المسار : لم تتبدد العزلة الدولية التي تحيط بدولة الاحتلال رغم اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس. فبينما حاولت الحكومة الإسرائيلية إقناع جمهورها بأن “جنون المقاطعة انتهى” وأن الحياة عادت إلى طبيعتها، يتضح أن العالم لا يشاركها هذا الشعور.
وتظهر المؤشرات في مختلف المجالات، من الرياضة والثقافة إلى الأكاديميا والبحث العلمي وحتى التبادل التجاري، أن المقاطعة العالمية لإسرائيل مستمرة، بل تتوسع بهدوء. ويمكن رصد اتجاه عام واضح يُظهر تنامي العزلة الدولية لإسرائيل منذ بداية الحرب على غزة يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وتجمع القراءات الإسرائيلية على أن كثيرين حول العالم يرون أن الحرب لم تنته فعليا، وكذلك المقاطعة. فما تزال مشاهد الدمار والضحايا في قطاع غزة حاضرة في الذاكرة العالمية، مما يجعل من الصعب على إسرائيل استعادة مكانتها في الساحات الدولية.
ويرى محللون إسرائيليون أن هذه العزلة لا تعكس فقط غضبا دوليا من سياسات حكومة بنيامين نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة- بل تدل على أزمة هوية أعمق تعيشها إسرائيل في نظرة العالم إليها، فبينما تحاول الحكومة إظهار نفسها كدولة منفتحة وديمقراطية، يجدها كثيرون متورطة في جرائم حرب وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
تراجع تجاري واستثماري
رغم صعوبة تحديد التأثير الاقتصادي الكلي للمقاطعة بدقة، لكن المؤشرات تُظهر أن الاقتصاد الإسرائيلي يواجه ضغوطا متزايدة. فبحسب دراسات لمركز أبحاث الكنيست، كانت إسرائيل قد طورت قبل طوفان الأقصى نظاما مرنا لمواجهة تأثير حركة المقاطعة. إلا أن فترة عامي الحرب على غزة غيرت المعادلة وأدت إلى تراجع الاستهلاك المحلي، وانخفاض الصادرات، وتراجع الاستثمارات الأجنبية.
وأبرز مثال على ذلك هو المقاطعة التركية الشاملة التي فرضت في مايو/أيار 2024، مما أدى إلى انخفاض بنسبة 64% في الواردات التركية وتوقف شبه كامل في الصادرات الإسرائيلية، باستثناء بعض التجارة غير المباشرة، وفق ما أفادت صحيفة “غلوبس” الإسرائيلية.
أما على صعيد الشركات، فقد استهدفت حملات المقاطعة عددا من العلامات التجارية الدولية المتهمة بدعم إسرائيل، مما دفع بعضها إلى بيع أصولها داخل البلاد. ومع ذلك، تشير الدراسات الإسرائيلية إلى أن الأثر المالي على الشركات الكبرى -خصوصا الأميركية- كان محدودا وقصير المدى، رغم النشاط الواسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وتشهد المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية تراجعا غير مسبوق في تعاونها الدولي، في ظل تصاعد المقاطعة الأكاديمية عقب الحرب على غزة. ووفق بيانات برنامج “هورايزون أوروبا” (برنامج بحثي يتبناه الاتحاد الأوروبي) فقد سجل عام 2025 أدنى مستوى من المشاريع البحثية المشتركة مع إسرائيل منذ انضمامها إليه.
وقد تنوعت أشكال المقاطعة الأكاديمية في العالم لتشمل:
رفض نشر مقالات أو بحوث لباحثين إسرائيليين.
تأجيل أو إلغاء مشاركاتهم في مؤتمرات ومحاضرات دولية.
تعليق أو إنهاء شراكات بحثية بين مؤسسات أجنبية وإسرائيلية.
كما سُجل انخفاض ملحوظ في التمويل الأوروبي لمشاريع علمية تضم شركاء من إسرائيل، خصوصا مجالات التكنولوجيا والعلوم الاجتماعية.
امتدت موجة المقاطعة ضد إسرائيل إلى المجال الثقافي والفني، لتتحول تدريجيا إلى ظاهرة عالمية متصاعدة. فخلال العام الحالي وقع آلاف الفنانين والكتاب والموسيقيين والمخرجين حول العالم عرائض تدعو إلى مقاطعة إسرائيل ثقافيا، متهمين مؤسساتها بـ”ممارسة الفصل العنصري” و”انتهاك حقوق الإنسان” في غزة.
لم تكن الساحة الرياضية الإسرائيلية بمنأى عن موجة المقاطعة العالمية، إذ تصاعدت الضغوط على الهيئات الدولية مثل الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” واللجنة الأولمبية الدولية، لتعليق عضوية إسرائيل أو تقييد مشاركاتها في المنافسات الدولية.

