انتهاكات الاحتلالمقالات

كتب إسماعيل الريماوي … الضفة الغربية : مسرح التطهير العرقي بين توحّش المستوطنين وعجز السلطة

المسار : على مرأى من العالم، تُشعل الضفة الغربية يومًا بعد يوم تحت أقدام المستوطنين، في مشهد يعيدنا إلى ذاكرة النكبة، لا من باب التاريخ، بل من فوهة الحاضر.

القرى الفلسطينية تتحول تباعًا إلى ميادين اقتحام، والعدوان يتنقل من بلدة إلى أخرى، بأيدٍ مسلحة ومفتوحة على القتل، تحرسها بنادق جيش الاحتلال، وتشرّعها قوانين الحكومة، وتداريها السلطة بالصمت والخيانة.
في كفر مالك، اشتعلت البيوت كما اشتعلت الحناجر، وسقط ثلاثة شهداء وعشرات الجرحى، في وضح النهار جريمة علنية ارتكبها مستوطنون برعاية الجيش ، وما إن جفّ الدم هناك، حتى كانت ترمسعيا على موعد مع الكابوس ذاته: وجوه القتلة تتكرر، والسلاح نفسه، والمسرح ذاته ، لا جديد سوى أسماء الضحايا ، إنها دولة تدير إرهاب المستوطنين كما تدير وزاراتها، بميزانية، ودعاية، وخطاب رسمي من وزراء لا يخفون حقدهم، بل يطالبون علنًا بتسليح المستوطنين والانتقام من “العرب” وكأنها حرب تطهير ديني لا تخجل من تسميتها كذلك.
ليست هذه اعتداءات معزولة، بل استراتيجية احتلال متكاملة تُنفذ بتقاسم واضح للأدوار: المستوطن ينفذ، والجيش يحمي، والحكومة تموّل، والسلطة تتفرج ، نحن أمام فاشية منظّمة، لا تخجل من عنصريتها، ولا تتردد في تحويل الضفة إلى مختبر للتطهير العرقي البطيء، كل شيء هناك يُصادر: الأرض، والحياة، والحق في البقاء.
وفي زاوية المشهد، تقف السلطة الفلسطينية كظلٍ لا حياة فيه ، صمتٌ رسميّ، لا يقطعه سوى بيانات جوفاء، ورهانات مشروخة على سراب السلام.
أكثر من سبعين ألف مسلح ينتشرون في الضفة، لا ليحموا الناس من بطش المستوطنين، بل ليحموا “التنسيق الأمني” الذي بات دستورًا مقدّسًا في مؤسسات سلطة أوسلو ، المقاوم يُطارَد، ويُعتقل، ويُدان، بينما يُفتح للمستوطن طريق العدوان بلا حسيب أو رادع، والقرى المحروقة لا تصلها سيارات الأمن الفلسطيني، ولا تُناقش في اجتماعات القيادة، ولا تحرّك ساكنًا في أرواح من يفترض أنهم “ممثلو الشعب”.
نحن لا نعيش أزمة مؤقتة، بل لحظة انهيار مزدوج: صعود وحشيّ للفاشية الإسرائيلية، وانحلال داخليّ في المشروع الوطني الرسمي، الضفة تُدفع نحو الهاوية، لا بفعل الاحتلال وحده، بل بتواطؤ من يفترض أنهم شركاء في الدفاع عنها.
وإزاء هذا الخراب، لم تعد الشعارات تكفي ، المقاومة لم تعد خيارًا ضمن بدائل، بل ضرورة وجودية، شرط بقاء، وإرادة حياة ، فإما أن تنهض الجماهير لتحمي قراها وأرواحها، وإما أن تُسلَّم البلدات واحدة تلو الأخرى، لعصابات الاستيطان التي تمضي نحو هدفها النهائي: أرض بلا شعب.
الصمت جريمة، والتكيّف مع هذا الجحيم خيانة وطنية، والانكفاء في وجه الطغيان انتحار جماعي ، ما يجري ليس مجرد توتر أمني، بل فصل جديد من فصول النكبة، يُكتب هذه المرة بأيادٍ فلسطينية متورطة بالوهم أكثر من تورطها بالثورة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر المسار الإخباري