افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات |
يديعوت أحرونوت 27/7/2025
في باريس لم تقم دولة فلسطينية… لكن خطوة ماكرون لا تزال تاريخية
بقلم: سيفي هندلر
النتيجة النهائية واضحة حتى للرئيس الفرنسي: ماكرون، لم يؤسس الدولة الفلسطينية، لكن إعلانه الخميس الماضي عن اعتراف بالدولة الفلسطينية، لا شك أنه إنجاز حقيقي للحركة الوطنية الفلسطينية في إحدى أدنى لحظاتها التاريخية. لماذا اختار ماكرون خطوة تبدو احتمالية تحققها صفراً؟ يمكن تقديم أربعة أسباب متكاملة لخطوة فرنسا:
السبب الأول، أن إعلان ماكرون يأتي رغبة من فرنسا للوقوف إلى الجانب الصحيح من التاريخ. الدولة الكولونيالية السابقة والمسؤولة، هي وبريطانيا، عن ترسيم حدود الشرق الأوسط في القرن العشرين (اتفاق سايكس بيكو 1916)، تشعر بمسؤولية أخلاقية عن مصير الفلسطينيين ومصير الإسرائيليين أيضاً. كان هذا صحيحاً عندما ساعدت فرنسا في بناء المفاعل النووي في ديمونا، ووفرت طائرات ميراج قبل حرب الأيام الستة. كان ميتران دعا من فوق منصة الكنيست إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية في آذار 1982، وأما جاك شيراك فاعتبر ياسر عرفات صديقاً شخصياً، والآن يأتي ماكرون في السنتين الأخيرتين في ولايته ويحاول ترك بصماته على مكانة فرنسا الفريدة في تاريخ المنطقة المعقد. هذا قرار يعتبره أخلاقياً وتاريخياً ويتنبأ بالمستقبل.
السبب الثاني، أن ماكرون في نهاية ولايته التي ستنتهي في 2027، يبقى سياسياً في نهاية المطاف، وإعلانه غير موجه فقط للجالية المسلمة الكبيرة في الاتحاد الأوروبي التي تعيش في فرنسا، بل إلى كل الرأي العام الفرنسي الذي أصبح يميل لصالح الفلسطينيين بشكل متزايد. بسبب استمرار الحرب في غزة، بصورة أبعد من كل التنبؤات، ها هو المنحى قد تغير؛ فصور الأطفال الفلسطينيين الجائعين تملأ الشبكات الاجتماعية والصفحات الأولى في الصحف والقنوات الإخبارية في فرنسا، ويريد ماكرون أن يظهر في المقام الأول في الداخل، كمن يقوم بعمل حتى ولو كان رمزياً.
بعد وقوفه إلى جانب إسرائيل في 7 أكتوبر، كان ماكرون هو الزعيم الأجنبي الوحيد الذي طالب بتشكيل تحالف دولي ضد حماس، لذا غير الرئيس الفرنسي توجهه بشكل واضح؛ هو الآن مصمم على الظهور بأن لفرنسا أداة ضغط على إسرائيل، وأن قلبها ليس فظاً تجاه معاناة الفلسطينيين. وباستثناء الجالية اليهودية التي ردت بخيبة أمل وباستثناء اليمين المتطرف (جزء منه وليس جميعه)، الذين انتقدوا ماكرون، فإن خطوته هذه تشكل إجماعاً في فرنسا وتمنحه دعماً من المعسكرات المختلفة.
وثمة مبرر آخر للقرار، وهو مبرر دبلوماسي. ففرنسا الآن بعد وقت طويل من كونها دولة عظمى، لاعبة مؤثرة في الساحة الدولية. أمام التحدي الذي تضعه أيضاً أمامها ولاية ترامب الثانية، فإن الإعلان عن الاعتراف بالدولة الفلسطينية يمكنها من إسماع صوت مختلف. يريد ماكرون بذلك ترسيخ مكانة فرنسا كمحور لسياسة دولية مختلفة عن سياسة الرئيس الأمريكي الانعزالية والاستفزازية. إضافة إلى ذلك، تسلح ماكرون قبل هذه الخطوة بدرع واق يتمثل بولي العهد السعودي محمد بن سلمان. مبادرة باريس تعرض كتعاون بين السعودية وفرنسا. ربما يتعرض الرئيس الفرنسي لوابل من الازدراء من قبل ترامب، لكن احتراماً لداعميه السعوديين الذين تعهدوا بضخ مئات المليارات في الاقتصاد الأمريكي، سيكون الرئيس الأمريكي أكثر حذراً. بهذا المعنى، لماكرون فرصة لا بأس بها في هذه الخطوة المنسقة، وليست إخطاراً فقط. إذا أدت إلى موجة اعتراف بالدولة الفلسطينية، ستسجل فرنسا لنفسها نجاحاً غير مسبوق في الساحة الدولية والادعاء “كنا هناك أولاً”.
في نهاية المطاف، تصعب رؤية رد على سياسة نتنياهو في قرار فرنسا، الذي أثبت بشكل واضح أنه لا ينوي وقف الحرب في غزة، وليكن ما يكون إلا إذا أمره ترامب بفعل ذلك. إسرائيل في عهد نتنياهو، عزلت نفسها بشكل متعمد عن الحلفاء والشركاء التجاريين والعلميين الرئيسيين لصالح حرب أبدية على أنقاض غزة. الأوروبيون والمصريون والسعوديون والحلفاء في الخليج، جميعهم توسلوا لإسرائيل لخلق “اليوم التالي” في القطاع، الذي لا يرتكز إلى القوة فقط، بل إلى حل يوفر أفقاً للفلسطينيين. ولكن كل من له عقل يدرك أن بيبي وسموتريتش وبن غفير لا ينوون إجراء أي تحسين في ظروف حياة الفلسطينيين، مع بنية تعايش تحتية، وهو الحل المحتمل الوحيد، بل تدمير ما بقي من سلطة أبو مازن وحلم الترانسفير وريفييرا غزة.
بناء على ذلك، قرر ماكرون الرد على هذا التحدي الذي يضعه تحالف نتنياهو والمتطرفين أمام المجتمع الدولي، وإثبات أن الدبلوماسية الدولية ليست فرعاً لمركز الليكود. جوقة الإدانات المعادية في إسرائيل وفرت الدليل على من يتعامل معه ماكرون. لقد كان فيها انشغال قليل بالجوهر وانشغال كثير بالصرخات الارتدادية على “أسلمة” فرنسا، التي تقف كما يبدو من وراء هذا القرار. الإجابات المختلطة والمضحكة، من ماي غولان وحتى عميحاي شكلي، أثبتت بأن وزن إعلان ماكرون التاريخي ربما أكبر مما تحاول إسرائيل تسويقه. ميري ريغف حصلت على التاج، وكيف لا وهي التي تقول “انظر إلى دولتك، باريس تظهر مثل كابول”.
وزيرة المواصلات الأكثر فشلاً في تاريخ إسرائيل، معروفة كهاوية رحلات “مهنية” في أرجاء العالم. وصلت إلى فرنسا في السابق. ويجدر أن تقضي نهاية الأسبوع في فرنسا، وتتعلم فيها شيئاً عن شبكة المواصلات العامة في العاصمة الفرنسية، التي هي من الشبكات المتطورة والودية في العالم. يجب قول الحقيقة: في ظل ريغف ونتنياهو وكل حكومة 7 أكتوبر، اقتربت إسرائيل من حالة كابول أكثر ما اقتربت إليها فرنسا، سواء من حيث الأمن أو التعليم والمواصلات أيضاً. هذا الأمر حتى ألف صرخة من صرخات “اللاسامية” لن تغيره.
——————————————
معاريف 27/7/2025
أمام الضغط العالم جيش يفقد السيطرة ودولة في هستيريا.. وسموتريتش: سنضطر لوقف التجويع مؤقتاً
بقلم: آفي أشكنازي
وجدت إسرائيل نفسها في طريق مسدود، وصلته بشكل واع، بتجاهلها لكل التحذيرات ولكل نوع من التفكير العقلاني.
لقد أودع نتنياهو بيد سموتريتش، رجل اليمين المتطرف، إدارة المعركة في غزة، وجعله “وزير الدفاع الفعلي”. وهو، سموتريتش، قاد إسرائيل إلى تقليص حجم المساعدات من 4500 شاحنة أسبوعياً إلى بضع مئات قليلة. ودفع باتجاه إقامة “مدينة إنسانية” في رفح، هي عملياً مدينة تهجير من غزة.
كما حث سموتريتش على المناورة واحتلال محور موراغ. في هذه اللحظة، مشكوك مدى أهمية هذا المحور لتحقيق مفهوم حراسة وعمل للجيش الإسرائيلي في القطاع.
هيئة أركان الجيش الإسرائيلي لا تملك الشجاعة للوقوف في وجه نزوات المستوى السياسي، الذي يجهل كيفية إدارة الحرب. في نهاية الأسبوع، روى ضباط عن الطريقة التي يتصرف فيها المستوى السياسي تجاه السكان في غزة. وكيف تنزل الأوامر والتعليمات، التي تناقض إحداها الأخرى.
لقد أصبح الجيش الإسرائيلي في غزة مؤخراً “محطة إطفاء” لحرائق ائتلاف نتنياهو. قبل نحو أسبوعين، في الصور التي وصلت من غزة، ظهر مسلح يجلس على شاحنة مساعدات وفي يده كلاشينكوف. وحسب الصور، لم يكن واضحاً إذا كان هذا مخرباً من حماس أم من إحدى العشائر أم هو من منظمات الجريمة المحلية التي قررت سلب شاحنة المساعدات.
لقد أثارت الصور غضب “وزير الدفاع بالفعل” سموتريتش، الذي أجرى مكالمة مع رئيس الوزراء. وعندها، صدرت في غضون دقائق، تعليمات للجيش الإسرائيلي بوقف دخول شاحنات المساعدات، بدون نقاش معمق، أو فحص للأمور أو فهم مآلات هذه الخطوة. عمل المستوى السياسي، بارتجال، لإرضاء القاعدة اليمينية.
مر يوم ونيف. وصل إلى إسرائيل وفد احتجاج من الاتحاد الأوروبي، ونقل رسالة حادة عقب وقف التموين. وعندها، مرة أخرى، في غضون دقائق، نزلت على الجيش الإسرائيلي تعليمات من المستوى السياسي، باستثناء أنها معاكسة هذه المرة. أدخلوا شاحنات المساعدات إلى القطاع فوراً، وحدث هذا أيضاً بدون مداولات أو إجراء مرتب، ببساطة تعليمات من فوق.
في الأيام الأخيرة، بدا الجيش الإسرائيلي ببساطة في حالة هستيريا. كل شيء يغلق عليه: فشل أمام حملة التجويع، وضغط من دول العالم، وتصلب حماس في المفاوضات، وفقدان إسرائيل أدوات الضغط على حماس دون دفع ثمن باهظ من حياة الجنود والمخطوفين، ومزيد من النقد من العالم.
النتيجة: اضطرت إسرائيل للعمل بفزع: فتح التموين من مصر، والسماح بإنزال المساعدات من طائرات أردنية وإماراتية، وربط خط الكهرباء بمحطة التحلية، وإدخال منتجات النظافة الشخصية على نطاق واسع، والعمل على إدخال أدوية ومستلزمات لعموم المستشفيات.
كل بضع ساعات، يسارع الجيش الإسرائيلي للتبليغ والتحديث عن كميات الغذاء التي تدخل إلى غزة. وكل هذا يحصل بخلاف السياسة التي حاول “وزير الدفاع بالفعل” أن يتبعها طوال الأسابيع والأشهر الأخيرة.
تحاول إسرائيل الآن العمل للحصول على الشرعية. وهي تفهم بأن المحادثات الجارية للوصول إلى تحرير المخطوفين باتت في طريق مسدود بسبب سلوك فاشل في إدارة المعركة. كل ذي عقل يفهم بأنك عندما تغلق وتقلص خطوط تموين الغذاء لملايين البشر، لن تتمكن من الخروج من هذا بسلام حيال الأسرة الدولية. والآن تحاول إسرائيل إيجاد المخرج من مغامرة زائدة.
——————————————-
هآرتس 27/7/2025
قادة المعارضة في إسرائيل يناصرون “ائتلاف الإبادة”: إعلان ماكرون “خيالي وخطأ قيمي”
بقلم: أسرة التحرير
مشكوك جداً أن يكون رؤساء ائتلاف الموت والدمار والضم/ وعلى رأسهم نتنياهو، قد تكبدوا قبل أن يشنوا هجوماً ضد الرئيس إيمانويل ماكرون عناء قراءة إعلان الزعيم الفرنسي حتى النهاية بشأن نيته الاعتراف رسمياً بدولة فلسطينية. لو فعلوا ذلك لتبين لهم أن الوثيقة تتضمن سلسلة من الشروط تنسجم معظمها مع مطالب إسرائيل، إلى أن وقع الحكم في أيدي جبهة الرفض اليهودية: اعتراف بدولة إسرائيل، تحول ديمقراطي للدولة الفلسطينية وتجريد غزة من قوات حماس. كما أن ماكرون يصر على تحرير كل المخطوفين ووقف نار فوري في القطاع.
مع خيبة الأمل -وليس ذلك مفاجئاً- انضم رؤساء المعارضة إلى رد فعل الائتلاف. فقد وصف الرئيس يئير لبيد إعلان ماكرون بأنه “خطأ قيمي” واتهمه بإعطاء جائزة لعموم الشعب الفلسطيني على 7 أكتوبر وعلى تأييد حماس. ورئيس “الديمقراطيين” يئير غولان، لم يجد من الصواب الإعراب عن التأييد لحل الدولتين واكتفى بأن عزا “فشل” الاعتراف الفرنسي أحادي الجانب بدولة فلسطينية لنتنياهو. أما رئيس أزرق – أبيض غانتس، فقد سار بعيداً حين لوح بالقرار الغبي والضار في الكنيست – بتأييد من كتلته – الذي يرفض إقامة دولة فلسطينية.
وصف غانتس بيان ماكرون بأنه “إعلان خيالي عابث يخدم المتطرفين بدلاً من المعتدلين”. غير أن السلطة الفلسطينية المتمسكة باتفاق أوسلو رغم مقاطعة الإسرائيليين لرئيسها، ورغم حرصها على تعاون أمني مع سلطات احتلال يتعاونون مع ميليشيات يهودية، رغم ذلك فقد استمدت تشجيعاً من إعلان ماكرون. ومثلها الأردن ومصر وقطر وعُمان والكويت واليمن. والسعودية دعت باقي دول العالم بالسير في أعقابها.
وبالفعل، فإن سلسلة من الدول في أوروبا وبينها إسبانيا وسلوفانيا وأيرلندا، كلها حيت الرئيس الفرنسي على مبادرته. التصويت بشأن الاعتراف بدولة فلسطينية، الذي سيجرى في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، سيغرق إسرائيل في عزلة مرة أخرى، بصحبة الولايات المتحدة وحقنة “أصدقاء قدامى” كميكرونيزيا.
في السنوات الأخيرة، تعلم الرئيس ماكرون أفعال آلة السم الإسرائيلية التي يشغلها المستوى السياسي الأعلى. على الرغم من ذلك، كان صديقاً حقيقياً لإسرائيل، وقف إلى جانبها في الحرب مع إيران، وكان الزعيم الأول في القيادة العالمية الذي يرفض الوقوف جانباً في الوقت الذي أصبحت فيه حكومة إسرائيل العدو الأكبر لمواطنيها وجعلتهم منبوذين. ماكرون محق: حل الدولتين الذي تقوم في إطاره دولة فلسطينية، هو وحده ما سيسمح بحياة طبيعية للشعبين اللذين يعيشان بين البحر والنهر.
——————————————-
معاريف 27/7/2025
لماذا بات لزاماً على إسرائيل تفعيل الحوار مع الملك عبد الله؟
بقلم: د. أورت ميلر – كُتّاب
ليس سراً أن بين بلفور وعمان قطيعة في الاتصالات. لا أتذكر متى قيل إن الزعيمين –نتنياهو وعبد الله- تحدثا هاتفياً. الكثير من العداء تدفق في مياه الأردن في السنوات الأخيرة وأدى إلى شك وامتناع الطرفين عن الاتصال المباشر.
ومع ذلك، الشراكة بين الدولتين قائمة، حتى لو كانت أحياناً هشة وباردة ومتوترة. من المهم تطوير الدبلوماسية بين الدولتين، فالشراكة حيوية، حتى لو كانت مركبة، وتخدم مصالح الطرفين الاستراتيجية. الدبلوماسية على دفتي النهر تقوم على أساس فهم متبادل للترابط بين الدولتين في مجالات الزراعة والأمن والسياحة والاقتصاد، لكن هناك تفاوت بين ما يجري صمتاً، فعلاً، وبين ما يرى من الخارج. ثمة فجوة بين تعاون من خلف الكواليس، واغتراب وعداء في المستوى الجماهيري والسياسي.
يسير الملك عبد الله على حبل رفيع ويحذر على خلفية المشاعر المناهضة لإسرائيل لدى أوساط معظم مواطني مملكته الذين قسم كبير منهم فلسطينيون. ويضطر للموازنة بين اعتبارات داخلية وفهم أهمية التحالف مع إسرائيل. لم يلتقيا منذ لقاء الزعيمين في كانون الثاني، قبل سنتين، عند زيارة نتنياهو لعمان.
عمل الدبلوماسيين في الطرفين شهد ارتفاعات وانخفاضات، لغياب السفيرين بسبب نشوب حرب “السيوف الحديدية”. على الطرفين أن يعملا بحذر شديد، في ظل مناورة بين أقوال علنية نقدية وخطوات تنسيق هادئة. هذا مثال على أن الدبلوماسية لا تقاس فقط بالبادرات الطيبة العلنية، بل أيضاً بمنظومة مركبة من المصالح، وإلى جانبها ضغوط سياسية وتحديات جغرافية – استراتيجية. بين إسرائيل والأردن شراكة هشة لكنها حرجة، تتطلب الحذر والمرونة، وأساساً الإبقاء على قناة مفتوحة من الحوار، وإن بدت الأبواب مغلقة.
إن 31 سنة من السلام مسألة تؤخذ بالاعتبار. حان الوقت لإعادة تسخين العلاقات. على نتنياهو إيجاد الوقت المناسب للقاء الملك عبد الله بشكل مباشر. يمكن للقاء أن يجري في القدس أو في عمان وربما حتى في واشنطن. قمة سياسية كهذه ربما تدفع قدماً باتفاقات إبراهيم وبالتعاون في الشرق الأوسط. الولايات المتحدة أيضاً ستبارك ذلك، والأمر قد يشكل مدخلاً لتسخين العلاقات مع دول عربية أخرى.
——————————————-
هآرتس 27/7/2025
حتى دليلها يدينها… إسرائيل تتهم الأمم المتحدة بتجويع الغزيين: أنتم سبب الكارثة
بقلم: نير حسون
حكومة إسرائيل متهمة بجريمة تجويع غزة. في سلسلة خطوات غير مسؤولة، وخلافاً لرأي جميع الخبراء، فككت إسرائيل جهاز الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية التي نجحت في منع الجوع القاتل في القطاع طوال فترة الحرب، وأدت إلى الجوع الذي تسبب حتى الآن بوفاة 127 شخصاً، بينهم 83 طفلاً. في الأسبوع الماضي، أضافت إسرائيل خطيئة إلى جريمة التجويع، وهي البدء بحملة اتهامات للأمم المتحدة في محاولة لإزاحة مسؤولية هذه الكارثة عن نفسها.
منذ فترة طويلة والمتحدثون في إسرائيل يستخدمون الأمم المتحدة كدمية لإلقاء التهمة عليها فيما يتعلق بما يحدث في غزة. قبل نحو أسبوع، ازداد الهجوم في إحاطات الجيش الإسرائيلي وصندوق المساعدة لغزة، الذي يمكن اعتباره منظمة تابعة لإسرائيل. الخميس، نشر الجيش صوراً من مسيرة لشاحنات المساعدات التي تنتظر في معبر كرم أبو سالم في الطرف الفلسطيني كدليل على فشل الأمم المتحدة في توصيل البضائع إلى السكان. وقد كرر الكثير من المراسلين هذه الرسالة.
الإثنين الماضي، والسبت أيضاً، التقط المتحدث بلسان صندوق المساعدة لغزة صورة في نفس الموقع وهو يشير إلى شاحنة تابعة للأمم المتحدة، وقال: من خلفي شاحنات تابعة للأمم المتحدة محملة بالمواد الغذائية والمساعدات التي توشك على التلف. المشكلة ليست الوصول، بل القدرة على التنفيذ”. في نهاية الأسبوع، نشرت المؤسسة تقريباً عشرة بيانات مختلفة تهاجم الأمم المتحدة، فيما ظهر وكأنه نوبة غضب خطابية.
الجمعة، انضم قسم الالتماسات في النيابة العامة إلى هذا الهجوم. في إطار رد الدولة على الالتماس الذي قدمته أربع منظمات لحقوق الإنسان في إسرائيل وطالبت فيه فتح المعابر في أسرع وقت لمنع الجوع في غزة، كرر محامو الدولة اتهاماتهم ضد الأمم المتحدة. هذا الرد قدم بعد عشرة تأجيلات لالتماسات قدمت للدولة ووافقت عليها. ورغم ذلك، الحديث يدور عن وثيقة مهملة، أرقامها غير متسقة. وفي تحليل أكثر تساهلاً للأرقام، يتبين أنه -حسب أقوال الدولة نفسها- ليست هناك احتمالية بعدم وجود جوع في غزة. من حساب بسيط للأرقام التي قدمتها الدولة، يتبين أن سكان غزة اضطروا في الأشهر الأخيرة إلى الاكتفاء بشاحنة واحدة لـ 34 ألف شخص كل اليوم بالمتوسط.
هذه اتهامات لا أساس لها من الصحة. فأولاً، لا يوجد للأمم المتحدة أي قوة في غزة، والجيش الإسرائيلي هو الذي لديه عدة فرق في القطاع، وليس الأمم المتحدة، وهو الذي يفرض إرادته على السكان وعلى المنظمات الإنسانية وعلى الأمم المتحدة التي تعتمد بالكامل على حسن نية الضباط. أي حركة إنسانية، مثل تحريك الشاحنات من كرم أبو سالم إلى المواصي، وإدخال الطواقم الطبية إلى القطاع، وتزويد الوقود للمستشفيات وغيرها، يتم تنسيقها مع الجيش. وتشمل المصادقة أيضاً على المسار والجدول الزمني الدقيق الذي تُسمح به الحركة، وعلى سائقي الشاحنات الامتثال لتعليمات تطبيق في هواتفهم. وعليهم التوقف في النقاط التي يتعين على القوافل التوقف فيها إلى حين الحصول على ضوء أخضر من الجيش. في الأسبوع الماضي، قدمت الأمم المتحدة 16 طلب حركة للجيش. تم استكمال طلب واحد منها كما خططت له الأمم المتحدة. ثلاثة طلبات أخرى تم استكمالها ولكن مع تأخير، والطلبات الأخرى ألغيت أو استكملت بشكل جزئي.
القافلة التي أشار إليها، على سبيل المثال، المتحدث بلسان صندوق المساعدة لغزة في الفيلم من يوم الإثنين، كانت تتكون من شاحنات تحمل معدات طبية طارئة لمنظمة الصحة العالمية. حصلت القافلة على الإذن مساء اليوم السابق. في الصباح، وصلت الشاحنات وتم تحميل المعدات عليها. وحسب جهات في الأمم المتحدة، كانت القافلة مستعدة للتحرك في الساعة 9:39 صباحاً، لكن الجيش الإسرائيلي ظل يقف عائقاً أمامها حتى الساعة 18:00. في نهاية المطاف، بعد بدء تحرك القافلة، غير الجيش مسار السفر. وقبل وصول القافلة إلى المخزن الذي كان يجب إنزال المساعدات فيه، أصدر الجيش أمراً بإخلاء المنطقة. لذلك، كان يجب على الشاحنات التوجه إلى مخزن آخر. هذه القافلة التي عرضتها إسرائيل وصندوق المساعدة لغزة كمثال على عدم نجاعة الأمم المتحدة هي الدليل على أن المشكلة الرئيسية هو الجيش الإسرائيلي.
طوال فترة الحرب، نجحت الأمم المتحدة والمنظمات الأخرى في إطعام سكان غزة ومنع حدوث جوع قاتل حتى في الظروف القاسية جداً. أسلوبها الذي تعلمته من عشرات مناطق النزاع الأخرى، ارتكز إلى مئات مراكز توزيع الغذاء وتسجيل منظم ومستويين من التوزيع، ورزم غذاء يابسة للعائلات، ومطابخ ومخابز جماعية. وفي 2 آذار، بدأت إسرائيل في عملية تصفية منظومات التزويد هذه بمنع إدخال المساعدات والغذاء إلى قطاع غزة لمدة 78 يوماً. عندما فرغت مخازن المواد الغذائية، فتحت إسرائيل المعابر، لكن بشكل جزئي. وبدلاً من هذه الآلية، وضعت آلية قاتلة وغير عاملة لصندوق المساعدة لغزة – أربعة مراكز توزيع في مناطق النيران، توزع كميات قليلة من الغذاء لا يصل إليها سوى قوي البنية.
هكذا وجد شرك موت، وأدى إلى قتل مئات الأشخاص الجائعين بإطلاق النار. كل ذلك فعلته إسرائيل لمنع وصول الغذاء إلى حماس. ولكن ثمة تحقيقات نشرت أمس، كشفت ما يعتقده كثيرون من الذين ينشغلون بمسألة غزة، أنه لا دليل حقيقياً على أن حماس وبحق سيطرت على كميات كبيرة من الغذاء، التي نقلتها الأمم المتحدة. وحسب تحقيق “رويترز” فإن وزارة الخارجية الأمريكية فحصت 136 حالة ضياع للمواد الغذائية التي أرسلت إلى القطاع بتمويل أمريكي، ولم تجد أي دليل بأن حماس استفادت من هذه المواد المسروقة. وحسب تحقيق “نيويورك تايمز”، قالت جهات في الجيش الإسرائيلي بأن منظمات المساعدة التابعة للأمم المتحدة عملت بشكل ناجع، وأنه ليس لدى الجيش الإسرائيلي أي دليل على أن حماس سرقت مساعدات الأمم المتحدة الإنسانية.
من شاهد الصور التي أرسلها الجيش الإسرائيلي هذا الأسبوع من معبر كرم أبو سالم، يستنتج ما يحدث. وللسيطرة على سوق الطعام في القطاع، لا يمكن الاكتفاء بمخازن صغيرة في الأنفاق، فثمة حاجة إلى عنابر يمكن تخزين كميات كبيرة من الغذاء فيها. حتى الآن، لم يُعرض على الإسرائيليين ولو مخزن كهذا احتله الجيش الإسرائيلي.
حماس بالطبع تستفيد من الغذاء الذي يصل إلى القطاع، وهذا الأمر صحيح في كل الحالات. المسلحون في حماس سيكونون آخر الجائعين، بعد فترة طويلة من موت الأطفال والنساء والشيوخ والمخطوفين بسبب الجوع. عملياً، يمكن الافتراض أن حماس تستفيد من غذاء الصندوق أكثر من غذاء الأمم المتحدة، لأن القوي هو الذي يأكل، وفق المنظومة التي أوجدتها إسرائيل والصندوق. وهي منظومة تعطي الأفضلية للشباب، الأقوياء والذين يحملون السلاح.
مثلما حذر عدد كبير من الخبراء في الأشهر الأخيرة، لقد تجاوز الجوع العتبة الخطيرة في الأسبوع الماضي، وبدأ الناس يموتون لسوء التغذية. من بين الـ 127 ميتاً بسبب الجوع منذ بداية الحرب، مات 50 منهم في الأسبوع الأخير. وقد ظهرت صور لأطفال جائعين في غزة، حرفياً جلد وعظم، في كل الصحف المهمة في العالم. هذا النشر يبدو أنه حرك شيئاً في الجيش الإسرائيلي. والخميس، حاول الجيش التخفيف على حركة الشاحنات، وكانت النتيجة فورية: 45 شاحنة تحمل الطحين وصلت إلى خان يونس أدت إلى انخفاض سعر الطحين في المدينة خلال بضع ساعات، من بضع مئات من الشواكل للكيلو إلى حوالي 60 شيكلاً. أمس، سارع الجيش إلى التوضيح بأنه سيعمل بالتعاون مع المنظمات الدولية للسماح بإعادة فتح المطابخ والمخابز الجماعية.
لكن السيناريو المخيف هو أن كل ذلك قد يكون متأخراً جداً بالنسبة للأطفال والشيوخ، كما أوضح طبيب في غزة الأسبوع الماضي. فمنذ اللحظة التي يمر فيها الجسم بمرحلة معينة من الجوع، لا يمكن حل المشكلة بالطعام فقط، بل هناك حاجة إلى علاج طبي مرافق وغذاء خاص وأدوية وطواقم طبية مضاعفة لإنقاذ الحياة. في غضون ذلك، أبلغ الجمعة عن موت تسعة أشخاص جوعاً.
——————————————-
يديعوت احرونوت 27/7/2025
المشكلة ليست في الاعلام الرسمي بل في الواقع
بقلم: يولي سيكر
المرة تلو الأخرى، امام الصور التي تخرج من غزة طافت وصعدت الشكوى المتكررة عن المشكلة الإعلامية لإسرائيل. وها هم، انظروا كيف ينشرون ويصرخون ويؤطرون ويجرون الرأي العام، ونحن نصمت صمتا مطبقا امام العالم. “قصور الاعلام” اسموا هذا في احدى الندوات (وفي واقع الامر في كل الندوات التلفزيونية) مطالبين بلجنة تحقيق. لكن ليس لإسرائيل مشكلة إعلامية. المشكلة ليست الاعلام بل ان ما يحصل الان في القطاع لا يوجد ما يمكن الاعلام ان يشرحه. المشكلة ليست الصور التي تخرج من غزة بل الواقع الذي تصوره. لا يوجد أي شرح اعلامي مقبول – شرح يمكن للعقل البشري ان يعالجه، يهضمه، يستوعبه ويقبله – لمشهد نظرة منكسرة لطفل يتضور جوعا. اقيموا لجنة في إثر لجنة، جندوا أفضل العقول التسويقية، الخطابات المتميزة، كبار التكتوكيين، فلن يجدي نفعا. هذا لا يمكن شرحه إعلاميا.
برميل التبريرات جف منذ زمن بعيد. لبرميل المعاذير، بالمقابل، لا يوجد قعر. في واقع الامر لعل المعاذير ليست الكلمة الدقيقة، إذ ان بعضها صحيح. نعم، حماس تسرق الطعام من المدنيين. نعم بالأرقام يبدو أنه اجري تلاعب. نعم، يوجد في العالم تلفيق وذكاء اصطناعي ولاسامية. كم كل هذا يغير في الامر من شيء حقا؟ صفر. إذ في نهاية النهايات عند تنظيف كل الإضافات والاثقال الزائدة، يبقى الواقع: إسرائيل تدير في غزة حربا انتهى مفعولها، أهدافها غامضة والأسباب لتواصلها سياسيا. نتائج الطمس شبه الخالد لحرب باتت تشبه انها أصبحت أساسا كيماويا من أسس الوجود، التدميرية. فهي تدميرية لخمسين مخطوفا، تدميرية للاسرائيليين الذين يحصون المزيد فالمزيد من الضحايا، ونعم تدميرية أيضا لجموع سكان غزة الذين ليسوا قتلة حماس.
العالم لا يفهم ولا يمكن اتهامه. فالعالم لا يهمه الخلفية وظروفها، هو لا يعرف وليس معنيا برسم كعكة توزع مدى المسؤولية بين حماس وحكومة إسرائيل. كما أنه ليس لديه اهتمام خاص، صدقتموني أم لا بما يحصل عندنا هنا في الداخل، فهو لا يكترث بالاعتبارات الائتلافية وبقانون الاعفاء من التجنيد، مثلما نحن لا نكترث بأزمة الاحتياطات المالية في كندا. العالم لا يهمه السياق، العالم يرى السطر الأخير. والسطر الأخير، صحيح في صيف 2025 يبدو كصورة طفل يتضور جوعا على غلاف الديلي اكسبرس. واذا ما تبخرت غاية الحرب الاصلية، فلا مفر امام العالم غير الاستنتاج بان الغاية هي تجويع الغزيين. هل هذا صحيح؟ ينبغي الامل ان لا. كم يغير هذا من شيء؟ صفر.
لاجل تغيير الطريقة التي يرانا فيها العالم لا حاجة لاعلام رسمي آخر، هناك حاجة لواقع آخر. اذا كان لا يزال احد ما يعتقد بانه بكلمات مصممة يمكن لحكومة إسرائيل الحالية أن تقنع العالم بعدالتها المقدسة كل الطريق الى نافيه دونالد على شاطيء غزة، وبالفعل، يوجد لي عشرة دونمات لابيعها له امام شاطيء غزة. كم اعلام رسمي آخر نحتاج كي نحل هذا الإخفاق. سبعة؟ تسعة تكفي لنا؟ الجدالات الدلالية في التعابير والتوصيفات عقيمة. للانتصارات التكتيكية امام فيرس مورغن او في معارك تويتر لا معنى للمخطوف الذي يذوي في النفق. الواقع، فقط هو المهم. فقط أوقفوا الحرب الرهيبة الان، على عجل، في اتفاق يعيد المخطوفين وبلوروا خطوة سياسية لتسليم قطاع غزة الخرب الى اياد تبدأ باعماره. لن تصدقوا أي عجب سيفعله هذا للاعلام الرسمي.
——————————————
هآرتس 27/7/2025
انقلاب ترامب لا يطهر إسرائيل من المسؤولية
بقلم: تسفي برئيل
هل ترامب تنازل عن قناة المفاوضات وهو الآن يسمح لاسرائيل بان تفعل في غزة ما تريد واكمال المهمة؟ أو ان الامر يتعلق بمناورة اخرى في ادارة المفاوضات، التي حسب المبعوث الامريكي بشارة بحبح، وصلت وبحق “الى الامتار الاخيرة” من التفاهمات. فقط في الاسبوع الماضي كان ترامب مليء بالتفاؤل واطلق وعود بانه “بعد اسبوعين”، ربما في الاسبوع القادم أو بعد بضعية ايام، يمكن الاعلان عن وقف اطلاق النار.
لقد صرح بشكل علني عن الحاجة الى وقف الحرب وتعهد باعادة جميع المخطوفين، وحتى أنه اظهر تعاطفه مع المعاناة الفظيعة في غزة. بالنسبة لعائلات المخطوفين فان ترامب ومبعوثه ستيف ويتكوف كانا الركيزة الوحيدة للاعتماد عليها، او على الاقل الحصول على الامل منها. الآن يبدو انها، ودولة اسرائيل ايضا، بقيت مرة اخرى مع بنيامين نتنياهو ومع الحكومة التي حصلت كما يبدو على الضوء الاخضر لاحتلال غزة وتطهير سكانها، وفي الطريق تخفيف العبء الذي يسمى “المخطوفين” والذي يمكن ان يصبح ضرر عارض. وهذه المرة باذن من ترامب.
“حماس لم ترغب وبحق في عقد الصفقة. أنا اعتقد أنهم يريدون الموت. هذا سيء جدا”، قال ترامب للمراسلين، وفي نفس الوقت قدر بأنه من الآن فصاعدا قيادة حماس ستتم ملاحقتها. اذا كانت هذه هي خطة عمله فيجدر تذكيره بان قيادة حماس والكثير من قادتها في غزة وفي الخارج لم يعودوا على قيد الحياة.
لا يقل عن ذلك دهشة هو رد اسرائيل الذي يقول بانهم “سيفحصون بدائل اخرى لاعادة المخطوفين”. بدائل؟ باستثناء وقف الحرب والانسحاب، الجيش الاسرائيلي جرب في السابق كل شيء مثل تصفية زعماء حماس، تدمير معظم المباني والبنى التحتية في القطاع، شق الطرق الواسعة، الامر الذي استهدف تقسيم القطاع، وقف المساعدات الانسانية، الامر الذي تسبب بموت مئات الاشخاص، قتل عشرات آلاف الاشخاص بالجملة بدون كوابح، ومن بين هذه الانتهاكات انتهاك وقف اطلاق النار والمماطلة من اجل كسب الوقت. مع ذلك، بعد سنتين تقريبا من القتال لا تتم معرفة كيف سيتم اعداد هذا البديل المعجزة الذي سيحرر المخطوفين بدون التسبب بموتهم.
المفاوضات حول تحرير المخطوفين هي فقط عامل واحد في رزمة معقدة تشمل، ضمن امور اخرى، قضية المساعدات الانسانية. ولكن هذه القضية طورت لنفسها “حياة مستقلة”، تضع غزة على رأس سلم الاولويات الدولية، وفي السابق خلقت تابع سياسي تم التعبير عنه باعلان الرئيس الفرنسي عمانويل ماكرون، عن نيته الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
اذا كانت المساعدات الانسانية اعتبرت في بداية الحرب وخلالها “اداة مساعدة” عسكرية، وشرط ضروري من اجل الحصول على تصريح امريكي بمواصلة الحرب واستكمال النقص في “السلاح”، فانها في الفترة الاخيرة تحولت الى ساحة قتال منفصلة، دموية، تهدد حياة مئات آلاف الغزيين وتهدد مكانة اسرائيل وطابعها.
الفشل الذريع في ادارة المنظومة الانسانية، الذي اساسه يكمن في الفشل في انزال المساعدات من الجو قبل اكثر من سنة ومرورا بالميناء العائم الامريكي الذي جرفته الامواج وانتهاء بتفعيل صندوق المساعدة لغزة، الذي عمل تحت غطاء امريكي وتسبب بقتل الآلاف من الغزيين، وضع نتنياهو اسس الحملة الجديدة التي لا يمكن لاسرائيل، “التي ما زالت تعتبرها مشكلة اعلامية”، التعامل معها.
اسرائيل جندت المساعدات الانسانية كسلاح رغم أنه يمكنها مواصلة الحرب وتوفير المساعدات بواسطة منظمات الامم المتحدة والجمعيات التي انشغلت بذلك قبل مشروع الصندوق “الامريكي”. والدليل على ذلك هو استعدادها للسماح مرة اخرى بانزال المساعدات بواسطة الطائرات الاردنية والاماراتية بدون وقف الحرب. من المهم الاشارة الى ان هذه الطلعات، حتى لو حرصت على عدم نزول المساعدات فوق رؤوس السكان، لا يمكن أن تكون البديل الحقيقي لحل الضائقة القاتلة في غزة. حمولة طائرة “هيركولز” تساوي حمولة شاحنة كبيرة. المعنى هو انه ستكون حاجة الى ارسال مئات الطائرات بتكلفة كبيرة. وعندما ستنزل الشحنات بسلام على الارض وليس في البحر، كما حدث في السابق، فان حماس لن تراها من بعيد، وسيتم اظهار تدفق الاشخاص الجائعين الذين يتدافعون في سباق عديم الرحمة في وسائل الاعلام العالمية.
رغم ذلك اسرائيل تنوي محاربة السكان في غزة بذريعة أن المساعدات تستخدمها حماس كمصدر للتمويل والسيطرة على السكان. وليس من نافل القول التذكير بانه في السابق قالت اسرائيل ان منع المساعدات وزيادة الضائقة استهدفت اثارة العصيان المدني في غزة، الذي سيهدد حماس ويجبرها على التنازل عن طلباتها. لم تكن هناك أي حاجة الى الانتظار واثبات فشل هذه الاستراتيجية على الارض. توقع ان المدنيين الذين يهربون للنجاة بانفسهم من الجيش الاسرائيلي من جهة، ومن رجال حماس من جهة اخرى، سينجحون في تخصيص الوقت لتنظيم المظاهرات، هو توقع لا اساس له.
بعد ذلك اكتسبت المساعدات مهمة استراتيجية عندما بدأت تعمل كنوع من الجرافة العملاقة التي تدفع السكان الى مناطق تجميع في الطريق الى تجسيد حلم الترانسفير الذي نجح فيه ترامب بمفاجأة واسعاد نتنياهو وعصابته، الذين يحلمون بالفعل باعادة الاستيطان في غزة.
في الذرائع التي بررت فيها الحكومة المأساة الانسانية، يصعب ايجاد منطق ثابت أو خطة يمكن أن تؤدي الى أي نتيجة. اذا كان ما يقلق اسرائيل هو التمويل والسيطرة التي من شأن حماس أن تحققها بواسطة المساعدات، فان البديل يوجد في اقتراح مصر الذي يشمل تشكيل لجنة خبراء للادارة المدنية برعاية السلطة الفلسطينية وبدون تدخل حماس. تطبيق هذا الاقتراح يمكن أن يجند قوى عربية ودولية، ولكن بالاساس هو لن يمنع الجيش الاسرائيلي من مواصلة العمل ضد حماس، كما يفعل ذلك في الضفة التي تسيطر فيها السلطة الفلسطينية، ومواصلة التنسيق الامني معها. ايضا في لبنان أو في سوريا، التي تقوم اسرائيل بمهاجمتها في الوقت الذي وقعت فيه معها على اتفاقات لوقف اطلاق النار.
اضافة الى ذلك في الاسبوع الماضي اوضح توم براك، المبعوث الامريكي في لبنان وسوريا، بأن “الولايات المتحدة لا يمكنها فرض أي شيء على اسرائيل في قضية وقف اطلاق النار في لبنان”. يمكن التقدير ان هذا الموقف سيكون ساري المفعول ايضا على أي اتفاق لوقف اطلاق النار مع حماس. فقط يجب أن يكون قد عاد جميع المخطوفين الى البيت.
لكن مجرد ذكر السلطة كخيار للسيطرة في قطاع غزة يعتبره نتنياهو خيانة لاساس وجود اسرائيل. لا يوجد خلاف على ان السلطة بتشكيلتها الحالية هي مجموعة من السقالات بدون بناية. فهي ورئيسها ليست لهم شرعية في اوساط الجمهور، خزينتها فارغة وقدرتها العسكرية معدومة.
لكن السلطة الفلسطينية يوجد لها ذخر استراتيجي واحد يمكن أن يرجح الكفة. فهي الجسم المعترف به والذي يمثل حق الفلسطينيين في غزة. وحتى لو كان الامر في هذه الاثناء يتعلق فقط بـ “ماركة مسجلة” وليس “منتج حقيقي”، فان من صلاحيتها استدعاء التعاون العربي والدولي لادارة القطاع. هذه المكانة الرسمية يوجد لها اهمية كبيرة بالنسبة للدول العربية التي عبرت عن استعدادها للمشاركة في قوة متعددة الجنسيات في القطاع بدون الظهور كمن تتدخل في الشؤون الداخلية الفلسطينية، أو كأداة لاسرائيل.
ولكن بالنسبة لحكومة اسرائيل فان دخول السلطة الى غزة مع قوات عربية يعني تصفية مركزة للترانسفير، وتحطم حلم استيطان القطاع، وبالاساس توحيد القطاع والضفة الغربية تحت سلطة ممثلة واحدة. هذا هو التهديد الذي من اجل القضاء عليه، بنيت بحرص واجتهاد خطة نتنياهو الرئيسية، التي من اجلها تعهد حماس وسمح بتمويلها بمئات ملايين الدولارات في سنوات حكمه. حسب نتنياهو فانه محظور السماح للسلطة الفلسطينية ومحمود عباس الادعاء بأنهم يمثلون جميع الفلسطينيين ويسيطرون على كل فلسطين، وبذلك هم يستحقون الاعتراف بالدولة المستقلة. من هنا فانه لا توجد أي صلة بمسألة اذا كانت السلطة تستطيع مواجهة حماس. وبالتالي، حتى لو كانت مسلحة بافضل سلاح ومقاتلوها من المقاتلين الشجعان المستعدين للتضحية بانفسهم من اجل اجتثاث حماس، فان اسرائيل لن تسمح بأن يكون لهم موطيء قدم في غزة.
من هنا الخوف الكبير من تعهد ماكرون بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، الامر الذي سيعطي السلطة الشرعية الدولية ضد جهود اسرائيل القمعية. يجب الذكر بان فرنسا ليست الدولة الاولى التي تعترف بالدولة الفلسطينية، واعلان ماكرون لن يقيم في ايلول الدولة الفلسطينية. ولكن مكانتها كعضوة في مجلس الامن وفي الاتحاد الاوروبي وفي منظمات دولية، يعطي هذا الاعلان وزن خاص، لا سيما عندما يستند الى التعاون مع السعودية، الحليفة المقربة من ترامب. اسرائيل التي حولت غزة الى “قضية دولية” لن تستطيع الآن الشكوى لمن ياخذ منها العصا ويدفع قدما بحل دولي.
——————————————-
هآرتس 27/7/2025
صور التجويع تملأ الشاشات، الاسرائيليون ينفون
بقلم: جدعون ليفي
قليلة هي الظواهر التي تعتبر اكثر حقارة من نفي الهولوكوست. المنكرون قالوا ان المحرقة لم تحدث، واذا حدثت فان عدد ضحاياها كان قليل أو أنه لم تكن هناك غرف غاز. لقد قاموا باجراء القياسات وحصلوا على البيانات. الهولوكوست كانت مؤامرة من اجل ابتزاز التعويضات والتعاطف. الانكار تمت ادانته في جميع انحاء العالم، والمنكرون اعتبروا معادين للسامية. وقد تم حبس المؤرخ البريطاني دافيد ارفينغ في النمسا واصبح شخص منبوذ.
التشكيك ايضا في احداث 7 اكتوبر تمت ادانته في اسرائيل، وكل من تجرأ على فعل ذلك تم وصفه بأنه لاسامي. عندما قال جورج ووترز بانه لا توجد أي ادلة على اعمال الاغتصاب وان قصة احراق اطفال في الافران كانت كذبة اسرائيلية، تعرض للهجوم. مثله آخرون الذين اشاروا الى المبالغة في رواية اسرائيل.
في الاسابيع الاخيرة تغرق موجة حقيرة من الانكار اسرائيل. هي من نصيب عدد كبير من الجمهور وتشارك فيها تقريبا جميع وسائل الاعلام. نحن حاولنا التجاهل، الاخفاء، غض النظر، اتهام حماس، القول بان هذا يحدث في الحروب، الادعاء بانه لا يوجد في غزة ابرياء، الى ان وصلت نسبة الجرائم الانسانية في غزة الى الذروة. عندما جاء التجويع حتى الموت فانه لم تكن طريقة للنجاة إلا الانكار، الذي لا يقل حقارة عن انكار الكارثة. وهو يشمل ايضا انكار نية الابادة الجماعية والترانسفير المكشوفة.
هذا الانكار مشروع في اسرائيل، هو يمثل الاستقامة السياسية – لا يوجد جوع! لن يتم التشهير بأحد ولن يعاقب بسببه. التجويع في غزة هو مؤامرة لاسامية – اذا كان يوجد جوع فيجب التوجه الى حماس. هذا ما يحدث عندما تنفد الذرائع والحلول. وهذا ما يحدث عند التدهور اخلاقيا الى درجة انه حتى عندما يتم عرض صور الجائعين، يقولون بأنه لا يوجد جوع. استنادا الى ماذا؟ وبأي حق؟.
هناك 50 نوع من انكارات اسرائيل وجميعها حقيرة بنفس الدرجة. هي تتراوح بين غض النظر، الدهشة، الطمس، الاخفاء وحتى الكذب على الذات. كلها لها نفس الهدف وهو التهرب من التهمة ومواصلة لعب دور الضحية وغناء “كم نحن جميلون”. المنكرون ياتون من كل شرائح المجتمع، بدءا بالباحثين الاسرائيليين الاربعة الذين ألفوا كتاب “الابادة الجماعية في حرب السيوف الحديدية”، الذي كشف عورته كل على حدة دانييل بلتمان ونير حسون (“هآرتس”، 25/7)، ومرورا بموزعة صحيفة “اسرائيل اليوم” التي قالت لي اول امس بثقة بان كل صور الجوع تم اخذها من “اليمن” أو من “الذكاء الاصطناعي”، وانتهاء بموريا اسرف، عملاقة ارض اسرائيل الكاملة، التي تقوم باسكات بشكل فظ عمانوئيل الباز – فيلبز وكل المحررين في التلفاز الذين يخفون غزة.
الانكار يرافق اسرائيل من ايام النكبة الاولى، من خلال القول بأنها لم تكن ولم تحدث إلا في خيال كارهي اسرائيل، واستمر خلال سنوات الاحتلال والابرتهايد. لا يوجد أي مجتمع في العالم يعيش في مثل هذا الانكار الذاتي، بفضل وسائل الاعلام الحر. ولكن ما يحدث في الاسابيع الاخيرة يسجل رقم قياسي في الحقارة. لا يوجد جوع في غزة. هناك شاحنات كثيرة جدا تنتظر. آباء الاطفال الذين يحتضرون صحتهم جيدة. يوجد فيلم لاعضاء من حماس وهم ياكلون الموز في الانفاق (الذي تم تصويره قبل نصف سنة وتم نشره الآن من قبل رجل دعاية الكذب الاول في الدولة، المتحدث بلسان الجيش الاسرائيلي)، يوجد في ذلك ما هو احقر بكثير من التهرب من التهمة: ازدراء الضحية. احتقار الطفل الذي يحتضر في حضن أمه التي تحمل هيكله العظمي وتبكي. القول لها بأنه لا يوجد تجويع، فهذا احتقار لها وهي تتألم.
خلال سنوات اعتقدت انه حتى لو طرحنا على الاسرائيليين جميع الصور الفظيعة فانهم سينفونها. الآن جاء الدليل: صور التجويع تملأ الشاشات والصحف في العالم، لكن الاسرائيليين ينكرون. باي ثقة يقولون انها كاذبة، وانه لا يوجد جائعون، انه يوجد موز، وانه تم ادخال ثمانين شاحنة في اليوم. هكذا بالضبط تصرف البروفيسور روبر بورسن من جامعة ليون الذي قال بانه حسب حجم غرف الغاز فانه لم تكن توجد محرقة.
——————————————-
إسرائيل اليوم 27/7/2025
الشريك الصامت لماكرون.. السعودية
بقلم: داني زاكن
في السعودية راضون عن اعلان الرئيس الفرنسي عمانويل ماكرون نيته الاعتراف بدولة فلسطينية في اثناء انعقاد الجمعية العمومية للأمم المتحدة في شهر أيلول. ومع ذلك يبدو أن فرنسا لن تنجح في أن تسحب وراءها الدول الأوروبية الكبرى – بريطانيا، المانيا وإيطاليا.
رئيس وزراء بريطانيا كير ستارمر، يصد الضغط في حزبه للانضمام الى الاعتراف بدولة فلسطينية، رغم أقواله المتشددة في سياق الازمة الإنسانية في قطاع غزة. اما المانيا وإيطاليا فقد انتقدتا ماكرون وتوقيت بيانه. رئيسة وزراء إيطاليا، جورجا ملوني، قالت في مقابلة مع “لا ريبوبليكا”، بان برأيها قبل الاعتراف بدولة فلسطينية يجب البدء باجراء سياسي. “اؤمن بان الاعتراف بدولة فلسطين قبل ان تقام دولة يمكن أن يؤدي الى النتيجة المعاكسة. اذا كان شيء ما لا يوجد يعترف به بشكل رسمي، يحتمل أن يعتقد الناس بان المشكلة حلت، وان لم تكن قد حلت”.
ان نهج الدول الأساسية الثلاثة هذه هو ان مسألة الاعتراف تنطوي على استئناف المفاوضات السياسية في المنطقة تمهيدا لحل الدولتين، ومفاوضات كهذه لن تبدأ قبل أن تنتهي الحرب في غزة. صحيح أنها كلها تؤيد قياما رسميا لدولة فلسطينية وبعد 7 أكتوبر تعززت تحفظات دولة مجردة من السلاح تماما – لكن التوقيت غير مناسب والاعتراض الأمريكي القاطع هما الأساس لموقف هذه الدول. فقد أوضح الرئيس ترامب هذا باقوال شبه مستخفة بماكرون – والأوروبيون المعنيون بتحسين العلاقة مع الولايات المتحدة لا يمكنهم أن يتجاهلوا موقفه.
“خطوة هامة”
الشريك الهاديء لماكرون في الخطوة هي السعودية. الدولتان كان يفترض بهما أن تعقدا مؤتمرا في الموضوع في الأمم المتحدة منذ حزيران، مؤتمر تأجل بسبب الحرب في ايران، وسينعقد في هوامش الجمعية العمومية للأمم المتحدة كما اسلفنا. الارتباط مع فرنسا ليس صدفة. من بين الدول الأوروبية الكبرى هي الدولة التي تميل بوضوح الى الاتجاه الفلسطيني، وهي تحاول أن تقود أوروبا في التصرف في الشرق الأوسط. مشاركتها كبيرة أيضا في لبنان وسوريا – الدولتين اللتين تشارك فيهما السعودية عميقا في سياقات اعمارهما – والفرنسيون يأملون في أن يحصلوا لقاء مشاركتهم على العقود الكبرى في مجالات الاعمار المختلفة.
لكن السياق السياسي هو الاخر هام، بالطبع. في رد على سؤالي قالت مصادر دبلوماسية سعودية ان العمل مع فرنسا للاعتراف بدولة فلسطينية يستهدف تجسيد التزام المملكة الخليجة بالقضية الفلسطينية، وان التصويت على السيادة في الكنيست سرع الخطوة. على حد قولهم، فان “الفترة القادمة حرجة بتغييرات واسعة في الشرق الأوسط وهذه لن تحصل طالما لم نتقدم الى حل سياسي للفلسطينيين. السياسة الإسرائيلية في الضفة الغربية، تعزيز المستوطنات والدفع قدما بالخطوة المرفوضة لفرض السيادة تستوجب ردا سياسيا مضادا واعتراف دولة أوروبية هامة بفلسطين هي خطوة هامة.
قبل زيارة ترامب الى الخليج كان النهج في السعودية نقديا اكثر، لدرجة التنازل عن إسرائيل في اطار الصفقات التي تنسج في الشرق الأوسط الجديد. غير أنه في هذه الاثناء وبقدر ليس قليلا بسبب الحرب في ايران وبسبب التدخل الأمريكي، يعود السعوديون الى موقفهم الأصلي الذي يؤيد التطبيع مع إسرائيل مقابل تقدم سياسي مع الفلسطينيين.
ومع ذلك بالنسبة لمعظم القيادة السعودية -وبالتأكيد بالنسبة لولي العهد محمد بن سلمان – فان القضية الفلسطينية هي فقط وجع رأس يجب التخلص منه عن طريق الصفقات الكبرى في الشرق الأوسط، وهم بعيدون عن محبة السلطة الفلسطينية نفسها. عمليا، يطالب السعوديون بإصلاحات دراماتيكية في السلطة في مسائل الفساد والنجاعة، وكذا مسيرة نزع تطرف لمؤسسات التعليم وبعامة. وشدد المصدر السعودي على التالي: واضح ان دولة فلسطينية ستكون مختلفة تماما عما يحصل اليوم. كي يحصلوا على مساعدتنا، يتعين عليهم أن يظهروا بانهم قادرون على أن يحكموا بشكل ناجع، لا ان يأتوا ليطلبوا المزيد والمزيد من المساعدات”.
——————————————-
يديعوت 27/7/2025
الحديث عن «تجويع غزة» يعزّز قوة «حماس»
بقلم: مناحيم كوهين
تحظى “حملة التجويع” في غزة، يوماً بعد يوم، بالتطبيع في الخطاب الإسرائيلي، ويقع كثيرون في فخ بوصلة أخلاقية مشوهة وخطِرة تخدم أعداءنا. لماذا توجد ضائقة في القطاع؟ الجواب بسيط، ويجب تذكير مَن نسيَه: لأن الأسرى محتجزون لدى “مخربي” “حماس” وعائلات غزية، فوق الأرض وتحتها.
كلّ تقرير بشأن معاناة سكان غزة، وكلّ نداء للرحمة تجاههم، وكلّ نشرٍ لوثائق مفبركة، وكلّ تعاطُف مع صورة يولّدها الذكاء الاصطناعي، وكلّ تعبير عن شفقة على المتعاونين مع مرتكبي “المجزرة” الرهيبة، يقوّي العدو ويعرّض حياة إخوتنا الأسرى للخطر. الأخلاق اليهودية واضحة: أطلقوا سراح الأسرى، وعودوا إلى أيام الوفرة. الكرة في ملعبكم: أوقفوا معاناة الإسرائيليين الذين اختطفتموهم من أسرّتهم في عيد “فرحة التوراة”.
تخيلوا لصاً اقتحم منزلكم، وأخذ أطفالكم رهائن، وهو الآن يشكو من الجوع في المطبخ الذي سرقه. هل ستسارعون إلى إطعامه؟ “من يَرحم القساة سيُنزل القسوة بالرحماء في النهاية”. هل يخطر في بالكم نقاش بشأن الحالة الغذائية للنازيين في أواخر الحرب العالمية الثانية؟
حالياً، لا يمثل النقاش بشأن “التجويع” في غزة ظلماً فقط، بل يشكل خطراً حقيقياً على الأسرى. إن حركة “حماس”، التي تستخدم سكانها “دروعاً بشرية”، تستغل الأسرى “بوحشية”، وتستخدم الشكاوى من المعاناة لصرف انتباه الإعلام. علينا أن نصرخ في وجه العالم بأسره: مَن يعاني جرّاء سوء التغذية، ومَن يتلقى فتات الأرز كوجبة، ومَن يوزع عليه نصف رغيف على حصص صغيرة للبقاء، ومَن يشرب مياهاً عكِرة، ولا يوجد لديه مركز أميركي منظّم لتوزيع طعام مُشبِع ومُغذٍّ، هم أسرانا الجائعون والمنهكون، الذين يذبلون في الأنفاق.
إن كلَّ حديث عن ضائقة غزة يمنح زخماً لحركة “حماس”، التي تحتجز الأسرى كورقة مساومة. تحتّم علينا الأخلاق اليهودية أن نركز أولاً على إنقاذ إخوتنا، وفقط عندما يعود آخر أسير إلى حضن عائلته، يمكننا أن ننتقل إلى نقاشات أُخرى.
ولمن يحتاج إلى تذكير: “حماس” هي التي بدأت الحرب، وهي القادرة على إنهائها بخطوة بسيطة واحدة، وهي إطلاق سراح الأسرى، لكنها تماري الجميع، وتماطل، وتطيل الأيام من دون تقديم أيّ أجوبة حاسمة. وعندما ترى هذا التعاطف الأخلاقي المتصاعد حول العالم، بمشاركة متعاونين من بيننا، فلماذا تستعجل؟ فكلما مرّ الوقت وازداد زخم “حملة التجويع” تدرك “حماس” أن الضغوط ستوجَّه نحو إسرائيل فقط، لتتراجع وتتنازل عن كلّ خطوطها الحمراء.
إن الأسرى في قلوبنا جميعاً، وواجبنا الأخلاقي إعادتهم إلى ديارهم، بدلاً من الوقوع في فخ دعاية العدو، علينا أن نتوحد حول الهدف ونتوقف عن ترديد البروباغاندا التي تنشرها “حماس”. عندما يعود أسرانا بأمان إلى بيوتهم، سيتمكن أيضاً سكان غزة من العودة إلى حياتهم الطبيعية. حتى ذلك الحين، فإن الأخلاق اليهودية هي الأعدل والأنبل: دماء الأسرى أولى.
——————————————-
هآرتس 27/7/2025
إسرائيل تنهار: حان وقت العصيان المدني
بقلم: إيهود باراك
إسرائيل، التي أعلنت في وثيقة الاستقلال، والتي تمثل جوهر الرؤية الصهيونية، تنهار أمام أعيننا. وحالة الطوارئ التي نعيشها اليوم تتطلب يقظة وطنية شاملة في ظل 5 أسئلة مصيرية: ما الذي يحدث لنا؟ مَن المسؤول؟ ما هو الفعل المطلوب، هدفه ونتيجته؟ مَن هو الذي يجب أن يطلق هذا الفعل ويقوده؟ ومَن الذي يجب عليه أن ينهض لتحقيقه؟
الإجابة عن السؤال الأول: يدرك المواطنون، في أغلبيتهم الساحقة، تماماً ما الذي يحدث. لدينا شعب رائع وجيش حقق إنجازات باهرة في مواجهة “حزب الله” وإيران وسورية. لكننا عالقون في “حرب خداع” في غزة. الدماء تسيل، والعائلات ورجال الأعمال من جنود الاحتياط ينهارون، وفي المقابل، يحتفل المتهربون من الخدمة العسكرية بانتصارهم. ويسير الانقلاب القضائي وسحق حراس البوابة بسرعة. المخطوفون متروكون على مذبح بقاء السلطة التي أفشلت محاولات تحريرهم مراراً. بالنسبة إلى هذه السلطة، من المهم أن تستمر الحرب؛ لأن نهايتها ستكون يوم حساب للحكومة، ومحاكمة سريعة، وتشكيل لجنة تحقيق رسمية، وعزلاً مشيناً.
مَن المسؤول؟ المسؤول الحكومة ورئيسها. قيادة عديمة المسؤولية تتأرجح ما بين الرؤية المسيحانية لإيتمار بن غفير وبِتسلئيل سموتريتش، وجشع الحريديم، والمصالح الشخصية لبنيامين نتنياهو الغارق في الفضائح. فمن أجل الدفاع عن بقائه، يسعى لتحويل إسرائيل إلى ديكتاتورية، من خلال تعيين “أشخاص مطيعين” في رئاسة “الشاباك” ومنصب المستشار القانوني للحكومة، وإخضاع المحكمة العليا. لم يعد هناك ما لا يمكن تصوُّره، بما في ذلك إلغاء الانتخابات الحرة وظهور ميليشيات يمينية مسلحة. إن اللحظة الدستورية” حلّت فعلاً. كنا نردد منذ طفولتنا: “شعب إسرائيل حيّ”! واليوم، هناك مَن يضيف: “حيّ في فيلم خيالي”.
ماذا يجب أن نفعل؟ لا يمكن التوصل إلى تسوية بين مدمّري إسرائيل والمدافعين عنها. ما من شيء مقدس عندما ينهار الحصن، ولا حتى إجازات المحاكم والكنيست. يجب أن يستمر التحقيق في قضايا فساد نتنياهو على مدار خمسة أيام في الأسبوع. يجب على الكنيست مواصلة عمله والتوصل إلى قرارات، بينما يعاني المخطوفون في الأنفاق، وكلّ يوم قد يكون يومهم الأخير، وتتحول إسرائيل إلى دولة منبوذة في العالم، حيث فقدت الأغلبية ثقتها بالحكومة ورئيسها. الاستسلام ممنوع، يجب إسقاط الحكومة الآن. مَن يتردد في إلغاء العطل قد يجد بعدها أن ديمقراطيتنا أصبحت جثة.
ما هو الفعل الوحيد القادر على إنقاذ إسرائيل؟ أنه العصيان المدني اللاعنفي. والإضراب الشامل في الدولة حتى استقالة الحكومة، أو رئيسها. فقط عندما تتوقف إسرائيل عن العمل تماماً، ستُلغى الإجازات، وسترضخ الحكومة لإرادة الشعب، وتفسح المجال لحكومة أفضل.
مَن يجب أن يقود هذا المسار؟ قيادة الدولة! رئيس الدولة، قادة المعارضة، الهستدروت (اتحاد العمال)، قادة قطاع التكنولوجيا، رجال الأعمال، الأكاديميون، رجال القانون، رؤساء جهاز التعليم والصحة، حركات الكيبوتسات والموشافيم، وطبعاً قادة الاحتجاجات.
إذا فشلنا، فسيهبط الظلام على إسرائيل، الذي يهدد هويتها وأمنها ووجودها. وستُحفر وصمة عار على جبين رئيس الحكومة ووزرائه إلى الأبد. لكن العار سيلحق أيضاً بكل مَن وقف جانباً وصمت.
الوحيد القادر على النجاح في ذلك هو الشعب. عندما يخرج مليون شخص إلى الشوارع، بعزيمة وإصرار، يمكنهم إسقاط الحكومة. يجب أن نكون كلنا معاً، وعلى مدار الساعة: في الساحات، وفي المفترقات، وعلى الجسور، ويجب الجلوس على الطرقات، في قوافل السيارات، وفي المسيرات، حتى يُطرَد رئيس الحكومة وحكومته، ويذهبون إلى منازلهم.
وأكرّر تحذيري: المطلوب عصيان مدني الآن، فبعد العطلة سيكون فات الأوان.
—————–انتهت النشرة—————–