الأهالي على تصوير المشاهد اليومية للاشتباكات والغارات.
وفي حديث لـ «القدس العربي»، عبّر السكان المحليون عن مشاعر متضاربة تجاه ما يحدث. يقول عبد الله، أحد أبناء القنيطرة: «لا إيران ولا إسرائيل. كلاهما عدوان لنا، والتاريخ يشهد بذلك، اليوم نراهم يتقاتلون، وندعو عليهم بالهلاك، ما نراه ليس انتصارا لنا، بل عقاب مؤجل لظلم قديم».
أما عبد الرحمن، وهو أستاذ في مدرسة ابتدائية في المنطقة، فيروي مشهدا آخر من المعاناة، حيث يقول «صحيح أننا نشاهد حربا بين أطراف تسببت في معاناتنا كسوريين، لكن الأذى لا يزال يلاحقنا. الصواريخ تحترق في أرضنا، والمسيرات تدمر محاصيلنا، ومصدر رزقنا بات مهددا كل يوم».
وبرأي سلام هاروني فإن «محافظة القنيطرة، أصبحت مسرحا مفتوحا لصراع لا يخص أهلها، لكنها تفرض عليهم يوميا ثمنا باهظا، يدفع فاتورتها المدنيون من أمنهم واستقرارهم».
وتابعت «فيما تستمر الطائرات في التحليق، والدبابات في التقدم، نبقى نحن المدنيين شهودا على حرب بين خصمين، لم تنته فصولها».