تحركات إسرائيلية تغيّر ملامح الجنوب السوري

المسار : لم تنقطع الاعتداءات الإسرائيلية على الجنوب السوري، وأخذت أبعاداً أكثر خطورة على الأوضاع الأمنية في ريف القنيطرة، بحيث باتت تهدّد حياة المدنيين الذين يتعرضون لمضايقات قوات الاحتلال منذ سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي. وفي أحدث الاعتداءات الإسرائيلية على الجنوب السوري خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول الحالي، أفادت مصادر محلية، أمس الاثنين، لـ”العربي الجديد”، بأن جيش الاحتلال زرع ألغاماً على أطراف المحمية الطبيعية في ريف القنيطرة الشمالي، وذلك في محيط النقطة العسكرية التي أنشأها أخيراً في المنطقة، وهو ما بات يهدّد حياة السكان مباشرة بحسب المصادر.

وكانت قوات الاحتلال قد نصبت، يوم السبت الماضي، حاجزاً مؤقتاً على طريق “أوتوستراد السلام” في ريف محافظة القنيطرة، على بُعد نحو 40 كيلومتراً من دمشق، في خطوة تحمل الكثير من الاستفزاز للحكومة السورية. في الأثناء، تواصل هذه القوات عمليات تجريف واقتلاع لأشجار السنديان المعمرة داخل محمية جباتا الخشب، شمالي محافظة القنيطرة، في سياق عمليات تجريف واسعة النطاق تقوم بها منذ بدء تدخلها في الجنوب السوري بعد أيام من سقوط نظام الأسد.

كذلك تستمرّ هذه القوات باعتقال مدنيين في كل مرة تتوغل فيها داخل العمق السوري خارج المنطقة العازلة (مساحتها 235 كيلومتراً مربعاً) التي حدّدتها اتفاقية “فكّ الاشتباك” في عام 1974 والتي أطاحتها تل أبيب، في خرق سافر للقانون الدولي. وفي هذا السياق، ذكرت شبكات إخبارية محلية أن قوات الاحتلال اعتقلت أول من أمس الأحد، الشاب عز الدين المنيف، من قرية المعلقة في القنيطرة، على حاجز لها في بلدة بريقة بريف المحافظة الأوسط.

تستمر قوات الاحتلال باعتقال مدنيين في كل مرة تتوغل فيها داخل العمق السوري

قواعد ونقاط تمركز في الجنوب السوري

وكثّفت قوات الاحتلال الإسرائيلي، خلال شهر أكتوبر الحالي، عمليات التوغل في ريف القنيطرة المحاذي للمنطقة العازلة، ما بين سورية وهضبة الجولان المحتل، لتدهم منازل مدنيين وتعتقل شباناً في قرى وبلدات عدة من دون أسباب، لتفرج عن أغلبهم لاحقاً، في خطوات يبدو أن الهدف الرئيسي منها إرهاب السكّان ودفعهم للنزوح عن مناطقهم، وللضغط أكثر على الحكومة السورية لتوقيع اتفاق أمني جديد وفق اشتراطات تل أبيب والتي رفضتها دمشق.

وأقامت تل أبيب العديد من القواعد والمراكز ونقاط التمركز في العمق السوري خلال الأشهر الماضية، وسيطرت على نقاط رئيسية في قمّة جبل الشيخ، كانت تتمركز فيها قوات النظام السابق قبل سقوطه، من بينها نقاط تابعة سابقاً لقوة الأمم المتحدة لمراقبة فضّ الاشتباك، وأخرى لـ”جيش التحرير الفلسطيني” (فصيل كان يتبع لجيش نظام الأسد).

وتخطط قوات الاحتلال الإسرائيلي للبقاء طويلاً في جنوب سورية وفرض واقع أمني يصعب تجاوزه في أي ترتيبات مستقبلية، وخصوصاً في قمم جبل الشيخ، وهي من المواقع الاستراتيجية الحاكمة، فهي تشرف على ثلاث دول (سورية ولبنان وفلسطين).

وتعليقاً على استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على الجنوب السوري، بيّن المحلل العسكري العميد فايز الأسمر، في حديث مع “العربي الجديد”، أن هدف تل أبيب من هذه الاعتداءات “منع القوات السورية من الانتشار في الجنوب، كما تنصّ اتفاقية فكّ الاشتباك الدولية”. ورأى أن من بين الأهداف الإسرائيلية أيضاً “استمرارية ضغطها الميداني على الإدارة السورية للقبول بشروطها في أي اتفاقية أمنية يمكن أن تعقد”.

وأوضح الأسمر أنه “مع انتهاء حقبة الأسد، لم تترك تل أبيب طريقة للاعتداء والتوغل إلا واستخدمتها”، موضحاً أن قوات الاحتلال “تقوم بشكل يومي باعتداءات وتوغلات برّية على طول الشريط الحدودي مع الجولان المحتل يطاول بعضها القرى الآهلة بالسكّان، للتفتيش والمداهمة، فضلاً عن قيامها بأعمال هندسية وتحصينات وطرق التفافية وزرع الألغام ونصب الحواجز الأمنية للتفتيش كما حدث أخيراً في منطقتي الصمدانية وبيت جن وغيرهما”.

رشيد حوراني: تريد إسرائيل أن تقول للداخل الإسرائيلي إن جيشها قادر على خوض المعارك

أمر واقع ورسالة للداخل

ومنذ 8 ديسمبر الماضي، تحول الجنوب السوري، وخصوصاً في محافظتي القنيطرة والسويداء، إلى منطقة نفوذ عسكري وأمني إسرائيلي، تعزز أكثر في يوليو/تموز الماضي، عندما تدخل الاحتلال إلى جانب فصائل محلية في السويداء مرتبطة بالشيخ حكمت الهجري (أحد مشايخ العقل لدى الدروز في سورية)، وهو ما جعل إسرائيل طرفاً مباشراً في الأزمة التي أخذت لاحقاً أبعاداً سياسية تهدّد وحدة سورية. وتستخدم إسرائيل ورقة الدروز في سورية للحصول على مكاسب ميدانية في الجنوب السوري ولفرض شروطها على الحكومة السورية في ما يخص أي اتفاق أمني مقبل، فهي تزعم أنها “حامية” لأبناء هذه الطائفة.

وكان الجانبان السوري والإسرائيلي قد دخلا في مفاوضات مباشرة في أكثر من عاصمة غربية برعاية أميركية مباشرة، للتوصل إلى مثل هذا الاتفاق، إلا أن المفاوضات توقفت بسبب تمسك تل أبيب بإنشاء ممر يصل بين الأراضي المحتلة ومحافظة السويداء السورية، ورفضها العودة إلى حدود عام 1974، ومطالبتها بعدم دخول سلاح ثقيل جنوبي العاصمة السورية دمشق، والذي يشمل محافظات درعا والسويداء والقنيطرة. من جهتها، تصرّ الحكومة السورية على اتفاق يحترم الأجواء السورية، ووحدة البلاد، وأن يكون خاضعاً لرقابة الأمم المتحدة.

وفي هذا السياق، أعرب الباحث العسكري والأمني رشيد حوراني عن اعتقاده بأن إسرائيل “تحاول الوصول إلى هدفين جرّاء الاعتداءات المتكررة على الجنوب السوري: الأول فرض أمر واقع جديد يكون منطلقاً للتفاوض مستقبلاً من خلال توسيع للمنطقة العازلة المقررة في اتفاق فكّ الاشتباك 1974، والثاني موجه للداخل الإسرائيلي، ومفاده بأن الجيش الإسرائيلي قادر على خوض المعارك، خصوصاً أن اتهامات باتت توجه إلى هذا الجيش بعدم تحقيقه أهداف الحرب على قطاع غزة بالقضاء على حركة حماس وتحرير الأسرى”. وبرأيه، فإن إسرائيل تريد أيضاً إشعار السوريين (دولة وشعباً)، بضعفهم وعجزهم أمام قوات الاحتلال.

وكانت تل أبيب قد نفذت في ديسمبر الماضي، أكبر عملية قصف جوي في تاريخها، واستهدفت أغلب القدرات العسكرية السورية التي خلّفها النظام السابق في كل صنوف الأسلحة البرّية والجوية والبحرية، لقطع الطريق أمام الإدارة الجديدة التي أعلنت أكثر من مرة أن سورية لا تشكل تهديداً لأحد في المنطقة.

المصدر .. العربي الجديد

Share This Article