المسار : محاضر في جامعة الأزهر – غزة
عضو الأمانة العامة لاتحاد الاقتصاديين الفلسطينيين
أعلنت الأمم المتحدة رسميًا وقوع مجاعة في قطاع غزة، وفقًا للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC)، في أول إعلان من نوعه في الشرق الأوسط منذ تأسيس الأداة عام 2004. ويعكس هذا الإعلان دخول القطاع مرحلة كارثية غير مسبوقة، حيث بات الجوع وسوء التغذية الحاد والوفاة الجماعية واقعًا يوميًا يعيشه أكثر من مليوني إنسان محاصر.
أولاً: النتائج الرئيسة للتقرير الأممي
1. المجاعة في غزة
• تأكيد وقوع المجاعة (المرحلة الخامسة IPC) في محافظة غزة، مع توقع امتدادها إلى دير البلح وخان يونس بحلول نهاية سبتمبر 2025.
• أكثر من 500 ألف إنسان يعيشون أوضاعًا كارثية تتسم بالجوع الحاد والموت.
• 54% من سكان القطاع في حالة طوارئ غذائية (المرحلة الرابعة)، و20% في حالة أزمة (المرحلة الثالثة).
2. التدهور السريع وسوء التغذية
• بحلول يونيو 2026، يُتوقع أن يواجه 132 ألف طفل دون الخامسة خطر الوفاة بسبب سوء التغذية الحاد، بينهم 41 ألف حالة حرجة جدًا.
• 55,500 امرأة حامل ومرضعة بحاجة ماسة إلى دعم غذائي عاجل.
• هذه أسوأ حالة تسجلها أداة IPC في الشرق الأوسط منذ تأسيسها، وأول إعلان رسمي بوقوع مجاعة في المنطقة.
3. الأسباب الرئيسة للأزمة
• العدوان الاسرائيلي المستمرمنذ اكتوبر2023والذي خلف أكثر من 62,000 قتيل و155,000 جريح حتى 15 أغسطس 2025، مع تصاعد وتيرة العنف منذ يوليو.
• النزوح الجماعي: نحو 1.9 مليون شخص (90% من السكان) نزحوا مرارًا، فيما يخضع 86% من مساحة القطاع لأوامر إخلاء أو تصنيف كمناطق عسكرية.
• انهيار النظام الغذائي: تدمير أو فقدان إمكانية الوصول إلى 98% من الأراضي الزراعية، وحظر شبه كامل للصيد البحري، مع ندرة حادة في النقد وارتفاع كبير في أسعار المواد الغذائية.
• انهيار الخدمات الصحية والمياه: نقص حاد في المياه النظيفة، انهيار شبه كامل في التغطية الصحية، وتفشي الأمراض بين الأطفال (43% إسهال، 58% حمى، 25% التهابات تنفسية).
4. التوصيات العاجلة
• وقف فوري لإطلاق النار وضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق.
• استعادة تدفق السلع التجارية والخدمات الأساسية على نطاق واسع.
• حماية المدنيين والبنية التحتية الحيوية من الاستهداف العسكري.
• توفير مساعدات غذائية وصحية ومياه وصرف صحي بشكل عاجل وكبير.
5. التوقعات للفترة المقبله
• استمرار العدوان بالوتيرة الحالية مع موجات تصعيد إضافية.
• استمرار صعوبة وصول المساعدات الإنسانية.
• بقاء الإنتاج الزراعي وحركة الصيد شبه معدومة.
• تفاقم انتشار الأمراض وسوء التغذية بمعدلات متسارعة.
ثانياً: تصريحات وتحذيرات أممية
• الأمم المتحدة: “المجاعة في غزة ليست مفاجئة لكنها عار على العالم أجمع”.
• الأونروا: إعلان المجاعة رسميًا مقلق للغاية لكنه لم يكن مفاجئًا.
• منسق الأمم المتحدة للإغاثة الطارئة: الوفيات الناجمة عن الجوع قد ترقى إلى جرائم حرب.
• بيان مشترك صادر عن الفاو، اليونيسف، منظمة الصحة العالمية، وبرنامج الأغذية العالمي:
• الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار.
• ضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق.
• التحذير من أن أي هجوم عسكري إضافي على مدينة غزة ستكون له عواقب مدمرة على المدنيين.
ثالثاً: البعد السياسي والمسؤولية الدولية
يؤكد التقرير أن المجاعة لم تكن حتمية، بل هي نتيجة مباشرة للعرقلة الإسرائيلية الممنهجة لإدخال المساعدات والسلع الأساسية، إلى جانب استهداف البنية التحتية الغذائية والصحية. إن الصمت الدولي وغياب آليات إلزامية لتطبيق القانون الدولي الإنساني جعلا من سكان غزة رهائن للجوع، فيما تُستخدم معاناتهم كأداة ضغط سياسي في حرب مفتوحة.
توصيات موجهة إلى العالم الحر والمؤسسات الدولية
1. المجتمع الدولي والدول الحرة:
• فرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية على إسرائيل بسبب استخدامها التجويع كسلاح حرب، وهو ما يتعارض مع اتفاقيات جنيف والقانون الدولي الإنساني.
• ممارسة ضغوط سياسية لإنهاء الحصار فورًا وضمان وصول الغذاء والدواء والوقود إلى غزة.
• إنشاء جسر إنساني دولي تشرف عليه الأمم المتحدة لتأمين تدفق المساعدات بعيدًا عن التحكم الإسرائيلي.
2. المؤسسات الدولية (الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي، الاتحاد الإفريقي، منظمة التعاون الإسلامي):
• تفعيل آليات المساءلة الدولية عبر محكمة الجنايات الدولية لاعتبار سياسة التجويع جريمة حرب وإبادة جماعية.
• تعزيز تمويل برامج الغذاء والصحة والمياه بشكل عاجل وكبير.
• إرسال بعثات دولية مستقلة لمراقبة وصول المساعدات وضمان حماية المدنيين.
خاتمة
يمثل هذا الإعلان الأممي نقطة تحول خطيرة، ليس فقط لأنه يكشف عمق الكارثة الإنسانية في غزة، بل لأنه يفضح استخدام التجويع كسلاح حرب في القرن الحادي والعشرين. إن وقف إطلاق النار وفتح ممرات إنسانية واسعة النطاق أصبحا شرطًا أساسيًا لإنقاذ مئات الآلاف من الأرواح، خصوصًا الأطفال، قبل أن يتضاعف الموت جوعًا ومرضًا في الأشهر المقبلة