المسار : تعيش مدينة غزة أسوأ أيام حرب الإبادة الإسرائيلية، مع استمرار جيش الاحتلال في شن الهجمات الأكثر تدميرا، ضمن مخططها العسكري الرامي لتفريغ المدينة واحتلالها بالكامل، ودفع سكانها للنزوح القسري لمناطق الوسط والجنوب، وحذرت منظمات أممية من خطورة الوضع الحالي، وقالت «الأونروا» إن السكان يجبرون على المضي نحو المجهول بلا وجهة.
واستشهد في غزة 100 فلسطيني منذ فجر الثلاثاء وحتى وقت كتابة هذا التقرير حسب ما ذكرته وكالة الأنباء الفلسطينية «وفا».
وأعلنت وزارة الصحة في وقت سابق عن استقبال مشافي القطاع خلال الـ24 ساعة الماضية، 59 شهيدًا، و386 إصابة جديدة، لترتقع حصيلة حرب الإبادة إلى 64,964 شهيدًا و165,312 إصابة منذ السابع من تشرين الأول / أكتوبر 2023.
كما أعلنت الصحة، عن تسجيل 3 حالات وفاة نتيجة المجاعة وسوء التغذية بينهم طفل، خلال الـ24 ساعة الماضية، ليرتفع إجمالي وفيات سوء التغذية إلى 428 شهيدًا، من بينهم 146 طفلاً.
وجاء هذا في الوقت الذي أكد فيه مسؤولون في جيش الاحتلال تعميق هجومهم داخل المدينة.
وقال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إيال زامير إن إسرائيل بدأت «تعميق العملية نحو قلب مدينة غزة التي تعتبر منطقة حيوية لـ»حماس».
وقال مسؤول عسكري إسرائيلي لرويترز إن القوات البرية تتوغل بشكل أكبر في المدينة، باتجاه مركزها، وإن عدد الجنود سيزيد في الأيام المقبلة لمواجهة ما يصل إلى ثلاثة آلاف مسلح من حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية «حماس» يعتقد الجيش أنهم لا يزالون في المدينة.
وقال وزير الجيش الإسرائيلي يسرائيل كاتس في منشور على منصة إكس في وقت مبكر الثلاثاء «غزة تحترق. جيش الدفاع الإسرائيلي يضرب البنية التحتية للإرهاب بقبضة من حديد، ويقاتل جنود جيش الدفاع الإسرائيلي بشجاعة لتهيئة الظروف لإطلاق سراح الرهائن وهزيمة حماس».
100 شهيد على الأقل… وتهجير قسري
وردت حركة المقاومة الإسلامية «حماس» على «الادعاءات التي يروج لها المتحدث باسم جيش الاحتلال الإرهابي بشأن استخدام المقاومة للأبراج السكنية في مدينة غزة لأغراض عسكرية»، وقالت في بيان إن ذلك ليس «سوى أكاذيب مكشوفة، يسوقها لتبرير جرائم هذا الجيش الفاشي وتغطية تدميره الممنهج لمدينة غزة، كما دمّر من قبل مدن رفح وخانيونس وجباليا وبيت حانون وبيت لاهيا».
وكان جيش الاحتلال أعلن عن بدء العملية العسكرية الموسعة ضد المدينة، وقال أفيخاي أدرعي الناطق باسم الجيش في منشور على «فيسبوك»، مهددا السكان «تعدّ مدينة غزة منطقة قتال خطيرة فالبقاء في المنطقة يعرضكم للخطر»، وطالبهم بالانتقال في أسرع وقت ممكن عبر شارع الرشيد الى المناطق التي تم عرضها جنوب وادي غزة من خلال المركبات أو سيرًا على الأقدام.
وتعليقا، تابعت «حماس» في بيانها الذي نشرته على حسابها على «تليغرام»، إن «اتهاماته للحركة باتخاذ المدنيين دروعاً بشرية ومنعهم من الخروج من مدينة غزة، هي محاولات تضليل مفضوحة تعبّر عن استخفاف هذا الكيان المارق بالرأي العام العالمي، وعن إصراره على الاستمرار في ارتكاب المجازر الوحشية بحق المدنيين الأبرياء، ودفعهم قسراً إلى النزوح بهدف تهجيرهم من قطاع غزة».
وانحاز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى إسرائيل وقال للصحافيين في البيت الأبيض إن حماس ستدفع «ثمنا باهظا» إذا استخدمت الرهائن دروعا بشرية خلال الهجوم.
وقبل ساعات من التصعيد، قال وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو في القدس إن الولايات المتحدة تأمل في نهاية دبلوماسية للحرب، ولكن «علينا أن نكون مستعدين لاحتمال ألا يحدث ذلك».
وأظهرت لقطات حصلت عليها رويترز لموقع دمر فيه صاروخ مبنيين سكنيين متعددي الطوابق عند منتصف الليل أفرادا يتسلقون كومة ضخمة من الخرسانة لانتشال ضحايا. ووقفت امرأة تبكي في أثناء انتشال جثة طفلة صغيرة من بين الأنقاض والتي تم على عجل لفها ببطانية خضراء وحملها بعيدا.
وتشير تقديرات للجيش الإسرائيلي إلى أن 40 في المئة من سكان مدينة غزة غادروا بالفعل. وتقول السلطات في غزة إن حوالي 350 ألف شخص تركوا منازلهم في مناطق شرق المدينة متوجهين إلى ملاجئ النازحين في المناطق الوسطى أو الغربية، في حين فر 175 ألفا من المدينة صوب الجنوب.
وفي تطور ينذر بتصعيد الهجمات وتوسيعها عسكريا، نقلت إذاعة جيش الاحتلال، أن الفرقتين 162 و98 النظاميتين تقودان العملية في مدينة غزة، وأن الفرقة 36 ستنضم إلى القوات هناك بشكل تدريجي خلال الأيام المقبلة.
مجازر وضحايا
واستشهد 8 مواطنين، غالبيتهم وصلوا مشفى الشفاء أشلاء ممزقة، وأصيب أكثر من 40 إصابة، فيما لا يزال هناك عدد من المفقودين، جراء استهداف طائرات الاحتلال منزلاً لعائلة زقوت في محيط مفترق الأمن العام في حي الشيخ رضوان شمال المدينة.
وفي مجزرة أخرى ارتقى 20 شهيدا بينهم أطفال، فيما لا يزال هناك أيضا ضحايا تحت الركام، جراء استهداف الاحتلال منزلًا لعائلة طه وآخر لعائلة مسعود في حي الدرج وسط المدينة، كما استشهد أربعة مواطنين وأصيب آخرون في استهداف طائرات الاحتلال منزلًا لعائلة الهندي في حي الصبرة جنوب المدينة.
واستشهد مواطن بنيران مسيرة إسرائيلية في حي الشجاعية، كما استشهد مواطنان في قصف لشارع اللبابيدي في حي النصر، وآخر في غارة استهدفت مجموعة من المواطنين قرب البوابة الشرقية لمجمع الشفاء الطبي، كما استقبل مشفى القدس أربعة شهداء قضوا في هجمات على حي تل الهوا.
أكبر موجة تفجير
وكعادة الأيام الماضية، قامت قوات الاحتلال بإيصال روبوتات مفخخة، عبارة عن آليات عسكرية محملة بأطنان من المتفجرات إلى محيط مناطق التوغل البري في حيي الشيخ رضوان وتل الهوا، وقامت بتفجيرها محدثة أصوات انفجارات كبيرة وخطيرة، فضلا عن تدمير المربعات السكنية المستهدفة، كما دمر الطيران الحربي عدة بنايات في مناطق أخرى، منها أبراج الأشغال في حي تل الهوا.
وحسب سكان من المدينة، فإنها تتعرض لأكبر موجة تفجير بالروبوتات المفخخة منذ بدء الهجوم البري الجديد، وعمليات القصف الجوي والمدفعي العنيف، حيث سمعت أصوات الانفجارات الناجمة عن التفجيرات الكبيرة من مناطق تقع وسط وجنوب قطاع غزة، وفي ساعات الظلام تعالت ألسنة اللهب من عدة اتجاهات في المدينة لتعرضها لقصف بالأحزمة النارية وتفجيرات كبيرة. وضمن مخطط محاصرة المدينة بالنيران من كل اتجاه، لتنفيذ خطة الاحتلال الكبيرة، أطلقت الزوارق الحربية النار على المناطق الشمالية الغربية لمدينة غزة. ولا يزال غالبية سكان مدينة غزة والنازحون من مناطق التوغل البري وبلدات شمال القطاع، محصورين في مناطق ضيقة في المناطق الغربية للمدينة، والتي تتعرض هي الأخرى لهجمات عنيفة ودامية، يتخللها تدمير الطيران الحربي لأبراج سكنية، ضمن الخطة الحربية «عربات جدعون 2» التي تعتمد على سياسة «الأرض المحروقة».
واستمرت قوافل النزوح بالتوجه من المدينة إلى مناطق أخرى تقع في وسط وجنوب قطاع غزة، وسارت قوافل من الشاحنات والسيارات والعربات التي تجرها الحيوانات على الطريق الساحلي.
تحذير دولي
وفي وسط وجنوب القطاع، تواصل بعض المؤسسات المجتمعية والدولية، تمهيد وترتيب بعض الأراضي بالآليات، لتكون مكانا لنصب خيام النازحين الفارين من نيران القصف والتوغل البري في مدينة غزة، غير أن حجم الأراضي لا يتناسب مع الأعداد الكبيرة التي تنزح يوميا.
وأكد برنامج الأغذية العالمي، أن عمليات الإجلاء الإجبارية من مدينة غزة تستنزف موارد العائلات الفلسطينية، وقالت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين «الأونروا»، إن المزيد من سكان غزة يضطرون لترك منازلهم، «ويجبرون على المضي نحو المجهول بلا وجهة»، مجددة التأكيد على أنه «لا يوجد مكان آمن يلجأون إليه، ولا يوجد مأوى يحميهم»، وشددت على وجود «حاجة ملحّة للعمل على وقف إطلاق النار».
وأشار عدنان أبو حسنة الناطق باسم «الأونروا»، إلى أن دفع مليون فلسطيني إلى مساحة لا تتجاوز 35 كيلومتراً مربعاً «يعني تكديس أكثر من مليوني إنسان في هذه البقعة الصغيرة»، وهو ما يعني أن يسكن ما يقارب 70 ألف شخص في الكيلومتر المربع الواحد»، مؤكدا أن هذا الأمر مستحيل.
استهداف مناطق النزوح
وفي دلالة على ذلك، استمرت قوات الاحتلال في استهداف مناطق وسط قطاع غزة الذي يفر إليه السكان، حيث أعلن مستشفى العودة في مخيم النصيرات عن استقبال 3 شهداء جدد من طالبي المساعدات الإنسانية، جراء استهدافهم بنيران الاحتلال، لحظة اقترابهم من مركز التوزيع المقام قرب «محور نتساريم»، وذكر أن 7 شهداء و20 إصابة سجلت.
كما أصيب مواطنان بشظايا قنبلة ألقتها طائرة مسيرة إسرائيلية، استهدفت مدرسة أبو هميسة التي تؤوي نازحين في مخيم البريج، كما تعرضت أطراف مخيمي النصيرات والبريج الشمالية لقصف مدفعي عنيف.
وفي مدينة خان يونس جنوبي القطاع، أعلنت مصادر طبية عن استشهاد 3 مواطنين من طالبي المساعدات الإنسانية جراء استهدافهم بنيران الاحتلال في محيط «محور موراج».
وقال المكتب الإعلامي الحكومي وهو يشير إلى استفحال أزمة المجاعة ونقص المواد الغذائية، إنه منذ الأحد 27 تموز / يوليو 2025 وحتى اليوم، لم يدخل إلى قطاع غزة سوى (4,543) شاحنة مساعدات فقط من أصل (30,000) شاحنة مساعدات كان من المفترض وصولها، أي ما يعادل نحو (15%) فقط من الاحتياجات الإنسانية الفعلية لأكثر من (2.4) مليون مواطن. وتصديا لهجمات الاحتلال، أعلنت «كتائب الشهيد عز الدين القسام»، الجناح العسكري لحركة «حماس»، أن مقاتليها أبلغوا بعد عودتهم من خطوط القتال، عن استهداف ناقلة جند للاحتلال بقذيفة «الياسين 105» في منطقة الشطر الغربي شمال مدينة خان يونس.
المصدر …وكالات