تصريحات لافتة لماكرون وألباريس على هامش قمة العشرين.. الجزائر تستعيد قوة علاقاتها مع إسبانيا وانفراج مرتقب مع باريس

المسار : تتجّه علاقات الجزائر مع كل من إسبانيا وفرنسا إلى التحسن، بعد أزمات عطّلت الملفات الثنائية وأعاقت مسارات التعاون والتبادل، وهي خلاصة تؤكدها تصريحات ولقاءات على هامش قمة مجموعة العشرين في جوهانسبرغ.

وفي لقائه مع وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف على هامش قمة مجموعة العشرين في جوهانسبرغ، قال وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس إن العلاقات بين إسبانيا والجزائر “ممتازة”، مؤكداً بذلك مسار تعزيز التطبيع الدبلوماسي بين البلدين بعد فترة التوتر التي أعقبت تأييد مدريد لخطة الحكم الذاتي المغربية في الصحراء الغربية.

وأوضح ألباريس أن محادثاته مع عطاف خُصِّصت لـ”تعزيز العلاقات السياسية والتجارية والثقافية بما يخدم مصلحة الشعبين والصداقة والتعاون بين البلدين”.

وكانت العلاقات بين البلدين قد شهدت مساراً من التوتر منذ أن استدعت الجزائر سفيرها في مدريد عقب دعم الحكومة الإسبانية للخطة المغربية، ثم علّقت معاهدة الصداقة وفرضت قيوداً تجارية، رغم أن إمدادات الغاز لم تتوقف.

وفي آذار/ مارس الماضي، صرّح الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بأن العلاقات “تعود تدريجياً إلى طبيعتها” مع إقراره بوجود “فترة برودة” سابقة. ومع تعيين عبد الفتاح دغمون سفيراً جديداً في مدريد في ديسمبر 2023، بدأت مؤشرات الانفراج تظهر، وتكرّست بلقاء ألباريس وعطاف على هامش اجتماع وزراء خارجية مجموعة العشرين في فبراير 2024، وهو المسار الذي واصل الوزير الإسباني تأكيده هذا السبت.

وعلى خط باريس الأكثر تعقيدا، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال مؤتمر صحافي على هامش قمة مجموعة العشرين في جوهانسبرغ، إنه يريد “بناء علاقة مستقبلية تكون هادئة” مع الجزائر، مؤكداً في الوقت نفسه ضرورة “تصحيح الكثير من الأمور” في الملفات الأمنية والهجرة والاقتصاد، لأنها “ليست في وضع مُرضٍ”.

وجاءت تصريحاته بعد أيام من الإفراج عن الروائي الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال. وقال ماكرون في هذا السياق، إن “الإفراج عن بوعلام صنصال هو نتيجة أولى يجب أن نهنئ أنفسنا عليها”. وعن اللقاء الذي كان مطروحاً بينه وبين الرئيس الجزائري، والذي لم يتمّ بعدما لم يتوجه الرئيس تبون، إلى جوهانسبرغ، قال: “سيُعقد اللقاء عندما نكون قد حضّرناه لتحقيق نتائج”.

وكانت الخلافات الأخيرة بين البلدين، قد طرأت بسبب تحول باريس من قضية الصحراء الغربية ثم لاحقا اعتقال بوعلام صنصال والصحافي كريستوف غليز، إضافة إلى تعطل ترحيل رعايا جزائريين خاضعين لأوامر الطرد من فرنسا.

ورأى ماكرون أن السنوات الماضية شهدت “تقدماً”، مؤكدا تمسكه بمنهج واحد يقوم على “الاحترام”. لكنه عبّر عن أسفه لكون “الكثير من الناس يريدون جعل الجزائر مسألة سياسية داخلية فرنسية، وفي الجزائر أيضاً هناك من يريد جعل العلاقة مع فرنسا مسألة سياسية داخلية جزائرية”.

وكان الرئيس الجزائري قد غاب عن قمة جوهانسبوغ وفضّل أن يزور ولاية قسنطينة في الجزائر التي دشّن بها عدة مرافق. وفي كلمته التي ألقاها بدلا عنه الوزير الأول سيفي غريب، عبّر عن التزام الجزائر بتعزيز التضامن الدولي ومواجهة التحديات العالمية المتصاعدة، وذلك خلال الجلسة المنعقدة تحت شعار “تدعيم التضامن، المساواة والتنمية المستديمة”.

الرئيس تبون غاب عن قمة جوهانسبوغ وفضّل أن يزور ولاية قسنطينة في الجزائر التي دشّن بها عدة مرافق

وتناولت الكلمة الظروف الدولية المعقدة التي تنعقد فيها القمة، وما يواجهه العالم من تحديات سياسية واقتصادية متفاقمة، من بينها الفقر والبطالة والتفاوت التنموي، لاسيما في إفريقيا، إلى جانب الأزمات المرتبطة بالتغيرات المناخية ونقص الطاقة والأمن الغذائي وارتفاع مديونية الدول ذات الدخل الضعيف.

وأشار في هذا السياق إلى أن التقدم نحو أهداف التنمية المستدامة ما يزال محدودًا، إذ لا يتجاوز معدل الأهداف التي تشهد تنفيذًا فعليًا 12%، في حين يواجه نصفها صعوبات كبيرة، رغم المساعي الأممية. كما ثمّن أولويات الرئاسة الجنوب إفريقية للقمة، خصوصًا ما يتعلق بالدول الإفريقية والأكثر فقرًا.

وركّز ممثل الرئيس تبون على الدور المحوري لمجموعة العشرين كقوة دافعة للتحولات العالمية، مشيرًا إلى أن الرئيس رامافوسا يمثّل صوتًا قويًا لإفريقيا. وأوضح أن تنمية القارة ترتبط بالاستقرار والسلم والحد من الهجرة غير النظامية ومعالجة جذور الأزمات، مذكرًا بالدعم التنموي الذي تقدمه الجزائر لدول الساحل عبر مشاريع تشرف عليها الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي.

وفيما يتعلق بأولويات القمة، دعا الرئيس الجزائري إلى معالجة مديونية الدول الفقيرة من خلال مسح ديونها أو تحويلها إلى استثمارات منتجة، مستشهدًا بتجربة الجزائر التي بادرت بمسح ديون 18 دولة إفريقية. كما شدد على ضرورة إصلاح المؤسسات المالية الدولية لضمان تمثيل عادل للدول النامية يعكس الوزن الديمغرافي والاقتصادي المتنامي للقارة الإفريقية.

وفي محور الطاقة، دعت الكلمة إلى تعبئة التمويلات العالمية لدعم انتقال الدول النامية نحو الطاقات المتجددة، وتعزيز الشراكات الثنائية والدولية في هذا المجال، بالإضافة إلى اقتراح استحداث آلية دولية لتمويل الاستجابة السريعة للكوارث.

ورحّبت الجزائر بانضمام الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة العشرين، معتبرة أن هذه الخطوة ستساهم في تعزيز الدفاع عن مصالح القارة وتوسيع نطاق التعاون الاقتصادي الدولي، مع التأكيد على ضرورة مكافحة التدفقات المالية غير الشرعية وضمان استغلال عادل للموارد المعدنية الأفريقية.

أما بخصوص القضية الفلسطينية، فقد شدد الوزير الأول، باسم الرئيس تبون، على فظاعة ما تعرض له الشعب الفلسطيني خلال العامين الماضيين، واصفًا ما جرى بأنه “إبادة ممنهجة”. وأشاد بالجهود الدولية التي أسهمت في وقف العدوان، داعيًا مجموعة العشرين إلى تعبئة موارد ضخمة لإعادة إعمار غزة ومنح الشعب الفلسطيني الأمل من جديد.

Share This Article