
المسار …
أعلن عدد من الباحثين والأكاديميين، مغاربة وأجانب، انسحابهم من المنتدى العالمي الخامس لعلم الاجتماع، الذي من المنتظر أن تستضيفه جامعة محمد الخامس بالرباط خلال الفترة الممتدة من 6 إلى 11 تموز/ يوليو 2025، وذلك احتجاجًا على مشاركة أكاديميين ينتمون إلى مؤسسات إسرائيلية، متهمة بالمساهمة في جرائم الاحتلال ونظام الفصل العنصري ضد الشعب الفلسطيني.
ويأتي هذا الانسحاب استجابة لدعوة أطلقتها الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل (PACBI)، والتي اعتبرت أن منح تمثيل رسمي لمؤسسات إسرائيلية في مؤتمر يُقام على أرض عربية يُعد انتهاكًا لمبادئ المقاطعة الأكاديمية، وتجاوزًا لمواقف مناهضة التطبيع السائدة في العالم العربي.
وقالت الحملة، إن مشاركة جامعات إسرائيلية مثل الجامعة العبرية، وتل أبيب، وبن غوريون، في المنتدى المنعقد تحت شعار “معرفة العدالة في عصر الأنثروبوسين”، يمثل “تواطؤًا أكاديميًا خطيرًا مع نظام يمارس الإبادة والتطهير العرقي بحق الشعب الفلسطيني، لا سيما في قطاع غزة”.
وتضم لائحة المشاركين من الجامعات الإسرائيلية، حسب الموقع الرسمي للمنتدى العالمي الخامس للسوسيولوجيا، أكثر من 30 أكاديميًا وباحثًا إسرائيليًا، يمثلون جامعات إسرائيلية تصنّفها حركة المقاطعة ضمن المؤسسات المتورطة في منظومة الاحتلال والفصل العنصري، مثل الجامعة العبرية بالقدس، وجامعة بن غوريون في بئر السبع، وجامعة بار إيلان، وجامعة تل أبيب، والجامعة المفتوحة بإسرائيل.
في هذا السياق، أعلن الدكتور عصام الرجواني، أستاذ علم الاجتماع بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، مقاطعته التامة لأشغال المنتدى، “رفضًا للتطبيع الأكاديمي وتلميع الإبادة الجماعية”، داعيًا كافة علماء الاجتماع المغاربة والدوليين إلى رفض المشاركة، والضغط من أجل إلغاء تمثيل الوفد الإسرائيلي.
وقال الرجواني إن “السوسيولوجيا التي أعرف، لا يمكن بأي حال من الأحوال إلا أن تنحاز للفلسطينيين ضد الإبادة”، مضيفًا: “في الوقت الذي يخوض فيه الكيان الصهيوني حرب إبادة وحشية في حق إخواننا في غزة، لا يمكن لعلماء الاجتماع المغاربة أن يُبيّضوا وجه الكيان الصهيوني وجرائمه الوحشية، أو يقبلوا بأن يُوصموا بهذا العار”.
وطالب، في تدوينة نشرها على صفحته بموقع فيسبوك، كافة الأساتذة والباحثين في علم الاجتماع بـ”الضغط على الجمعية الدولية لعلم الاجتماع، من أجل إلغاء مشاركة الوفد الإسرائيلي، ومقاطعة المنتدى في حال الإصرار على تلك المشاركة، وإعلان رفضهم التام للتطبيع الأكاديمي بكافة أشكاله ومن أي جهة كانت”.
وأشار المتحدث إلى أن “عددًا من الأساتذة والباحثين أكدوا لي استحالة مشاركتهم إلى جانب الصهاينة، وأنهم سيقاطعون التظاهرة إذا ما أصرت الجمعية الدولية على مشاركة المؤسسات والباحثين الإسرائيليين”.
من جانبها، أعلنت الباحثة مروة ناجي، من جامعة جانت البلجيكية، انسحابها الرسمي من المنتدى، رغم قبول ورقتها البحثية، معتبرة أن المشاركة في مؤتمر “تُفتح فيه المنصة لأكاديميين يمثلون كيانًا استعماريًا، هو خيانة أخلاقية وعلمية”، مشددة على أن “تبييض جرائم الاحتلال عبر الأكاديمية، محاولة مرفوضة لصهينة المعرفة”.
وأوضحت ناجي، وهي من أصل تونسي، أن قرار المقاطعة جاء بتنسيق مع مجموعة من الباحثين من الجامعة ذاتها، مؤكدة رفضهم جعل الفضاء الأكاديمي “ساحة للتطبيع مع العدوّ قاتل الأطفال”، ومحمّلة جامعة محمد الخامس “كامل المسؤولية عن هذا الانزلاق الخطير، وتورطها في تبييض الاحتلال عبر بوابة المعرفة”.
وتأتي هذه المواقف الرافضة، في ظل اتهامات متكررة لمؤسسات التعليم العالي الإسرائيلية، بلعب أدوار محورية في دعم الجيش الإسرائيلي، عبر تطوير عقائد عسكرية مثل “عقيدة الضاحية”، التي تقوم على الاستخدام المفرط للقوة ضد المدنيين، والتعاون مع كبرى شركات السلاح.
وكان خبراء قانون دولي من جامعة أنتويرب البلجيكية، قد أصدروا رأيًا قانونيًا، في غشت 2024، دعوا فيه الجامعات ومؤسسات البحث العلمي في بلجيكا وخارجها إلى الوفاء بالتزاماتها القانونية بإنهاء “جميع أشكال التعاون مع المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية أو غيرها، المتورطة بشكل مباشر أو غير مباشر في انتهاكات القانون الدولي”.
في هذا الصدد، دعت “PACBI” جامعة محمد الخامس، الجهة المضيفة للمنتدى، إلى احترام نداء المقاطعة الفلسطيني، والاصطفاف إلى جانب القضايا العادلة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، محمّلة الجامعة “كامل المسؤولية الأخلاقية والعلمية عن تبييض الاحتلال عبر هذا المنتدى”.
كما لوّحت الحملة بالدعوة إلى مقاطعة شاملة للمنتدى، من طرف الأكاديميين الفلسطينيين والعرب والدوليين، في حال لم تُلغ الجمعية الدولية لعلم الاجتماع (ISA) مشاركة المؤسسات الإسرائيلية، والتي تُعد، حسب البيان، “جزءًا بنيويًا من منظومة الاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري الإسرائيلي”.
واعتبرت الحملة أن “سعي الأكاديميين الإسرائيليين إلى إقامة علاقات مع العالم العربي، محاولة لفرض تطبيع مغشوش، يتم من خلاله تقديم إسرائيل ومؤسساتها كأنها جزء طبيعي من المنطقة، وهو ما يسهم في استعمار العقول عبر وهم التماثل بين الجلاد والضحية، ويقوّض نضال الشعب الفلسطيني من أجل التحرر والعدالة”.
ويُعد المنتدى العالمي للسوسيولوجيا من أبرز التظاهرات الأكاديمية الدولية في مجال العلوم الاجتماعية، وكان من المقرر أن يحتضن مئات المشاركين من مختلف دول العالم، قبل أن تثير مشاركة الوفد الإسرائيلي موجة استنكار ومقاطعة متزايدة.
ويُنظم هذا الحدث الدولي، بشراكة بين الجمعية الدولية للسوسيولوجيا، وجامعة محمد الخامس بالرباط، والهيئة المغربية للسوسيولوجيا، حيث أعلن المنظمون، في بلاغ سابق، أن هذه الدورة التي تحمل شعار “معرفة العدالة في الأنثروبوسين”، ستجمع أكثر من 4500 باحث، من حوالي 100 دولة، لمناقشة تحديات العالم المعاصر.
ومن المقرر أن يُقام حفل افتتاح المنتدى، بالمسرح الوطني محمد الخامس، فيما ستُعقد الجلسات الأكاديمية، بكلية علوم التربية، وكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمدينة العرفان، بينما سيحتضن الحفل الختامي، المدرسة المحمدية للمهندسين. كما يشهد المنتدى، لأول مرة، تنظيم مهرجان للفيلم السوسيولوجي، سيُقام في المعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي.