غزة تحت الركام.. وبلديتها تحاول إنقاذ ما تبقى

المسار : في أعقاب حربٍ استمرّت عامين، وجد الغزيون أنفسهم أمام واقع دمارٍ شامل لم يشهد له القطاع مثيلًا من قبل، بعد أن عمد الاحتلال إلى استهداف البنية التحتية والمناطق السكنية بأسلوبٍ ممنهج هدف إلى تعطيل الحياة المدنية بالكامل.

ومع بدء سريان وقف إطلاق النار قبل أكثر من أسبوعين، تبرز بلدية غزة في خط المواجهة الأولى لمحاولة إعادة الخدمات الأساسية يُساندها بذلك تحركات من المواطنين، وسط مشهد إنساني كارثي وأكوامٍ من الركام غطّت معظم أحياء المدينة.

في حي الشجاعية، تقف رسمية حبيب (45 عامًا) أمام ما كان يومًا منزلها، وتقول وهي تمسح دموعها:

“كنا نحلم فقط أن نعود… لكن حين وصلنا، لم نجد سوى الأرض. كل شيء اختفى؛ صور أطفالي، مطبخي، حتى شجرة الليمون في الساحة لم تعد موجودة.”

تعيش رسمية اليوم في خيمةٍ مؤقتة مع أسرتها، وتعتمد على مساعدات بسيطة لا تكفي لأيام، بانتظار أن تُفتح الطرق وأن تصلها مياه الشرب مجددًا.

أما محمد ناصر (32 عامًا)، وهو أب لثلاثة أطفال من حي الرمال، فيروي لـ”سند” بحسرة: “كنت أعمل سائقًا لآلية، لكنها دُمّرت في القصف. اليوم أساعد الجرافات المهترئة في إزالة الركام، نعمل بأيدينا لأن المعدات قليلة وقديمة. نحن لا نحلم بالكثير.. فقط أن نستطيع إعادة بناء بيوتنا، وأن تعود الكهرباء والمياه”.

دمار يفوق الوصف

في مدينةٍ أنهكها الحصار والدمار، يقف المتحدث باسم بلدية غزة، عاصم النبيه، أمام مشهدٍ لا يمكن وصفه بالكلمات: “ما شهدته مدينة غزة في الآونة الأخيرة لا يمكن تخيّله. استخدم الاحتلال عرباتٍ مفخخة موجهة – تُعرف محليًا بـ”الروبوتات” تسببت في تدمير مربعاتٍ كاملة، وليس منازل فردية فقط”.

ويضيف النبيه ، أن الدمار الهائل طال البنية التحتية الأساسية، بما في ذلك شبكات المياه والصرف الصحي والمرافق الصحية، ما جعل الحياة اليومية في المدينة شبه مستحيلة، خصوصًا في ظلّ شحّ الوقود وتعطّل محطات الضخ والمعالجة.

وكشفت تقديرات أممية حديثة عن حجمٍ غير مسبوق من الدمار الذي خلّفته حرب الإبادة على قطاع غزة، والتي استمرّت عامين، تاركة المدينة تغرق تحت عشرات ملايين الأطنان من الأنقاض.

وتشير التحليلات الصادرة عن برنامج الأقمار الصناعية التابع للأمم المتحدة إلى أنّ ما يقارب 193 ألف مبنى قد دُمّر أو تضرّر بدرجات متفاوتة في أنحاء القطاع حتى الثامن من يوليو/ تموز 2025، أي ما يعادل قرابة 78% من إجمالي المباني التي كانت قائمة قبل اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

أما في مدينة غزة وحدها، فقد وصلت نسبة الدمار حتى سبتمبر/ أيلول إلى 83% من الأبنية، وهو ما يجعلها من أكثر المناطق تضررًا على الإطلاق.

وتُقدّر الكمية الإجمالية للركام في القطاع بنحو 61 مليون طن، أي ما يوازي 169 كيلوغرامًا من الأنقاض لكل متر مربع من مساحة غزة البالغة 365 كيلومترًا مربعًا.

ولإدراك حجم الكارثة، فإن هذا الرقم يعادل نحو 170 ضعف وزن برج إمباير ستايت في نيويورك، أو ما يقارب ستة آلاف ضعف وزن برج إيفل في باريس.

ويُنتظر أن تُمهّد التهدئة التي دخلت حيز التنفيذ في أكتوبر/ تشرين الأول 2025 الطريق أمام جهود إعادة الإعمار، وسط تحدياتٍ هائلة تتعلق بإزالة هذه الكميات الضخمة من الركام وإعادة تأهيل البنية التحتية المنهارة.

وبالعودة إلى عاصم النبيه، فقد وصف واقع البلدية بالقول: “أكثر من 85% من آليات البلدية الثقيلة والمتوسطة تعرضت للتدمير خلال عامي الحرب على القطاع، إلى جانب المقرات والمخازن ومعدات الصيانة”.

ولفت أنه رغم وقف إطلاق النار، لا تزال الطواقم عاجزة عن تلبية احتياجات السكان، أو مساعدتهم لتخفيف المعاناة المتفاقمة.

ويشير إلى أن البلدية أعدّت خطة بثلاث مراحل وهي استمرار حالة الطوارئ لمواجهة الأزمات الإنسانية العاجلة، بالإضافة لمرحلة التعافي المبكر لفتح الطرق وتوفير المياه والخدمات الأساسية، وصولًا لمرحلة إعادة الإعمار الشاملة.

لكنه جدد تحذيره من “دون تزويدنا بالاحتياجات الأساسية من آليات، ووقود، وقطع غيار، ومولدات، لن نتمكن من التخفيف من معاناة المواطنين”.

Share This Article