المسار : مقعد الأردن في الغرفة الثلاثية التي تراقب التهدئة في محور السويداء – درعا، مهم سياسياً وذو قيمة استراتيجية لعدة أسباب، قد يكون من بينها ما يلفت النظر له الخبير الاستراتيجي والعسكري الفريق المتقاعد قاصد محمود، وهو يتحدث عن فلسفة إسرائيل في تطويق الأردن والضغط عليه من بوابات سوريا ولبنان، وإن استطاعت العراق أيضاً، لإضعاف موقفه في ملفي الضفة الغربية بعد ضمها، والأغوار والحدود.
يلتقط الفريق محمود هنا ما هو جوهري في رسالة خاصة تحاول قراءة المفردات الممحوة في سطر الاهتمام الأردني الكبير بما يجري في الجنوب السوري.
الفريق محمود من الخبراء الاستراتيجيين البارزين. ومقاربته التي ناقش «القدس العربي» بها تفترض أن أهداف الكيان الشريرة في تصدر أزمة الضفة الغربية شرقاً يصبح تحقيقها «أسهل وأيسر» في الفرضية الإسرائيلية إلى الأردن إذا ما أحكم الإسرائيليون سيطرتهم على جنوبي سوريا ولبنان أيضاً.
وصف الفريق محمود الاستراتيجية الإسرائيلية بأنها تخطط للضغط عبر التطويق، حيث الصعوبات في استخدام الخيار العسكري ضد الأردن يعلمها الجميع.
لكن الاستثمار في الضغط على الأردن أمنياً وعسكرياً وجيوسياسياً بالسيطرة العسكرية على أجزاء مهمة من جنوبي لبنان وسوريا، قد يكون الخيار الذي افترضه الإسرائيلي.
مثل هذا الالتقاط لم يخطر في ذهن كثير من المتابعين والمحللين، لكنه -بعيداً عن تحليل الجنرال محمود- قد يفسر خلفية الاندفاع السياسي والدبلوماسي الأردني للاحتفاظ بمقعد المملكة على الطاولة الثلاثية التي اقترحها الأمريكيون منذ اندلعت أحداث السويداء الشهيرة، وتضم سوريا والأردن، إضافة إلى الولايات المتحدة.
والعنوان العريض لخلية التنسيق السياسي هنا اسمه «آليات مراقبة تثبيت وقف اتفاقية إطلاق النار في السويداء». يبرر ذلك أن وزير الخارجية الأردني العائد للتو من انشغالات مكثفة بدأت في نيويورك وانتهت في قمة الدوحة أمس الأول، يغادر صباح الثلاثاء إلى دمشق لحضور اجتماع تنسيقي جديد يضم نظيره السوري أسعد الشيباني، والمبعوث الأمريكي الخاص توماس براك.
يقف الصفدي على محطة اجتماع دمشق، رغم أن بلاده منشغلة تماماً في ترتيب زيارة ضيف كبير هو أمير قطر، الذي يزور المملكة صباح الأربعاء ضمن أسس واعتبارات التنسيق المشتركة، وبعد سلسلة تقاطعات المصالح والموقف، التي رصدت بين عمان والدوحة في اجتماعات مجلس الأمن أولاً، ولاحقاً وثانياً في قمة الدوحة.
قيل في الإفصاح الرسمي بأن الصفدي يزور دمشق الثلاثاء لبحث تطورات الأوضاع في سوريا، وقيل في التفصيل إنه سيجتمع بالشيباني وبراك لمتابعة مستجدات تثبيت وقف إطلاق النار في السويداء.
لكن الوزير الصفدي، النشط جداً الآن، استهل زيارته المباغتة والسريعة لدمشق بتصريح حاد يعلن فيه قناعة بلاده بأن الجهة الوحيدة التي تعمل على الانفصال في الداخل السوري هي إسرائيل. يحتاج الاتهام المباشر لإسرائيل هنا إلى تفكيك وإعادة تركيب؛ لأن عمان في حالة تشاحن وتجاذب دبلوماسية حادة مع حكومة اليمين الإسرائيلي، زادت حدتها بعد الخطاب المهم الذي ألقاه في قمة الدوحة العاهل الملك عبد الله الثاني.
في الأثناء، وفي المطبخ الأردني المسيس، وحصراً في غلافه الأمني، ثمة من يفترض في عمان أن الضغط على الخاصرة الإسرائيلية في سوريا أثناء الهوس بلعبة البحث عن نقاط تقاطع مع الإدارة الأمريكية يحقق تفاضلاً كمياً للحضور الإقليمي الأردني في الدور والبصمة، لأن مثل ذلك الضغط في المشاغلة السياسية والدبلوماسية وأحياناً في المناكفة، قد يخفف -وفقاً للنظرية التي يطرحها الفريق محمود- ضغط إسرائيل في المقابل على خاصرة الحدود الأردنية.
في التحليل هنا يصبح اتهام الصفدي من دمشق لإسرائيل بالعمل على الانفصال والانقسام السوري رسالة مدروسة، أهم الاعتبارات فيها هو لفت نظر ما تبقى من المجتمع الدولي إلى أن حكومة تل أبيب هي حصراً التي تحاول إفساد ما يتوافق عليه الجميع في الملف السوري.
الموقع الجيوسياسي الأردني بسبب وجود حدود عريضة بين المملكة ومحافظتي السويداء ودرعا، هو الذي أجبر المبعوث الأمريكي لوجستياً وعملياً، لإشراك الأردن في طبخة وقف إطلاق النار وتثبيته ومراقبته.
والاحتياج الأمريكي الأمني والدبلوماسي هنا هو الذي ضمن لحكومة الأردن مقعداً في غرفة العمليات الثلاثية لتفكيك الأزمة الدرزية، وضمان عدم انتقالها إلى كل من منطقتي التنف ثم درعا على خاصرة الحدود الأردنية السورية.
طبيعي جداً في هذا السياق، القول بأن واشنطن مضطرة في احتياجها للأردن في هذا الملف، فيما تركيا تدعم خلف الكواليس وجود الأردن. والقيادة السورية الحالية تعلم مسبقاً أن الخبرة الأردنية في منطقتي نفوذ المملكة الاجتماعي في السويداء ودرعا مطلوبة وبإلحاح لسكان دمشق؛ لأنها تساعد في تخفيف الحضور والنفوذ للأجندة الإسرائيلية في المنطقة.
واستناداً إلى مؤشرات وقائع الحال، يحتاج الأردن سياسياً ودبلوماسياً لمواجهة تطورات تصعيد الإسرائيلي في الأغوار والضفة الغربية وانعكاساتها على حزمة المصالح الأردنية- إلى ورقة تفاوض قد يوفرها لعمان محور سويداء درعا، حيث لا مكان لاستقرار بلدات ومدن تلك المنطقة الجغرافية المعقدة بدون الأردن أو بعيداً عنه.
إن تمسك الأردن بمقعده في غرفة ثلاثية تراقب محور السويداء – درعا، هو استراتيجية مباشرة وملحوظة في الحراك الجيوسياسي، واستحقاق يحاول تذكير العالم بأجندة الانفصال الإسرائيلية بين السوريين. هنا، تستفيد تركيا بالتأكيد، ويضغط الأمريكي أكثر لإبعاد الإسرائيلي عن تلك المنطقة الحساسة.
وهنا يستثمر الأردن في البصمة والدور والتفويض. لكن الأهم هي تلك المقاربة التي اقترحها تشخيص الجنرال قاصد محمود، وهو يتصور بأن إضعاف المناورة أمام الموقف الأردني على الحدود ومع ملف الضفة الغربية، يتطلب مضايقة الأردن في خواصره الجغرافية السورية واللبنانية، الأمر الذي يعني أن حرص الوزير الصفدي على البقاء في الغرفة الثلاثية والتأثير فيها أمر مستحق وله أهدافه؛ لأنه جزء من منظومة صراع جيوسياسي خفي أو غير علني، تخوضه عمان مع تل أبيب بتركيبتها الحالية الحاكمة.