المسار : لا تقتصر المعركة على الرواية والوعي بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني فحسب بل تبدو متفاعلة ونشطة بين الإسرائيليين أنفسهم فمقابل رئيس حكومة الاحتلال وأبواقه ممن يروجون لـ “النصر على حماس” يحذّر عدد غير قليل من المراقبين المحليين من أكاذيب وروايات رسمية لا تعكس الواقع. مستشار الأمن القومي الإسرائيلي الأسبق الجنرال في الاحتياط غيورا ايلاند السابق إن الاتفاق المرتقب في قطاع غزة لا يُعدّ “انتصارًا مطلقًا لإسرائيل كما يروّج له بعض المقربين من رئيس حكومتها نتنياهو، لكنه يشكّل في الوقت ذاته خطوة إيجابية ومهمة من عدة نواحٍ، أبرزها استعادة المختطفين وبقاء الجيش داخل أجزاء من القطاع”. وأوضح آيلاند في حديثه لـ”راديو الناس” الذي يبث من مدينة الناصرة داخل أراضي 48 أنه لا يمكن وصف الاتفاق بأنه انتصار مطلق، فهذه كلمة مدمّرة ومضلِّلة، لكنّه بالتأكيد أمر جيد.
واعتبر أن “الأمر الأهم هو استعادة المختطفين في نهاية المطاف وهذا يبدو مضمونًا”. وأضاف أن الاتفاق يتضمّن في مراحله الرسمية بندًا ينصّ على تفكيك حركة حماس من سلاحها وتسليم السلطة لجهة أخرى، لكنه شكّك في إمكانية تنفيذ ذلك فعليًا: “من الناحية النظرية، من المفترض أن تتخلى حماس عن سلاحها في المرحلة الثانية، لكنني أشك في أن يحدث ذلك، لأن المجتمع الدولي سيتوقف عن الاهتمام فور استبدال الأسرى، ولن يواصل الضغط أو المتابعة. وبيّن آيلاند أن المرحلة الثالثة من الاتفاق، التي يفترض أن تشمل إنشاء قوة عربية أو دولية تتولى الحكم في غزة، تبدو غير واقعية، مشيرًا إلى أن العالم سيتعامل مع الاتفاق وكأنه “سلام نهائي” ولن يواصل الانخراط في تطبيق بنوده.
وأضاف: “بعد اتفاق التبادل، لن يهتم أحد بعد الآن بتفكيك حماس، وسيبقى أمام إسرائيل خياران: إما القول إن الاتفاق لم يُنفّذ بالكامل واستئناف الحرب، أو القبول بأن الحرب انتهت مع الاحتفاظ بالسيطرة على بعض المناطق التي توفر حماية للمستوطنات في الغلاف. وبرأيي هذا كافٍ، وهو الواقع الذي سنعيش فيه على الأرجح”.
القضية الفلسطينية في صلب الاهتمام العالمي
وتحت عنوان “نصر مطلق لـترامب” يقول المعلق العسكري في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل اليوم الجمعة إن الهجمة الفاشلة على الدوحة أدت لقلب “الساعة الرملية” وبعد ذلك صار استسلام نتنياهو للرئيس الأمريكي مسألة وقت.
ولفت إلى أن الحرب ورطت إسرائيل في حضيض دبلوماسي ودفعت القضية الفلسطينية لصلب الوعي العالمي أكثر من أي وقت مضى. هارئيل الذي اتهم نتنياهو في الأسبوعين الأخيرين بـ محاولة تعطيل خطة ترامب يضيف:”نحتاج لـ زمن طويل حتى نهضم التبعات السلبية للحرب على المجتمع وعلى الجيش”. متوافقا مع آيلاند، يرى محلل الشؤون الشرق أوسطية في “هآرتس” الدكتور تسفي بارئيل إن تحرير الرهائن هو المرحلة الأولى، لكن الواقع في غزة لن ينتظر حتى إغلاق الثغرات في خطة ترامب. وأكد بارئيل أن الضغط على إسرائيل وحماس كان له مفعوله، لكن استمرار الخطة لا يقدم جوابا للحاجة الملحة في إدارة مدنية في القطاع مثلما لا يكفل أن تبقى حماس خارج الصورة”.
عاموس هارئيل: الحرب ورطت إسرائيل في حضيض دبلوماسي ودفعت القضية الفلسطينية لصلب الوعي العالمي أكثر من أي وقت مضى.
أما المحلل السياسي في الصحيفة يوسي فرطر فيؤكد هو الآخر أن الحرب توقفت بعدما قال ترى “كفى” وأمر كل الأطراف بالتوقّف ورفع الأيدي. وينسف فرطر رواية نتنياهو الرسمية ويضيف:”في الطريق نحو اتفاق ذاق نتنياهو القليل من فظاظة وقسوة ترامب”. ويعتبر فرطر أنه كان بالإمكان توقيع مثل هذا الاتفاق قبل عام وإنقاذ مخطوفين مشددا على أن ماكينة دعاية نتنياهو التي يصفها بـ “ماكينة السمّ” لها غاية جديدة الآن:”استنساخ التاريخ وتزويره”.
وهذا ما يقوله المحلل حايم ليفنسون في القناة 12 العبرية إن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) تفقد الآن وحاليا الحكم لكنها حققت الأهداف الأصلية للحرب والتي حددتها يحيى سنوار لافتا إلأى أن القضية الفلسطينية باتت القضية الأهم في العالم فيما تم حشر إسرائيل في زاوية في كل غرب أوروبا”.
من شرطي لرئيس عصابة
ويتهم المحلل السياسي الإسرائيلي الأبرز ناحوم بارنياع نتنياهو بالكذب ويقول إن الاتفاق في شرم الشيخ ينهي الحرب لكن نتنياهو يحاول رسمه كاتفاق لوقف النار فقط فيروي لناخبيه قصصا لا أساس لها على أرض الواقع ولا في خطة البيت الأبيض ويضيف:”أملى ترامب صفقة جيدة على إسرائيل وأقل جودة لحكومتها”.
ويعتبر زميله في “يديعوت أحرونوت” نداف أيتال أن “القصة لم تكتمل” ويعلل ذلك بالقول:” الحرب على ما يبدو انتهت. وترامب الذي سخر منه كثيرون نجح بتصحيح الواقع المعوج”. ويرى أن المحلل الإسرائيلي أن حماس موجودة في محنة بعدما تخلت عنها دول عربية وإسلامية ولم يتبق لديها سوى أن يبدي تسوية وهي الآن تنوي النجاة والبقاء مسلحة والتزود بالصبر، الصمود والصبر الطويل”.
من جهتها ترى الخبيرة الإسرائيلية بالشؤون الأمريكية الدكتورة ياعيل أن “ترامب يؤسّس لثقافة البلطجة والعربدة في العالم ثقافة المافيا والعصابات لكن ذلك يعمل ويثمر في الشرق الأوسط وفي أمريكا هذا يخرّب الديموقراطية بسبب الاستخدام المفرط للقوة”. وتضيف”في المفاوضات بالذات من أجل إنهاء الحرب هذا هو المطلوب بيد أن تحويل الولايات المتحدة من شرطي إلى رئيس مافيا من شأنه أن يكون خطيرا”.