“دارفور تنهار… السودان يترنّح على حافة الانقسام الشامل”

المسار : نشرت صحيفة آيريش تايمز تقريرًا مطوّلًا يرصد التطورات الميدانية الأخيرة في السودان، محذّرة من أن سقوط دارفور بيد قوات الدعم السريع يمثل منعطفًا خطيرًا قد يدفع البلاد نحو الانقسام الكامل. وأوضحت الصحيفة أن الحرب الأهلية، التي اندلعت بين الجيش وقوات الدعم السريع، أدت إلى كارثة إنسانية مروّعة باتت من بين الأسوأ في القرن الحادي والعشرين.

في تطور مأساوي جديد، انسحب الجيش السوداني خلال الأيام الماضية من مدينة الفاشر، كبرى مدن غرب إقليم دارفور، بعد حصار دامٍ استمر منذ أبريل 2024. طوال تلك الأشهر العصيبة، عاش عشرات الآلاف من المدنيين في جحيم من الجوع والقصف اليومي والمجازر المتكررة، بينما كانت المدينة تختنق تحت وطأة الحصار. وبانسحاب الجيش، أصبحت قوات الدعم السريع (RSF) -الميليشيا شبه العسكرية ذات السجل الحافل بالانتهاكات- تسيطر بشكل كامل على دارفور، بعدما أحكمت قبضتها على معظم مناطق غرب السودان وجنوبه الغربي، فيما لا يزال الجيش يحتفظ بالعاصمة الخرطوم والمناطق الشرقية.

برر الجيش انسحابه من الفاشر بأنه جاء لتجنّب وقوع خسائر فادحة بين المدنيين في المدينة وفي المخيمات المحيطة بها التي تؤوي مئات الآلاف من النازحين. غير أن تقارير ميدانية موثوقة أكدت وقوع عمليات إعدام جماعية نفذتها قوات الدعم السريع فور دخولها المدينة.

ويُعد سقوط الفاشر -وبالتالي سقوط دارفور بأكملها- تحولًا استراتيجيًا مفصليًا في مسار الحرب الأهلية الدائرة منذ عام 2023 بين الجنرالين عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو (حميدتي). ومع هذا التطور الميداني، بات انقسام السودان إلى مناطق نفوذ متصارعة احتمالًا واقعيًا يتزايد يومًا بعد يوم.

خلفت الحرب حتى الآن أكثر من 150 ألف قتيل، ودفعت أكثر من 14 مليون شخص إلى النزوح، فيما يواجه الملايين خطر المجاعة والموت البطيء. ويتهم المجتمع الدولي كلا الطرفين -الجيش وقوات الدعم السريع- بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. في الوقت نفسه، تستمر قوى إقليمية ودولية في تزويد الجانبين بالسلاح، لتتحول هذه الحرب المنسية إلى واحدة من أكثر النزاعات دموية في القرن الحادي والعشرين، إذ تجاوزت في حصيلتها ما شهدته كل من غزة وأوكرانيا.

وعندما سقطت مدينة الجنينة بيد قوات الدعم السريع عام 2023، قدرت الأمم المتحدة أن عدد القتلى المدنيين بلغ نحو 15 ألف شخص، معظمهم من السكان غير العرب الذين استُهدفوا على أساس عرقي. واليوم، تعرب الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي عن قلق بالغ من تكرار المأساة ذاتها في الفاشر، وسط تقارير عن موجة جديدة من القتل العرقي.

آلاف المدنيين يفرّون الآن من المدينة المنكوبة. ويؤكد شهود محليون أن الطعام نفد تمامًا وأن الوضع الإنساني بلغ مرحلة الانهيار. ووفقًا لتقارير مختبر البحوث الإنسانية في جامعة ييل، أظهرت صور الأقمار الصناعية أكوامًا من الجثث لمدنيين أُعدموا جماعيًا، بينما أكدت الأمم المتحدة تلقيها تقارير موثوقة عن عمليات إعدام فورية دون محاكمة.

ورغم الجهود الأمريكية والدولية للتوصل إلى وقفٍ لإطلاق النار، تشير جميع المؤشرات إلى أن السودان انزلق إلى مرحلة أكثر وحشية وظلامًا في تاريخه الحديث، حرب تُرتكب فيها الفظائع يوميًا بعيدًا عن أنظار العالم المنهمك في أوكرانيا وغزة، بينما يغرق إقليم دارفور في أعمق كارثة إنسانية يشهدها هذا القرن.

Share This Article