المسار : أثار فيلم “صوت هند رجب” حالة واسعة من التأثر والغضب خلال عرضه في مهرجان الدوحة السينمائي 2025، بعدما نجح في إعادة بناء اللحظات الأخيرة من حياة الطفلة هند رجب، التي بقيت لساعات محاصرة داخل سيارة تحيط بها الجثث تحت نيران الاحتلال في غزة.
الفيلم، الذي يمزج بين الوثائقي والروائي، أعاد تمثيل مكالمة هند مع طواقم الهلال الأحمر أثناء استعاثتها بهم لسبع ساعات متواصلة، قبل أن ينقطع صوتها إلى الأبد. وقد اختارت المخرجة التونسية كوثر بن هنية أن تحصر السرد داخل غرفة عمليات الهلال الأحمر، لتحوّل الشاشة إلى مساحة استماع قاسية، يواجه فيها المشاهد عجزه أمام صراخ طفلة لا يستطيع الوصول إليها.
وخلال النقاش الذي تلا العرض، حضر فريق العمل ووالدة هند، في لحظة صادمة أعادت استحضار مشاهد الأمل والعجز التي عاشها المسعفون لحظة بلحظة، وسط تحليق الطائرات وقصف الدبابات خلال الواقعة الأصلية.
ويقدّم الفيلم مقاربة سينمائية مختلفة، حيث يقوم أداء الممثلين على محاكاة دقيقة لوجوه وتجارب الأشخاص الحقيقيين، في محاولة للحفاظ على ثقل التجربة الأصلية واحترامها، دون الوقوع في فخ المحاكاة الباردة.
كما يسلّط العمل الضوء على مفهوم “التنسيق”، أحد أكثر المصطلحات قسوة في السياق الفلسطيني، حيث يضطر المسعفون لانتظار “الإذن” بالوصول إلى الجرحى، رغم أن كل دقيقة تُفقد فيها أرواح. ويستعيد الفيلم حادثة استشهاد المسعفين الذين حصلوا على “الضوء الأخضر” للوصول لهند، قبل أن يتم استهدافهم أيضاً، في مشهد يكشف بشاعة المنظومة التي تتحكم بحياة المدنيين.
ويأتي الفيلم ليعيد طرح سؤال الأخلاق والمسؤولية في زمن المأساة، بعدما نجح في تحويل الفرجة السينمائية إلى محاكمة شعورية مؤلمة، يتورط فيها كل مشاهد يسمع صوت هند تستنجد: “تعالوا.. الدبابة جنبي.. أنا خائفة من العتمة”.

