المسار : مع إقتراب إنعقاد الدورة الكاملة الرابعة للجنة المركزية العشرين للحزب الشيوعي الصيني، التي ستعقد في الفترة من 20 إلى 23 أكتوبر 2025، حققت الدبلوماسية ذات الخصائص الصينية إنجازات واسعة في مسيرة الإصلاح والانفتاح رغماً عن الأوضاع المحلية والدولية المتشابكة والمعقدة. حيث سعت بكل جدية لتحقيق التقدم من خلال الإستقرار، وتعزيز الإصلاح من خلال الإنفتاح، ورفع قدرة الإنفتاح لتوسيع التعاون الدولي. وكذلك فإن الدبلوماسية الصينية تنتهج سياسة سلمية مستقلة “حازمة وثابتة” لا مثيل لها، وتدفع لبناء مجتمع المصير المشترك على أساس إحترام وتطبيق القيم المشتركة. لذلك، طرحت الدبلوماسية الصينية المبادرات العالمية الأربع (تنمية، أمن، حضارة، وحوكمة) بهدف إنجاز التعددية الدولية على اساس الإنصاف والعدل وإحترام حقوق وسيادة كل الدول لتحقيق السلام والتنمية المستدامة، وبالتالي لا بد من الإهتمام بالإصلاح والإنفتاح من خلال توحيد الجهود وحشد القوى وتحقيق التقدم بكل جدية وحيوية، وعندئذ إنجاز بناء منظومة حديثة وقوية.
أهمية نجاح الدبلوماسية الصينية
لم تطرح الدبلوماسية الصينية مقترحات وأفكار متناقضة أو بديلة عن منظومة الأمم المتحدة، المؤسسات الدولية، والقانون الدولي، بل طرحت مجموعة من المبادرات والأفكار التي تتناغم مع روح وتطلعات القانون الدولي لحل معظم القضايا الدولية. وتكمن أهمية ذلك في إعادة الإعتبار للنظام الدولي الحالي للعمل على اسس سليمة وعادلة، بعيداً عن تعزيز سيطرة جهة أو بعض الجهات على القرار الدولي بهدف تحقيق مصالح خاصة، أو التقليل من إحترام سيادة وحقوق الدول أو التدخل في شؤونها، فالجميع سواسية أمام القانون الدولي في الحقوق والواجبات. وهكذا، فإن الدبلومسية الصينية جاءت من خلال مجموعة من المبادرات تجاه معظم القضايا الدولية العالقة، وتطرح هذه المبادرات الحلول الفعلية لتلك القضايا بما ينسجم مع التطلعات والقوانين المحلية والدولية. وعليه، فإن الدبلوماسية الصينية لم تفرض حلول ومقترحات بهدف بناء تحالفات ضد أي طرف، ولم تسعى كذلك لمجاملة طرف على حساب حقوق طرف الأخر، وإنما جاءت بهدف تفعيل المؤسسات الدولية لحل القضايا الجوهرية نتيجة غياب التعددية والحوكمة في النظام الدولي، لأن البعض لا يريد نجاح المنظومة الدولية كمؤسسة، بل تشكيل جماعات وتحالفات بهدف تعزيز السيطرة بعيداً عن حكم القانون والعدالة والإجماع الدولي.
بناءاً على ذلك، فإن أهمية دعم نجاح أهداف ومبادئ الدبلوماسية الصينية مسؤولية جماعية تلقى على عاتق الجميع من خلال التعاون مع الصين لحل القضايا الدولية الحيوية، خاصة أن نجاح أهداف تلك الدبلوماسية لا يتعلق فقط بالصينيين، وإنما بالأخرين بهدف تحقيق السلام والتنمية المستدامين. فالعالم يمر بتحديات وظروف معقدة، وهذا يتطلب تعزيز التعاون والعمل المشترك من الأطراف كافة بهدف تحقيق الاستفادة الجماعية والمشتركة في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، وكذلك إستدامة فاعلية العهدين الدوليين لحقوق الإنسان عام 1976، العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية.
الدبلوماسية الصينية ما بين النظرية والتطبيق الفعلي
لقد إتسمت الدبلوماسية الصينية بالإصلاح والإنفتاح من خلال الإنسجام والأرتباط الفعال بالقيم والثقافة ذات الخصائص الصينية، وهذا ما يميزها. وتم التعبير عن هذه الدبلوماسية بمجموعة من الأفكار والمبادرات منذ عام 2013 لتعزيز قيم الإصلاح والإنفتاح تجاه الأخرين بهدف تحقيق مجتمع المصير المشترك في العصر الجديد للجميع دون إسنثناء، على أساس إحترام ثقافة وحضارة الغير، إحترام سيادة وحقوق الدول وعدم الإعتداء على الغير أو التدخل في شؤونهم، تعزيز الأمن المستدام المشترك وحل النزاعات بالطرق السلمية، تعزيز العدالة وحكم القانون الدولي لحل القضايا الفاعلة دولياً، ومن ثم دعم برامج التنمية المحلية من خلال برنامج تنموي دولي متكامل على قاعدة المساواة للنهوض بإقتصاديات الدول النامية وتعزيز الأمن الغذائي، وعندئذ تحقيق التفاهم والحوار والعمل المشترك والمنفعة المتبادلة بين كافة الدول للمساعدة في لحل القضايا الحيوية والمصيرية، والإستفادة من مشاريع البنية التحتية والإستثمار لدعم فرص العمل، الأسواق، والمشاريع الصغيرة لمستقبل مستقر ومزدهر.
في عام 2013 طرح الرئيس الصيني شي جين بينغ مبادرة “الحزام والطريق”، التي تعتبرها القيادة الصينية محاولة ناجحة لتعزيز الإتصال الإقليمي والدولي لإحتضان مستقبل أكثر إستقرار وإنفتاح وإزدهار على قاعدة المساواة بين الجميع دون إستثناء، والتي ترتكز على الإحترام المتبادل والمنفعة المتبادلة. وما بين 2021-2025 طرح الرئيس الصيني شي جين بينغ كذلك المبادرات العالمية الأربع (مبادرة التنمية العالمية، مبادرة الأمن العالمي، مبادرة الحضارة العالمية، ومبادرة الحوكمة العالمية) لتؤكد مجتمعة أن البشرية جمعاء أمام فرصة تاريخية لتعزيز الوحدة، التعاون المستدام، التضامن الإنساني، والتبادل الحضاري، وبالتالي إعادة حيوية النظام الدولي من جديد على اساس إحترام حقوق الإنسان بإعتباره مركز الإهتمام الأول من خلال بناء عالم تسوده المساواة والعدالة والإزدهار. وعليه، فإن الدبلوماسية الصينية قد نجحت في النظرية والتطبيق الفعلي بوضع نماذج حيوية وفعالة كالمبادرات الدولية الأربع، وغيرهما تجاه حل معظم القضايا، وذلك لدعم وتعزيز عمل الأمم المتحدة لتكون أكثر فاعلية لحل مختلف القضايا الجوهرية الدولية من خلال تحقيق المساواة بين الدول وإقامة نظام دولي متعدد الأطراف، بحيث تكون فيه المنظومة الدولية هي المرجعية لحماية القانون الدولي والأمن والسلم الدوليين عبر إقامة العدالة الدولية.
فاعلية الدبلوماسية الصينية في المنظومة الدولية
هناك فاعلية للدبلوماسية الصينية تجاه الإهتمام بالقضايا الدولية الحيوية العالقة، التي طال إنتظار معالجتها نتيجة غياب التعاون الفعلي والجاد مع الصين من قبل بعض الأطراف الفاعلة على الساحة الدولية، بحيث أصبحت تلك القضايا تشكل تهديداً حقيقاً للأمن والسلم الدوليين وبالتالي غياب الإستقرار والإزدهار المستدامين. وعليه، فإن الدبلوماسية الصينية فرصة “فعالة وملموسة” لتكون منصة للتعاون والعمل المشترك المستدام على قاعدة الإحترام المتبادل بهدف تعزيز المنفعة المتبادلة والمصير المشترك لكل الدول. فعلى سبيسل المثال، لقد تأسست الأمم المتحدة عام 1945 بعد الحرب العالمية الثانية، وحدد ميثاق الأمم المتحدة أن الغاية من تأسيسها هو حماية الأمن والسلم الدوليين، وتنمية العلاقات الدولية بين الدول على اساس الإحترام المتبادل للجميع بصرف النظر عن حجم وثروة وقوة كل دولة، وكذلك إحترام مبدأ المساواة في الحقوق. لذلك، فإن الدبلوماسية الصينية تهدف لتعزيز دور ومكانة المنظومة الدولية من خلال التأكيد على الإجماع الدولي بعيداً عن الهيمنة من أي طرف، خاصة أن تلك المنظومة قد إرتبطت بحماية وإحترام حقوق وحريات الإنسان، إحترام سيادة وحقوق الدول، تعزيز حكم القانون والعدالة الدولية، وتحقيق الإستقرار والإزدهار للكل.
خاتمة
تهدف فاعلية الدبلوماسية الصينية لبناء منظومة دولية حديثة وقوية، فالمنظومة الدولية بحاجة لإعادة إصلاح وتأهيل لتكون قادرة على قيادة العالم على نحو متساوي في الحقوق والواجبات. ولعل الدبلوماسية الصينية فرصة جدية أمام الدول الأعضاء لتعزيز التعاون مع الصين بهدف الحفاظ على دور ومكانة المنظومة الدولية لصون حكم القانون، التعددية والتعاون، وتعزيز المساواة وإحترام الحقوق على اساس العدل والإنصاف. فعلى سبيل المثال، لا الحصر هنا، فإن منطقة الشرق الأوسط تعيش حالة من عدم الإستقرار نتيجة إستمرار غياب حل القضية الفلسطينية، بإعتبارها القضية المركزية وعنوان الأمن والسلم الأقليميين والدوليين. والسبب وراء ذلك هو تجاهل بعض الدول الفاعلة والمؤثرة للإلتزام بالقانون الدولي لحل قضية فلسطين، عدم التعاون الجاد مع الصين والدول الأعضاء، تجاهل قرارات الإجماع الدولي لحل تلك القضية وفق القانون الدولي بشكل دائم وعادل، وأيضاً عدم جدية بعض الأطراف في إيجاد حل لكل النزاعات والصراعات في العديد من دول المنطقة، بل تعمل على تغذيتها لإستدامة حالة عدم الإستقرار لتعزيز النفوذ والسيطرة، في المقابل، تسعى الدبلوماسية الصينية من خلال التعاون الفعال مع دول المنطقة لتعزيز الوحدة والتضامن العربي والإقليمي لينعم الجميع بالإستقرار والإزدهار. وعليه، فإن الدبلوماسية الصينية ومن خلال مبادرة الحوكمة العالمية التي طرحها الرئيس الصيني شي جين بينغ مؤخراً، تزامناً مع ذكرى يوم النصر في سبتمبر 2025، تؤكد على أهمية حوكمة المنظومة الدولية لتكون أكثر قوة وفاعلية لحل كافة القضايا الدولية بإجراءات فعلية، وأهمها حوكمة منطقة الشرق الأوسط وحل قضاياه العالقة، وفي مقدمتها حل القضية الفلسطينية على أساس العدل والإنصاف وسيادة القانون الدولي، عندئذ سيتحقق الأمن والسلام، والإستقرار والإزدهار، والعيش المشترك.
* * باحث في معهد الأبحاث لفكر شي جين بينغ في الدبلوماسية، جامعة شانغهاي للدراسات الدولية
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر المسار

