تحت غطاء حرب الإبادة في غزة.. ضم زاحف في الضفة.. وسموتريتش يسرّع “نظرية الحسم”

المسار : بموازاة حرب الإبادة المعلنة على غزة وتبث للعالم بشكل مباشر، تشهد الضفة الغربية حربًا غير معلنة لتحقيق غاية مشابهة تتمثّل بمحاولة القضاء المبرم على القضية الفلسطينية وحلم الفلسطينيين بالسيادة واستعادة الحقوق، وحسم الصراع معهم بالحديد والنار، وسط تعاون جيش الاحتلال مع المستوطنين من أجل ضمّ فعلي للأرض الفلسطينية المحتلة 1967 إلى الأراضي المحتلة عام 1948، لتصبح إسرائيل دولة يهودية من البحر إلى النهر.

القضية الجوهرية الحقيقية الآن هي الاحتلال، لا الاعتراف بدولة؛ فهناك 150 دولة تعترف بفلسطين دون أن تنجح في وقف جرائم الاحتلال

يقود هذه الحرب وعمليات السلب والنهب والقتل والتهجير داخل الضفة الغربية وزير المالية والوزير الإضافي في وزارة الأمن، المستوطن المتشدد بتسلئيل سموتريتش، الذي دعا لحرق قرية حوارة، ويعمل منذ ثلاث سنوات على تطبيق نظرية “الحسم” المعلنة منذ 2017.

في آخر هذه الاعتداءات، تعرّضت قرية خلة الضبع، في منطقة مسافر يطا جنوب الخليل، لجرائم جديدة نفّذها مستوطنون، وبدعم مباشر من جيش الاحتلال، بهدف التهجير والسيطرة على الأرض وتهويدها.

يشار إلى أن صحفًا عبرية كشفت، يوم الجمعة الأخير، عن تورّط القائد السابق للواء المركز في جيش الاحتلال في بناء مستوطنات في منطقة الأغوار الفلسطينية خلال خدمته العسكرية.

ما يجري في الخليل والأغوار يحدث في كل الضفة الغربية، التي تشهد جرائم قتل بالجملة وإحراق بيوت ومراكب وكروم وسلب وتهويد للأرض الفلسطينية، تشكّل ضمًا فعليًا دون إعلان أو اعتراف رسمي بذلك.

ويواصل الاحتلال بكل هذه الجرائم في الضفة الغربية تحت غطاء الحرب على غزة، مستفيدًا من ضعف ردود الدول الغربية، التي تتجاهل، أو تكتفي بتصريحات دون أي فعل أو عقوبات، أو تحاول التعويض عن الخلل السياسي والأخلاقي في مواقفها بالتلويح بالدولة الفلسطينية والاعتراف (المشروط) بها، في فترة يحتاج الشعب الفلسطيني فيها لمن يوقف النزيف والإبادة والسلب والنهب.

فالقضية الجوهرية الحقيقية الآن هي الاحتلال، لا الاعتراف بدولة فلسطينية؛ فحتى الآن هناك 150 من أصل 199 دولة تعترف بفلسطين دون أن تنجح هذه الاعترافات في وقف جرائم الاحتلال، ولا بوقف عملية تعطيل ترجمة فكرة الدولة على الأرض.

هذه الحالة تستدعي توضيح الواضح من قبل الجانب الفلسطيني، خاصة السلطة الفلسطينية، بإعادة الخطاب السياسي العام إلى توازنه، بحيث يبقى الاحتلال هو القضية الجوهرية قبل وخلال خطاب الدولة ومسألة الاعترافات الدولية بها.

حالة الكراهية

ويعتبر المحاضر للشؤون الفلسطينية في جامعة تل أبيب، الجنرال في الاحتياط ميخائيل ميليشتاين، أن الضمّ الفعلي للضفة الغربية خطير على إسرائيل إستراتيجيًا، لكنها تمضي في أطماعها، لافتًا إلى أنها تستفيد بذلك من ضعف السلطة الفلسطينية، وتستغل حالة الكراهية للفلسطينيين المتفشية في صفوف الإسرائيليين منذ السابع من أكتوبر.

ميليشتاين، الذي شغل منصب مدير قسم الدراسات في الاستخبارات العسكرية سابقًا، يرى، في مقال تنشره صحيفة “يديعوت أحرونوت” اليوم، أن الانعكاسات الداخلية والخارجية لعمليات الضمّ الزاحف للضفة الغربية من شأنها أن تكون جوهرية، ومع ذلك لا تشهد إسرائيل نقاشًا بهذا الخصوص.

ويضيف محذّرًا: “كما هو الحال في غزة عندما لا تكون إستراتيجية واعية، يمتلئ الفراغ بأفكار خيالية. يتجلّى الأمر في الضفة بإحياء فكرة قديمة وفاشلة: “إمارات فلسطينية”، وهي طبعة جديدة من “روابط القرى”.”

وهناك مراقبون إسرائيليون يحذرون أيضًا من إلغاء “اتفاقات أبراهام” وقطع الطريق على تطبيع مع السعودية، منهم الرئيس الأسبق للقسم السياسي الأمني في وزارة الأمن، الجنرال في الاحتياط عاموس غلعاد، الذي قال، صباح اليوم الأحد، للإذاعة العبرية إنه قلق على مستقبل علاقات إسرائيل مع المحيط العربي بسبب استمرار الحرب في غزة، وبسبب عمليات الضم في الضفة الغربية.

وقال غلعاد أيضًا إن إسرائيل تفقد فرصة تاريخية لصفقة إقليمية تشمل إحياء “درب الحرير” التاريخية المربحة من الهند إلى حيفا عبر شبه الجزيرة العربية.

وتابع: “أنا قلق جدًا من التوترات الحاصلة اليوم مع مصر والأردن والإمارات وغيرها، فاستمرار هذه المعاملة الاستعلائية المهينة من قبل نتنياهو سيؤدي إلى تصعيد التوتر ويهدد العلاقات مع هذه الدول”.

يشار إلى أن مسؤولين في الإمارات كانوا قد حذروا من أن ضمّ الضفة الغربية يهدد مستقبل العلاقات معها ومع دول خليجية أخرى، غير أن الضم يتحقق يوميًا بشكل زاحف وبالتدريج، دون إعلان رسمي بذلك. وفي هذا السياق، قال وزير الأمن القومي في حكومة الاحتلال، إيتمار بن غفير، المدان بالإرهاب، إن حكومته تنجز مشاريع كبرى وهامة جدًا لـ”شعب إسرائيل” في الضفة الغربية. وردًا على سؤال القناة العبرية 12، قال إنه لا يكترث بالتهديدات العربية بقطع العلاقات، معتبرًا ذلك “استهلاكًا محليًا وضريبة شفوية”.

قبل أيام، كان زميله الوزير المستوطن سموتريتش قد هدد السلطة الفلسطينية بالضرب في حال رفعت رأسها احتجاجًا على الاستيطان داخل الضفة الغربية، فيما يُخشى من أن الاحتلال يتعمد إشعال حريق كبير داخل الضفة الغربية واستغلاله لاستنساخ التدمير في غزة.

مصمم على تحقيق الهدف

وتؤكد المحللة للشؤون الفلسطينية في صحيفة “هآرتس” عميره هاس أنه خلال نحو عشرين عامًا من نشاطه السياسي، أثبت بتسلئيل سموتريتش أنه مصمم على تحقيق هدفه، وأنه صاحب قدرة عالية على تنفيذ نياته؛ من نضاله ضد خطة الانفصال، مرورًا بوقوفه على رأس منظمة اليمين “رغافيم” (حركة يمينية هدفها تطبيق جدول أعمال يهودي صهيوني على كل “أرض إسرائيل”)، وصولًا إلى تعيينه وزيرًا مسؤولًا عن المستوطنات.

غلعاد: أنا قلق جداً من التوترات مع مصر والأردن والإمارات وغيرها، فاستمرار هذه المعاملة الاستعلائية المهينة من قبل نتنياهو سيؤدي إلى تصعيد التوتر ويهدد العلاقات

وكان أول مَن قال علنًا، في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، إن تحرير الأسرى ليس الأمر الأول في سلّم الأولويات، وكثير من مواقفه تحوّل إلى سياسة حكومية.

من هنا تستنتج هاس أنه يجب التعامل بمنتهى الجدية مع الخطة التي أعلنها سموتريتش، قبل أيام، في مؤتمر صحافي مع كبار مسؤولي المؤسسة الاستيطانية؛ وهي الضم الرسمي لـ82% من مساحة الضفة الغربية.

وتتابع هاس: “في قطاع غزة تنفّذ إسرائيل، منذ ما يقارب عامين، الخيار الثالث للفلسطينيين الذي رسمه سموتريتش؛ حرب تدمير وإبادة تسعى فقط لـ “الحسم”، على حد تعبير رئيس هيئة الأركان إيال زامير. فإذا كانت الإدارة الأمريكية، في كانون الثاني/يناير 2024، قد تنصّلت من خطة الترحيل الطوعي من غزة التي طرحها سموتريتش، فهذه المرّة هناك حليف أيديولوجي لسموتريتش في البيت الأبيض يرى في نقل سكان من غير البيض، كما لو كانوا مكعبات من “الليغو” من أجل تحقيق رؤية رأسمالية- عقارية كبرى، أمرًا طبيعيًا تمامًا”.

وتنبه هاس إلى أنه في الضفة الغربية أيضًا تُنتهج السياسة القائمة على روح الخيار الثالث ليهوشواع وسموتريتش، وإن بأدوات أقل فتكًا: ففي جنين وطولكرم أثبت الجيش أن الإخلاء والاقتلاع والتدمير هو النموذج المناسب، وفي كل أنحاء الضفة أُعلنت حرب اقتصادية لإفقار السكان عبر منعهم من العمل في إسرائيل، ويجري طرد الرعاة والمزارعين من أراضيهم، ومصادرة أموال السلطة الفلسطينية، بحيث يعيش القطاع العام على نصف راتب، ومصادرة أموال أفراد، وإقامة حواجز عند مداخل القرى والمدن، الأمر الذي يجعلها متقطعة. وبهذا، تصبح الحركة للعمل أو الدراسة أو التجارة مكلفة جدًا وغير مجدية”.

وتختتم هاس مقالها بالتحذير الواضح: “في كل ما يتعلّق بالسياسة ضد الفلسطينيين، فإن سموتريتش في قلب التيار السائد، ولذلك فإن خطة الضمّ التي يطرحها ليست وهمًا”.

المصدر :صحيفة القدس العربي

 

Share This Article