المسار : قبل أسبوعين فقط من الانتخابات المحلية في مدينة كولن الألمانية، تحوّل الاستحقاق البلدي من نقاش حول أسعار السكن وأزمة المواصلات إلى قضية ذات أصداء دولية، بعدما قرر الملياردير الأمريكي إيلون ماسك التدخل في الحملة الانتخابية.
على منصته “إكس”، حذّر ماسك مما وصفه بـ”نهاية ألمانيا”، إذا لم يمنح الناخبون أصواتهم لحزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني المتطرف (AfD). وكتب قائلاً: “إما أن تصوّت ألمانيا لحزب البديل، أو أنه سيكون نهاية ألمانيا”.
تدخّل متكرر في السياسة الألمانية
هذه ليست المرة الأولى التي يتدخل فيها ماسك في السياسة الداخلية الألمانية. ففي الانتخابات البرلمانية عام 2024، أعلن دعمه الصريح لـ”البديل”، قائلاً إن الحزب هو “الأمل الوحيد لإنقاذ ألمانيا”. كما سبق له أن أيّد أحزاباً يمينية وشعبوية في إيطاليا وبريطانيا.
لكن تدخله الأخير جاء في سياق مثير. فقد استند ماسك إلى خبر متداول من وسائل إعلام يمينية مجرية، تحدث عن “اتفاق” بين الأحزاب الديمقراطية في كولن يقضي بعدم انتقاد المهاجرين. الحقيقة أن هذا الاتفاق ليس جديداً، بل هو “ميثاق نزاهة” وقّعته الأحزاب منذ عام 1998، يهدف إلى منع الحملات الانتخابية التي تحرض على الكراهية أو تحمل المهاجرين مسؤولية الأزمات الاجتماعية.
الميثاق الذي وقّعت عليه أحزاب كبرى مثل الحزب المسيحي الديمقراطي (CDU) والحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD) والخضر، يضع أربعة مبادئ أبرزها: رفض التحريض ضد المهاجرين، الالتزام بخطاب خالٍ من العنصرية، وعدم تحميل اللاجئين مسؤولية البطالة أو تهديد الأمن.
لكن وسائل إعلام ألمانية مثيرة للجدل، بينها صحيفة “بيلد”، قدّمت الاتفاق على أنه “التزام بالحديث الإيجابي فقط عن الهجرة”، وهو ما فتح الباب أمام اليمين المتطرف لاستغلاله سياسياً.
الكنيسة الإنجيلية في كولن رفضت هذه الرواية، مؤكدة أنه “لا يوجد أي حظر على النقاش أو كمّ للأفواه”، وأن القضايا المرتبطة بالهجرة قابلة للنقاش شريطة احترام الكرامة الإنسانية.
تأثير محتمل على نتائج الانتخابات
رغم الضجة، لا يتوقع المراقبون أن يفوز “حزب البديل” برئاسة بلدية كولن، بحسب ما نشرت مجلة شبيغل الألمانية، إذ تشير استطلاعات الرأي إلى تقدم مرشحي الحزب الاشتراكي الديمقراطي والخضر. لكن التوقعات على مستوى أوسع في ولاية شمال الراين-فيستفاليا تشير إلى أن الحزب قد يحقق مكاسب ملحوظة، خاصة في المناطق الفقيرة مثل المدن الواقعة على نهر الرور: دويسبورغ وغيلزنكيرشن.
بالنسبة لماسـك، يبدو أن مصير ألمانيا يتوقف على صعود حزب يميني متطرف لا يزال موضع رفض من غالبية الأحزاب التقليدية. أما في كولن، فـ”نهاية ألمانيا” التي حذّر منها الملياردير الأمريكي قد لا تتحقق، لكن الجدل الذي أثاره يكشف كيف باتت الانتخابات المحلية في ألمانيا موضوعاً عابراً للحدود، يصل صداه حتى وادي السيليكون في أمريكا.